المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شبقت العضباء


غلا الشمال
07-27-2021, 06:22 PM
سُبقت العضباء

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى العضباء، وكانت لا تُسبق، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها، فإشتدّ ذلك على المسلمين وقالوا: سُبِقت العضباء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه» رواه البخاري.

[] معاني المفردات:

= قَعود: البكر من الإبل حتى يُركب.

[] تفاصيل الموقف:

قد يظنّ البعض ممن يستعرض حياة النبي صلى الله عليه وسلم أنها صفحاتٌ سُطّرت وبشكل كامل بمداد من الجدّية والعمل والمثابرة، والصبر والمصابرة، والجهاد والتضحية، على نحوٍ لم يترك للراحة والإستجمام موضعاً، ولا للأنس واللهو البريء موطناً، خاطرٌ قد يكون مبعثه مداومة النظر في غزواته عليه الصلاة والسلام وفتوحاته دون الإلتفات إلى غيرها.

لكن واقع الأمر غير ذلك، فإنسانيّة نبيّنا صلى الله عليه وسلم كانت حاضرةً في تعامله مع الناس حوله، على نحوٍ يتوّج سيرته العطرة، ويضيف إليها كمالاً من كمالاتها، ولئن كان ملوك الأرض ورؤساء القوم يستمدّون مكانتهم من الإستعلاء على شعوبهم، والإغراق في بهارج الحياة وزخرفها، فإن رسول الله عليه الصلاة والسلام نفذت محبّته شغاف القلوب، بما حقّقه من التوفيق بين مقامات النبوّة ودواعي الإنسانيّة، وما يقتضيه ذلك من مخالطة الناس ومعايشتهم، وتُرجم ذلك النجاح في مواقف عدّة نراه فيها يسامر أصحابه ويجالسهم، يداعب هذا ويمازح ذاك، ويحضر أفراح الناس ومناسباتهم، بل ولا يجد في مشاركة الناس في لهوهم وسباقاتهم غضّاً من هيبته أو إنقاصاً من منزلته.

وفي هذا السياق تروي لنا الأخبار من شأن النبي صلى الله عليه وسلم مع ناقته -العضباء- عجباً، تلك الناقة التي أثبتت الأيام سرعتها وقوّتها في كلّ السباقات التي كان فيها للنبي عليه الصلاة والسلام حضور، حتى إستقرّ في أذهان أصحابه ألاّ طاقة لأحدٍ في التفوّق عليها، أو نزع لقب الصدارة عنها.

وظلّ الأمر على حاله حتى جاء اليوم الذي قدم فيه أعرابي من البادية، قطع الفيافي والقفار ليُقابل النبي صلى الله عليه وسلم في شأنٍ من شؤونه، وكانت تلك عادةٌ متّبعة من الأعراب أن يفدوا على رسول الله عليه الصلاة والسلام بين الحين والآخر، يسألونه في دينهم أو يطلبون بُلغةً لدنياهم.

وتجاذب الأعرابي طرف الحديث مع النبي صلى الله عليه وسلم في مختلف الأمور، ولعلّ مسار الحوار قادهم إلى ذكر العضباء وتميّزها لتنشأ الرغبة المشتركة في إجراء منافسة جديدة مع ذلك الوافد البعيد.

وطار الخبر بين الناس كأسرع ما يكون، وتناقلت الألسنة أنّ سباقاً فريداً على وشك أن تدور رحاه، وتقاطر الصحابة من أنحاء المدينة إلى الميدان المشهود، ليروا النبي صلى الله عليه وسلم معتلياً العضباء وبجواره الأعرابي على ناقته اليافعة، والكل في ترقّب وإرهاف سمع لإشارة البدء، وبدأ السباق لتنطلق الناقتان بكل ما تملكان من قوّة، ورسول الله عليه الصلاة والسلام يستحثّ العضباء كي تُسرع، وتصاعد الغبار وإنطلقت هتافات التشجيع من هنا وهناك.

ويبدو أن الناقة التي جاء بها الأعرابي كانت أقلّ سنّاً وأكثر حيويّة، ما جعل المسافة بين الأعرابيّ وبين النبي صلى الله عليه وسلم تتقلّص، حتى إستطاع أن يتجاوزه، وإنتهى السباق على غير المتوقّع بفوز الأعرابي!

لم يستفق الصحابة رضوان الله عليهم من هول النتيجة، غيرةً منهم على صدارة النبي صلى الله عليه وسلم أن تمسّ، وإستبدّت بهم مشاعر الإحباط، وبلغ منهم الحزن كلّ مبلغ، وإن كأس الهزيمة لمرير.

ورأى النبي صلى الله عليه وسلم ملامح الوجوه من حوله، فأدرك ما يعتمل في نفوس أصحابها من الألم الممضّ، وأراد إستثمار الموقف، ليقرّر سنّة إلهيّة لا تتغيّر ولا تتبدّل: «إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه».

[] إضاءات حول الموقف:

يقدّم النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي أصحابه حقيقةً كونيّة، كفيلة لمن تأمّلها وجعلها نصب عينية أن تكون سبباً في إقباله على الطاعة، وزهده في الدنيا، والتصاقه بركن الله، وبراءته من حوله وقوّته.

إنها إيماءةٌ نبويّة لطيفة، تبيّن أن حال الدنيا لا يدوم على حال، وأنها لا تبقى لأحد، تدور كما يدور الماء إذا غلى في المرجل، وأن أحوالها في تقلّب دائمٍ كحال ريشةٍ في مهبّ الريح، وإنما الأيّام دول، فمن تراه اليوم ملكاً غنيّاً، قد تراه غداً فقيراً معدماً، ومن تبصره يُفاخر بقوّته ويتبجّح بشدّته، سيأتي عليه يومٌ يكون فيه طريح الفراش، لا حول له ولا قوّة، ولنا في قول الحقّ تبارك وتعالى: {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة} [الروم:54] وقوله: {وتلك الأيام نداولها بين الناس} (آل عمران: 140).

وهذه السنّة ليست مقتصرةً على أحوال الأفراد، بل هي عامّة في الأمم على مختلف العصور، وإنك لترى حضارة قد بلغت أوجّ مجدها، فإذا بعوامل الضعف تدبّ فيها وتنخر بنيانها مؤذنةً بإنهيارها، وما أخبار -عاد- عنّا ببعيد.

وإن في سنن المداولة بين الناس لعبراً، وفي تقلّب الأوضاع والأحوال لمزدجراً، يمنع اللبيب من الإفتتان بزهرة الدنيا الفانية، ويحرّضه على إغتنام شبابه قبل هرمه، وصحتّه قبل سقمه، وغناه قبل فقره، وفراغه قبل شغله، وحياته قبل موته.

ومما يستوقفنا هنا: عمق الإحساس الوجداني لدى النبي صلى الله عليه وسلم بآلام الناس ومشاعرهم، دون الحاجة إلى التعبير عنها بألفاظهم، وإن إدراك هذه القضيّة ضروري لأولئك الذين يتصدّرون مجالات الدعوة ويخالطون الناس.

وفي الحديث -فوق ما تقدّم- بيان حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه، والتأكيد على جواز إتخاذ الإبل للركوب والمسابقة عليها.
|

رُّوحي بروحهُ
07-27-2021, 07:27 PM
-



جزاك الله كل خير ..

محمد المقاول
07-27-2021, 09:00 PM
جزاك الله خير
على مجهودك الكبير
تحياتي اليك

ملك الأحساس
07-27-2021, 09:26 PM
بارك الله بك
وبجمال نقلك وتميزك

شيخة الزين
07-28-2021, 03:32 AM
يعطيك العافيه على الطرح القيم
جعله الله في موازين حسناتك

نبضها مطيري
07-28-2021, 05:17 AM
نقل مميز وجهد مبدع وعطاء مستمر
سلمت يمينك على ما بذلت كل الشكر لكلا

بنت الشام
07-28-2021, 09:36 AM
جزاك الله خير الجزاء .. ونفع بك ,, على الطرح القيم
وجعله في ميزان حسناتك
وألبسك لباس التقوى والغفران
وجعلك ممن يظلهم الله في يوم لا ظل الا ظله
وعمر الله قلبك بالأيمان
على طرحك المحمل بنفحات ايمانيه
سررت لتواجدي هنا في موضوعك
لا عدمناك

غلا الشمال
07-28-2021, 12:36 PM
منورين جميعآ يعطيكم العافيه ع المرور والتعقيب

نور القمر
07-28-2021, 02:14 PM
كعادتك
مواضيعك مميزة وجميله
فشكراً لك من القلب
وشكرالموضوعك الاكثر من رائع
دمت بكل خير

Şøķåŕą
07-28-2021, 04:45 PM
تميز في الانتقاء
سلم لنا روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا عطائك
لكـ خالص احترامي

الدكتور على حسن
07-28-2021, 07:16 PM
كل الشكر وكل التقدير
لحضرتك
سلمت يداك على روعة طرحك
الاكثر من رائـــع
وسلم لنا ذوقك الراقى
على روعة الاختيــار
أسال الله عز وجل
لك سعادة دائمة لا تنتهــى
لك ولحضورك الجميل
كل الشكر وكل التقدير
تحياتى وتقديرى وإحترامى
الدكتـــور علـــى

https://www.3b8-y.com/vb/images/smilies/flower_by_vafiehya-d8yzsfr.gifhttps://www.3b8-y.com/vb/images/smilies/flower_by_vafiehya-d8yzsfr.gif

فرآشه ملآئكيه
07-28-2021, 10:58 PM
يعطيگ العافيہ يارب
, ع الموضوع
دمتِ ودام ابداعگ

رُّوحي بروحهُ
07-29-2021, 02:02 PM
-



جزاك الله كل خير ..

شيخة المزايين
07-30-2021, 03:45 AM
سلمت اناملك على الإنتقاء
دمت بسعادة بحجم السماء
لقلبك طوق الياسمين

ڞــمۭــۃ ۛ ּڂۡــڣــﯟڦ ❥
07-31-2021, 04:46 PM
,,~

جَزآگ اللهُ خَيرَ آلجَزآءْ..،
جَعَلَ يومَگ نُوراً وَسُروراً
وَجَبآلاُ مِنِ آلحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحوراً..
جَعَلَهُا آلله في مُوآزيَنَ آعمآلَگ
دَآمَ لَنآعَطآئُگ..
دُمْت بــِطآعَة الله ..~

,,~

إميلي.
08-01-2021, 01:02 AM
انتقائك جميــل
يعطيك العافيه يارب , ع الموضوع ! دمت ودام ابداعك
ودي

خالد الشاعر
08-07-2021, 03:45 PM
الله يجزاكِى كل خير على مجهودكِ
ويجعل الأجر الأوفر بميزان حسناتكِ
ننتظر جديدكِ القادم

♡ Šąɱąя ♡
01-28-2022, 05:01 PM
مَوْضُوٌعْ فِيٍ قَمّةْ الْرَوُعَهْ
لاَ عَدِمَنَا هَذَا الْتّمِيزْ وَ رَوْعَةْ الأخَتِيارْ
دُمتْ لَنَا وَدَامَ تَأَلُقَكْ الْدّائِمْ

Şøķåŕą
03-14-2023, 03:08 PM
_



جزاك الله كل خير ..
وَبارك الله فيك ولا حرمك الأجر
لك من الشكر أجزله.