صاحبة السمو
04-07-2019, 11:17 AM
https://lh5.googleusercontent.com/-UgkIo8G3xZw/Tx2Y7uCp_xI/AAAAAAAAAf4/MtimEK9lId0/h80/0_58864_ca74e0e1_L.jpg.gif
الفلسفة تنقذ العالم من الفوضى
الشارقة: علاء الدين محمود
هنالك أعمال تجذب القارئ ثقة بمؤلفيها، فالأسماء الكبيرة تحفز القراء وتثير فضولهم حول ماذا يريد أن يقول الكاتب، ولا شك في أن وجود اسمين كبيرين لامعين في مؤل
ف واحد يعطيه قيمة كبيرة، فما بالك بفيلسوفين بقامة الفرنسي آلان باديو، الراسخ في الفلسفة منذ سبعينات القرن الماضي، والسلوفيني سلافوي جيجك الذي تتزايد شهرته حيث
اعتبر الأبرز في هذا العصر من بين جميع الفلاسفة.
ما يلتقي فيه الفيلسوفان أنهما قد تصديا لقضايا الراهن المعاصر والمستقبل برؤى فلسفية مختلفة في منطلقاتها وارتكازاتها الفكرية، وإن مالت نحو اليسار الجديد؛ لكن كلاهما اشتهر بالتمرد والانتقال من موقف إلى آخر، وربما ما يجعل لقولهما أهمية كبيرة أنهما شهدا التحولات الكبيرة التي مر بها العالم منذ انتهاء الحرب الباردة في بداية تسعينات القرن الماضي، وسيادة نمط فكري واحد، وهو ما عرف بالقطبية الأحادية، وما نتج عنها من واقع جديد. إن مواقفهما من غزو العراق، وقصف صربيا، و«الديمقراطية البرلمانيّة»، والشجب القاسي والشديد للعنصريّة تجاه العمال المهاجرين، كل ذلك جعلهما الأكثر جماهيرية وحضوراً إعلامياً في السنوات الأخيرة.
وفي كتابهما المشترك «الفلسفة في الحاضر»، الذي حرره فيسلوف آخر هو بيتر إنجلمان، وصدر عن دار التنوير بترجمة يزن الحاج، يمارس الفيلسوفان حوارية عالية المستوى، لا تهدف فقط إلى مناقشة قضايا العصر والراهن على نحو فلسفي، بل كذلك يقدمان أطروحة للمستقبل، خاصة أن العصر يسوده بحسب تعبيرهما الكثير من الجنون، فالعالم يعيش في الفوضى الشديدة والاضطراب الذي لا يترك أي شيء على حاله، حيث التفسخ السياسي، والإرهاب والمتاجرة به، والجوع، وثقافة الاستهلاك، والعولمة، والحركة المستمرة من الجنوب إلى الشمال، المتمثلة في الهجرات الكبيرة التي يفرزها واقع الحروب والقمع في دول الجنوب، وكذلك انتشار العنصرية والتشدد الديني، وصعود الخطاب الشعبوي والشوفيني، وبالتالي سيادة الكراهية في كل العالم، والذي يقابله غياب قيم التسامح، وهي الأشياء التي يطل عليها الكتاب.
والكتاب يتشكل من ثلاثة فصول أولها: «التفكير بالحدث»، وهي إسهام خاص بالفيلسوف باديو وثانيها: «الفلسفة ليست حواراً»، وهي مشاركة، جيجيك في الحوار، وجاء الفصل الثالث عبارة عن نقاش وحوار مباشر بين الفيلسوفين الكبيرين، ففي «التفكير بالحدث»، نجد أن باديو يتصدى مباشرة لسؤال ما يمكن أن تفعله الفلسفة حول مشاكل العصر، فهي بالنسبة إليه تعني «ابتكار مشكلات جديدة»، فيما يرى جيجك منذ البداية أن الحوار بين الفلاسفة يصطدم دائماً بما يسميه «بسوء التفاهم الفلسفي»، فكل فيسلوف يسيء فهم الآخر، وهذا موجود باستمرار في الحوارات التي تجمع بين الفلاسفة، ما يجعل من الحوار الفلسفي أمراً مستحيلاً، بخاصة في حالات الفلاسفة الأكثر شهرة، فهيجل مثلا لم يطمئن إلى ما جاء به كانط، وأرسطو لم يفهم أفلاطون بشكل صحيح.
ويمارس كل من الفيلسوفين العودة إلى الأفكار والفلسفات السابقة المعينة لفهم الواقع، فباديو مثلاً ينبش نصوصاً لهوميروس وسقراط ومالارميه، ويتوقف عند كثير من الأقوال الفلسفية القديمة، من أجل فهم ذلك الطريق الذي تسير فيه البشرية نحو العنصرية والتعصب، وغياب العدالة الاجتماعية، ووصول عدد من القادة المتهورين والمتشنجين إلى قيادة أحزاب، بل ورئاسة دول، فيما يرى جيجك أن الساسة الكبار في العالم يعبثون بالأخلاق، وأن القضايا ذات الطابع السياسي الاجتماعي لابد لها أن تخضع لشروط فلسفية صارمة، من أجل وجود حلول حقيقية لها، والوصول إلى عالم جديد.
والكتاب يبتعد عن التعقيد بحيث يأتي للمتلقي وهو يحمل فكرة أساسية انصرف الفيلسوفان إلى التصدي لها، وهي الشروط التي يمكن للفيلسوف من خلالها تعيين المشكلة المحددة من أجل صياغة فكر جديد، فالكتاب يعمل بشكل أساسي على طرح القضايا الراهنة ومعالجة الفلسفة لها، ويقدم المحرر أسلوباً رائعاً من خلال الكتاب، بحيث يأتي ممتعاً للقارئ ويشركه في ذات الوقت في طرق التفكير الفلسفي، وحتى يضمن الإحاطة الكاملة بالموضوع؛ فإن انجلمان يدعم الكتاب بمقالين آخرين لفيلسوفين يحاكمان آراء كل من باديو وجيجك، وهما: سيمون كربتسلي عبر مقال عن باديو ينتقد فيه الرؤية السياسية عند باديو، بينما جاء المقال الآخر للفيلسوف تيري إيجلتون، ولئن كان جيجك قدم سخرية لاذعة للفلاسفة المعاصرين؛ فإن إيجلتون يذيقه طعم السخرية من خلال طرحه لسؤال «هل ثمة موضوع على الأرض لم يكن قمحاً لمطحنة جيجك الثقافية؟».
http://www.alkhaleej.ae/file/GetImageCustom/6ecc9bd3-a991-45ce-b664-4a9a1b13b4b4/800/600
https://lh5.googleusercontent.com/-UgkIo8G3xZw/Tx2Y7uCp_xI/AAAAAAAAAf4/MtimEK9lId0/h80/0_58864_ca74e0e1_L.jpg.gif
[/ALIGN]
الفلسفة تنقذ العالم من الفوضى
الشارقة: علاء الدين محمود
هنالك أعمال تجذب القارئ ثقة بمؤلفيها، فالأسماء الكبيرة تحفز القراء وتثير فضولهم حول ماذا يريد أن يقول الكاتب، ولا شك في أن وجود اسمين كبيرين لامعين في مؤل
ف واحد يعطيه قيمة كبيرة، فما بالك بفيلسوفين بقامة الفرنسي آلان باديو، الراسخ في الفلسفة منذ سبعينات القرن الماضي، والسلوفيني سلافوي جيجك الذي تتزايد شهرته حيث
اعتبر الأبرز في هذا العصر من بين جميع الفلاسفة.
ما يلتقي فيه الفيلسوفان أنهما قد تصديا لقضايا الراهن المعاصر والمستقبل برؤى فلسفية مختلفة في منطلقاتها وارتكازاتها الفكرية، وإن مالت نحو اليسار الجديد؛ لكن كلاهما اشتهر بالتمرد والانتقال من موقف إلى آخر، وربما ما يجعل لقولهما أهمية كبيرة أنهما شهدا التحولات الكبيرة التي مر بها العالم منذ انتهاء الحرب الباردة في بداية تسعينات القرن الماضي، وسيادة نمط فكري واحد، وهو ما عرف بالقطبية الأحادية، وما نتج عنها من واقع جديد. إن مواقفهما من غزو العراق، وقصف صربيا، و«الديمقراطية البرلمانيّة»، والشجب القاسي والشديد للعنصريّة تجاه العمال المهاجرين، كل ذلك جعلهما الأكثر جماهيرية وحضوراً إعلامياً في السنوات الأخيرة.
وفي كتابهما المشترك «الفلسفة في الحاضر»، الذي حرره فيسلوف آخر هو بيتر إنجلمان، وصدر عن دار التنوير بترجمة يزن الحاج، يمارس الفيلسوفان حوارية عالية المستوى، لا تهدف فقط إلى مناقشة قضايا العصر والراهن على نحو فلسفي، بل كذلك يقدمان أطروحة للمستقبل، خاصة أن العصر يسوده بحسب تعبيرهما الكثير من الجنون، فالعالم يعيش في الفوضى الشديدة والاضطراب الذي لا يترك أي شيء على حاله، حيث التفسخ السياسي، والإرهاب والمتاجرة به، والجوع، وثقافة الاستهلاك، والعولمة، والحركة المستمرة من الجنوب إلى الشمال، المتمثلة في الهجرات الكبيرة التي يفرزها واقع الحروب والقمع في دول الجنوب، وكذلك انتشار العنصرية والتشدد الديني، وصعود الخطاب الشعبوي والشوفيني، وبالتالي سيادة الكراهية في كل العالم، والذي يقابله غياب قيم التسامح، وهي الأشياء التي يطل عليها الكتاب.
والكتاب يتشكل من ثلاثة فصول أولها: «التفكير بالحدث»، وهي إسهام خاص بالفيلسوف باديو وثانيها: «الفلسفة ليست حواراً»، وهي مشاركة، جيجيك في الحوار، وجاء الفصل الثالث عبارة عن نقاش وحوار مباشر بين الفيلسوفين الكبيرين، ففي «التفكير بالحدث»، نجد أن باديو يتصدى مباشرة لسؤال ما يمكن أن تفعله الفلسفة حول مشاكل العصر، فهي بالنسبة إليه تعني «ابتكار مشكلات جديدة»، فيما يرى جيجك منذ البداية أن الحوار بين الفلاسفة يصطدم دائماً بما يسميه «بسوء التفاهم الفلسفي»، فكل فيسلوف يسيء فهم الآخر، وهذا موجود باستمرار في الحوارات التي تجمع بين الفلاسفة، ما يجعل من الحوار الفلسفي أمراً مستحيلاً، بخاصة في حالات الفلاسفة الأكثر شهرة، فهيجل مثلا لم يطمئن إلى ما جاء به كانط، وأرسطو لم يفهم أفلاطون بشكل صحيح.
ويمارس كل من الفيلسوفين العودة إلى الأفكار والفلسفات السابقة المعينة لفهم الواقع، فباديو مثلاً ينبش نصوصاً لهوميروس وسقراط ومالارميه، ويتوقف عند كثير من الأقوال الفلسفية القديمة، من أجل فهم ذلك الطريق الذي تسير فيه البشرية نحو العنصرية والتعصب، وغياب العدالة الاجتماعية، ووصول عدد من القادة المتهورين والمتشنجين إلى قيادة أحزاب، بل ورئاسة دول، فيما يرى جيجك أن الساسة الكبار في العالم يعبثون بالأخلاق، وأن القضايا ذات الطابع السياسي الاجتماعي لابد لها أن تخضع لشروط فلسفية صارمة، من أجل وجود حلول حقيقية لها، والوصول إلى عالم جديد.
والكتاب يبتعد عن التعقيد بحيث يأتي للمتلقي وهو يحمل فكرة أساسية انصرف الفيلسوفان إلى التصدي لها، وهي الشروط التي يمكن للفيلسوف من خلالها تعيين المشكلة المحددة من أجل صياغة فكر جديد، فالكتاب يعمل بشكل أساسي على طرح القضايا الراهنة ومعالجة الفلسفة لها، ويقدم المحرر أسلوباً رائعاً من خلال الكتاب، بحيث يأتي ممتعاً للقارئ ويشركه في ذات الوقت في طرق التفكير الفلسفي، وحتى يضمن الإحاطة الكاملة بالموضوع؛ فإن انجلمان يدعم الكتاب بمقالين آخرين لفيلسوفين يحاكمان آراء كل من باديو وجيجك، وهما: سيمون كربتسلي عبر مقال عن باديو ينتقد فيه الرؤية السياسية عند باديو، بينما جاء المقال الآخر للفيلسوف تيري إيجلتون، ولئن كان جيجك قدم سخرية لاذعة للفلاسفة المعاصرين؛ فإن إيجلتون يذيقه طعم السخرية من خلال طرحه لسؤال «هل ثمة موضوع على الأرض لم يكن قمحاً لمطحنة جيجك الثقافية؟».
http://www.alkhaleej.ae/file/GetImageCustom/6ecc9bd3-a991-45ce-b664-4a9a1b13b4b4/800/600
https://lh5.googleusercontent.com/-UgkIo8G3xZw/Tx2Y7uCp_xI/AAAAAAAAAf4/MtimEK9lId0/h80/0_58864_ca74e0e1_L.jpg.gif
[/ALIGN]