منتدى رواية عشق

منتدى رواية عشق (http://www.r-eshq.com/vb/index.php)
-   ⁂ التّـراث والشّخصيِات التاريخيـة ⁂ (http://www.r-eshq.com/vb/forumdisplay.php?f=30)
-   -   فتح القسطنطينية (http://www.r-eshq.com/vb/showthread.php?t=212383)

رحيل 12-27-2022 09:29 PM

فتح القسطنطينية
 
فتح القسطنطينية
محمود حسن عمر


السلطان محمد الفاتح:
قبل أن نتحدَّثَ عن فتْح القسطنطينية، لا يَسعنا إلا أنْ نتحدَّثَ عن فاتحها، وهو "محمد الفاتح"، السلطان محمد الثاني "الفاتح" "835هـ - 886هـ": وُلد السلطان "محمد" في 27 من رجب 835 هـ - 30 من مارس 1432م، وتولَّى عرش السلطنة بعد وفاة أبيه في 5 من المحرم 855 هجرية - 7 من فبراير 1451م، بعد أنْ بايَعه أهْل الْحَلِّ والعَقد في الدولة العثمانيَّة.

إعداد محمد الفاتح:
بدأَ السلطان "محمد" حياته الأولى منذ نعومة أظفاره بتعلُّم القرآن الكريم والحديث والفقه، والعلوم العصرية آنذاك من رياضيات وفَلك، وتاريخ ودراسات عسكرية نظرية وتطبيقية، كما شارَكَ وهو غلام في الحروب التي كان يَشنها والده السلطان "مراد الثاني" ضد "أوروبا"، أو التي كان يصدُّ فيها اعتداءاتهم.

ثم أسْنَدَ والده إليه إمارة "مغنيسيا" وهو في سنٍّ مبكِّرة، تحت إشراف مجموعة من علماء ذلك العصر، وفي مقدمتهم الشيخ "آق شمس الدين" والْمُلَّا "الكوراني".

وقد أثَّرتْ هذه المجموعة من العلماء في تكوين الأمير الصغير، وتشكيل اتجاهاته الثقافيَّة والسياسية والعسكريَّة، وكان الشيخ "آق شمس الدين" صارمًا مع الأمير، حتى إنَّ السلطان "محمد" وهو سلطان قال لأحد وزرائه عن شيخه هذا: "إنَّ احترامي لهذا الشيخ احترامٌ يأخذ بمجامع نفسي، وأنا ماثِلٌ في حضرته مضطربًا، ويداي ترتعشان".

ثقافة محمد الفاتح:
دَرَس السلطان "محمد" إلى جانب العلوم الإسلاميَّة والتجريبيَّة ثلاثَ لغات هي: العربيَّة، والفارسيَّة، والتركيَّة، وعُنِي بالأدب والشعر خاصَّة، فكان شاعرًا له ديوان بالتركية، وله بيت مشهور يقول فيه:
نِيَّتِي هِيَ الامْتِثَالُ لِلأَمْرِ الإلَهِي "جَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ".
وَحَمَاسِي إِنَّمَا هُوَ حَمَاسٌ فِي سَبِيلِ دِينِ اللهِ.

وتعلَّم السلطان "محمد" أيضًا اللغات: اللاتينية، واليونانية، والصِّربيَّة، ولا تخفى أهميَّة هذه اللغات لأمير في طريقه إلى تولِّي الدولة العثمانية.

وقد أثَّرتْ مدَّة إمارة "محمد" في شخصيَّته، فجعلتْه - بفضْل توعية أساتذته - أكثرَ الأُمراء العثمانيين وعْيًا في دراسة علوم التاريخ، والجغرافيا، والعلوم العسكريَّة، وخاصَّة أنَّ أساتذته وجَّهوا اهتمامَه إلى دراسة الشخصيَّات الكبيرة، التي أثَّرَتْ في مجرى التاريخ، وأبانوا له عن جوانب العَظَمة في تلك الشخصيات، كما وضَّحوا له نقاطَ الضَّعف فيها؛ أملاً أن يكونَ أميرُهم ذات يومٍ من أكثر الْحُكَّام خِبرة وحِكمة وعبقريَّة.

ولا شكَّ أنَّ الشيخ "آق شمس الدين" استطاع أن يلعبَ دورًا كبيرًا في تكوين شخصية "محمد"، وأن يبثَّ فيه منذ صِغَره أمرين جعلا منه فاتحًا، وهما:
مضاعَفة حركة الجهاد العثمانية.

الإيحاء دومًا لمحمد منذ صغره بأنَّه هو الأمير المقصود بالحديث النبوي: ((لتُفْتَحَنَّ القسطنطينية، فلنعم الأميرُ أميرُها، ولنعم الجيشُ ذلك الجيش)).

وقد استغرقَ تَحقيق النقطة الأولى مدَّة تاريخيَّة من حياة السلطان "محمد" - بعد أنْ أصبحَ سلطانًا للدولة - لنرى حملاته العسكريَّة، ونكتفي هنا بذِكْر حروبه البريَّة على الجبهة الأوروبيَّة.

ففي عام 857 هجرية - 1453م فتَحَ القسطنطينية، وفي عام 863 هجرية - 1459م فتَحَ بلاد الصِّرْب، وفي عام 866 هجرية - 1462م ضمَّ "بلاد الأفلاق"، وفي عام "868 هجرية - 1464م" فتَح "بلاد المورة"، وبين العامين: 867 - 884 = 1462 - 1479م فتَحَ بلاد "ألبانيا"، وبين العامين: 867 -870 هجرية = 1462 - 1465م فتَحَ بلاد "البوسنة والهرسك"، وفي عام 881 هجرية - 1476م وقعتْ حربُ الْمَجَر.

ومنذ حرب بلاد المجر وحتى وفاة الفاتح عام 886 هجرية - 1481م دخلتِ الدولة العثمانية في حروب بحريَّة كثيرة، منها: ضم الجزر اليونانية عام 884 هجرية - 1479م، وضمُّ "أوترانتو" عام 885 هجرية - 1480م، ومعلوم أنه كان قد أعَدَّ بالفِعْل جيوشه وتحرَّك على رأْسها؛ لمحاربة المماليك، إلاَّ أنَّ أجَله قد وافاه.

فتْح القسطنطينية:
رأى السلطان "محمد الفاتح " أنَّ فتح القسطنطينية كما أنه يحقِّق أملاً عقائديًّا عنده، فإنه أيضًا يُسهِّل للدولة العثمانية فتوحاتها في منطقة "البلقان"، ويجعل بلاده مُتَّصلة لا يتخلَّلها عدوٌّ، وكانت القسطنطينيَّة تُمثِّل الأرض التي تعترض طريق الفتوحات في "أوروبا"، فبدأ في عاصمته "أدرنة" الاستعداد لعمليَّة فتْح القسطنطينية، ومن ذلك: صبُّ المدافع خاصَّة الضخم منها، والاستعداد لنقْل هذه المدافع إلى أسوار مدينة القسطنطينية، ثم رأى السلطان "محمد" أن جَدَّه "بايزيد الصاعقة" كان قد بَنَى - أثناء محاولته فتْحَ القسطنطينية - قلعة على الضفة الأسيويَّة من البوسفور سَمَّاها: "أنا ضولو حصاري"؛ أي: "قلعة الأناضول، كانت تقوم على أضيق نقطة من مَضيق البوسفور، فقرَّر الفاتح بناءَ قلعة في مواجهة هذه القلعة على الجانب الأوروبي من البسفور، سَمَّاها "روملي حصاري"؛ أي: قلعة منطقة الروم، "يُطلِق الأتراك على الجانب الأوروبي من تركيا والمنطقة الملاصقة له والمعروفة الآن باسم "البلقان" اسم: "روم إيلي"؛ أي: منطقة الروم، وكان القصْد من هذا هو التحكُّم في "البوسفور" تمامًا، وكان السلطان "محمد" هو الذي وضَعَ بنفسه تخطيط هذه القلعة، ونفَّذها المعماري "مصلح الدين آغا"، ومعه "7000" عامل أنهوا مُهمَّتهم في أربعة أشهر كاملة.

وبعد أن تَمَّ البناء خرَجَ بعض الجنود العثمانيين لرؤية القسطنطينية، فما لبثَ أن وَقَع بينهم وبين البيزنطيين المجاورين لأسوار المدينة بعضُ حوادث الشغب، كان لها رَدُّ فعْلٍ عند السلطان "محمد"، فأصدر أوامره بإبعاد البيزنطيين المجاورين للأسوار والقرويين المجاورين للمدينة، فقَام إمبراطور بيزنطة "قسطنطين دركازيز" بإخلاء القرى المجاورة، وسَحْبِ سكانها إلى داخل المدينة، ثم أمَرَ الإمبراطور بإغلاق أبواب القسطنطينية وإحْكام رِتاجها.

وبينما الاستعدادات العثمانية تَجري على قَدَمٍ وساق في "أدرنة"؛ لفتْح القسطنطينية، كان الوضعُ في المدينة غاية في الاضطراب، فقد طَلَب الإمبراطور "قسطنطين" معونة عاجلة من البابا "نيقولا الخامس"، فاستجابَ البابا وأرْسَل الكاردينال "أيزودور" إلى القسطنطينية، فتوجَّه هذا الكاردينال - وهو كاثوليكي - إلى "كنيسة آيا صوفيا"، وأقام فيها المراسمَ الكَنَسيَّة على الأصول الكاثوليكيَّة، مُخالفًا بذلك - بل متحدِّيًا - مشاعرَ شعب القسطنطينية الأرثوذكسي.

وقَفَ الشعب ينظر إلى الكاردينال المنقِذ باشمئزاز بالغٍ، وكان إمبراطور القسطنطينية يَميل إلى فكرة اتحاد الكنيستين: الأرثوذكسية والكاثوليكيَّة.

أمَّا رئيسا الحكومة لوكاس نوتارس وجناديوس - الذي صارَ بطريقًا بعد الفتْح - فقد عارَضَا بشدَّة هذا الاتحاد؛ خوفًا على الأرثوذكسيَّة من الفَناء، وقال "نوتارس" قولته الشهيرة: "إني أفضِّل رؤية العمامة التركيَّة في القسطنطينية على رؤية القبعة اللاتينيَّة"، ولَم يكن "البيزنطيون" قد نسوا الأعمال الوحشيَّة التي قامَ بها "اللاتين" عندما احتلوا القسطنطينية عام 601 هجرية - 1204م، ومع ذلك فإنَّ الكنيسة اللاتينيَّة لَم تتوانَ عن إرسال موجات المتطوعين إلى القسطنطينية؛ بناءً على طلب إمبراطورها، لكنَّ مَجيء "أيزودور" لَم يحقِّقْ أدنى نتيجة في مسألة اتحاد الكنيستين.

الحصار والفتْح:
حاصَرَ العثمانيون القسطنطينية برًّا وبحرًا في سنة 857 هجرية - 1453م، واشترَكَ في الحصار من الجنود البحرية "20000" جندي على "400" سفينة، أما القوات البريَّة، فكانت "80000" جندي، والمدفعيَّة "200" مدفع.

وقفتِ القوات البحريَّة العثمانية بقيادة "بلطة أوغلو سليمان بك" على مدخل "الخليج الذهبي"، وكانَ عليه تدمير الأسطول البيزنطي المكلَّف بحماية مدخل الخليج، وكان البيزنطيون قد أغْلقوا قبل الحصار الخليجَ بسلسلة حديدية طويلة يَصْعُب من جرَّائها دخول أيِّ سفينة إلى الخليج؛ مما شكَّل أكبر مُعضلة أمام العثمانيين؛ لأن سُفنَهم كان عليها أن تحمِلَ الجنود وتدخلَ الخليج لإنزالهم؛ لكي يَضربوا القسطنطينية.

ثم جاءتْ ثلاثُ سُفنٍ جُنويَّة، وسفينة بيزنطية بقيادة القائد الشهير "جوستنياني"، أرسلها البابا للدفاع عن القسطنطينية، ولنقْل الإمدادات إليها، جاءتْ هذه السفن ولَم تستطعِ البحريَّة العثمانية منْعَها، فبعد معركة عنيفة مع البحريَّة العثمانية تغلَّب "جوستنياني"، ومَضَى بسُفنه إلى الخليج، ففتَحَ لها أهل القسطنطينية السلسلة الحديدية وأدْخَلوها، وكانتْ هذه الحادثة دافعًا؛ لكي يفكِّرَ السلطان "محمد" في خُطة عسكريَّة شَهِد لها القوَّاد العسكريون بالبَرَاعة.

كانتْ هذه الخطة تقتضي نَقْلَ "67" سفينة من السُّفن الخفيفة عبر البرِّ من منطقة "غلطة" إلى داخل الخليج؛ لتفادي السلسلة، وتَمَّتْ هذه العملية بوضْع أخشاب مَطلية بالزيوت على طول المنطقة المذكورة، ثم دُفِعَت السفن؛ لتنزلِقَ على هذه الأخشاب في جُنح الظلام، بعد أن استطاعتِ المدفعيَّة العثمانية - بإطلاقها مدافع الهاون - أن تشدَّ انتباه البيزنطيين إليها، ومِن ثَمَّ لم يلتفتْ أحدٌ لعمليَّة نقْل السفن إلى الخليج.

نُقِلَت السفن وأُنْزِلَتْ إلى الخليج، ووُضِعَت الواحدة تلو الأخرى على شكْلِ جِسْرٍ على عرض الخليج؛ حتى استطاع الجنود الانتقال عليها وصولاً إلى بَرِّ القسطنطينية، وما أنْ جاء الصباح حتى تَمَلَّكتِ الدهشة أهْلَ القسطنطينية، ويَصِف المؤرخ "دوكاس" وهو بيزنطي عاصَرَ الحادثة دَهْشته من هذه العمليَّة قائلاً: "إنَّها لمعجزة لَم يَسمع أحدٌ بمثلها من قبلُ، ولَم يَرَ أحدٌ مثلَها من قبلُ".

وبعد أنْ فَشِلتِ البحرية العثمانية في إحباط محاولة "جوستنياني" دخول الخليج، لَم يَملك السلطان "محمد" إلا الأمرَ بالهجوم العام الذي اشتركتْ فيه كلُّ القوات العثمانيَّة مرة واحدة، وقبل هذا مباشرة أرْسَلَ السلطان "محمد" إلى الإمبراطور للمرة الثانية يَطلب منه تسليمَ المدينة سلمًا؛ حَقنًا للدماء، وللإمبراطور أن ينسحبَ إلى أيِّ مكان يريده بكلِّ أمواله وخزائنه، وتعهَّد السلطان "محمد" بتأمين أهْل القسطنطينية - في هذه الحالة - على أموالهم وأرواحهم ومُمتلكاتهم، لكن الإمبراطور - بتحريض من الجنويين - رفَضَ هذا العَرض.

وفي 16 من ربيع الأول 857 هجرية - 26 من مايو 1453م، أراد ملك "المجر" أنْ يَضغطَ على السلطان "محمد" في هذا الوقت الْحَرِج، فأرْسَلَ يقول له: "إنَّه في حالة عدم توصُّل العثمانيين إلى اتِّفاق مع إمبراطور القسطنطينية، فإنه - أي ملك المجر - سيقود حملة أوروبيَّة؛ لسَحْق العثمانيين، ولَم تُغَيِّر هذه الرسالة شيئًا.

مَضَى نهار يوم 28 من مايو هادئًا، وعند الفجر وبعد الصلاة مباشرة، اتَّجه السلطان "محمد" إلى مكان الهجوم، ومع دَوِيِّ المدافع الضخمة الذي بدأ، صدَرَ الأمر السلطاني بإخراج العَلَم العثماني من محفظته، وهذا يَعني عند الأتراك الأمرَ ببداية الهجوم العام.

واستطاعتِ المدافع أثناء ذلك إحداثَ فتْحة في الأسوار، ثم اجتازَ الجنود العثمانيون الخنادق المحفورة حول القسطنطينية، واعتلَوْا سلالم الأسوار، وبدأ الجنود يتدفَّقون على ثلاث موجات، اشتركت الإنكشارية في الثالثة منها، فاضطر "قسطنطين" أنْ يدفَعَ بقوَّاته الاحتياطيَّة التي كانتْ مرابطة بجوار كنيسة الحواريين "سانت أبوترس" مكان جامع الفاتح بعد ذلك؛ لتدخلَ المعركة، وما لبثَ أنْ أَطلق جندي عثماني سَهْمه، فأصَابَ القائد "جوستنياني" إصابةً بالغةً، فانسحبَ "جوستنياني" من مَيدان المعركة رغم توسُّلات الإمبراطور له؛ لأن جوستنياني كان له دورٌ كبير في الدفاع عن المدينة.

وكان أوَّلُ شُهداء العثمانيين هو الأمير "ولِي الدين سليمان"، الذي أقامَ العَلَم العثماني على أسوار المدينة البيزنطية العريقة، وعند استشهاده أسرع "18" جنديًّا عثمانيًّا إليه؛ لحماية العلم من السقوط، واستطاعوا حمايته، حتى واصَلَ بقيَّة الجنود تدافُعَهم على الأسوار، وثبتَ العلم تمامًا على الأسوار بعد أن استُشْهِد أيضًا هؤلاء الثمانية عشر جنديًّا، أثناء ذلك كان العثمانيون يواصلون تدفُّقَهم إلى المدينة، عن طريق الفتحات التي أحدثتْها المدفعيَّة في الأسوار، ثم عن طريق تسلُّق السلالم التي أقاموها على أسوار المدينة، وتمكَّن جنود من فِرَق الهجوم العثمانية من فتْح بعض أبواب القسطنطينية، ونَجَح آخرون في رَفْع السلاسل الحديديَّة التي وُضِعَتْ في مدخل الخليج؛ لِمَنْع السفن العثمانية من الوصول إليها، فتدفَّق الأسطول العثماني إلى الخليج، وبعد ذلك إلى المدينة نفسها، وسادَ الذُّعر البيزنطيين، وكان قد قُتِل منهم مَن قُتِل، وهربَ من استطاع إلى ذلك سبيلاً.

الفاتح يُعطي الأمان:
عندما دخَل محمد الفاتح المدينة أمَرَ بإحراق جُثث القتْلَى تفادِيًا للأمراض، وسارَ على ظَهْر جَوَاده إلى كنيسة "آيا صوفيا"؛ حيث تجمَّع الشعبُ البيزنطي ورُهبانه، وما أنْ علموا بوصول السلطان الفاتح، حتى خَرُّوا سُجَّدًا راكعين بين أنينٍ وبكاء وعويل، ولَمَّا وصَلَ الفاتح، نزَلَ من على ظَهْر حِصَانِه، وصلَّى ركعتين شكرًا لله على توفيقه له بالفتْح، ثم سارَ يَقصِد شعب بيزنطة ورُهبانه، ولَمَّا وجَدَهم على هذه الحال من السجود، انْزَعَج وتوجَّه إلى رُهبانهم قائلاً: "قِفوا، استقيموا، فأنا السلطان محمد، أقول لكم ولجميع إخوانكم ولكل الموجدين هنا: إنَّكم منذ اليوم في أمانٍ في حياتكم وحريَّاتكم"، وهذا ما سجَّله مؤرِّخ بولوني كان معاصرًا.

وكان لهذا التصرُّف من الفاتح أثرٌ كبير في عودة المهاجرين النصارى، الذين كانوا قد فروا من المدينة، وأمَرَ الفاتح قوَّاده وجنوده بعدم التعرُّض للشعب البيزنطي بأذًى، ثم طلَبَ من الناس العودة إلى ديارهم بسلام، وحوَّل "آيا صوفيا" إلى جامعٍ، على أن تصلَّى فيه أول جُمعة بعد الفتْح "كان الفتح يوم ثلاثاء"، وكانتْ آيا صوفيا أكبر كنيسة في العالَم، وأقدم مَبنًى في أوروبا كلها، وسُمِّيت المدينة "إسلامبول"؛ أي: مدينة الإسلام، كان سلوك الفاتح - عندما دخَلَ القسطنطينية ظافرًا - سلوكًا مختلفًا تمامًا عمَّا تقول به شريعة الحرب في العصور الوسطى، وهو نَفْي شعب المدينة المفتوحة إلى مكان آخرَ أو بيعه في أسواق النخاسة، لكن الفاتح قام بما عَجَز عن فَهمه الفِكْر الغربي المعاصر له من تسامُحٍ ورحمة، فقد قام بالآتي:
أطْلَقَ سَراح الأسرى فورًا نظير مقابل مادي قليل يُسَدد على أقساط طويلة المدى.

وأسكنَ الأَسرى الذين كانوا من نصيبه في المغانم في المنازل الواقعة على ساحل الخليج.

وعندما أُبيحت القسطنطينية للجنود ثلاثة أيام عقب الفتْح، كان هذا الإذن مقتصرًا على الأشياء غير المعنوية، فلمْ تُغتصب امرأة، ولَم يُمسَّ شيخٌ ولا عجوز، ولا طفل ولا راهب بأذًى، ولَم تُهدَمْ كنيسة ولا صومعة، ولا دير ولا بيعة، مع أنَّ المدينة أُخِذَتْ بالحرب، ورَفَضت التسليم.

وكان من حقِّ الفاتح قانونًا - ما دامتِ المدينة قد أُخِذَتْ عُنْوة - أنْ يكونَ هو نيابة عن الجيش الفاتح مالكًا لكلِّ ما في المدينة، وأن يحوِّل نصف الكنائس والبِيَع على مدى زمني طويل إلى جوامعَ ومساجد، وأن يتركَ النصف الآخر لشعب المدينة على ما هو عليه، وفي وقفيات السلطان "محمد الفاتح" بنود كثيرة على بقاء أديرة "جوكاليجا"، و"آيا" و"ليبس" و"كيرا ماتو" و"ألكس" في يد البيزنطيين.

واعترف لليهود بملكيَّاتهم لبِيَعهم كاملة، وأنعم بالعَطايا على الحاخام "موسى كابسالي".

وعَيَّن في سنة 865 هجرية - 1461م للجماعات الأرمينيَّة بطريقًا يُدْعَى "يواكيم"؛ ليشرِفَ على مصالح "الأرمن"، ويوحِّد صفوفَهم.

وبدأ في أعمال تعمير المدينة ابتداءً من 23 من ربيع الأول 857 هجرية - 12 من يونية 1453م، وقد كان الفتح يوم 29 من مايو من العام نفسه، وأمَرَ بنَقْل جماعات كثيرة من مختلف أنحاء الدولة إلى القسطنطينية؛ للإسهام في إعادة إنعاشها.

وأعاد للأرثوذكس كرامتهم التي أهْدَرها اللاتين الكاثوليك، بأنْ أعطاهم حقَّ انتخاب رئيس لهم، يُمثِّلهم ويُشرف على شؤونهم، وأصبح "سكولا ريوس جناديوس" أوَّل بطريقٍ لهم بعد الفتْح العثماني للقسطنطينية.

وجعَل الفاتح مسائِلَ الأحوال الشخصيَّة، مثل: الزواج والطلاق والميراث، وأمور الوفاة الخاصة بأهل المدينة المفتوحة من حقِّ الجماعات الدينيَّة المختصة، وكان هذا امتيازًا منعدمَ النظير في "أوروبا" في ذلك الوقت.

شيخة الزين 12-27-2022 10:53 PM

طرح رائع
سلمت الايادي دوم التالق
تحياتي

عٍشُق♡ 12-28-2022 03:49 AM

سَلمِتَ الأُكِفَ بطُرحَكّ المُترفَ
شُكْرًا لِهَذَا اَلْإِمْتَاعِ بِالأخُتِيآرَ
دُمْتَ بِعَطَاء مُسْتَمَدٍّ . . .

نايَا 12-28-2022 08:01 PM

سَلمت الأكُف عَلى نقَل الخَبر ،
يَعطيك العَافية .

نور القمر 12-28-2022 08:59 PM

انتقاء بآذخ الجمآل ,
بِ إنتظآر المزيد من هذآ الفيض ,
لك من الشكر وافره,~

نبضها مطيري 12-30-2022 02:16 AM

طرح جميل
يعطيك العافيه


الساعة الآن 11:23 PM

Powered by vBulletin Hosting By R-ESHQ
new notificatio by R-ESHQ
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة الموقع