غرام
01-24-2018, 08:39 AM
متسولة مع مرتبة الشرف
شيئا من العطاء والإحسان، وجدتني هذه المرة وحيدة بالمنزل، فأهل البيت في سفر، فحدثتني نفسي أن أدخلها كي تستريح و تقاسمني وجبة الإفطار و لا بأس أن تقاسمني أيضا ما أضمرته سنين عمرها من الأسرار و الأخبار..
و فعلا .. دخلت على استحياء و تقاسمنا وجبة الإفطار.. كما تقاسمنا أطراف الحديث ذي الشجون
دائما ما يغمرني فضول غريب أن أعرف السبب الذي يجعل عجائز في أرذل العمر يكابدون عناء التجوال بين البيوت و الأحياء طلبا للطعام و المال. و لم أجرؤ يوما أن أسأل أيا منهن رفقا بهن و خوفا ألا أجرحهن بتذكيرهن بماضٍ قد لا يخلو من الأحزان؛ و كي لا يبقى التساؤل عالقا بذهني أجيبه : لابد أنهن بقين وحيدات دون عائلة، أرامل دون أولاد، ودون إخوة و أخوات. فلا يٌعقل أن تتخلى عائلة عن أمها أو خالتها أو عمتها العجوز إلى حد اللجوء للتسول. لكن هذا موقفي الشخصي و نظرتي الشخصية وقد لا تخلو الحياة من الأنذال و العاقين و قاطعي الرحم، و لا أدل على ذلك من حكايات نزلاء دار العجزة.
المهم، تجاذبنا أطراف الحديث، و تحدثنا قليلا ولامست في حوارها معي بعض الأصالة و بعض الحكمة فضلا عن شيء من خفة الدم، ولم أجد صعوبة في سؤالها عن حالها الذي آلت إليه وبأسلوب لبق سألتها عن أبنائها فأجابتني أن ابنها الوحيد توفي، فظننت أنه توفي لمرض أو حادث ما، لكنها استطردت :لم أدر السبب الحقيقي لوفاته فقد عدت إلى اكادير دونه ولما سألت عنه قالوا لي أنه ربما غرق في بحر طانطان، تساءلت: نعم، لكن ماذا كنتم تصنعون هناك؟ أجابت بابتسامة ممزوجة بالفخر و الحزن في الآن نفسه : -المسيرة
– المسيرة؟
– نعم، المسيرة الخضراء
استطردت المرأة العجوز في وصف رحلتها مع ابنها إلى هنالك و تحدثت بكل فخر و اعتزاز عن مشاركتهما في المسيرة الخضراء، فتبادر لي سؤال وددت منه أن أستشف مدى اقتناعها بما قامت به فسألتها إن كان ذهابهما عن كره أو عن طواعية؛ فردت بسرعة وبقوة: – بل بطواعية يابنيتي .. لقد نادانا الملك و لبينا نداءه و نداء الوطن .. أردنا أن نحرر صحراءنا من استعمار الإسبان .
ياله من جواب راقِِ و ياله من موقف عظيم ويالها من تضحية عظيمة، قلت لها: إذن ابنك شهيد، فلا تقولي ميت بل قولي شهيد، و بما أنه شهيد الوطن في حدث المسيرة لابد و أن الدولة منحتك شيئا
أجابتني بابتسامة و سرور: نعم .. منحتني الدولة صورة تذكارية للمسيرة و ميدالية.. لا أزال محتفظة بها إلى اليوم
-لكنني قصدت شيئا من التعويض بالمال: قوام الحياة ، فالأولى أن يسد المرء رمق عيشه ثم نُتَوِّجهُ بعد ذلك و ليس العكس !
لكن للأسف، هذا أقصى ما منحتها دولتي العريقة الحرة الأبية: صورة و ميدالية
أهذا ما تستحقه المسكينة ؟؟ ضحت بفلذة كبدها دفاعا عن حرية الوطن وكرامته و استقلاله فعاشت وحيدة في كنفه دون معيل ولا معين سوى الرزاق المتين .. أين ما يَدَّعون من حقوق الإنسان وكرامة المواطن.. أين حقوق أهالي الشهداء.. أين أصحاب النفوذ والعهود والوعود ..؟
هؤلاء هم من حرروا بلادنا و ضحوا بالغالي و النفيس .. هؤلاء تاج رؤوسنا و صناع تاريخنا و نبض ضميرنا ،،عيب و عار على أمة تحررت بفضلهم أن يرضوا لهم بالذل و الفاقة فما بالك بالتسول .. !
شيئا من العطاء والإحسان، وجدتني هذه المرة وحيدة بالمنزل، فأهل البيت في سفر، فحدثتني نفسي أن أدخلها كي تستريح و تقاسمني وجبة الإفطار و لا بأس أن تقاسمني أيضا ما أضمرته سنين عمرها من الأسرار و الأخبار..
و فعلا .. دخلت على استحياء و تقاسمنا وجبة الإفطار.. كما تقاسمنا أطراف الحديث ذي الشجون
دائما ما يغمرني فضول غريب أن أعرف السبب الذي يجعل عجائز في أرذل العمر يكابدون عناء التجوال بين البيوت و الأحياء طلبا للطعام و المال. و لم أجرؤ يوما أن أسأل أيا منهن رفقا بهن و خوفا ألا أجرحهن بتذكيرهن بماضٍ قد لا يخلو من الأحزان؛ و كي لا يبقى التساؤل عالقا بذهني أجيبه : لابد أنهن بقين وحيدات دون عائلة، أرامل دون أولاد، ودون إخوة و أخوات. فلا يٌعقل أن تتخلى عائلة عن أمها أو خالتها أو عمتها العجوز إلى حد اللجوء للتسول. لكن هذا موقفي الشخصي و نظرتي الشخصية وقد لا تخلو الحياة من الأنذال و العاقين و قاطعي الرحم، و لا أدل على ذلك من حكايات نزلاء دار العجزة.
المهم، تجاذبنا أطراف الحديث، و تحدثنا قليلا ولامست في حوارها معي بعض الأصالة و بعض الحكمة فضلا عن شيء من خفة الدم، ولم أجد صعوبة في سؤالها عن حالها الذي آلت إليه وبأسلوب لبق سألتها عن أبنائها فأجابتني أن ابنها الوحيد توفي، فظننت أنه توفي لمرض أو حادث ما، لكنها استطردت :لم أدر السبب الحقيقي لوفاته فقد عدت إلى اكادير دونه ولما سألت عنه قالوا لي أنه ربما غرق في بحر طانطان، تساءلت: نعم، لكن ماذا كنتم تصنعون هناك؟ أجابت بابتسامة ممزوجة بالفخر و الحزن في الآن نفسه : -المسيرة
– المسيرة؟
– نعم، المسيرة الخضراء
استطردت المرأة العجوز في وصف رحلتها مع ابنها إلى هنالك و تحدثت بكل فخر و اعتزاز عن مشاركتهما في المسيرة الخضراء، فتبادر لي سؤال وددت منه أن أستشف مدى اقتناعها بما قامت به فسألتها إن كان ذهابهما عن كره أو عن طواعية؛ فردت بسرعة وبقوة: – بل بطواعية يابنيتي .. لقد نادانا الملك و لبينا نداءه و نداء الوطن .. أردنا أن نحرر صحراءنا من استعمار الإسبان .
ياله من جواب راقِِ و ياله من موقف عظيم ويالها من تضحية عظيمة، قلت لها: إذن ابنك شهيد، فلا تقولي ميت بل قولي شهيد، و بما أنه شهيد الوطن في حدث المسيرة لابد و أن الدولة منحتك شيئا
أجابتني بابتسامة و سرور: نعم .. منحتني الدولة صورة تذكارية للمسيرة و ميدالية.. لا أزال محتفظة بها إلى اليوم
-لكنني قصدت شيئا من التعويض بالمال: قوام الحياة ، فالأولى أن يسد المرء رمق عيشه ثم نُتَوِّجهُ بعد ذلك و ليس العكس !
لكن للأسف، هذا أقصى ما منحتها دولتي العريقة الحرة الأبية: صورة و ميدالية
أهذا ما تستحقه المسكينة ؟؟ ضحت بفلذة كبدها دفاعا عن حرية الوطن وكرامته و استقلاله فعاشت وحيدة في كنفه دون معيل ولا معين سوى الرزاق المتين .. أين ما يَدَّعون من حقوق الإنسان وكرامة المواطن.. أين حقوق أهالي الشهداء.. أين أصحاب النفوذ والعهود والوعود ..؟
هؤلاء هم من حرروا بلادنا و ضحوا بالغالي و النفيس .. هؤلاء تاج رؤوسنا و صناع تاريخنا و نبض ضميرنا ،،عيب و عار على أمة تحررت بفضلهم أن يرضوا لهم بالذل و الفاقة فما بالك بالتسول .. !