منتدى رواية عشق

منتدى رواية عشق (http://www.r-eshq.com/vb/index.php)
-   ۩ إسلامِي هُو سر حَياتي ۩ (http://www.r-eshq.com/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   موانع قبول الحق والعمل به (5) اتباع الهوى (http://www.r-eshq.com/vb/showthread.php?t=65204)

دره العشق 01-03-2020 09:08 PM

موانع قبول الحق والعمل به (5) اتباع الهوى
 



موانع قبول الحق والعمل به (5) اتباع الهوى


الحمد لله عز وجل على آلائه الجُلَّى، مما تناءَى وتدانَى، وأشكره على ما خَصَّ من نِعم تتوالى ولا تتوانى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد عبدِ الله ورسوله أزكَى البرية أَرُومةً وجَنانًا، وأوثقِها حجةً وأبلغِها بيانًا، وعلى آله الذين لم يَثنوا دون المعالي عِنانًا، وصحبه بُدور الحق الساطع عِيانًا، ومن اقتفى أثرهم بإحسان يرجو من المولى رحمةً ورضوانًا؛ أما بعد:

فتقدم معنا في سلسلة (موانع قبول الحق والعمل به) الحلقة الأولى؛ وذكرنا فيها المانع الأول من موانعه، وهو: الجهل به، والحلقة الثانية؛ وذكرنا فيها المانع الثاني، وهو: الحسد، والحلقة الثالثة؛ وذكرنا فيها المانع الثالث، وهو: الصحبة السيئة، والحلقة الرابعة؛ وذكرنا فيها المانع الرابع، وهو: الكبر، ونقف في هذه الحلقة الخامسة مع المانع الخامس.



المانع الخامس: اتباع الهوى:

وهو أيضًا مِن أعظم هذه الأسباب الصارفة عن الحق، فبابُه واسع، وضروبه مختلفة، وجنوده منتشرة، وأسلحته كثيرة، وحيلته وفيرة، وقد قال بعض علمائنا رحمهم الله: "إنَّ كلمة الهوى غالبًا ما تُستعمل في الأشياء التي هي ضد الحق".



يقول الله عز وجل: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23].



لقد حصرت الأدلة والحجج الأمر في شيئين:

1- إما الوحي والشريعة،

2- أو الهوى.



ولا ثالث لهما ألبتة، وإذا كان كذلك؛ فهما متضادان من كل وجه وبكل وجه، ولا يمكن الجمع بينهما بحالٍ، وحين تعيَّن الحق في الوحي توجَّه للهوى ضده، فاتباع الهوى مضاد للحق من كل وجه.



ولذلك كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ما ذكر اللهُ الهوى في كتابه إلا ذَمَّه"[1].



وقد جاء التحذير من الله عز وجل في هذه الآية من اتباع الهوى، وبَيَّن أنَّ هذا المسلك يعود على صاحبه بما لا تُحمد عُقباه، ويخبِر أنَّ كل مَن أعطى النفس ما تهواه، فإنما معبودُه هواه، ومِن المعلوم أنَّ مَن كان هذا وَصْفه، وكانت تلك الخلة صفته؛ فإنه - ولا بد - سيكون أوَّل ما يميزه ويعرف به هو إعراضَه عن الحق، ومجافاتَه للنصح، ولَيَّ رأسه عن استماع الحُجة، فهو - وإن أظهر السماع، وبَان منه الاستماع - إلَّا أنَّه لا يُمَكَّن من قبول الحق ألبتة؛ فلذلك قُدم السمع في الآية على القلب؛ وعاقبَه عز وجل بأنْ أضلَّه؛ إمَّا لعلمه أنَّه يستحق ذلك، أو لأنه يأتيه الحق وحُجَجه وهو يعرض عنها، وعلى كلا الوجهين[2] - في التفسير - فإنه يستحق أنْ تُصادَر منه آلاتُه حتى لا ينتفع منها، فلا يَسمَع ما ينفعُه، ولا يَعِي شيئًا يهتدي به، ولا يرى حُجةً يستضيء بها؛ كل ذلك عقوبةً له على فَعْلته، وتأديبًا له على صَنعته، ﴿ جَزَاءً وِفَاقًا ﴾ [النبأ: 26]، ومَن تَرك الحق اتَّبع الهوى ولا محالة، وهكذا كلُّ مَن لا يأخذ مِن الحق إلا ما يوافق هواه، ويترك ما خالفه - وإن كان الحق فيه - ولا يرضاه، فهو في الحقيقة إنَّما يتَّبع هواه، وقد اتَّخذ - شَعَر أو لم يشعر - إلهه هواه، يطيعُه فيما يريد وفيما يكره، وهذه هي إحدى صفات أهل النفاق؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ﴾ [النور: 48، 49].



وهذا الصِّنف قد جعلوا حتى عقولهم تبعًا لما يشتهونه، فلا تكاد تراه يهوَى شيئًا إلا رَكِبه، ولا يُعجبه شيئًا إلا امتطاه وعلاه، وكلما اشتهى شيئًا أتاه لا يَرقُب في الحق إلًّا ولا ذمَّة، ولا يحجزه عن ذلك وَرَعٌ ولا تقوى، فبِالله قل لي: أيُّ هدى سيوفق إليه؟! ومَن ذا الذي سيهديه وقد سُدَّتْ عليه أبواب الهداية، وفُتِحَتْ له أبواب الغَواية؟! ومَن أشقاه الله بهذه المثابة، فلا يَصِل إليه خير ولا يظفر بحق، ﴿ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [النحل: 33].



ومِن هنا، حذَّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مِن اتباع الهوى، فقال فيما رُوي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا يؤمنُ أحدكم حتى يكونَ هواه تبعًا لما جئتُ به))[3].



فالإنسان لا يكون مؤمنًا كامل الإيمان الواجب، حتى تكون محبتُه تابعةً للحق، فيحب ما أُمِر به، ويكره ما نُهِيَ عنه، ولمَّا كان مأمورًا باتباع الحق والانصياع له، استَحقَّ هذا الصِّنف من الناس أنْ يُمنع ويُصرف عن الحق صَرفًا؛ لأمر يرجع إلى نفسه وفعله؛ لأنه كما أُعطِيَ ذاك بِسبب، فإنه مُنِعَ هذا بِسبب، وهو رغبته الجامحة وشهوته العارمة في المسارعة إلى تلبية هواه وشهوته، وكان الأجدر بهؤلاء الأشقياء به أنْ يتبعوا الحق والهدى دون الهوى.



وبالمناسبة، فيعجبني في هذا المقام ما قاله العلامة المعلمي رحمه الله في "القائد" (ص: 8)؛ حيث قال: "والإنسان لا يكره الحق من حيث هو باطل، ولكنه هو يحب الحق بفِطرته، ويحب الباطل لهواه وشهوته، ومدار الفوز أو الخسران على الإيثار؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 37 - 41]، ولك أن تقول: إن الله تبارك وتعالى في جانب، والهوى في جانب، وقد قال تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 43، 44]، وقال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23]، وفي الحديث: ((حُبُّكَ الشيءَ يُعْمِي ويُصِمُّ))[4].



وقال البريق الهُذَلي:
أَبِن لي ما ترى والمرء تأبى
عزيمته ويغلبه هواهُ
فيَعمَى ما يُرى فيه عليه
ويحسَب ما يراه لا يراهُ



ولهذا؛ فإنَّ رَدَّ الحق لمخالفة الهوى ومعارضته بالآراء دليلُ قلةِ الدين، وضعف الإيمان واليقين؛ يقول الله عز وجل: ﴿ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [النور: 48 - 50].



وهو علامة هلكة، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((ثلاثٌ مُهلِكاتٌ: شحٌّ مُطاع، وهَوًى مُتَّبَع، وإعجابُ المرء بنفسه))[5].



وبهذا نختم هذه الحلقة الخامسة من سلسلة (موانع قبول الحق والعمل به)، وقد وقفنا فيها مع المانع الخامس؛ وهو اتباع الهوى، وسنقف بإذن الله عز وجل في الحلقة السادسة مِن هذه السلسلة مع المانع السادس: الخوف على الجاه.



وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

[1] أخرجه الهروي في ذم الكلام (ص:123)، وذكره ابن الجوزي في ذم الهوى (ص: 18).
[2] تفسير القرآن العظيم (4/ 183).

[3] هو حديث ضعيف، ضعَّفه ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم، والألباني رحمه الله في ظلال الجنة.

[4] أخرجه أبو داود رقم: (5130)، وأحمد (5/ 194) و(6/ 650)، مرفوعًا، وروي موقوفًا، وقد ضعَّفهما الألباني في السلسلة الضعيفة رقم: (1868)، وقد ذكرته في (أحاديث لم يثبت فيها رفع ولا وقف 3)، وسأنشره قريبًا على الشبكة المحبوبة (شبكة الألوكة).
[5] روي عن أنس بن مالك، وعبدالله بن عباس، وأبي هريرة، وعبدالله بن أبي أوفى، وعبدالله بن عمر رضي الله عن الصحابة أجمعين، انظر: السلسلة الصحيحة رقم: (1802).



ٲمنِـيَــةٌ 01-03-2020 09:13 PM

يعطيك العافيه ع الموضوع

ذكرى ❀ 01-03-2020 09:56 PM

-



-


سلمت يداك
بآقآت الشكر والتقدير :241:

جوهره 01-04-2020 03:13 AM

جزاك الله كل خير
طرح رائع يحمل الخير بين سطوره
ويحمل الابداع في محتواه
سلمت يمينك

الأمير 01-04-2020 08:04 AM

سَلَّمَتْ أناملكِم الذَّهَبِيَّةَ عَلَى الطَّرْحِ الرَّائِعِ الَّذِي
أَنَارَ صَفْحَاتِ مُنْتَدَى روآية عِشْقٌ بِكُلِّ مَاهُوِ جَديدٍ
لُكِمَ مَنِّيُّ أَرَقٍ وَأَجْمَلِ التَّحَايَا عَلَى هَذَا التَّأَلُّقِ وَالْأبْدَاعِ
وَالَّذِي هُوَ حليفكِم دُومَا " أَنَّ شَاءَ اللهُ
https://akhawat.islamway.net/forum/u...1199813295.gif

خالد الشاعر 01-04-2020 08:15 AM

الله يجزاكي كل خير على مجهودكِ
ويجعل الأجر الاوفر بميزان حسناتكِ
ننتظر جديدكِ القادم
مودتى


الساعة الآن 11:16 AM

Powered by vBulletin Hosting By R-ESHQ
new notificatio by R-ESHQ
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة الموقع