صاحبة السمو
04-06-2019, 05:10 PM
الناس والتكييف
السلام عليكم
اسعد الله أوقاتكم بكل خير
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png حيرة العيش في بعض مدن الشرق الزجاجية، أو تلك التي تحاول أن تكون، وهي ما تزال تمتلك بعض عناصر الحياة الطبيعية، باعتبار أن تغير المناخ العالمي بدل معظم محيطنا، وجعل الأغلبية من مدننا حاضنات لغاز أول وثاني أكسيد الكربون، ولغاز الفريون.
المكيفات أصبحت ضرورة حتمية، ولم تعد مجرد رفاهية، فأصبح كل جدار مزروع بمختلف أجهزة التكييف، سواء كنوافذ داخل المنزل، أو صناديق خارجه، وبشكل مقلق للكوكب.
حياة البشر خضعت لنفس مشترطات حياة المعلبات المحفوظة، فبالجو البارد تستمر النضارة، ولو ابتعد التكييف تبدلت الحياة إلى كينونة عذاب وجفاف وقلق وهرش.
وليس البشر سواء، فمتطلبات أجسادهم تختلف في الصيف عن الشتاء بمتطلبات رفاهية مطلقة ملولة، أو في اختلاف تركيبة ووراثة خلايا أجسادهم، أو بفعل سعرات شحوم يحملونها، أو باستفزاز غدد صماء معتلة بأمراض السكر والضغط وغيرها من إفرازات لا يعود يطيقها الجسد، والدورة الدموية، حين يشعر الشخص بأن المكان مختلف عن مراده، فيستجدي مكيفاً.
اختلاف شديد في مدى التحمل، حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، فتجد شخصاً يتطلب الكثير من الصقيع، وتجد المتوسط المتأقلم يعيش بين المد والجزر؛ وتجد من لا يطيق البرد الاصطناعي ويتحايل على الواقع المرير الحتمي، والبحث عن سبل طبيعية لتبريد جسده بتخفيف الملابس والاستحمام، واستخدام المراوح، وربما الاكتفاء من المكيف بأقل ما يحصل.
بعض الأفراد من الأسرة يطلبون الكثير من البرودة، والبعض يتضرر من ذلك، فتبدأ الشكوى والاختلافات، ويصاب البعض بنزلات البرد، بينما يظل البعض يفح ويتصبب عرقاً، وكأنه يتسلق بذراعيه زوايا جروف جبل صخري شاهق.
البعض يعشق أن يكون مجلسه تحت فتحات المكيف المباشرة، والبعض يختار زاوية أبعد، ويحاول الانزواء، حتى لا يتأثر جسده وجهازه التنفسي.
البعض يضحي من أجل سلامة الصغار، والبعض يقسو عليهم، مهما كثر تعداد ترددهم على العيادات الصحية، بأنوف تسيل، وسعال، وحرارة، وصوت يماثل أصوات احتكاك المعدات المعدنية.
البعض يقوم في أنصاف الليالي ليغير درجة التكييف، وربما ليغلقه، والبعض يصحو وهو يسبح في بركة عرقه ومرقه.
حياة بشر اليوم تختلف، وليست كل البيوت وثيرة متعددة الحجرات، بحيث يجلس كل فرد فيما يشتهي من أجواء، وربما يتشارك البعض غرفة أو غرفتين، يضطرون معها لمجاملة بعضهم، وربما تحايل البعض، في غفلة الآخرين بما لا يشتهون.
التكييف أصبح حكاية، بل إنه حكايات، إن لم نقل إنه هو الحياة، حتى في أضيق الأماكن كالمصعد، وكابينة السيارة.
في بدايات وجود التكييف، تكلمت المجتمعات عن نافذة من الجنة، وكأن فكر من لم يعرفها يربط بين الأمنيات وبين الخيال.
جنة نصنعها مؤقتاً في جوارنا، وهي جهنم الحمراء نحرق بها كوكبنا الأرضي دون أن ندري، أو أنه عند البعض مع سبق الإصرار والترصد.
السلام عليكم
اسعد الله أوقاتكم بكل خير
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png حيرة العيش في بعض مدن الشرق الزجاجية، أو تلك التي تحاول أن تكون، وهي ما تزال تمتلك بعض عناصر الحياة الطبيعية، باعتبار أن تغير المناخ العالمي بدل معظم محيطنا، وجعل الأغلبية من مدننا حاضنات لغاز أول وثاني أكسيد الكربون، ولغاز الفريون.
المكيفات أصبحت ضرورة حتمية، ولم تعد مجرد رفاهية، فأصبح كل جدار مزروع بمختلف أجهزة التكييف، سواء كنوافذ داخل المنزل، أو صناديق خارجه، وبشكل مقلق للكوكب.
حياة البشر خضعت لنفس مشترطات حياة المعلبات المحفوظة، فبالجو البارد تستمر النضارة، ولو ابتعد التكييف تبدلت الحياة إلى كينونة عذاب وجفاف وقلق وهرش.
وليس البشر سواء، فمتطلبات أجسادهم تختلف في الصيف عن الشتاء بمتطلبات رفاهية مطلقة ملولة، أو في اختلاف تركيبة ووراثة خلايا أجسادهم، أو بفعل سعرات شحوم يحملونها، أو باستفزاز غدد صماء معتلة بأمراض السكر والضغط وغيرها من إفرازات لا يعود يطيقها الجسد، والدورة الدموية، حين يشعر الشخص بأن المكان مختلف عن مراده، فيستجدي مكيفاً.
اختلاف شديد في مدى التحمل، حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، فتجد شخصاً يتطلب الكثير من الصقيع، وتجد المتوسط المتأقلم يعيش بين المد والجزر؛ وتجد من لا يطيق البرد الاصطناعي ويتحايل على الواقع المرير الحتمي، والبحث عن سبل طبيعية لتبريد جسده بتخفيف الملابس والاستحمام، واستخدام المراوح، وربما الاكتفاء من المكيف بأقل ما يحصل.
بعض الأفراد من الأسرة يطلبون الكثير من البرودة، والبعض يتضرر من ذلك، فتبدأ الشكوى والاختلافات، ويصاب البعض بنزلات البرد، بينما يظل البعض يفح ويتصبب عرقاً، وكأنه يتسلق بذراعيه زوايا جروف جبل صخري شاهق.
البعض يعشق أن يكون مجلسه تحت فتحات المكيف المباشرة، والبعض يختار زاوية أبعد، ويحاول الانزواء، حتى لا يتأثر جسده وجهازه التنفسي.
البعض يضحي من أجل سلامة الصغار، والبعض يقسو عليهم، مهما كثر تعداد ترددهم على العيادات الصحية، بأنوف تسيل، وسعال، وحرارة، وصوت يماثل أصوات احتكاك المعدات المعدنية.
البعض يقوم في أنصاف الليالي ليغير درجة التكييف، وربما ليغلقه، والبعض يصحو وهو يسبح في بركة عرقه ومرقه.
حياة بشر اليوم تختلف، وليست كل البيوت وثيرة متعددة الحجرات، بحيث يجلس كل فرد فيما يشتهي من أجواء، وربما يتشارك البعض غرفة أو غرفتين، يضطرون معها لمجاملة بعضهم، وربما تحايل البعض، في غفلة الآخرين بما لا يشتهون.
التكييف أصبح حكاية، بل إنه حكايات، إن لم نقل إنه هو الحياة، حتى في أضيق الأماكن كالمصعد، وكابينة السيارة.
في بدايات وجود التكييف، تكلمت المجتمعات عن نافذة من الجنة، وكأن فكر من لم يعرفها يربط بين الأمنيات وبين الخيال.
جنة نصنعها مؤقتاً في جوارنا، وهي جهنم الحمراء نحرق بها كوكبنا الأرضي دون أن ندري، أو أنه عند البعض مع سبق الإصرار والترصد.