المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير سورة يس الفصل الاول


أبو علياء
06-11-2018, 04:39 PM
تفسير سورة يس
مكيّة ، وهي ثلاث وثمانون آية
تسميتها :سميت سورة يس لافتتاحها بهذه الأحرف الهجائية ياء وسين
بين يدي السورة : سورة يس هي السورة السادسة والثلاثون من كتاب الله سبحانه وتعالى، وهي سورة مكية وآياتها ثلاث وثمانون آية، وسورة يس فيها من خصائص السور المكية ما هو معروف في قراءتك لهذه السورة، فتجد خصائص السور المكية واضحة في الرد على المشركين، وفي التأكيد على توحيد الله سبحانه، وعلى أمور العقيدة، والإيمان بالبعث والجزاء والحساب والجنة والنار، كذلك إثبات صفات الأنبياء وما يعتبر فيهم، وإثبات قضاء الله سبحانه وقدره، وإثبات علم الله سبحانه وتعالى، والكلام عن الحشر، وشكر الله سبحانه وتعالى والحث على ذلك، ومعجزة هذا القرآن وكيف أن هذا القرآن الحكيم من عند رب العالمين سبحانه وتعالى، وإثبات الجزاء على فعل الخير، والجزاء على فعل الشر مع ذكر الأدلة الكونية من الآفاق ومن أنفس الناس.
فضل سورة يس:
ذكر المفسرون أحاديث كثيرة وآثاراً في فضل هذه السورة، ولكن أكثر ما ذكروه ضعيف السند أو موضوع ، فمنها:
1- (اقرءوا على موتاكم يس) ضعفه الألباني.
2- ( إنَّ لِكلِّ شيءٍ قلبًا وقلبُ القرآنِ يس ومن قرأَ يس كتبَ اللَّهُ لَهُ بقراءتِها قراءةَ القرآنِ عشرَ مرَّاتٍ ) قال الالباني موضوع
3- ( مَن دخلَ المقابرَ فقرأَ سورةَ يس خفَّفَ عنهُم يومَئذٍ ، وكان لهُ بِعَددِ مَن فيها حَسناتٌ ) قال الالباني موضوع
4- ( مَنْ قَرَأَ سُورَةَ يس في لَيلةٍ أصْبَحَ مَغفُورًا له . ومَنْ قَرأَ الدُّخَانَ لَيلةَ الجمعةِ أصبحَ مَغفُورًا لَهُ ) قال الالباني موضوع
5- ( سورة يس لما قرأت له ) قال في كشف الخفاء نقلاً عن المقاصد الحسنة : لا أصل له
والخلاصة : أنه لم يصح في فضل سورة يس شيء

الفصل الأول
حقائق الإيمان
في مواجهة عتوّ الطغيان
{ يَسِ (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ ، فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ ، فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا ، فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ ، فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا ، وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا ، فَأَغْشَيْنَاهُمْ ، فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)
قوله تعالى: (يس والقرآن الحكيم)جاء حديث ضعيف عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: (أن له عند ربه عشرة أسماء من ضمنها طه ويس) وهذا لا يصح عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، ولم يصح أنها من أسمائه صلى الله عليه وسلم، في سنده وضاع وضعيف ([1]).
ولكن الراجح فيها: أن (يس)ومثلها (طه)حرفان مقطعان من حروف اللغة العربية يتحدى الله عز وجل بهما الكفار، بأن يأتوا بكتاب مثل هذا الكتاب العزيز من جنس هذه الحروف التي يقرؤونها ، وما استطاع أحد من فحول بلغاء العرب وفصحائهم أن يأتي بمثل ذلك، ولن يقدروا أبداً أن يأتوا بمثل ذلك ، وغالباً إذا جاءت هذه الحروف يذكر الله عز وجل القرآن أو إشارة إلى القرآن بعدها إلا في مواضع يسيرة، فأي سورة فيها هذه الحروف المقطعة يشير بعدها إلى هذا القرآن، بياناً منه سبحانه أن هذا القرآن من جنس هذه الحروف، ولكن لا يستطيع أحد أن يأتي بمثل هذا القرآن، ولن يستطيع أحد أن يأتي بمثله، إلا أن يكون إنساناً مفترياً كذاباً .
والبعض احتج ايضا أن الخطاب بعد (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) و(يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين ) موجه للرسول صلى الله عليه وسلم فهذا يدل على أنها نداء للرسول باسمه ،وهذا غير صحيح لأننا لو جعلنا هذا الأمر قاعدة لكان من أسمائه(المص) ففي أول سورة الأعراف قال تعالى :"المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)”فهنا الخطاب موجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ،ولم يقل أحد أنه من أسمائه صلى الله عليه وسلم (المص)
قال الإمام ابن القيم: وأما ما يذكره العوام أن يس وطه من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم فغير صحيح ولا حسن ولا مرسل ولا أثر عن صاحب، وإنما هذه الحروف مثل: الم، وحم، والر، ونحوها.([2])
قوله تعالى: (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ) . أقسم الله عز وجل بهذا القرآن الحكيم، والحكيم من أسماء الله عز وجل، ووصف بها كتابه سبحانه وتعالى، وهو كلام حكيم رصين، فيه الحكمة وفيه الحكم، وهو كلام محكم، أحكمه الله سبحانه وأتقنه، وأتانا بأحسن القصص فيه وأعظم الكلام وأعظم الموعظة وأعظم الشرائع.
إذاً: القرآن الحكيم: القرآن ذو الحكمة، والقرآن المحكم، والقرآن الحاكم، والقرآن الذي لا خلل فيه ولا زلل ولا خطأ، وما من كتاب إلا ويوجد فيه أخطاء مهما راجعه صاحبه، قال تعالى: "وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا "النساء:82 ، أي: فكل كتاب من عند غير الله لابد وأن يكون فيه الاختلاف، ولا بد وأن يكون فيه الخطأ، إلا كتاب الرب سبحانه وتعالى.
قوله تعالى: (إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم)
المخاطب هو النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أقسم له سبحانه بكتابه الحكيم إنه لمن المرسلين. وإذا قال له ربه سبحانه: "إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ " كفى، ولكن يقسم له سبحانه لإزالة أي شك وريب في قلوب الناس.
قوله تعالى: ” عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " الصراط: الطريق الذي يوصل بين شيئين والمعنى: إنك على طريق مستقيم من عند الله سبحانه.
والمعنى: إنك يا محمد! على طريق الرسل الذين كانوا من قبلك، فهؤلاء على طريق الله وأنت على طريقهم، والكل يدعو إلى الله سبحانه وتعالى.
قوله تعالى (تنزيل العزيز الرحيم)يذكر الله سبحانه وتعالى أن هذا القرآن العظيم منزل من عنده سبحانه، وتَنزِيلَ : مصدر نزل تنزيلاً، فالقرآن منزل جاء من عند الله سبحانه وتعالى.
قوله تعالى: (الْعَزِيزِ)،العزة صفة من صفاته، والعزيز اسم من أسمائه سبحانه وتعالى. والله عزيز، أي: لا يمانع ولا يغالب سبحانه، إذا قضى أمراً فلا يرد قضاءه أحد، فهو العزيز القوي الذي لا يغالب، القاهر الذي لا يمانع، الذي إذا قضى شيئاً فلابد أن يكون على ما أراد أن يكون.
قوله تعالى: (الرَّحِيمِ):اسم من أسمائه، والرحمة صفة من صفاته سبحانه وتعالى ؛ فالرحيم: ذو الرحمة العظيمة البالغة، وقد ذكر سبحانه أن رحمته سبقت غضبه والرحمن والرحيم صيغتها مبالغة، والرحمن: ذو الرحمة العظيمة التي تعم الخلق جميعهم، والرحيم : ذو الرحمة العظيمة ؛ فالرحيم: يرحم خلقه سبحانه فيهديهم ويدلهم على الصواب، وينزل عليهم الكتاب، ويرسل إليهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فهو بعباده رحمن رحيم.
قوله تعالى: (لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم فهم غافلون)لتنذر من هؤلاء العرب قوماً من الأقوام الذين أنت فيهم، وتنذر غيرهم، ولكن ابدأ بهؤلاء. كما قال تعالى:”مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ”[القصص:46] ، إذاً: لم يأت العرب من أنفسهم نذير، ولم يأتهم رسول من عند الله سبحانه، وإنما كان الأنبياء من ذرية أخرى ليسوا من هؤلاء العرب، فهذا إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام ليس من العرب، إنما مولده في العراق عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ومن أبناء إبراهيم إسحق وإسماعيل، وقد أخذ إبراهيم وإسماعيل وهو صغير وذهب به إلى مكة ووضعه هناك مع أمه هاجر، وتركه هنالك، وجاءت رفقة من جرهم كانوا عرباً، فتعلم منهم إسماعيل العربية وكان من أفضلهم فيها، فنافسهم فيها وغلبهم فكان إسماعيل على نبينا وعليه الصلاة والسلام أبا هؤلاء العرب الذين جاءوا بعد ذلك، وكان أباً للنبي صلوات الله وسلامه عليه، فهو ابن الذبيح إسماعيل على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
ومن عهد إسماعيل إلى عهد نبينا صلى الله عليه وسلم، لم يكن هناك نبي من العرب، بل كل الأنبياء من ذرية إسحاق؛ لكن النبي الوحيد الذي جاء من العرب هو نبينا صلوات الله وسلامه عليه، فهو من ذرية إسماعيل، فلذلك قال الله سبحانه: لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ [يس:6] أي: ما جاءهم نبي منهم .
قوله تعالى: (لِتُنذِرَ)أي: تخوفهم من عذاب الله سبحانه وتعالى، وتهددهم بما عند الله من عذاب على من يشرك به ومن يكذب رسل الله عليهم الصلاة والسلام.
قوله تعالى: (مَا أُنذِرَ)(ما) نافية، يعني: ما جاء نذير لآبائهم.
وقوله تعالى: "فَهُمْ غَافِلُونَ "أي: غافلون عن عذاب الله سبحانه، لا يستجيبون للأنبياء ولا يهتمون بعذاب ربهم سبحانه وتعالى، فالله عز وجل أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم ليبشر المؤمنين، وينذر الكافرين.
قوله تعالى: "لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ” وجب الحكم بالعذاب على أكثر أهل مكّة ، وهم الذين عاندوا الحقّ ، وأصرّوا على الكفر ، وماتوا عليه ، وهذا إخبار منه سُبحانه بمآل أمورهم ، وخواتيم أحوالهم .
قوله تعالى: (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً…)
سبب النزول: جاء في سبب نزول هذه الآية أن أبا جهل بن هشام ورجلين من بني مخزوم تواصوا فيما بينهم أنهم إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ويسجد عند الكعبة أن يأخذ أحدهم حجراً ويرضخ به رأسه صلى الله عليه وسلم. فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي إذا بـأبي جهل لعنة الله عليه يأخذ حجراً ويجري إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبر بقسمه، فلما وصل فزع ورجع خاشعاً ذليلاً لعنة الله عليه وعلى أمثاله، إذ غلت يده إلى عنقه بالحجر الذي معه ورجع فزعاً إلى قومه .
فقال الوليد بن المغيرة : أنا أرضخ رأسه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي على حالته ليرميه بالحجر، فأعمى الله بصره، فجعل يسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم ولا يراه، فرجع إلى أصحابه فلم ير أصحابه، فلما نادوه رآهم وقال: والله ما رأيته، ولقد سمعت صوته ، فإذا بالثالث يقول: والله لأشدخن رأسه، فلما انطلق وأخذ الحجر فإذا به يرجع القهقرى، ونكص على عقبيه حتى خر على قفاه مغشياً عليه، فقيل له: ما شأنك؟ قال: شأني عظيم، رأيت الرجل فلما دنوت منه فإذا بفحل يخطر بذنبه، ما رأيت فحلاً قط أعظم منه حال بيني وبينه، فو اللات والعزى لو دنوت منه لأكلني…. فنزلت هذه الآية تبين شيئاً مما يصنعه الله عز وجل بهم في الدنيا، وما يصنعه بهم في الآخرة أشد وأعظم من ذلك، قال تعالى: "إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ "[يس:8]، أي: أرادوا رمي النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر فقيدت أيديهم إلى رقابهم ولم يقدروا على ذلك.
وهذا من معجزات النبي صلوات الله وسلامه عليه، وكم أراد الكفار أن يستهينوا ويستهزئوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الله سبحانه وتعالى يثبته ويزعزعهم فيخافون، فهذا أبو جهل لعنة الله عليه يأخذ شيئاً من رجل ولا يعطيه الثمن، فأراد الكفار أن يستهينوا ويستهزئوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رجل منهم: اذهب إلى محمد فإنه سيأتي لك بحقك من أبي جهل. ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم في مكة هو ومن معه من المؤمنين كانوا في حالة ضعف، فكيف سيأتي لهذا الرجل بحقه من فرعون هذه الأمة؟
ومع هذا يذهب الرجل إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم ويطرق عليه بابه ويطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ له حقه من أبي جهل… ويخرج النبي صلى الله عليه وسلم مع المظلوم لينصره صلوات الله وسلامه عليه، حتى ولو كان مستضعفاً في مكة والكفار ينظرون، فخرجوا وراء النبي صلى الله عليه وسلم يتغامزون، ويضحكون، ووصل النبي صلى الله عليه وسلم بالرجل إلى بيت أبي جهل وطرق بابه، فخرج أبو جهل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعط الرجل حقه، فإذا به يرعب من النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: نعم يا أبا القاسم، ويرجع خاشعاً ذليلاً، ويأتي بالمال ويدفع للرجل حقه.
أرادوا أن يسخروا من النبي صلى الله عليه وسلم فرد الله كيدهم في نحورهم! فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا أبا الحكم ويحك! ما الذي صنعت؟ قال: والله لقد رأيت فحلاً من الإبل أمامي فاغراً فاه، ولو لم أقل له: نعم لأكلني.
فهؤلاء الكفار يرون تأييد الله سبحانه وتعالى لنبيه بالمعجزات، ومع ذلك لم يؤمن منهم إلا القليل،قال تعالى: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [يس:7].
معاني الكلمات :
أَغْلَالًا :الأَغلال جَمع غُلّ (بضم العين): وهو ما تجمع به اليد إلى العنق للتعذيب ، أو ما يوضع في العنق .
الْأَذْقَانِ :جمع ذَقَن ، وهو مجتمع اللحيين .
فَهُمْ مُقْمَحُونَ :رافعون رءوسهم ، لا يستطيعون خفضها.
معنى جعل الأغلال في أعناق الكفار:
من جمال القرآن في تعبيراته وبلاغته، احتماله للمعاني الكثيرة التي تكون كلها صحيحة، فيكون الاختلاف اختلاف تنوع، فالله سبحانه يقول: "إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالًا "[يس:8]، إما أن يكون يوم القيامة وهم يحاسبون، أو وهم في النار، أو وهم في الدنيا جعل في أعناقهم ذلك دليلاً على المنع والحجز عن شيء أرادوه، فكل هذه المعاني صحيحة.
والقيد: الرباط الذي يوثق به الإنسان، سواء كان من حديد أو من غيره.
والغل: السلسلة التي تجمع يدي الإنسان إلى عنقه، فتكون اليدان مربوطتين إلى العنق في سلسلة، والرأس مرفوع إلى فوق، والذل عليه فنظره أسفل، فهو مقمح ذليل لا يقدر أن يحرك رأسه، هذا حالهم يوم القيامة.
فالمعنى: أيديهم مغلولة تحت أذقانهم، مربوطة بسلاسل في أعناقهم.
وقوله: فَهُمْ مُقْمَحُونَ، أي: أن الوضع ضيق عليه، فلا يقدر أن يوطئ رأسه فيستريح؛ لأن رأسه مرفوعاً، وعينيه ذليلتان تنظران إلى أسفل.
فالإقماح: رفع الرأس وغض البصر، ورفع الرأس هنا ليس من عزته؛ لأنه مجبر على ذلك. وقيل : إن الآية حقيقة وليس فيها (استعارة) وإنما هذا تصوير لهم يوم القيامة إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ [سورة غافر آية 71].
قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [يس:9].أي منعناهم في الدنيا عن الإيمان بموانع من استكبارهم عن قبول الحقّ ، وعتوّهم وعنادهم .
فَأَغْشَيْنَاهُمْ : غطّينا أبصارهم .
وقد يكون المعنى أن الله حجب ابصار هؤلاء الكفار ، فلم يروا النبي صلى الله عليه وسلم ، وتكرر ذلك مرات منها :
1- لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم مهاجراً إلى المدينة، ومر على الكفار وقد جمعوا له أربعين رجلاً، كل منهم شاب قوي من قبيلة يحمل سيفاً، فأرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم بضربة رجل واحد. وخرج النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الله سبحانه وتعالى، وأخذ تراباً من الأرض وألقاه على رءوس الجميع فأعماهم الله فلم يروا النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمر من أمامهم حتى خرج صلوات الله وسلامه عليه.

2- وكذلك في يوم حنين، قال تعالى: "وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا " [التوبة:25]، وإذا بالمسلمين يفرون من الكفار، ولم يبق سوى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه سبعون من آل بيته وأصحابه، وينزل النبي صلى الله عليه وسلم للكفار ويقول: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب)، يقول ذلك في موطن يفر منه الأبطال. ففي الحديث: (ثم يأخذ من الأرض تراباً ويلقيه عليهم ويقول: شاهت الوجوه)، فأعمى الله عز وجل الكفار، ولم يرجع المسلمون إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدأ هؤلاء السبعون في أسر الكفار، فر تسعة آلاف وتسعمائة وثلاثون ممن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم، وممن فر ألفان من مسلمة الفتح، ولم يبق إلا سبعون مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يواجه هوازن وغطفان وعددهم عشرة آلاف، يواجههم بسبعين وتراب من الأرض يأخذه ويلقيه على وجوههم، وهو يقول: (شاهت الوجوه) فيعميهم الله سبحانه، ويأسرهم النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، ولا يرجع المسلمون حتى تكون الدائرة على هؤلاء الكفار.
فالله عز وجل جعل من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشاهم فلم يبصروا، فنصر نبيه صلوات الله وسلامه عليه في مواطن كما ذكرنا.
أما يوم القيامة فالله عز وجل يحشرهم عمياً في النار والعياذ بالله، قال تعالى: ” قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى” [طه:125-126].
في رواية لهذا الأثر: أن أبا جهل ومعه عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأمية بن خلف كانوا يرصدون النبي صلى الله عليه وسلم ليبلغوا من أذاه، فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه السورة ومعه تراب، وقرأ الآية: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [يس:9]، فأطرقوا جميعاً حتى مر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقدروا له على شيء.
وقوله تعالى: فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [يس:9]،أي: ما يغشى الإنسان، وهو شيء يجعل غشاوة على بصره فلا يرى، والغشى قريب من ذلك، مأخوذ من العشاوة على العين، والغشاوة بالغين: لا يبصر أو لا يرى، والأعشى هو الذي لا يبصر في وقت دون وقت آخر.
المعنى الإجمالي للآيات :
– يقسم الله تعالى بالقرآن المحكم بما فيه من الأحكام والحكم والحجج ، إنك يا محمدeلمن المرسلين بوحي الله إلى عباده ، على طريق مستقيم معتدل ، وهو الإسلام ، وهذا القرآن تنزيل من العزيز في انتقامه من أهل الكفر والمعاصي ، الرحيم بمن تاب من عباده وعمل صالحاً .
– لقد أنزلنا عليك هذا القرآن يا محمد لتحذّر به قومك وهم العرب ، الذين لم ينذر آباؤهم الأقربون ، فهؤلاء القوم ساهون عن الإيمان والاستقامة على العمل الصالح
– وإنّ كل أمة ينقطع عنها الإنذار تقع في الغفلة ، وفي هذا دليل وجوب الدعوة والتذكير على العلماء بالله وشرعه ، لإيقاظ المسلمين من غفلتهم .
– وإنّ أكثر هؤلاء الكافرين قد وجب عليهم العذاب لإعراضهم عن الحقّ ، فهم لا يصدقون بالله تعالى ولا برسوله e، ولا يعملون بشرع الله وهديه .
– وإنّ مثل هؤلاء الكفار الذين عرض عليهم الحق فردوه ، وأصروا على الكفر وعدم الإيمان ، كمن جعل في أعناقهم أغلال ، فجمعت أيديهم مع أعناقهم تحت أذقانهم ، فاضطروا إلى رفع رءوسهم إلى السماء فهم مغلولون عن كل خير ، لا يبصرون الحق ولا يهتدون إليه .
– وجعلنا من أمام الكفار سداً ومن ورائهم سداً ، فهم بمنزلة من سدّ طريقه من بين يديه ومن خلفه ، فأعمينا أبصارهم ؛ بسبب كفرهم واستكبارهم ، فهم لا يبصرون رشداً ولا يهتدون ، وكلّ من قابل دعوة الإسلام بالإعراض والعناد ، فهو حقيق بهذا العقاب .
الدروس والعبر :
1 ـ القرآن الكريم معجزة النبيeالخالدة إلى يوم القيامة ، وهو تنزيل من ربّ العالمين ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
2 ـ إنّ محمد بن عبد الله eرسول من عند الله تعالى ، أرسله الله بالهدى ودين الحق ، للعالمين بشيراً ونذيراً ، على منهج وطريق ودين مستقيم هو الإسلام .

3 ـ إن رءوس الكفر والطغيان ، والتكذيب والعناد من أهل مكّة أو العرب ، أو ممّن يأتي بعدهم إنما يستحقّون الخلود في نار جهنّم ، لأنّهم أصرّوا على الكفر ، وأصمّوا آذانهم ، وأعموا أبصارهم عن النظر في آيات الله ، والتفكّر في دلائل وحدانيّته وقدرته .
4 ـ وما جاء من الآيات بعد قوله تعالى : { لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ ، فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) } إنّما هو كالتعليل والتدليل على عدم إيمان هؤلاء الكافرين ، فكأنّ سائلاً سأل : لماذا حُرموا من نعمة الإيمان ؟ وحَقّ عليهم العذاب ؟ فكان الجواب لأنّهم حجبوا عن أنفسهم بأنفسهم دلائل الحقّ ، فكان حالهم كحال السجين المغلول اليدين والرأس ، وقد اجتمع عليه مع ذلك الحبس في مكان ضيّق بين سدّين وجدارين : سدّ أمامه ، وسدّ خلفه ، فأنّى له المخرج من ذلك ؟

لذة مطر ..!
06-11-2018, 11:41 PM
جزاك الله خير ع طرحك /وجعله في موازين حسناتك..:34:

غـُـلايےّ
06-12-2018, 07:52 AM
طررح يفوق آلجمآل ,
‎كعآدتك إبدآع في صفحآتك ,
‎يعطيك آلعآفيـه يَ رب ,
‎وبِ إنتظآر المزيد من هذآ الفيض ,
‎لقلبك السعآده والفـرح ..
‎ودي

ريُـ‘ـُآحُـ‘ـُ آلُـ‘ـُشُـ‘ـُۅقُـ‘ـُ
06-12-2018, 05:49 PM
جزاكم ربي خير الجزاء
ونفع الله بكم وسدد خطاكم
وجعلكم من أهل جنات النعيم
اللهم آآآآمين

بــســـمۭــۃ فــجــــڕ
06-13-2018, 04:17 PM
شكرا لك على الموضوع الجميل و المفيد
جزاك الله الف خير على كل ما تقدمه لهذا المنتدى
ننتظر ابداعاتك الجميلة بفارغ الصبر

نبُض جآمح ❥
06-17-2018, 06:54 PM
جزاك الله خيرا
وجعله في ميزان حسناتك

حلوة الروح
06-18-2018, 09:13 AM
تعلمت ان كلماتكِ عذبه بآآح بها قلبكِ قبل قلمكِ
مررت من هنا فزرعت احرفي دليل شكر وأنحناء لرقي اسلووبك ِوتألق عطركِ المعطاء
(( عزيزتي ))
جميل دائمآ حرفك يحاكي النجوم في السماء
بارقة هي حرووفك تتلألأ كالنور في الظلام
لك باقآآآت من الشكر تنحني لحرفكِ الرائع !!

وووردي قبل رررردي ..


الآنـہہُــوثَـِہــهہً ♥

ٲمنِـيَــةٌ
06-20-2018, 02:24 PM
جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض ..
بآرك الله فيك على الطَرح القيم وَ في ميزآن حسناتك ..
آسأل الله أنْ يَرزقـك فسيح آلجنات !!
دمت بحفظ الله ورعآيته ..
لِ روحك

أبو علياء
06-22-2018, 05:46 PM
لذة مطر

نبض من الجمال يتدفق بمروركم الرائع
ابهرني حضوركم المميز
تحية معطره مغلفة بالورد
لروعة حضوركم
دمتم بود

~~~~~
أبو علياء

أبو علياء
06-22-2018, 05:46 PM
نبضة عشق

نبض من الجمال يتدفق بمروركم الرائع
ابهرني حضوركم المميز
تحية معطره مغلفة بالورد
لروعة حضوركم
دمتم بود

~~~~~
أبو علياء

أبو علياء
06-22-2018, 05:47 PM
رياح الشوق

نبض من الجمال يتدفق بمروركم الرائع
ابهرني حضوركم المميز
تحية معطره مغلفة بالورد
لروعة حضوركم
دمتم بود

~~~~~
أبو علياء

أبو علياء
06-22-2018, 05:47 PM
بسمة فجر

نبض من الجمال يتدفق بمروركم الرائع
ابهرني حضوركم المميز
تحية معطره مغلفة بالورد
لروعة حضوركم
دمتم بود

~~~~~
أبو علياء

أبو علياء
06-22-2018, 05:47 PM
نبض جامح

نبض من الجمال يتدفق بمروركم الرائع
ابهرني حضوركم المميز
تحية معطره مغلفة بالورد
لروعة حضوركم
دمتم بود

~~~~~
أبو علياء

أبو علياء
06-22-2018, 05:47 PM
الانوثة

نبض من الجمال يتدفق بمروركم الرائع
ابهرني حضوركم المميز
تحية معطره مغلفة بالورد
لروعة حضوركم
دمتم بود

~~~~~
أبو علياء

أبو علياء
06-22-2018, 05:48 PM
العاشقه

نبض من الجمال يتدفق بمروركم الرائع
ابهرني حضوركم المميز
تحية معطره مغلفة بالورد
لروعة حضوركم
دمتم بود

~~~~~
أبو علياء

s α м α н
06-24-2018, 02:05 AM
جزاك الله خير ع طرحك القيم
جعله في موازين حسنآتك
دمت بحفظ الرحمن

ѕнмонк
06-29-2018, 09:24 PM
جزاكَ الله خيراً
طرح قيم ومميز وأكثر من نااااافع
كل الشكر والتقدير والإحترآم لسموك
بإنتظار القادم بكل شوق وترقب
دمت بحفظ الله ورعايته

جرعة جنون
07-01-2018, 01:36 AM
جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض ..
بآرك الله فيك على الطَرح القيم
وَ في ميزآن حسناتك ..
آسأل الله أنْ يَرزقـك فسيح آلجنات !!
دمت بحفظ الله ورعآيته ..

أبو علياء
07-05-2018, 10:24 PM
جرعة جنون

نبض من الجمال يتدفق بمروركم الرائع
ابهرني حضوركم المميز
تحية معطره مغلفة بالورد
لروعة حضوركم
دمتم بود

~~~~~
أبو علياء

شيخة رواية
09-28-2018, 11:37 AM
بارك الله تعالى فيك اخي الكريم…….وثقل ميزانك بما تفعله من
مجهود في الدعوة لدين الله تعالى
تقبل مني مرورا متواضعا
وأسأل الله تعالى أن يجازيك علي عملك هذا خير الجزاء..
لك جل تقديري واحترامي

أبو علياء
12-08-2018, 12:22 PM
شيخة رواية
نبض من الجمال يتدفق بمروركم الرائع
ابهرني حضوركم المميز
تحية معطره مغلفة بالورد
لروعة حضوركم
دمتم بود

~~~~~
أبو علياء

تذكارُ...!
01-25-2019, 10:56 AM
طرح رآقي گ روحـگ
لآعدمنا جمآل ذآئقتگ
وبآنتظار جديد آبداعكگ دائمآ
ودي لگ

أبو علياء
02-09-2019, 04:39 PM
رفيف الهوى
انرتم متصفحي بكلماتكم الجميله والرائعه
لا عدمت طلتكم العطرة
تقدير يليق بكم
ودي وعبق وردي


~~~~~~
أبو علياء

Şøķåŕą
03-10-2023, 01:52 PM
_



جزاك الله كل خير ..
وَبارك الله فيك ولا حرمك الأجر
لك من الشكر أجزله.

روحي تبيك
05-28-2023, 06:29 AM
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورالإيمان
أحترآمي لــ/سموك

Şøķåŕą
09-08-2023, 04:02 PM
تميز في الانتقاء
سلم لنا روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا عطائك
لكـ خالص احترامي

كلي وهم
03-14-2024, 08:20 PM
إنُتقِآءَ يُعآنِقَ السُمآءَ تُميزِاً’..
طُرحَ رآُقيَ كـ رُقيَكّ’,.
دُمتَ نهُِراً جُآرفَاً يُروُينَآ بُروآئَعكّ’,,
,.