نسائم الحب
09-27-2017, 12:58 PM
تمر بنا مواقف كثيرة يحتاج فيها المرء إلى الإنصاف، فهو إما أن يكون مُحَكَّمًا، أو يكون محكوما عليه
وفي كلا الأمرين يكون الإنصاف محورا مهما في تلك المواقف
فعندما تكون محكما في أحد -سواء في عمل وتنفيذه، أو في اختبار، أو مقابلة، أو لإبداء رأي في تجارة أو زواج
هل ستكون منصفا مع من لا يعجبك شكله مثلا؟! لا تراه حسن ، ولارائحته ! أو تراه قليل الذوق في الكلام فظا غليظ الحاشية؟!
هل ستكون موضوعيا في تقييم أدائه
والأدهى أن يكون كلامك وحكمك وإنصافك يرتد بالضرر على بعض من تهتم بشأنهم من الآباء أو الأبناء أو الأقارب! يا لله كم يكون وقتها الإنصاف عزيزا، وقل من يقوم به
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (النساء :135) كم يعلمنا القرآن الرفعة والعزة ومحاسن الأخلاق وكم نغفل عن ذلك!
وفي نفس الوقت، إن كنت محكوما عليه، هل ستحمل الآخرين أخطاءك الذاتية، وتتهمهم بالتمييز ضدك؛ لمجرد أنهم عادوا عليك بلوم، أو اكتشفوا فيك عيبا، أو تقصيرا، أو نصحوك بنصيحة ثقلت على نفسك؟!
هل ستتقبل الأمر بنفس راضية، وتحاول أن تصلح من عيوب نفسك، ولا تحمل الآخرين دوما؟!
والحق أن الإنصاف هو العدل في المعاملة وعند مواطن الحكم
ولذلك فمعناه لغة: انتصف منه: استوفى حقه منه كاملا حتى صار كل على النصف سواء
واصطلاحا:الإنصاف هو العدل في المعاملة، بأن لا يأخذ من صاحبه من المنافع إلا كما يُنيله.*
فمفهوم الإنصاف من النفس خلاصته: أن يؤدي المرء للناس ما يحب أن يؤدوه له لو كان في مكانهم، فيفسح لهم مجال الحوار للتعبير عن آرائهم، ولا يحملهم ما لم يتحملوه من الأعمال، ولا يتهمهم بما ليس فيهم.
قال ابن القيم -رحمه الله- عن إنصاف الناس: أن تؤدي حقوقهم، وألا تطالبهم بما ليس لك، وألا تحملهم فوق وسعهم، وأن تعاملهم بما تحب أن يعاملوك به، وأن تعفيهم مما تحب أن يعفوك منه، وأن تحكم لهم أو عليهم بما تحكم به لنفسك أو عليها.
فلنحب لغيرنا ما نحب لأنفسنا، ولنجعل أنفسنا مكان من نحكم عليه، ولنعلم أن كلنا لآدم، وآدم من تراب، وأنك إن أنصفت اليوم فسيهيئ الله تعالى لك من ينصفك غدا، عندئذ تلين تلك القلوب القاسية ويحل العذر محل اللوم، ويكون الحكم حكما منصفا، والأعمال والأقوال غير منحازة ولا متعصبة.
الإنصاف خلق رفيع، وأدب من أعظم الآداب التي يجب أن يتحلى بها المسلم، ومع ذلك هناك من لا يجتهد ليقوم بواجب هذا الخلق الرفيع مع غيره
فتجده يظلم إن خالفته، ويظلم إن وافقته، على مفهوم الظلم: وضع الشيء في غير محله. فإن وافقته رفعك على غيرك من أهل الفضل، وإن خالفته غلا في جفائه وفجر في خصومته، حتى جعلك أشر على الإسلام من اليهود والنصارى!!
وترى منهم من يحاكم الناس ويصوبهم أو يخطِّئهم بناءً على رأيه وتوجهه، ويجعل من رأيه معياراً لمعرفة الحق وتصنيف الناس والحكم على الأشياء، وهو بذلك من حيث لا يشعر -غالباً- يتعامل مع الناس كأنه يريد منهم أن يكونوا على جبلةٍ واحدة ورأي واحد، هو رأيه وتصوره وحسب
ولقد جاء في صحيح الكلم الطيب من كلام عمار بن ياسر -رضي الله عنه-: "ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالـَم، والإنفاق من الإقتار".
وقد قيل : الإنصاف عزيز.. وأعز الإنصاف أن ينصف الإنسان من نفسه
دعونا نذكركم بشيء من سير سلفنا الصالح في أمر الإنصاف، ويظهر ذلك في الإنصاف العملي، إما بالتراجع عن الحكم الجائر في الحالة الأولى، أو بعدم جعل شابق العداوة تكئة للظلم في الحالة الثانية
ذكر ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: إن نفرا من الأنصار غزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، فسرقت درع لأحدهم، فأظن بها رجل من الأنصار، فأتى صاحب الدرع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن طُعْمةَ بن أُبَيْرق سرق درعي، فلما رأى السارق ذلك عمد إليها فألقاها في بيت رجل بريء، وقال لنفر من عشيرته: إني غَيَّبْتُ الدرع وألقيتها في بيت فلان، وستوجد عنده. فانطلقوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ليلا فقالوا: يا نبي الله، إن صاحبنا بريء. وإن صاحب الدرع فلان، وقد أحطنا بذلك علما، فاعذرْ صاحبنا على رءوس الناس وجادل عنه. فإنه إلا يعصمه الله بك يهلك، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبرأه وعذرَه على رءوس الناس، فأنزل الله: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا) (النساء :105) يقول: (احكم بما أنزل الله إليك في الكتاب وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ) فأنزل الله تعالى براءته. وقد ذكرت بعض الآثار أنه يهودي
وقد جاءت النصوص كثيرة بتحريم ظلم الناس أو أخذ حقوقهم أو إكراههم على فعل أو قول. وفي سنن أبي داود
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
وذاك مثل آخر لإنصاف غير المسلمين في المعاملة: عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى خَيْبَرَ، فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَهُودِ خَيْبَرَ، قَالَ: فَجَمَعُوا لَهُ حَلْيًا مِنْ حَلْيِ نِسَائِهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا لَكَ، وَخَفِّفْ عَنَّا، وَتَجَاوَزْ فِي الْقَسْمِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيَّ، وَمَا ذَاكَ بِحَامِلِي عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ، فَأَمَّا مَا عَرَضْتُمْ مِنْ الرَّشْوَةِ فَإِنَّهَا سُحْتٌ وَإِنَّا لا نَأْكُلُهَا، فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْض (رواه مالك في الموطأ، وقال الألباني: وهذا إسناده مرسل صحيح)
وفي كلا الأمرين يكون الإنصاف محورا مهما في تلك المواقف
فعندما تكون محكما في أحد -سواء في عمل وتنفيذه، أو في اختبار، أو مقابلة، أو لإبداء رأي في تجارة أو زواج
هل ستكون منصفا مع من لا يعجبك شكله مثلا؟! لا تراه حسن ، ولارائحته ! أو تراه قليل الذوق في الكلام فظا غليظ الحاشية؟!
هل ستكون موضوعيا في تقييم أدائه
والأدهى أن يكون كلامك وحكمك وإنصافك يرتد بالضرر على بعض من تهتم بشأنهم من الآباء أو الأبناء أو الأقارب! يا لله كم يكون وقتها الإنصاف عزيزا، وقل من يقوم به
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (النساء :135) كم يعلمنا القرآن الرفعة والعزة ومحاسن الأخلاق وكم نغفل عن ذلك!
وفي نفس الوقت، إن كنت محكوما عليه، هل ستحمل الآخرين أخطاءك الذاتية، وتتهمهم بالتمييز ضدك؛ لمجرد أنهم عادوا عليك بلوم، أو اكتشفوا فيك عيبا، أو تقصيرا، أو نصحوك بنصيحة ثقلت على نفسك؟!
هل ستتقبل الأمر بنفس راضية، وتحاول أن تصلح من عيوب نفسك، ولا تحمل الآخرين دوما؟!
والحق أن الإنصاف هو العدل في المعاملة وعند مواطن الحكم
ولذلك فمعناه لغة: انتصف منه: استوفى حقه منه كاملا حتى صار كل على النصف سواء
واصطلاحا:الإنصاف هو العدل في المعاملة، بأن لا يأخذ من صاحبه من المنافع إلا كما يُنيله.*
فمفهوم الإنصاف من النفس خلاصته: أن يؤدي المرء للناس ما يحب أن يؤدوه له لو كان في مكانهم، فيفسح لهم مجال الحوار للتعبير عن آرائهم، ولا يحملهم ما لم يتحملوه من الأعمال، ولا يتهمهم بما ليس فيهم.
قال ابن القيم -رحمه الله- عن إنصاف الناس: أن تؤدي حقوقهم، وألا تطالبهم بما ليس لك، وألا تحملهم فوق وسعهم، وأن تعاملهم بما تحب أن يعاملوك به، وأن تعفيهم مما تحب أن يعفوك منه، وأن تحكم لهم أو عليهم بما تحكم به لنفسك أو عليها.
فلنحب لغيرنا ما نحب لأنفسنا، ولنجعل أنفسنا مكان من نحكم عليه، ولنعلم أن كلنا لآدم، وآدم من تراب، وأنك إن أنصفت اليوم فسيهيئ الله تعالى لك من ينصفك غدا، عندئذ تلين تلك القلوب القاسية ويحل العذر محل اللوم، ويكون الحكم حكما منصفا، والأعمال والأقوال غير منحازة ولا متعصبة.
الإنصاف خلق رفيع، وأدب من أعظم الآداب التي يجب أن يتحلى بها المسلم، ومع ذلك هناك من لا يجتهد ليقوم بواجب هذا الخلق الرفيع مع غيره
فتجده يظلم إن خالفته، ويظلم إن وافقته، على مفهوم الظلم: وضع الشيء في غير محله. فإن وافقته رفعك على غيرك من أهل الفضل، وإن خالفته غلا في جفائه وفجر في خصومته، حتى جعلك أشر على الإسلام من اليهود والنصارى!!
وترى منهم من يحاكم الناس ويصوبهم أو يخطِّئهم بناءً على رأيه وتوجهه، ويجعل من رأيه معياراً لمعرفة الحق وتصنيف الناس والحكم على الأشياء، وهو بذلك من حيث لا يشعر -غالباً- يتعامل مع الناس كأنه يريد منهم أن يكونوا على جبلةٍ واحدة ورأي واحد، هو رأيه وتصوره وحسب
ولقد جاء في صحيح الكلم الطيب من كلام عمار بن ياسر -رضي الله عنه-: "ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالـَم، والإنفاق من الإقتار".
وقد قيل : الإنصاف عزيز.. وأعز الإنصاف أن ينصف الإنسان من نفسه
دعونا نذكركم بشيء من سير سلفنا الصالح في أمر الإنصاف، ويظهر ذلك في الإنصاف العملي، إما بالتراجع عن الحكم الجائر في الحالة الأولى، أو بعدم جعل شابق العداوة تكئة للظلم في الحالة الثانية
ذكر ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: إن نفرا من الأنصار غزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، فسرقت درع لأحدهم، فأظن بها رجل من الأنصار، فأتى صاحب الدرع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن طُعْمةَ بن أُبَيْرق سرق درعي، فلما رأى السارق ذلك عمد إليها فألقاها في بيت رجل بريء، وقال لنفر من عشيرته: إني غَيَّبْتُ الدرع وألقيتها في بيت فلان، وستوجد عنده. فانطلقوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ليلا فقالوا: يا نبي الله، إن صاحبنا بريء. وإن صاحب الدرع فلان، وقد أحطنا بذلك علما، فاعذرْ صاحبنا على رءوس الناس وجادل عنه. فإنه إلا يعصمه الله بك يهلك، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبرأه وعذرَه على رءوس الناس، فأنزل الله: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا) (النساء :105) يقول: (احكم بما أنزل الله إليك في الكتاب وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ) فأنزل الله تعالى براءته. وقد ذكرت بعض الآثار أنه يهودي
وقد جاءت النصوص كثيرة بتحريم ظلم الناس أو أخذ حقوقهم أو إكراههم على فعل أو قول. وفي سنن أبي داود
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
وذاك مثل آخر لإنصاف غير المسلمين في المعاملة: عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى خَيْبَرَ، فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَهُودِ خَيْبَرَ، قَالَ: فَجَمَعُوا لَهُ حَلْيًا مِنْ حَلْيِ نِسَائِهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا لَكَ، وَخَفِّفْ عَنَّا، وَتَجَاوَزْ فِي الْقَسْمِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيَّ، وَمَا ذَاكَ بِحَامِلِي عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ، فَأَمَّا مَا عَرَضْتُمْ مِنْ الرَّشْوَةِ فَإِنَّهَا سُحْتٌ وَإِنَّا لا نَأْكُلُهَا، فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْض (رواه مالك في الموطأ، وقال الألباني: وهذا إسناده مرسل صحيح)