المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير سورة يس الفصل الثالث


أبو علياء
06-11-2018, 04:49 PM
http://forum.tawwat.com/images-topics/images/bas/0006.gif

الفصل الثالث
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ
قال الله تعالى : وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ ، إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ ، فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ، فَقَالُوا : إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا : مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا ، وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ ، إِنْ أَنْتُمْ إلاّ تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا : رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إلاّ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا : إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ، لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ، وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا : طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ ، بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى ، قَالَ : يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا ، وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِي لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي ، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ، إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ، وَلَا يُنقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ : ادْخُلْ الْجَنَّةَ ، قَالَ : يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي ، وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ (27) وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنْ السَّمَاءِ ، وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ، فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ، مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ الْقُرُونِ ، أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32) } .
معاني الكلمات :
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا :أي : شبّه حالهم في تكذيبهم بك بشبيه من السابقين .
أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ : هي مدينة أبهم القرآن الكريم اسمها ، كما أبهم اسم المرسلين إليها ، ولم يرد في صحيح السنّة أو الآثار ما يعيّن شيئاً من ذلك ، وقد دأب كثير من المفسّرين على أنّها مدينة أنطاكية ، جنوبيّ تركيا ، وشماليّ بلاد الشاموهذا غير صحيح كما سيأتي.
إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ :هما اثنان من الرسل ، وقيل : هم رسل من الحواريّين من أصحاب عيسى عليه السلام ، وليس هناك ما يدعونا إلى القول بذلك.
فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ :قوّينا وأيّدنا بثالث .
إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا :مشاركون لنا في البشريّة ، فليس لكم علينا من مزيّة .
تَطَيَّرْنَا بِكُمْ :تشاءمنا بكم ، مبالغة منهم في استقباح ما يدعون إليه ، ونفورهم منه .
والتطيّر في الأصل :تكلّف معرفة دلالة الطير على خير أو شرّ ، بالنظر إلى نوع الطير ، وصفة اندفاعه وجهة اندفاعه أو مجيئه ، ثمّ أطلق على كلّ حدث يتوهّم منه أحد أنّه كان سبباً في لحاق شرّ به فصار مرادفاً للتشاؤم .
لَنَرْجُمَنَّكُمْ :بالحجَارة . "وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ": ولينالنّكم منا عذاب مؤلم شديد .
طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ :سبب شؤمكم يعود عليكم ، وهو الكفر والتكذيب .
أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ :أئن وعظناكم وذكّرناكم بالله تعالى ، ودعوناكم إلى الحقّ ونصحناكم تشاءمتم بنا وبما ندعوكم إليه .
قَوْمٌ مُسْرِفُونَ : متجاوزون الحدّ في الشرك ومخالفة الحقّ .
أَقْصَى الْمَدِينَةِ : أبعد مواضعها .
يَسْعَى :يسرع في مشيه لنصح قومه .
فَطَرَنِي :خلقني في أحسن صورة .
لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا :لا تستطيع أن تقدّم لي شيئاً من النفع .
وَلَا يُنقِذُونِ :ولا تستطيع تلك الآلهة المزعومة أن تصرف عنّي شيئاً من الضرّ والأذى .
صَيْحَةً وَاحِدَةً :صوتاً مهلكاً من السماء .
خَامِدُونَ :ميّتون لا حراك بهم ، كما تخمَد النار .
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ :يا ويلاً أو يا تندّماً ! على الخلق أن يكفروا ، فتكون تلك عاقبتهم ، والحسرة : شدّة الغمّ والندم مشوباً بتلهّف على نفع فائت .
مِنْ الْقُرُونِ : من الأمم المَاضية .
لَا يَرْجِعُونَ :أنّهم لا رجعة لهم إلى الدنيا .
مُحْضَرُونَ :نحضرهم للحساب والجزاء .
قصة أصحاب القرية
يذكر القرآن قصة لأناس سبقوا النبي صلوات الله وسلامه عليه، قال تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ [يس:13] واشتهر عند المفسرين أنهم كانوا في عهد المسيح عيسى بن مريم على نبينا وعليه الصلاة والسلام،، وأن هذه القرية هي قرية أنطاكيا، وهذا غير صحيح([5])، إذن فهي قرية ما ولو كان في ذكرها فائدة لذكر الله ذلك في كتابه .

قال تعالى : "إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ ، فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ، فَقَالُوا : إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)فتوجه اثنان منهما إلى هذه القرية يدعوان ملكها إلى دين الله سبحانه وتعالى، فكذبوا هذين الاثنين: (فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ)والتعزيز بمعنى الشد والتقوية، يعني: شددنا الاثنين بثالث، يقويهما ويتكلم معهما، ويدعو إلى الله سبحانه تبارك وتعالى.
فقالوا لملك هذه القرية إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ، أرسلنا من الله لندعوكم إلى عبادته سبحانه. وعلى عادة أهل الكفر بالتكذيب والإعراض،(قالوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) [يس:15]، قالت الرسل: "رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ” [يس:16]، يعني: نحن صادقون فيما نقول، والله يشهد علينا بأنا صادقون فيما نقول:"وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ”[يس:17]، ما علينا إلا أن نبلغ رسالة الله سبحانه بلاغاً بيناً واضحاً، ونريكم آيات الله سبحانه وتعالى.

"قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا” [يس:18]،أي: نحن تشاءمنا منكم. ” لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ "[يس:18]، إما أن تنتهوا عن هذا الذي تدعوننا إليه، وتذهبوا بشؤمكم، أو نرجمكم. والرجم هو القذف بالحجارة حتى القتل، كأنهم يهددونهم بأن يقتلوهم رمياً بالحجارة، سنعذبكم، سنفعل بكم ونفعل من ألوان العذاب، وإما أن تنتهوا عما أنتم فيه.

فقالت الرسل: "طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ "[يس:19]، شؤمكم معكم، شؤمكم منكم، أنتم سبب الكوارث والمصائب التي تحدث لنا. "أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ [يس:19]، أئن ذكرناكم بالله سبحانه تبارك وتعالى أعرضتم وقلتم مثل ذلك: "بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ "[يس:19].مفسدون في الأرض، أسرفتم على أنفسكم بالكفر، ولم تنظروا في آيات الله سبحانه وتعالى.

قصة حبيب النجار
قال الله تعالى: وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ [يس:20].من هذا الرجل؟ وما حكايته؟ هذا الرجل كان يسمى حبيب النجار ،آمن وكان قبل ذلك كافراً، وجاء عن ابن عباس أنه كان ينحت الأصنام ، وأنه كان مريضاً مرضاً شديداً، وكان يصنع الأصنام ويدعوها من دون الله سبحانه سنين طويلة فما نفع دعاؤه، فمر به الرسل وهم آتون إلى هذه القرية فدعوه إلى الله سبحانه تبارك وتعالى، فتعجب من كلامهم، ومن هو الله؟ فدعوه إلى الله سبحانه الذي خلقه، ورزقه، والذي يحيي ويميت، والذي يشفي المرضى، فقال: لو أنا دخلت في دينكم هل سيشفيني الله؟ قالوا: ندعو لك، والله إن شاء يشفيك. فإذا به يتابعهم فيدعون له، فلما دعوا له شفاه الله، فعرف أن الحق هو ما عليه الرسل، فلما عرف ذلك آمن، وكان أهل القرية أهل ظلم وعدوان، فلذلك لم يشتهر عنه أنه آمن بهؤلاء الرسل، وتوجه الرسل إلى غيره يدعونهم إلى الله سبحانه من ضعفاء الناس، فمنهم من استجاب، ولكن الأغلب لم يستجيبوا لهم، وتوجهوا إلى ملك هذه القرية يدعونه إلى الله سبحانه، فلم يستجب لهم، والأغلب من الكبراء وأهل هذه القرية أنهم لم يؤمنوا، وأصروا على قتل هؤلاء الرسل عليهم السلام. فلما أصروا على القتل، واستفاض الخبر في المدينة أنهم سيقتلون جاء هذا الرجل العابد مسرعاً لينقذ هؤلاء، أو يحاول أن يدافع عنهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
قص الله عز وجل علينا قصته فقال: وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى [يس:20]، جاء يجري من أقصى المدينة خائفاً على الرسل الذين أرسلهم ربنا سبحانه، وكانوا السبب في أن يرد الله عز وجل عليه صحته وعافيته، فقال:يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ[يس:20]، هؤلاء أهل خير وليسوا أهل شر كما تزعمون، وليسوا كاذبين وإنما هم رسل من عند رب العالمين سبحانه. اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ[يس:21]؛ لأنه جرب قبل ذلك، فقد مر عليه الرسل فدعوا له ولم يطلبوا منه أجراً، فهو يعلم أن هؤلاء يدعون إلى الله ولا يطلبون من الناس شيئاً. ويلاحظ أن هذا الرجل جاء مسرعاً وأطال الكلام معهم كأنه يكسب وقتاً للرسل لكي يفلتوا، أو لعل الناس يتركونهم، أو يأتي من ينقذ هؤلاء الرسل، لذلك جادل كثيراً مع هؤلاء القوم: قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ[يس:20]، حتى الآن ما قال لهم: أنا آمنت، ولكن قال: (يا قومي!) أي: أنا منكم، اتركوهم واسمعوا لهم، فهو يحاول أن ينقذ هؤلاء الرسل بأي شيء يقوله لهؤلاء القوم. اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ [يس:21]، فأنا خبرتهم من قبل، وسمعت كلامهم، وهم على هدى، ولم يقل: أنا آمنت معهم حتى الآن. وحين لم يجد فائدة منهم قال: وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[يس:22]، يتكلم عن نفسه: لماذا أنا لا أدخل في دين هؤلاء؟ لم لا أعبد الذي فطرني وهم يدعونني إليه: وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، سوف نرجع إلى الله سبحانه وتعالى مرة ثانية.
أَأتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنقِذُونِ [يس:23]. هل أعبد آلهة من دون الله سبحانه، وماذا تنفع هذه الآلهة؟ لقد صنعنا أصناماً قبل ذلك ولم تفدنا، كنت مجذوماً سنيناً من الدهر ولم تنفع هذه الأصنام، وإنما الذي نفعني الله سبحانه، وحسن عبادته تبارك وتعالى.
(أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنقِذُونِ [يس:23]هذه الأصنام لا تشفع عند الله سبحانه وتعالى، ولا تغني شيئاً، ولا تنقذني من عذاب الله سبحانه تبارك وتعالى ، لو أني عبدت هذه الأصنام من دون الله سبحانه: إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [يس:24]، والضلال بمعنى: التيه والبعد، ضل الإنسان الطريق بمعنى: تاه، دخل في صحراء ولا يعرف الرجوع.
( إنيَ آمنت بربكم فاسمعون )هو كان مؤمناً قبل ذلك، وكأنه يريد وقتاً يجادل فيه القوم، ولو بدأ بقوله: أنا مؤمن فسوف يقتلونه معهم، ولكن بدا بأنه يحاور ويجادل لعلهم يتركون هؤلاء وينظرون في المعجزات التي أيدهم الله عز وجل بها، ولكن لم ينفع ذلك مع هؤلاء، فلما وصل لذلك: إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ [يس:25-26]، وكأن هنا شيئاً محذوفاً في السياق، وكأنه أول ما قال إنه مؤمن قاموا إليه فقتلوه، فكان شهيدا عند الله سبحانه، فأدخله الله عز وجل الجنة.
ثم قال معبراً عن ذلك، وكأن الدنيا لا تستحق أن تذكر بما فيها من قتل وعذاب مقابل الجنة العظيمة التي عمل لها هذا، وعمل لها الرسل، ويعمل لها المؤمنون، قال الله سبحانه: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ[يس:26]، قال له ربه أو قالت له الملائكة: ادخل الجنة، فهو شهيد،قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ [يس:26-27]. هنا انتهت قصة هذا الرجل الفاضل الذي جعله الله عز وجل قدوة، وكيف أنه بدأ حياته بعبادة غير الله سبحانه، وفي النهاية عبد الله.
قال تعالى: وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ [يس:28].يعني: هؤلاء أحقر من أن ننزل عليهم جنداً من السماء لإهلاكهم وما كنا لنفعل ذلك بهم. فما كان الأمر إلا أن قال: إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً [يس:29]، من جبريل عليه السلام فهلكوا. ( (إن كانت إلا صيحةٌ واحدةٌ فإذا هم خامدون)والمعنى: ووقعت صيحة واحدة على هؤلاء فإذا هم خامدون. والإنسان عندما تكون فيه النفس يكون حياً، فإذا خرج روحه من جسده همد وخمد، وذهبت منه الحياة. فإذا بصيحة من جبريل على هؤلاء أخمدتهم جميعهم. انظر كيف أخمدهم الله سبحانه وتعالى بصيحة واحدة، ولم ينزل عليهم ملائكة .
(يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ)[يس:30]، وجاء التحسر على وجه النداء كأنه قال: يا حسرة أقبلي، والحسرة الندامة والتلهف على الشيء الذي يفوت، ففاتهم الإيمان. أي: تعجبوا لأمر هؤلاء العباد الذين يستحقون أن يتحسروا على أنفسهم وينادوا على الحسرة وعلى الندامة حين لا تنفعهم.

قال تعالى: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ [يس:31].الجواب: بلى، قد رأوا هذا الشيء كله، فقد ذهب آباؤهم وأجدادهم، والقرون السابقة الذين ما زالوا يفتخرون بهم، وكل إنسان منهم يقول: كان أبي، وكان جدي ويحفظ نسبه إلى الجد العاشر. فكل هؤلاء ذهبوا، ولم يرجع أحد. وهذا دليل على أنه لا أحد يموت فيرجع إلى الدنيا مرة ثانية إلا أن تكون معجزة لنبي من الأنبياء، فيحيي ميتاً ثم يموت مرة ثانية، كما كانت للمسيح عليه الصلاة والسلام. وما يذكره البعض من الناس من رجوع روح فلان وما أشبه ذلك كله من الكذب والخرافات.
قال تعالى: وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ [يس:32] أي: أن الله يجمعهم ويحضرون بدون اختيارهم يوم الحشر، ليجازيهم على أعمالهم.

المعنى الإجمالي للآيات :
واضرب يا محمّد eلمشركي مكّة ، الرادّين لدعوتك .. اضرب لهم مثلاً بأصحاب مدينة فيه عبرة لهم ، حين ذهب إليهم المرسلون ، فلقد أرسلنا إليهم رسولين لدعوتهم إلى الإيمان بالله تعالى ، وترك عبادة من سواه ، فكذّب أهل القرية الرسولين ، وأبوا الاستجابة لدعوة الحقّ ، فقوّينا دعوتهم برسُول ثالث ، فقال الثلاثة لأهل القرية : إنّا مرسلون إليكم من ربّ العالمين .
فقال أهل القرية للمرسلين : ما أنتم إلاّ أناس مثلنا ، لا مزيّة لكم علينا ، وما أنزل الرحمن شيئاً من الوحي ، وما دعوتكم لنا إلاّ كذب وافتراء .
فقال المرسلون : إنّ ربّنا الذي أرسلنا يعلم إنّا إليكم لمرسلون ، وما علينا إلاّ أن نبلّغكم رسالة ربّنا كما أمرنا ، ولا نملك هدايتكم ، فالهداية بيد الله وحده ..
قال أهل القرية : إنّا تشاءمنا منكم ، لئن لم تكفّوا عن دعوتكم لنقتلنّكم رمياً بالحجارة ، وليصيبنّكم منّا عذاب أليم موجع ..
فقال المرسلون : إنّما شؤمكم وأعمالكم من الشرك بالله تعالى والشرّ معكم ، ومردودة عليكم ، ألأنّنا وعظناكم بما فيه خيركم وصلاحكم تشاءمتم بنا ، وتوعدّتمونا بالرجم والتعذيب .؟! بل أنتم من عادتكم الإسراف في التكذيب والعصيان .
وهيّأ الله تعالى رجلاً مؤمناً صالحاً ، فجاءهم من مكان بعيد من قريته ، بعدما سمع بخبر المرسلين ، وأنّ قومه يهمّون بقتل الرسل أو تعذيبهم ، فنصح قومه بقوله : يا قومي اتّبعوا المرسلين إليكم من الله ، إنّهم لا يطلبون منكم أموالاً على تبليغ الدعوة ، ممّا يدلّكم على صدقهم وإخلاصهم ، وهم مهتدون فيما يدعونكم إليه من عبادة الله وحده ، وفي هذا بيان فضل من سعى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
ثمّ قال لهم هذا الداعِي إلى الخير : كيف أعبد من دونِ الله آلهةً ، لا تملك من الأمر شيئاً ؟! إن قدّر الرحمن عليّ شيئاً من السوء ، فهي لا تستطيع دفعه أو منعه ، ولا تستطيع إنقاذي ممّا أنا فيه .؟ إنّي إن فعلت ذلك لفي انحراف عن الحقّ واضح ، إنّي آمنت بربّي وربّكم ، فاستمعوا ما قلته لكم ، واستجيبوا للإيمان كما استجبت .. فلمّا قال لهم ذلك ، وثب إليه قومه فقتلوه ، فأدخله الله الجنّة ، وقيل له بعد قتله إكراماً له : ” ادخل الجنّة ” ، فقال وهو في النعيم والتكريم ، متأسّفاً على حال قومه ، مشفقاً على مصيرهم : يا ليت قومي يعلمون ، بغفران ربّي لي ، وإكرامه إيّاي بسبب إيماني بالله ورسله ، وصبري في سبيله ، ليتهم يعلمون ذلك فيستجيبوا كما استجبت ، ليدخلوا الجنّة كما دخلت ، وينالوا من الكرامة ما نلت .
وما احتاج عذاب هؤلاء المكذّبين المعاندين إلى إنزال جند من السماء ، فهم أهون على الله وأضعف من ذلك ، وما كنّا ننزل الملائكة على الأمم إذا أردنا إهلاكهم ، بل نبعث عليهم عذاباً يدمّرهم ، ويقضي عليهم ، لقد جاءت هؤلاء صيحة واحدة ، فإذا هم ميّتون ، لم تبق منهم باقية .
فيا أسفاً على هؤلاء المكذّبين والمستهزئين بالرسل ، لما حلّ بهم من العذاب في الدنيا ، وما سيعاينون بأعينهم يوم القيامة .! حين يرون العذاب فلا تنفعهم الندامة .
ألم ير هؤلاء ويعتبروا بمن قبلهم من القرون التي أهلكناها أنهم لا يرجعون إلى هذه الدنيا ؟
ولكنّ كلّ هذه القرون التي أهلكها الله وغيرها سيحضرهم جميعاً يوم القيامة للحساب والجزاء ، فليس إحضارهم في أوقات مختلفة ، ولا في أماكن متعدّدة ، كما قضت بذلك حكمته وعدله وفضله ، لينال كلّ مكلّف جزاءه ، ولا يظلم ربّك أحداً .

الدروس والعبر :
1- لقد نوّع الله تعالى في القرآن أساليب الدعوة إلى دينه : بسوق الأدلة والبراهين ، أو بالحثّ على النظر في خلق السموات والأرض ، وما بثّ فيهما من دابّة ، وإعمال العقل والفكر ، أو بضرب الأمثال ، وذكر قصص الأنبياء والمرسلين ، وما كان من أخبار أقوامهم معهم ، وكلّ ذلك ليتّضح الحقّ وتقوم الحجّة على الناس .
2- قضت حكمة الله تعالى أن يكون الرسول من جنس المرسل إليهم ، كيلا يبادر الناس إلى الاعتراض بحجة المغايرة والمخالفة ، فتكون اعتراض الكافرين ببشرية الرسل نوعاً من المعاندة والاستكبار .
3- إنّ تشاؤم أصحاب القرية بالرسل دليل على فساد تفكيرهم وإفلاس حجتهم ، ولكنّ الشؤم الحقيقي هو من أهل القرية لشركهم بالله تعالى وكفرهم ، وتكذيبهم للرسل عليهم السلام ، وعنادهم للحقّ .
4- قضت حكمة الله تعالى ألاّ يرجع أحد إلى الدنيا بعد موته ، وإنّما موعد الخلق جميعاً هو يوم القيامة ، لفصل القضاء بين الناس ، وإقامة العدل بين العباد ، وفي الآيات تكذيب وردّ على من يقول بتناسخ الأرواح أو بالرجعة بعد الموت إلاّ ما كان من ذلك خصوصيّة من الله لبعض عباده ، أو معجزة وتكرمة ، كقصّة عزير ، أو إحياء الموتى لعيسى عليه السلام أو ما أشبه ذلك .
5- على المؤمن الداعية أن يوطّن نفسه على الابتلاء في سبيل دينه ، وقد يبلغ به الابتلاء القتل في سبيل الله ، أو السجن ، أو التشريد في الأرض ، ولكنّ جزاءه عند الله هو النعيم المقيم ، والتكريم في جنان الخلد .
6- المؤمن الحقّ يحبّ للناس ما يحبّ لنفسهِ ، ويكره لهم ما يكره لها ، وهذا المؤمن ، أبلغ في النصح لقومه ، حتّى نال شرف الموت في سبيل الله تعالى ، كما قال ابن عبّاس t: ” نصح قومه حيّاً وميتاً "
7- قال الإمام القرطبيّ رحمه الله : ” وفي هذه الآية تنبيه عظيم ، ودلالة على وجوب كظم الغيظ ، والحلم عن أهل الجهل ، والترأف على من أدخل نفسه في غمار الأشرار ، وأهل البغي ، والتشمّر في تخليصه ، والتلطّف في افتدائه ، والاشتغال بذلك عن الشماتة به أو الدعاء عليه ، ألا ترى كيف تمنّى الخير لقتلته ، والباغين له الغوائل ، وهم كفرة عبدة أصنام .؟ ” .
وهكذا ينبغي أن تمتلئ قلوب الدعاة إلى الله شفقة على عباد الله ، وألماً وحسرة على فسادهم وانحرافهم عن سبيل الله

لذة مطر ..!
06-11-2018, 11:40 PM
جزاك الله خير ع طرحك /وجعله في موازين حسناتك..:34:

غـُـلايےّ
06-12-2018, 07:53 AM
طررح يفوق آلجمآل ,
‎كعآدتك إبدآع في صفحآتك ,
‎يعطيك آلعآفيـه يَ رب ,
‎وبِ إنتظآر المزيد من هذآ الفيض ,
‎لقلبك السعآده والفـرح ..
‎ودي

ريُـ‘ـُآحُـ‘ـُ آلُـ‘ـُشُـ‘ـُۅقُـ‘ـُ
06-12-2018, 05:50 PM
جزاكم ربي خير الجزاء
ونفع الله بكم وسدد خطاكم
وجعلكم من أهل جنات النعيم
اللهم آآآآمين

بــســـمۭــۃ فــجــــڕ
06-13-2018, 04:17 PM
شكرا لك على الموضوع الجميل و المفيد
جزاك الله الف خير على كل ما تقدمه لهذا المنتدى
ننتظر ابداعاتك الجميلة بفارغ الصبر

نبُض جآمح ❥
06-17-2018, 06:54 PM
جزاك الله خيرا
وجعله في ميزان حسناتك

حلوة الروح
06-18-2018, 09:10 AM
تعلمت ان كلماتكِ عذبه بآآح بها قلبكِ قبل قلمكِ
مررت من هنا فزرعت احرفي دليل شكر وأنحناء لرقي اسلووبك ِوتألق عطركِ المعطاء
(( عزيزتي ))
جميل دائمآ حرفك يحاكي النجوم في السماء
بارقة هي حرووفك تتلألأ كالنور في الظلام
لك باقآآآت من الشكر تنحني لحرفكِ الرائع !!

وووردي قبل رررردي ..


الآنـہہُــوثَـِہــهہً ♥

ٲمنِـيَــةٌ
06-20-2018, 02:23 PM
جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض ..
بآرك الله فيك على الطَرح القيم وَ في ميزآن حسناتك ..
آسأل الله أنْ يَرزقـك فسيح آلجنات !!
دمت بحفظ الله ورعآيته ..
لِ روحك

أبو علياء
06-22-2018, 05:52 PM
لذة مطر

نبض من الجمال يتدفق بمروركم الرائع
ابهرني حضوركم المميز
تحية معطره مغلفة بالورد
لروعة حضوركم
دمتم بود

~~~~~
أبو علياء

أبو علياء
06-22-2018, 05:52 PM
نبضة عشق

نبض من الجمال يتدفق بمروركم الرائع
ابهرني حضوركم المميز
تحية معطره مغلفة بالورد
لروعة حضوركم
دمتم بود

~~~~~
أبو علياء

أبو علياء
06-22-2018, 05:52 PM
رياح الشوق

نبض من الجمال يتدفق بمروركم الرائع
ابهرني حضوركم المميز
تحية معطره مغلفة بالورد
لروعة حضوركم
دمتم بود

~~~~~
أبو علياء

أبو علياء
06-22-2018, 05:53 PM
بسمة فجر

نبض من الجمال يتدفق بمروركم الرائع
ابهرني حضوركم المميز
تحية معطره مغلفة بالورد
لروعة حضوركم
دمتم بود

~~~~~
أبو علياء

أبو علياء
06-22-2018, 05:53 PM
نبض جامح

نبض من الجمال يتدفق بمروركم الرائع
ابهرني حضوركم المميز
تحية معطره مغلفة بالورد
لروعة حضوركم
دمتم بود

~~~~~
أبو علياء

أبو علياء
06-22-2018, 05:53 PM
الانوثة

نبض من الجمال يتدفق بمروركم الرائع
ابهرني حضوركم المميز
تحية معطره مغلفة بالورد
لروعة حضوركم
دمتم بود

~~~~~
أبو علياء

أبو علياء
06-22-2018, 05:53 PM
العاشقه

نبض من الجمال يتدفق بمروركم الرائع
ابهرني حضوركم المميز
تحية معطره مغلفة بالورد
لروعة حضوركم
دمتم بود

~~~~~
أبو علياء

s α м α н
06-24-2018, 02:06 AM
جزاك الله خير ع طرحك القيم
جعله في موازين حسنآتك
دمت بحفظ الرحمن

ѕнмонк
06-29-2018, 09:23 PM
جزاكَ الله خيراً
طرح قيم ومميز وأكثر من نااااافع
كل الشكر والتقدير والإحترآم لسموك
بإنتظار القادم بكل شوق وترقب
دمت بحفظ الله ورعايته

جرعة جنون
07-01-2018, 01:36 AM
جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض ..
بآرك الله فيك على الطَرح القيم
وَ في ميزآن حسناتك ..
آسأل الله أنْ يَرزقـك فسيح آلجنات !!
دمت بحفظ الله ورعآيته ..

أبو علياء
07-05-2018, 10:24 PM
جرعة جنون

نبض من الجمال يتدفق بمروركم الرائع
ابهرني حضوركم المميز
تحية معطره مغلفة بالورد
لروعة حضوركم
دمتم بود

~~~~~
أبو علياء

شيخة رواية
09-28-2018, 11:39 AM
بارك الله تعالى فيك اخي الكريم…….وثقل ميزانك بما تفعله من
مجهود في الدعوة لدين الله تعالى
تقبل مني مرورا متواضعا
وأسأل الله تعالى أن يجازيك علي عملك هذا خير الجزاء..
لك جل تقديري واحترامي

أبو علياء
12-08-2018, 12:23 PM
شيخة رواية
نبض من الجمال يتدفق بمروركم الرائع
ابهرني حضوركم المميز
تحية معطره مغلفة بالورد
لروعة حضوركم
دمتم بود

~~~~~
أبو علياء

تذكارُ...!
01-25-2019, 10:55 AM
طرح رآقي گ روحـگ
لآعدمنا جمآل ذآئقتگ
وبآنتظار جديد آبداعكگ دائمآ
ودي لگ

أبو علياء
02-08-2019, 12:33 PM
رفيف الهوى
انرتم متصفحي بكلماتكم الجميله والرائعه
لا عدمت طلتكم العطرة
تقدير يليق بكم
ودي وعبق وردي


~~~~~~
ابو علياء

Şøķåŕą
03-10-2023, 02:00 PM
_



جزاك الله كل خير ..
وَبارك الله فيك ولا حرمك الأجر
لك من الشكر أجزله.

Şøķåŕą
03-10-2023, 02:04 PM
:135:

روحي تبيك
05-28-2023, 06:29 AM
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورالإيمان
أحترآمي لــ/سموك

Şøķåŕą
09-08-2023, 04:03 PM
تميز في الانتقاء
سلم لنا روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا عطائك
لكـ خالص احترامي

كلي وهم
03-14-2024, 08:21 PM
إنُتقِآءَ يُعآنِقَ السُمآءَ تُميزِاً’..
طُرحَ رآُقيَ كـ رُقيَكّ’,.
دُمتَ نهُِراً جُآرفَاً يُروُينَآ بُروآئَعكّ’,,
,.