منتدى رواية عشق

منتدى رواية عشق (https://r-eshq.com/vb/index.php)
-   ۩ الرّسُول والصَّحابة الكِرام ۩ (https://r-eshq.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   خاتم النبيين (40) (https://r-eshq.com/vb/showthread.php?t=220660)

Şøķåŕą 03-01-2023 02:42 PM

خاتم النبيين (40)
 
خاتم النبيين (40)


الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على النبي المصطفى الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد:

فأهلًا وسهلًا، ومرحبًا بكم أيها الكرام في برنامجكم خاتم النبيين، أيها الأكارم، قد أسلفنا الحديث في الحلقة الماضية عن بدايات فتح مكة، وما حدث بين خزاعة وبني بكر، وماذا كان تصرف النبي صلى الله عليه وسلم عندما علم بذلك، وأيضًا كذلك ذكرنا ما فعله كفار قريش تجاه هذا الحدث، وأتبعنا هذا أيضًا بما فعله حاطب رضي الله عنه، وكيف قُوبِل هذا العمل إلى غير ذلك مما تم ذكره، وختمنا الحلقة بالدروس المستفادة.



والآن في حلقتنا لهذا الأسبوع نستأنف أحداث ذلك الفتح العظيم المبين؛ وهو فتح مكة، فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة ومعه جيش جرار، تعداده عشرة آلاف مقاتل من أصحابه رضي الله عنهم، من المهاجرين والأنصار، ومن بوادي المدينة، وكانوا رضي الله عنهم صائمين؛ حيث كان الفتح في شهر رمضان المبارك، وقد اختلف أهل العلم في تحديد اليوم؛ لكن يترجح عند الأكثر أنه خرج في اليوم العاشر من رمضان، ودخل مكة في اليوم التاسع عشر منه، كما ذكر ذلك ابن حجر، وابن هشام، وغيرهما، ولما مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بالأبواء زار قبر أمه، وقد أقبل على الصحابة بعد زيارته وعيناه تذرفان، فسأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فداك أبي وأمي! ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني سألت ربي في الاستغفار لأمي فلم يأذن لي، فدمعت عيناي رحمةً لها من النار))، وكانت أمه قد ماتت على غير الإسلام، وأكمل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم طريقهم إلى مكة، فلما كان في مكان يقال له نقيب العقاب لقيه أبو سفيان بن الحارث -وهو ابن عمه- وكذلك لقيه عبدالله بن أمية، أما أبو سفيان فكان محبًّا للنبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، فلما كان بعد النبوة عاداه وهجاه، وأبغضه وآذاه، وأما عبدالله بن أمية فقد كان مؤذيًا أشد الأذى للنبي صلى الله عليه وسلم، فهذان الرجلان لقيا النبي صلى الله عليه وسلم ليسلما، فأعرض عنهما النبي عليه الصلاة والسلام؛ وذلك لما كان عليه من الأذى له صلى الله عليه وسلم، فلما رأى منهما الجد والرغبة، والحرص على الإسلام رقَّ لهما، وأذن لهما بالدخول عليه، وقالا له: تالله، لقد آثرك الله، وإنا كنا لخاطئين، فقال لهما: ((لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين))، فأسلما، وحسن إسلامهما، وشهدا غزوة حنين مع النبي صلى الله عليه وسلم.



وعندما خرج النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من مكة صائمين حتى بلغوا الكديد -وهو مكان قريب من عسفان- أفطروا؛ أخرجه البخاري.



وقد روى مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أطوى لكم))، فأفطر بعضهم، وصام آخرون، فلما قربوا من عدوهم أمرهم بالفطر، قال الراوي: فأفطرنا أجمعين، ولما كانوا بمر الظهران أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإشعال النيران، فأوقدوها في كل مكان، حتى صار منظرًا مهيبًا، ولما بلغ الجحفة لقيه العباس مهاجرًا بأهله، فكان العباس آخر من هاجر؛ لأن بعده فُتحت مكة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا هجرة بعد الفتح))؛ متفق عليه.



وأخذت قريش تتحسس أخبار المسلمين، فأرسلوا أبا سفيان بن حرب ورجالًا معه، وقالوا له: إن لقيت محمدًا؛ فخذ لنا منه أمانًا، فخرجوا يتحسسون الأخبار، فرأوا تلك النيران العظيمة، فأخذوا يتحدثون عنها وهم قريبون منهم، ولا يعلمون أنهم جيش المسلمين، وكان العباس حينها يبحث عن أحد يخبر قريشًا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، حتى تستسلم قريش ولا تقاتل، فاقترب أبو سفيان من العباس وهو قرب جيش المسلمين، فعرفه العباس فقال: ويحك! لأن ظفر بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضربن عنقك؛ ولكن اركب معي على هذه البغلة حتى أستأمن لك من النبي صلى الله عليه وسلم، فركب معه أبو سفيان، ورجع البقية إلى مكة، فذهب العباس إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلما رآه عمر قال: يا رسول الله، دعني أضرب عنقه –يعني: أبا سفيان- فقال العباس رضي الله عنه: إني أجرته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله؟))، قال أبو سفيان: بلى، علمت ذلك، ولو كان معه غيره لأغنى عني ذلك الغير، فأسلم أبو سفيان، وشهد الشهادة، وكان أبو سفيان يحب الفخر قبل إسلامه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من دخل دار أبي سفيان فهو آمن))؛ الحديث.



ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل أبا سفيان في مضيق الوادي؛ لأنه في أول إسلامه، فأمره أن يجعله في مضيق الوادي حتى تمر به جنود الله فيراها؛ وذلك ليعرف الحقيقة للمسلمين عن قرب؛ لأنه زعيم من زعماء مكة، وكلما مرت قبيلة سأل أبو سفيان العباس عنهم، فمرت القبائل أمامه كتيبة كتيبة، فقال أبو سفيان للعباس: ما لأحد بهؤلاء طاقة، ثم قال أبو سفيان للعباس: لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيمًا، وأشار العباس على أبي سفيان أن يسرع الذهاب إلى مكة، ويخبر قومه، ويأمرهم بالاستسلام وعدم القتال، فذهب أبو سفيان إلى مكة مسرعًا، فقال: يا معشر قريش، قد جاءكم محمد بما لا طاقة لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، فعاتبه بعضهم ومنهم زوجته، وتفرَّق كثير من الناس إلى دورهم حيث سمعوا زعيمهم يقول ذلك.



وقرب الجيش من مكة، ومكثوا قليلًا للتنظيم الأخير للجيش، ونهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتلوا النساء والصبيان، ولا يتبعوا من أدبر، واستثنى النبي صلى الله عليه وسلم عشرة من قريش أمر بقتلهم، وإن كانوا متعلقين بأستار الكعبة، ذكرهم أهل السير؛ وذلك لشدة عداوتهم للإسلام، فلما علمت قريش بذلك جمعت جموعًا من القبائل؛ وهم الأوباش، وجعلتهم يتلقون الجيش ويدافعون، فلما علم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أمر بعض الكتائب أن يتجهوا إلى تلك الجموع المدافعة، فأمرهم أن يحصدوهم ويقتلوهم، ويأتوا إليه عند الصفا، فتحركت تلك الكتائب حتى قابلت تلك الجموع والأوباش، فلم يلقوا منهم مقاومة تُذكَر، فحصدوهم، وقتلوا منهم كثيرًا حتى قتل خالد بن الوليد عشرين رجلًا منهم، فلما بلغوا باب المسجد أخذ أبو سفيان يصيح على قريش: من أغلق عليه بابه فهو آمن، فأخذوا يقتحمون الدور، ويغلقون على أنفسهم، وفي هذه الأثناء انكسرت قريش، فجاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، أبيحت خضراء قريش، فلا قريش بعد اليوم، ثم أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن الوليد يأمره أن يرفع يده عن القتال، وأمر الصحابة رضي الله عنهم أن يكفُّوا عن القتال، ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة من أعلاها في كتيبته، وبين يديه المهاجرون والأنصار، وذلك في صباح يوم الجمعة عشرين من رمضان، وهو على ناقته القصواء، ومردفًا أسامة بن زيد، واضعًا رأسه الشريف على راحلته تواضعًا لله تعالى، حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح المبين وهو يقرأ سورة الفتح؛ فقد أخرجوه منها مطاردًا، واليوم يدخلها عزيزًا منصورًا مؤيدًا.



ولما ارتفع النهار أتى النبي صلى الله عليه وسلم دار أم هانئ، فاغتسل، وصلى ثماني ركعات، قال ابن القيم: وكانت هذه تُسمَّى صلاة الفتح، وكان الأمراء إذا فتحوا حصنًا أو بلدًا صلَّوا تلك الصلاة، ثم أتى المسجد الحرام، والأنصار والمهاجرون حوله يُكبِّرون ويُهلِّلُون، فأقبل على الحجر فاستلمه، ثم طاف سبعة أشواط، وكان على الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا، فكلما دنا من صنم ضربه بمحجنه عليه الصلاة والسلام حتى سقط، فما انتهى من الطواف إلا وتلك الأصنام قد سقطت كلها، وهو يقرأ قول الله تعالى:﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81]، ثم دخل الكعبة، وصلى فيها، ثم خرج، ووقف عند باب الكعبة، وخطب الناس وفيهم قريش، وقال في خطبته: ((يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟))، قالوا: خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال: ((لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء))، فعفا عنهم جميعًا، فدخلوا في الإسلام، ثم جلس في المسجد، فقال: ((أين عثمان بن أبي طلحة؟))، فجاءه عثمان، فسلمه مفتاح الكعبة، وقال عليه الصلاة والسلام: ((خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم))، ولا يزال مفتاح الكعبة مع بني شيبة إلى يومنا هذا، وإلى يوم القيامة.



ثم أذن بلال فوق الكعبة، وكان قريبًا منه عتاب بن أسيد، والحارث بن هشام، وأبو سفيان بن حرب، فقال عتاب والحارث -وهما لم يسلما- قالا كلامًا سيئًا بينهما، فقال أبو سفيان: أنا لا أقول شيئًا؛ لأنني لو قلت شيئًا لأخبرته هذه الحصى، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((قد علمت الذي قلتم))، فأخبرهم بما قالوا، وهم قد تخافتوا فيما بينهم، فلما ذكر ذلك لهم علموا صدق نبوَّته عليه الصلاة والسلام، فكان ذلك سببًا في إسلامهما.



وعندما جلس النبي صلى الله عليه وسلم جاء أبو بكر رضي الله عنه بأبيه أبي قحافة، فأسلم أبو قحافة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتابع الناس يسلمون، ويشهدون شهادة الحق، وهو على الصفا، ثم لما انتهى الرجال بايع نساء قريش النبي عليه الصلاة والسلام، بايعوه على الإسلام، حيث يقول الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ ﴾ [الممتحنة: 12] الآية، فقالت هند: نصافحك يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني لا أصافح النساء))؛ متفق عليه.



وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم في مكة أيامًا، فماذا عمل في تلك الأيام؟ هذا ما سنعرفه بإذن الله تعالى في حلقة الأسبوع القادم، ونختم حلقتنا تلك بشيء من الدروس والعبر مما سبق ذكره.



الدرس الأول: النبي صلى الله عليه وسلم في خروجه من المدينة زار قبر أمه وهي مشركة، فلو أن المسلم زار قبور والديه المسلمين من غير شد الرحل لهما فلا جناح عليه، وإن كان الأصل في ذلك الدعاء لهما، والإكثار منه، والصدقة عنهما؛ لكنه لو زار المقبرة، فجاء قبور والديه وسلم ودعا؛ فهو من البر بهما؛ لكن لا يطيل؛ لأن الأصل هو السلام.



الدرس الثاني: النبي صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يستغفر لأمه وكانت مشركة، فلم يأذن له، وقد قال الله تبارك وتعالى: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى ﴾ [التوبة: 113]، فقد نزلت تلك الآية في منع النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لأبي طالب، فكل هذا يمنع من الدعاء أو الاستغفار لغير المسلم، سواء كان حيًّا أو ميتًا؛ لأن هذا لا ينفعه؛ لأن غير المسلم لا يُصلَّى عليه، ولا يُدعى له، فهو بمثابة الجيفة التي لا احترام لها، نعوذ بالله من ذلك؛ حيث يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنفال: 55]، ولا يدفنون في مقابر المسلمين؛ بل يدفنون بعيدًا عنهم في فلاة من الأرض، وقد يكون بعض أولاد هذا الكافر، أو بعض جلسائه عطفوا عليه بعد موته، فيرغبون بالدعاء له، أو الاستغفار له جهلًا منهم، فيُقال بأن هذا لا ينفعه، ولا يُقدِّم ولا يُؤخِّر، وأيضًا بفعلهم هذا يكونوا خالفوا القرآن والسنة، ولو كان هذا العطف في حياته، وفي دعوته إلى الإسلام لكان خيرًا، أما إن مات على الكفر؛ فإن الحبل قد انقطع، ولا ينفعه صدقة، ولا صلاة عليه، ولا دعاء، ولا غيرها.



الدرس الثالث: النبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل خلق الله تعالى وأشرفهم، ومع ذلك مات والداه على الكُفْر، فسبحان من يخرج الحي من الميت؛ ومن هذا يستفيد المسلم أن يسأل الله تعالى دائمًا الثبات على دين الله، ويعمل على ما يكون سببًا لذلك، ولا يتساهل، ولا يتنازل؛ وإنما يستمسك بعُرى الإيمان، ويخشى الزيغ؛ لأن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فلا يشمت بأحد؛ وإنما يسأل الله تعالى العافية.



الدرس الرابع: إن أبا سفيان بن الحارث، وعبدالله بن أمية لما رغبا في الإسلام، واتضح لهما الحق ذهبا ليسلما؛ ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ردهما؛ وذلك لشدة عداوتهما للإسلام، ولنبيه عليه الصلاة والسلام، فما كان منهما إلا أنهما قاما بالإلحاح على النبي صلى الله عليه وسلم، وطلبوا الشفاعة عنده، فَرَقَّ لهما وقبلهما، وهذا يعطينا درسًا أن المسلم إذا تبين له الحق في شيء؛ فليثبت على طلبه وحصوله، ويحاول أن يتجاوز العقبات، ولا يتنازل عن الحق؛ بل يطلبه قدر استطاعته، فاعرف مصالح دينك ودنياك، واطلبها بجد وإصرار لتفوز وتفلح.



الدرس الخامس: أيهما أفضل للصائم في حال سفره الفطر أم الصيام؟ قال بعض أهل العلم بأن الأفضل هو الفطر، وقال آخرون بأن الأفضل هو الصيام، ولكل دليله؛ لكن الذي يرجحه الأكثر من أهل العلم أنه إن كان في السفر مشقة؛ فالأفضل الفطر، وإن كان السفر ليس فيه مشقة؛ فالأفضل الصيام، جمعًا بين القولين.



الدرس السادس: إذا أراد الله تعالى أمرًا هيَّأ له أسبابه، فانظر إلى فتح مكة كان في الأصل أنه شاق على المسلمين؛ ولذلك جهزوا له جيشًا جرَّارًا تعداده عشرة آلاف مقاتل؛ ولكن الله عز وجل أراد أن يفتحوها بكل يسر وسهولة، فعندما أرسلوا أحد زعمائهم الكبار -وهو أبو سفيان بن حرب- ليطلب الأمن لهم، فإذا هو بأمر الله تعالى يرجع مسلمًا، ورجع أيضًا كذلك محذرًا لهم ومخوفًا من جيش محمد، فأصيب أهل مكة بالرعب والخوف، فما كان هناك مقاومة تُذكَر، فتمَّ فتحُها بيسر ولله الحمد، فإذا أراد الله تعالى أن يتم أمرًا فإنه يُهيِّئ أسبابه، فأكثروا من دعاء الله تعالى أن ييسر أموركم وظروفكم، وربما انتهت مشاكل وظروف بدعوة خالصة، فاستمسكوا بذلك فإنه سلاح.



الدرس السابع: حكمة العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عندما رأى أبا سفيان، فإنه دعاه إلى دين الله تعالى، وأشار عليه بالإسلام، ورغَّبَه في ذلك ولم يبادره بقتل أو أذى، مع أن أبا سفيان في تلك الحال من الأعداء، وحكمة أخرى عند العباس أيضًا أنه عندما أسلم أبو سفيان أشار عليه أن يذهب إلى مكة ويخذلهم، ويدخل الرعب في قلوبهم، ففعل، فهذه الأعمال للعباس هي حكمة حباه الله إيَّاها، فنتج منها خير كثير؛ وهو إسلام أبي سفيان، وتخذيل قريش؛ مما كان له الأثر الكبير بعد توفيق الله تعالى في فتح مكة بيسر وسهولة، ودون قتال كبير وكثير.



الدرس الثامن: لقد عفا النبي صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء الذين قدموا إليه ليسلموا، مع أنه لقي منهم الأذى الكبير، وأخرجوه من بلده، وهجوه، وآذوه، ومع ذلك عفا عنهم، فكيف بمسلم يخطئ في حق آخر، ثم يعتذر ذلك المخطئ فلا يقبل اعتذاره، مع أنه ما أتاه من الأذى ولا معشار معشار ما أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يفيدنا أننا عندنا ضعف في النظر في عواقب الأمور ومآلاتها، فعندما لم يصطلحا، فسيستمر الهجر، وقد يتعدَّى إلى الأولاد والأحفاد، وتتكاثر الأحقاد، فلو كان هؤلاء عندهم نظر في المآلات وعواقب الأمور لاصطلحوا وعفوا، وليتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا))؛ رواه مسلم.



فهل يرضى عاقل أن تتوقف عنه المغفرة بسبب الهجر؟ قد يكون الحق مع أحدهما بشكل كامل؛ لكن من أين الاحتساب في العفو؟ أين خلق التسامح؟ أين النظر في عواقب الأمور؟ فلو نظر المتهاجران للمفاسد التي تلحق بهما جميعًا لأسرعا إلى الصلح، وليتذكرا أنهما مسئولان في الدنيا والآخرة عن ذلك الهجر، حتى على صاحب الحق عليه أن يطلب الأجر من الله تعالى بالتنازل والصفح حتى لا تتسع رقعة الشقاق والخلاف، وإذا طلب الإصلاح والصلح والعفو أحدُهما فأبى الآخر؛ فقد باء بها ذلك الآخر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)).



الدرس التاسع: في قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا أصافح النساء)) فيه نهي صريح أن يصافح الرجل المرأة الأجنبية عنه التي ليست من محارمه، قالت عائشة رضي الله عنها: ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة لا تحل له؛ إنما كان يبايعهن بالكلام، فأين من يصافحونهن ويضاحكونهن؟! والله عز وجل نهاهم عن ذلك، وهو يراهم ويسمعهم، ألا يخافون سطوته وعذابه؟! ألا يرجعون؟! ألا يتذكرون؟! ألا يعقلون أن الجوارح التي تفعل ما يخالف الشرع هي التي ستشهد يوم القيامة على صاحبها؟! قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون ﴾ [النور: 24]، والذكرى تنفع المؤمنين.



الدرس العاشر: كثيرة هي المعجزات للنبي صلى الله عليه وسلم؛ ومنها: إخباره عليه الصلاة والسلام لعتاب وإخباره للحارث بكلامهما السيئ الذي قالاه خفية بينهما، فهذه المعجزات للنبي صلى الله عليه وسلم هي مقويات للإيمان، ومثبتات عليه، فاقرأ أخي الكريم فيها، وتعرف عليها، فهي قصص ومواقف مفيدة؛ لتستفيد منها الدروس والعبر، ولتستقيم أيضًا على صراط الله المستقيم؛ لأنها خوارق وآيات تدل على صدق نبوَّة النبي صلى الله عليه وسلم، واجعل لك ولأسرتك نصيبًا وافرًا حتى يتفقَّهوا ويتعلَّموا، ويعرفوا السيرة عن قرب، وتثبت أقدامُهم على صراط الله المستقيم، اللهمَّ فقِّهْنا في الدين، وعلِّمْنا العلم النافع، وارزقنا العمل الصالح، ووفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


-

بسمة فجر 03-01-2023 02:50 PM

بارك الله فيك ع موضوعك القيم والمميز
وبانتظار جديدك القادم
ارق التحايا لك

eyes beirut 03-01-2023 04:14 PM

/

تسلم ايدك ع الطرح
يعتيك العافية

мя Зάмояч 03-01-2023 05:25 PM

جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك

شيخة الزين 03-01-2023 06:20 PM

الله يعطيك العافيه على الطرح القيم
سلمت يمينك بارك الله فيك

ٲمنِـيَــةٌ 03-02-2023 11:04 AM

_




:x1:








دائما متميز في طرحك للموضوع
سلمت على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا روعه مواضيعك
لكـ خالص احترامي



:em1:


الساعة الآن 06:45 AM

Powered by vBulletin Hosting By R-ESHQ
new notificatio by R-ESHQ
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة الموقع