منتدى رواية عشق

منتدى رواية عشق (http://www.r-eshq.com/vb/index.php)
-   ♬ عَالم القِصـة والروَايـة ♬ (http://www.r-eshq.com/vb/forumdisplay.php?f=17)
-   -   عقاب مؤجل (http://www.r-eshq.com/vb/showthread.php?t=193054)

نور القمر 08-04-2022 02:53 PM

عقاب مؤجل
 
لأن الدناءة استحالت ناراً تصرخ في كل الأرجاء ..
ما عادت أذناه قادرتان على الاحتمال.. فلمّ خرافاته المحبوكة جيداً ، وحزمها في صرة مصنوعة من شال جدته الحريري .. ومضى .
كان منظر النيران حوله مقززاً .. السعير تحرق ما تبقى من اليابس .. ولا أخضر .
والناس تموج حوله .. كسنابل القمح المثقلة .. كلما نسمت عليها هبات الريح الجبلية الوادعة ..
ولكن .. لا وداعة هنا..
فالهشيم يمتد .. ويمتد .. وألسنة الدناءة المستهزئة باتت تقض ما تبقى من مضجعه.
أمسك بالصرة جيداً .. فهي كل ما تبقى له هنا ، تسلح بعصا خشبية اقتطعها من شجرة السرو المتاخمة للحيز الذي يحتله على حدود قريته الموبوءة ، ولعله أنقذها أصلاً من أن تصطلي بجحيم الغباء حوله .
الشمس ما زالت في مكانها منذ ساعات .. تصارع الغيم الذي يحاول حجبها عن أعين الجهال .. غير عارفة أن العيون التي في طرفها قذى العنجهية .. أبت أن ترى الشمس في وسط السماء.
لا حدود للدناءة في عالمه.. أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية التي يتناقلون أخبارها بفخر واعتزاز .
كانوا يجتمعون كل مساء عند صاحب المقهى في طرف القرية .. حيث يروي كل واحد منهم قصص زناد فحولته الذي أطلقه على من طالت يده من نساء الجوار .
يفتح باب غرفته المطلة على جدول صغير .. يتأمل ما حوله بنظرة مودع ، غير مصدق لما آلت إليه حال ذاك المكان الموحش الذي كان جنة فيما مضى .. تستحضره صور وذكريات كثر حولها .. فتحت الدالية التي يقف أمام أشلائها الآن .. اعتاد أن يصارع نعاسه ليمضي وقتاً أكثر مع من يحب .. وهناك .. خلف كومة الحطب التي صارت ركاماً .. لطالما طاب له سرقة بعض القبلات البريئة من تفاح خدودها .. أما أشجار الزيتون التي أدمن الاعتناء بها .. لم يبق منها ما يبقى لأجله ..
يمر شريط الذكريات سريعاً .. وسريعاً .. يقارن بينها وبين المشهد الماثل آمامه الآن ..
يغمض عينيه .. ويقفل الباب خلفه ويمضي .
يبدأ صب لعناته على أولاد الأفاعي الذين استحلوا كل مكان هنا وعاثوا فيه فساداً .. لم ينس نصيب جاره المرابي الذي استدان منه يوماً غير قريب ... وأعاد الدين أضعافاً .
يهمس بأذن السكون الراقد حوله .. خشية أن يزعج بصوته أشباح الضمائر الميتة ، ثم يلوذ بالصمت لبرهة .. فقد سمع ذات الحفيف الذي اعتاده كلما اقتربت خطوات الدناءة ..
يمسك بالصرة جيداً، ويهرول مبتعداً .. وصدى الخطوات التي تلاحقه تزيد من تسارع نبضه .
لم يعد علم اقتفاء الأثر الذي ورثه عن أجداده يفيده .. فالمعالم ضاعت ، ورياح التغيير المصاحبة لحمى الدناءة تنشر معها الزيف في كل الأرجاء .. مما يزيد عليه وحشة الطريق .. وإلى أين ؟؟!!
سار مبتعداً .. فقط .. فلم يعد يفكر بالضياع .. لن يضيع من يسير إلى اللامكان على أية حال .
لم تعد لأشباح الضمائر الميتة هنا أية رهبة .. فقد اعتادها القاطنون لهذا الحي .. وتحايلوا عليها وروضوها حتى أضحت في خندق واحد معهم .
يكفيك أن تشير لأي منهم بمحاولة إسترضائه بما لا يسيل له لعابه ، لكي يشهر سلاح الضمير الميت في وجهك ، وعندها .. تجد أن الفشك ليس خلبياً كما يقال .
خمس سنوات .. زادت فيها حيرته ، بعيداً عن تلك الأرجاء .. وهو الذي اعتاد سماع عبارة واحدة من كل القادمين : لن تتغير، وإن غيروها ..
حقٌ كلامهم .. فهي في أذهانهم أبداً .. بذات الصورة التي اعتادوها .. لأنهم ما عادوا من روادها الدائمين .
لقد تلاعبت يد الدناءة في إيحاءاتهم .. فالسياح عليهم التمتع برؤية التبرج ، وأطنان الكريمات والأقنعة .. دون الخوض في التفاصيل المسكوت عنها .
يهز رأسه مرة أخرى في محاولة لإبعاد ما يجول في ذهنه .. ليعود إلى رمضاء الحقيقة الماثلة أمامه .
تباً لي .. وتباً لهم .. خمس سنوات .. مرت هكذا .. كأيام .. لا .. بل كساعات قليلة ..
إنه عمر في أيام .. والناس هنا لم يتنبهوا للخطر المحدق بهم ..
كيف طاوعتهم قلوبهم على فتح الأذرع والصدور لمن أضمر في نفسه قتل براءتهم وطعن كبرياء شرفهم .. !!
أهي الطيبة ؟؟
- هنا أحب أن أسمي الامور بمسمياتها .. فليست الطيبة في حقيقتها إلا فخر صارخ بسذاجة وحمق أصحابها .
يصرخ في وجهي .. ومن أنت لتحشر نفسك فيما لا يخصك ؟؟
معه كل الحق .. فهي سنوات خمس .. أمضاها منكراً ذاته .. ولم يعد قادراً على احتمال متحذلق آخر يتنطع أمامه بكشف الحقائق .
وقع سقوط مخلفات النار على جانبي طريقه يعيده لواقعه المرير ..
ينكمش على نفسه أكثر ، وتسري قشعريرة البرد الذي يملأ عالمه داخل أوصاله كتيار متشوق لصعق من حوله .
يجري .. يجري إلى حيث تقوده قدماه ، ويفكر خلال مسيره المجنون بكل من عنى له شيئاً يوماً ، لم يسلم أحد منهم من دنس الجنون الملتف حوله .. فالكل بات متورطاً ، ولا أدل على ذلك من سلاح العين الخبيثة التي بات يميزها على مسيرة ساعات .. هي ذاتها .. بنفس ملامحها .. تقعر من الجهة الخارجية ، وقليل من الجحوظ .
شكر إلهه على نعمة وحدته .. لا أهل له ولا حبيبة ولا أولاد .. داؤه الذي شكى منه لخمس سنوات هو سبب نجاته اليوم .. فأيّهم اليوم سيكون عبئاً كبيراً عليه .
مسرعاً في جريه , تبدأ نسمات باردة مفعمة بالرطوبة تلفحه .. شم فيها رائحة البحر .. أسرع إليه ، والخطوات ذاتها ما زالت تتسارع خلفه .. لم ينظر إليها .. كان متمسكاً بأية فرصة للنجاة .
تتزايد حدة الرطوبة في أنفاسه المتلاحقة ، ويبدأ عرقه المنسكب على جسده يشق طريقه المعهود .. خنادق صغيرة انحفرت خلال سنيه الخمس على جسده تلتقي بالمجرى الرئيسي ، لتأخذ طريقها نازلة على ظهره ، تتشبع بها ملابسه .. ثم لتسقط أخيراً على الأرض أثناء جريه تاركة خط عرق مستمر يسهل على كلاب الدناءة أن تقتفيه.
يجري ويجري .. بخطوات هدها التثاقل ، فحرارة النيران حوله تلهب الجو ، والرماد الذي تذروه ريح البحر الرطبة تجعلان التنفس ضرباً من المستحيل ..
صوت الخطوات خلفه يعلو ويشتد .. تقترب منه أكثر ، وهو ما زال غير قادر على النظر خلفه..
فهدهدات تربة الأرض للقادمين عبرها تتزايد باستمرار ، كما لو كان خلفه جيش من الكلاب ، وجيش من المفقودين في مزبلة التاريخ .
تتراءى أمامه معالم الطريق الممهد إلى البحر الواسع .. الأمواج الأيلولية ترسل صداها عبر الصخور ، فتتردد في الأرجاء.
يسرع إليها .. يخوض فيها حتى تصل المياه لركبتيه .. يتنفس بغلّ واضح .
ما أكبرك أيها البحر .. تمتد وتمتد ، لتحجب ما وراءك من حرية وحضارة لا تمت بصلة للزيف الكائن خلفي .
أقاطعه وأنا أخوض معه في البحر الواسع .. رغم خوفي من الابتلال : ما الحضارة التي تتحدث عنها إلا مزيج غير متجانس من الغش المقنع والأخلاق الاقتصادية مع تشكيلة من الكلام المعسول المباع بأسعار فاحشة .
يكم فاهي بيده المعروقة ..
- احترام زائف .. خير من احتقار ظاهر .
أكم فاهي بيدي هذه المرة .. فتجربته تستحق أن تؤخذ بالحسبان .
يلتفت حوله للمرة الأولى .. ربما لاطمئنانه بعد وصوله للأزرق الواسع , فيجد نفسه وحيداً أمام مد الدناءة التي كانت تبتسم أمام فريستها بذات النظرة الخبيثة ..
- أنا هنا في حرمة الأزرق .. أطهر نفسي وأتوب من خطاياكم .
آلاف من ضحكاتهم ترتسم على صفحات الموج الذي بدا غاضباً للمرة الأولى .. قاذفاً زبده في وجه ضيفه الساذج ، بعجرفته المعهودة .
يجمد لوهلة أمام الموج الغاضب ، وأمام إدراكه لنظرية المؤامرة الذي بدأ يدغدغ عقله بحرص .
- حتى أنت يا أزرق .. !!
لا ينفع ندمي الآن .. فالبحر من أمامي ، والدناءة من خلفي .. وليس هنالك من مفر .
تتقدم أسراب الدناءة حوله .. فلا يملك إلا أن يتقدم داخل البحر .. يغوص شيئاً فشيئاً .. حتى تلاشى عن الأنظار.

بعد مدة .. بدأت تسري في الآفاق حكايات غريبة .. عن شبح عملاق أزرق .. يغتال رؤوس الفساد وأصحاب الضمائر الميتة بطرق أسطورية ..
الكل يجزم .. أن وجهه يشبه وجه ذلك الذي تطهر من أخطائهم .. وعلى شفتيه ترتسم الابتسامة الخبيثة ذاتها.

سمارا 08-04-2022 03:23 PM


تسلم الأيادي على ما قدمت
ننتظر جديدك بكل شوق
تقبل مني أعطر التحايا

سمأأأأأرا


♡ Šąɱąя ♡ 08-04-2022 05:35 PM

كل الشكر على طرحك الرآئع
وفي انتظار ابداعك القادم بكل شوق
لك وافر التقدير
تقبل مروري المتواضع



:x11::em1::x11:

نور القمر 08-04-2022 09:14 PM

سمر

نورتي

نور القمر 08-04-2022 09:14 PM

سمارا

نورتي

الــوافــي 08-05-2022 12:51 AM

*,

طرح يفوق الجمال
كعادتك إبداع في صفحآتك
يعطيك العافيه يارب
وبإنتظار المزيد من هذا الفيض
لقلبك السعادة والفرح
ودي لك

*


الساعة الآن 01:14 AM

Powered by vBulletin Hosting By R-ESHQ
new notificatio by R-ESHQ
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة الموقع