المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الهديه القاتله


فيّ
07-07-2018, 07:13 PM
في إحدى القرى الجاثمة على سفح من سفوح جبال جرجرة العظيمة ، عرين الأمازيغ بمنطقة القبائل الكبرى بالجزائر، نشأت أريناس و قد ألهب مشاعرها فقدان والدتها و لفحها بأواره ، و هي لا تزال غضّة لم تصل بعد إلى سنّ العاشرة ، كانت والدتها قبل وفاتها قد سكبت بفؤادها أسمى الأخلاق و أجلّها ، و أنبل الفضائل و أرفعها .
مرّت السّنون على عجل ، فشبّت أريناس دافئة المشاعر ، مرهفة الحسّ ، زكيّة النّفس ، طيّبة المعشر، أحبّها ابن عمّها ماسين و افتتن بها منذ أن بلغ مبلغ الرّجال .
كانا قد قضيا صغرهما معا ، يلعبان و يمرحان بين البساتين و المروج ، و على ضفاف الجداول و الغدران ، و تحت شجر الزّان و السّنديان ، يجمعان طاقات الورود و حبّات البلّوط ، و يقطفان توت العليق و ثمار القُطْلَب ( لنج ) ، و قد زاد في ألفتهما ما جمعهما من يتم ، و اليتامى يشعرون بما يعتلج من آلام و ما يتردد من أوجاع في أنفس بعضهم بعض ، فيزدادون حنوا على أمثالهم ، و يبسطون أجنحة الرّأفة على من يشاركهم هذا البؤس و من يقاسمهم هذه الفجيعة .
اغتنم ماسين ذهاب أريناس لتملأ الدّلاء من البئر القريبة ، و كشف لها عمّا يجول بداخله ، فأنشأ يقول و الارتباك باديا على محيّاه ، و في تدحرج كلماته : إنّك تعلمين يا ابنة العمّ أنّك الفتاة التي لم أعرف غيرها ، و قد أحببتك منذ الصّغر حبّا بريئا طاهرا ، لم تدنّسه أشواق الجسد و نوازع النّفس ، كحبّ الورود لإطلالة الصّباح ، و عشق الفَراش للزّهر الفوّاح ، و قد تعاظم هذا الحبّ بين جنبيَّ يا قرّة عيني ، حتّى بتِّ اليوم نبض قلبي الذي يبعث فيَ الحياة ، و إذا فقدته فليس لي دونه نجاة ، أنت سحابة الغيث يا أريناس ، و من سواك ؟! و أنا الزّرع فإن لم تجودي فمصيري بلا ريب إلى هلاك ، و إنّي اليوم أطلب يدك للزواج ، و الرأي ما رأيت .
نظرت إليه و قد اغرورقت عيناها ، و جادت بدموعها على وجنتيها و هي تقول : إن لم أكن لك ، فلن أكون لغيرك يا ماسين ، فأنت الشمس التي أستمد منها الضّياء لنفسي إذا أعتمت و سدّ الظّلام آفاقها ، و خيّمت غيلان الوحشة ببطاحها ، كيف تظنّني لك صادّة يا ماسين ، و قلبي الواهن متعلّق بك في سرّه تعلّق النّاسك بِوِرْدِه ( أذكاره ) ، و المَقْرُورُ (من أصابه برد ) بزَنْدِه (القدّاحة) ؟!
فرح ماسين عند سماع جوابها و اغتبط ، و سرعان ما تمّت خطبتهما ، فسرّ جميع الأهل بذلك . و صلت مايا عمّة ماسين توّا بعد سفر طويل من مدينة البُليدة ، و آيات الشؤم و القلق بادية على وجهها ، فاجتمعت بماسين في غرفة المعيشة و قالت له : إنّك تعلم يا ماسين مدى حبّي لك ، و لقد ربّيتك في حجري وليدا، و كنت ولازلت أخاف عليك النّسمة الرّقيقة ، ثمّ صمتت فجأة ، اضطرب ماسين من هيأتها تلك ، و ردّ عليها مستفهما : ما الخطب يا عمّتي و علام هذا الوجوم ؟!
قالت : إنّ أريناس لا تصلح لك زوجة يا بني . لعبت في تلك اللحظات الوساوس بماسين ظهرا على بطن ، و تقاذفته أسوأ الظنون يُمنة و يُسرة . ماسين : و كأنّي بك يا عمّتي تتهمينها بأمر شنيع وقفتِ عليه في غفلة منّي ! كانت مايا ثقيلة السّمع بسبب حمّى ألمّت بها في صغرها ، فلم تسمع ما قاله ، و استمرّت في الحديث : العلّة في الهديّة يا بني ، ماسين : الهديّة ! إذن كانت أريناس قد أخذت هديّة من رجل تعرفه و اكتشفتِ الأمر ، و جئت لتصارحيني بذلك يا عمّتي ، يا لغدر النّساء و مكرهنّ و سرعة تقلّبهنّ و تلونهنّ ! ضاع الحبّ و انطمست معالمه للأبد ، يا حسرتاه على نفسي الكسيرة !
مايا : بلى يا بني ، العلّة في الهديّة التي أهدتك إياها تاليس والدة أريناس ، ماسين : أفقدت عقلك يا عمّتي ، أيّ نوع من الهدايا هذا الذي يمنعني الزّواج من أريناس ؟! و لا أذكر أنّ الخالة تاليس قد أهدتني هديّة كما تدّعين ! مايا : و كيف لك يا ولدي أن تذكر ذلك ، و أنت لاتزال حينها في القماط ، و قد أهدتك تاليس رحمها الله الحياة في رضعات مشبعات من صدرها لما مرضت والدتك ، و لولاها لكنت ميتا ، إنّ أريناس أختك من الرّضاعة ، و الله شهيد على ما أقول ، صعق ماسين لهول الخبر و بقي في غرفته مدهوشا لأيام لا يحرّك ساكنا . علم الجميع بالمسألة ، فحالوا بينهما ، و كان سكان القبائل و لازالوا مستمسكين بتعاليم الإسلام ، راسخ فيهم رسوخ جرجرة في أرضه ، لا يتحلحل عنها مهما ضربت جوانبه الرّياح الزّعازع .
ذبل شباب أريناس فجأة و تلاشت نضارته ، و ضَوِيَ جسدها ( ضعف ) و اصفر لونها ، و أمست شبحا ممدّدا على الفراش، بعد أن فارقت الطّعام و الشّراب ، وهي تنتحب و تبكي حبّها المنكوب مردّدة : ما أسعدك يا بلابل الحبّ الطّليقة فوق الأغصان ، لا يصدّك عن الحبيب صاد ! و ما أتعسني في أسمال شقوتي ، مثقلة بالهموم مكبّلة بغير أصفاد( قيود ) ! ما ألطف الربيع ! بين أحضانه يلثم النّحلُ و الفراشُ أجمل الزّهرِ ، و ما أقسى الدّهر ! حيث أرشفني عنوة مرارة القهرِ ، و ها هي أمالي تسحقها الأقدار السّاخرة نصب عيني ، ليبقى حبّي لك يا ماسين سرمديّا تسقيه حسرة الفراق و تنعشه أنفاس الموت التي باتت أسمى المنى و أعذب الرّجاء ثم جادت بروحها إلى بارئها بعد أيّام قلائل .
سمع ماسين الخبر ، ففقد عقله و هام على وجهه في قمم جرجرة و منحدراتها و على رباها ، يصعد النّجاد و ينزل الوهاد لا يأبه لأحد و لا يلوي على شيء ، وقد استأنس الوحش وسكون الخلاء ، أينما حدّق رأى صورة أريناس و الحزنُ مرتسم على محياها الجميل ، فيخاطبها بلوعة : يا لها من هديّة قاتلة ، ليتني متّ قبل أن تصل إلى أحشائي ، صدقت يا أريناس ، يا نغمة الرّوح الفانية ، كيف للنّاسك النّبيل أن يعيش إذا حيل بينه و بين ورده ، ؟! و كيف للمقرور في ليالي البرد و الصّقيع أن يحيا إذا حرم زنده ( القدّاحة) ؟!و بقي على هذه الحال حتّى وُجد ميتا في الشّعاب المجاورة ، و هو يعانق خمار أريناس المبلّل بدموعه .

ѕнмонк
07-07-2018, 08:08 PM
سلمتي ي مبدعة على الطرح الرآاائع ... :eq-34:
على جمال ما طرحتي من تميز ورقي .... :241:
يعطيكِ الف عااافية يـااارب ... :100:
ودي وتقديري .. :239:

فيّ
07-07-2018, 08:31 PM
شكرا لتواجدك الراقي..
مرورك كغيمة مثقلة بالخير فهطلت..
تكسي متصفحي جمالا وبهجه..
ممتنة لهكذا حضور يعطر المكان.

غـُـلايےّ
07-08-2018, 12:38 PM
طررح يفوق آلجمآل ,
‎كعآدتك إبدآع في صفحآتك ,
‎يعطيك آلعآفيـه يَ رب ,
‎وبِ إنتظآر المزيد من هذآ الفيض ,
‎لقلبك السعآده والفـرح ..
‎ودي

فيّ
07-08-2018, 12:48 PM
شكرا لتواجدك الراقي..
مرورك كغيمة مثقلة بالخير فهطلت..
تكسي متصفحي جمالا وبهجه..
ممتنة لهكذا حضور يعطر المكان.

ابو الملكات
07-08-2018, 07:22 PM
نعم هدية قاتلة حقاً قصة فيها نبل المشاعر ووفاء المحبين ولكنها الاقدار ونعم بحكم رب الكون
بجد قصصك رائعه وفيها العبر والحكمة بشوق ولهفه انتظر جديدك القادم اكيد احلى واجمل

لذة مطر ..!
07-08-2018, 08:36 PM
سلمت يديك ي ذوق
مانحرم منك يارب :eq-34:

بــســـمۭــۃ فــجــــڕ
07-09-2018, 07:18 AM
بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز
وفي انتظار جديدك الأروع والمميز
لك مني أجمل التحيات

بٰٰقايٰا روحہٰ
07-09-2018, 10:26 AM
تتبعثر كلماتنا هنا وهناك
علها تجد من الحرف
ما تستطيع ان توفيك به قدراً
ولكن لا تجد وتتوه العبارات من الفكر
ولا يبقى الا بضع كلمات
حينما نجمعهم نجد كلمات تجمعت وهى
ابداع فائق وروعة وتميز
دمت بسعادة لاتنتهى

أيــلُولَ
07-09-2018, 11:15 PM
قصه رائعة
وتحمل بداخلها
عدة معاني بوركت اناملك للانتقاء
لاعدم

أبو علياء
07-10-2018, 01:49 AM
يعطيكم العافية لروعة ما طرحتم ،،
تولد الابتسامه بكم عند دفئ حضوركم المميز
تعطرت زوايا المنتدى بكل ما تقدموه
من جديد ومفيد ... تقدير يليق بكم
ودي وعبق وردي

الريــم
07-11-2018, 06:04 PM
-


جلب رااائع ومميز
الله يسعد قلبك
يعطيك العافيهه..:100:

صاحبة السمو
07-17-2018, 04:00 PM
سلمت الآكف ومَاجلبت
إبداع دآئم وتميز مُستمر
لا عدمنَاك
تقديري وتحيتي :241:

روحي تبيك
07-29-2018, 06:43 PM
انتقـآءْ رآئــع, وطرح جميــل كجمآل روحك
دآئمـآ مآنرى الإبدآع والتميز يلآمس انتقآئك
لآحرمنـآ الله من روعة ذآلك الإختيآر
وجميل الطرح والإبدآع

حكآيتي آنتْ♔
08-06-2018, 09:12 PM
سلمت أناملك على جمال طرحك
الله يعطيك العاافيه
لك جنائن الورد وأصدق الود
ربي مايحرمنا من روعة ابداعك
دام عطائك ياذوق

الجوري
08-06-2018, 09:44 PM
إِبْدَاعٌ فِي الطَّرْحِ وَرَوْعَةٍ فِي الإنتقاء
وَجُهْدَا جَمِيلُ مَلْحُوظُ
أَكَالِيلُ الزَّهْرِ أَنَثِرُهَا هناااا

raneem
11-22-2018, 05:12 PM
_









يَآَ مَآَلْ اََلَعَآَفِيَهَ
لَآعِدَمَنِآ هـَ الَعَطَآءْ وَلَآَ هَـ الَمْجَهُودَ الَرَائَعْ
كُْلَ مَآتَجَلَبَهْ أًنَآَمِلكْ بًأًذخْ بَاَلَجَّمَآلْ مُتًرّفْ بَ تمًّيِزْ
وُدِيِّ

ريُـ‘ـُآحُـ‘ـُ آلُـ‘ـُشُـ‘ـُۅقُـ‘ـُ
12-29-2018, 12:17 AM
إختيار موفق ..وطرح مميز
لا يليق إلا بمن أتينا لنرى مايقدمه لنا ذوقه الراقي
عافاك الله واجزل لك الأجر

دلوعة عشق
06-14-2019, 09:34 AM
يعطيك العافيه على ما جدت به
وتسلم الايادي على روعة الطرح
دمت متألق ودآم الإبداع منهجا لك
لاحرمنا روعة عطاك
لروحك أطيب التحايا

روحي تبيك
05-13-2020, 10:47 PM
سطور نالت الإعجاب برقي هذا الطرح
وهذا سَّــر إبداعك وذائقتك المُتميزه
سوف آظل أترقب الجديد بكل شوق
لك كل الود والاحترام

Şøķåŕą
05-12-2022, 06:10 AM
سلمت الأيادي ..
ويعطيك العافية لـ جمال الآنتقاء
لروحك جنائن الورد .

بنت العز
04-10-2024, 05:16 AM
طرح رائع
الله يعطيك العافيه

Şøķåŕą
04-10-2024, 05:20 PM
شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير