منتدى رواية عشق - المصابيح.. آية لخصت الحضارة والأنواع الثلاثة للعقول(3) مسالك العقول فى التفكير

كانت الحاجة ملحة إلى عنصر مهم وهو قوله تعالي: (وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)، فتقدمت بعض الشعوب عندما أخذت بأسباب الحضارة، وتأخرت بعض عندما تهاونت.

فجاء هذا الترتيب المحكم لمظاهر عناية الله بعباده، حتى لخصت الآية الكريمة رحلة الحضارة كلها فى كلمات معدودات، مع إشارة الآية فى كل مقطع إلى سنن الله فى خلقه، وقوانينه فى عباده، مما يمكن أن نستنبط منه أصول فقه الحضارة.

وهذه الرحلة تتحدث عن الحراك البشرى عموما، وعن سنن الله تعالى فى عباده كلهم، فهذا قانون إنسانى عام، يبين الله تعالى فيه سننه فى عباده جميعا، وأن سائر الشعوب والأمم والحضارات تجرى على هذا النسق، وتتدرج فى هذا الترتيب، الذى تفضى فيه كل مرحلة إلى المرحلة التى تليها.

وقد أشارت الآية الكريمة ضمنا إلى ما يفتحه الله للإنسان من اكتشاف أو اختراع أو تفكير أو تطوير، مما يلهمه الله تعالى لعباده، وتتنافس فيه الأمم والشعوب والمؤسسات، وتحميه وتحافظ عليه، من أسرار العلوم والمعارف، التى تتفاضل بها الأمم، وتبدع فيها عقول أبنائها، قال حجة الإسلام الغزالي: (وكل حرفة لا يستغنى الناس عنها –لو تُصُوِّرَ إهمالها- لكانت من فروض الكفايات، لأن قوام الدنيا بهذه الأسباب، وقوام الدين موقوف على قوام أمر الدنيا ونظامها لا محالة).

ومن هنا يبرز دور العقل، وأنه أساس التكليف، وأن الله تعالى زين الإنسان بالعقل، وجعل سبحانه العقل على ثلاث مراتب: عقل سطحي، وعقل عميق، وعقل مستنير.

أما العقل السطحي: فهو الذى تعوّد أن يقف عند ظواهر الأمور، ويكتفى بإدراكها والعبور عليها، دون غوص ولا فكر ولا تحليل، فهو مشغول دائما بالأحداث والأشخاص، يلهث وراء مجريات الحياة التى لا تنتهي، ويغرق فى ضجيج الحياة، وأحوال الأشخاص، وشئون معيشتهم. العقول ثلاثة، وهو شغوف بمعرفة من باع ومن اشتري، ومن خاصم ومن صالح، ومن تزوّج ومن طلّق، ومعرفة الأسواق، والأسعار، والأقارب، وما جرى بينهم، ومن مرض منهم، ثم كيف شفي، ولماذا، ومعرفة ما يقع يوميا من الأولاد وزملائهم، والجيران وجيرانهم، ورفاق العمل ومشكلاتهم، وكثيرا ما يقع لهؤلاء جميعا إشكالات ووقائع، وقضايا، فيغرق ذلك العقل فيها، وفى تطوراتها، وفى تداعياتها، ويظل طوال العمر وهو يغوص فى تلك الرمال المتحركة، حتى يتحول ذلك العقل بالتدريج إلى مستوى شديد التفاهة، لا يعرف من الأمور إلا ضجيجها وتسارعها وتقاطعها، فلا ينتج فكرا، ولا يصنع عمرانا، ولا يزداد إيمانا، ولا يبدع حضارة، بل يذهب منه العمر هباء.
لكم خالص تحياتى وتقديرى
و
رمضــان كريـــم
الدكتــــور علـــى