منتدى رواية عشق

منتدى رواية عشق (http://www.r-eshq.com/vb/index.php)
-   ۩ إسلامِي هُو سر حَياتي ۩ (http://www.r-eshq.com/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   حكم الإحرام وما يسن للمحرم (http://www.r-eshq.com/vb/showthread.php?t=260249)

Şøķåŕą 05-08-2024 11:36 AM

حكم الإحرام وما يسن للمحرم
 
حكم الْإِحْرَامُ وما يسن للمحرم


قَالَ الْمُصَنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ-: "الْإِحْرَامُ: نِيَّةُ النُّسُكِ، وَسُنَّ لِمُريدِهِ: غُسْلٌ أَوْ تَيَمُّمٌ لِعَدَمٍ، وَتَنَظُّفٌ، وَتَطَيُّبٌ، وَتَجَرُّدٌ عَنْ مَخِيطٍ، وَيُحْرِمُ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ أَبْيَضَيْنِ، وَإِحْرَامٌ عَقِبَ رَكْعَتَيْنِ، وَنِيَّتُهُ: شَرْطٌ. وَيُسْتَحَّبُ قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ نُسُكَ كَذَا فَيَسِّرْهُ لِي وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي)".



الْكَلَامُ هُنَا سَيَكُونُ فِي عِدَّةِ فُرُوعٍ:

الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: تَعْرِيفُ الْإِحْرَامِ لُغَةً وَشَرْعًا. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (الْإِحْرَامُ نِيَّةُ النُّسُكِ).

الْإِحْرَامُ لُغَةً: مَصْدَرُ أَحْرَمَ الرَّجُلُ يُحْرِمُ إِحْرَامًا، وَهُوَ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ يُحَرِّمُ عَلَى نَفْسِهِ بِنِيَّتِهِ مَا كَانَ مُبَاحًا لَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ مِنَ النِّكَاحِ وَالطِّيبِ وَأَشْيَاءَ مِنَ اللِّبَاسِ؛ فَيُقَالُ: أَحْرَمَ؛ أَيْ: دَخَلَ فِي التَّحْرِيمِ؛ كَمَا يُقَالُ: أَشْتَى إِذَا دَخَلَ فِي الشِّتَاءِ، وَأَرْبَعَ إِذَا دَخَلَ فِي الرَّبِيعِ، وَأَقْحَطَ إِذَا دَخَلَ فِي الْقَحْطِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ الْمَنْعُ؛ فَكَأَنَّ الْمُحْرِمَ مُمتَنِعٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. وَالْإِحْرَامُ أَيْضًا: دُخُولُ الْحَرَمِ أَوِ الدُّخُولُ في الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، يُقَالُ: أَحْرَمَ الرَّجُلُ: إِذَا دَخَلَ الْحَرَمَ، وَإِذَا دَخَلَ فِي الشُّهُورِ الْحُرُمِ، وَهِيَ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ[1].



وَالْإِحْرَامُ شَرْعًا: نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي نُسُكِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ، أَوْ هُمَا؛ لَا نِيَّةَ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ فَقَطْ[2]. وَمَعْنَى هَذَا: أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ خُرُوجِ الْإِنْسَانِ مِنْ بَيْتِهِ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَقَدْ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَلَكِنْ لَا يَحْصُلُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ نِيَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ، وَلَا يُقَالُ: إِنَّهُ مُحْرِمٌ إِلَّا إِذَا تَلَبَّسَ بِالنُّسُكِ؛ فَإِرَادَةُ النُّسُكِ لَا تُؤَثِّرُ، لَكِنْ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِيهِ هِيَ الَّتِي تُؤَثِّرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.



قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: "نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ مَعَ التَّلْبِيَةِ أَوْ سَوْقُ الْهَدْيِ، لَا نِيَةُ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى إِحْرَامًا. وَكَذَا التَّجَرُّدُ وَسَائِرُ الْمَحْظُورَاتِ؛ لِكَوْنِهِ مُحْرِمًا بِدُونِهَا. لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ قَصْدِ الْحَجِّ وَنِيَّتِهِ؛ فَإِنَّ الْقَصْدَ مَا زَالَ فِي الْقَلْبِ مُنْذُ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ؛ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ يَصِيرُ بِهِ مُحْرِمًا. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ"[3].



وَخُلَاصَةُ الْقَوْلِ هُنَا: أَنَّ قَوْلَهُ: (الْإِحْرَامُ نِيَّةُ النُّسُكِ). مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْحَجُّ بِدُونِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ: رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَقَدْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا ابْنُ رُشْدٍ.[4]



وَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْمَذْهَبِ مَعَ النِّيَّةِ: تَلْبِيَةٌ، وَلَا سَوْقُ هَدْيٍ؛ بَلِ النِّيَّةُ كَافِيَةٌ.



وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعَ النِّيَّةِ: تَلْبِيَةٌ وَلَا سَوْقُ هَدْيٍ، وَالنِّيَّةُ تَكْفِي، وَهَذَا هُوَ الصَّحيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنابِلَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ[5].



الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الْإِحْرَامِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، مَا لَمْ يَأَتِ بِالتَّلْبِيَةِ؛ فَلَا يَكُونُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ قَصْدِ الْحَجِّ وَنِيَّتِهِ، فَإِنَّ الْقَصْدَ مَا زَالَ فِي الْقَلْبِ مُنْذُ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَوْلٍ كَالتَّلْبِيَةِ، أَوْ عَمَلٍ كَسَوْقِ الْهَدْيِ، يَصِيرُ بِهِ مُحْرِمًا، وَهَذَا قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْقَدِيمِ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ[6].



الْفَرْعُ الثَّانِي: الْحِكْمَةُ مِنْ تَشْرِيعِ الْإِحْرَامِ.

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: "قَالَ الْعُلَمَاءُ: ‌وَالْحِكْمَةُ ‌فِي ‌مَنْعِ ‌الْمُحْرِمِ ‌مِنَ ‌اللِّبَاسِ ‌وَالطِّيبِ: ‌الْبُعْدُ عَنِ التَّرَفُّهِ، وَالِاتِّصَافُ بِصِفَةِ الْخَاشِعِ، وَلِيَتَذَكَّرَ بِالتَّجَرُّدِ الْقُدُومَ عَلَى رَبِّهِ؛ فَيَكُونُ أَقْرَبَ إِلَى مُرَاقَبَتِهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنَ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ"[7].



وَقَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: "قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْحِكْمَةُ فِي تَحْرِيمِ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَغَيْرِهِ مِمَّا مُنِعَ مِنْهُ الْمُحْرِمُ: أَنْ يَخْرُجَ الْإِنْسَانُ عَنْ عَادَتِهِ؛ فَيَكُونُ ذَلِكَ ‌مُذَكِّرًا ‌لَهُ ‌مَا ‌هُوَ ‌فِيهِ ‌مِنْ ‌عِبَادَةِ ‌رَبِّهِ؛ ‌فَيَشْتَغِلُ بِهَا"[8]. وَقِيلَ أَيْضًا: "شَرَعَ اللهُ الْإِحْرَامَ لِإِظْهَارِ تَذَلُّلِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ، وَذَلِكَ بِإِظْهَارِ الشَّعَثِ، وَتَرْكِ الرَّفَثِ، وَالْمَنْعِ مِنْ أَسْبَابِ الزِّينَةِ. وَالْإِحْرَامُ مَبْدَأُ النُّسُكِ وَالْعِبَادَةِ، فَهُوَ لِلْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِلصَّلَاةِ، يَحْرُمُ بَعْدَهَا مَا كَانَ مُبَاحًا قَبْلَهَا، فَكَذَلِكَ الْمُحْرِمُ يَتْرُكُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ مَا كَانَ مُبَاحًا لَهُ مِنْ قَبْلُ. وَالْإِحْرَامُ مِنَ الْمَوَاقِيتِ زِيَادَةٌ فِي شَرَفِ الْبَيْتِ وَفَضْلِهِ، فَجَعَلَ لِبَيْتِهِ الْحَرَامِ حَرَمًا آمِناً، وَأَكَّدَ ذَلِكَ وَقَوَّاهُ بِأَنْ جَعَلَ لِحَرَمِهِ حَرَمًا وَهُوَ الْمَوَاقِيتُ الْمَعْرُوفَةُ. فَلَا يَدْخُلُ مَنْ أَرَادَ النُّسُكَ إِلَى الْحَرَمِ إِلَّا إِذَا كَانَ عَلَى وَصْفٍ مُعَيَّنٍ، وَنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ؛ تَعْظِيمًا للهِ، وَتَكْرِيمًا وَتَشْرِيفًا لِبَيْتِهِ وَحَرَمِهِ، ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾[الحج: 32]"[9].



وَجَاءَ في تَوْضِيحِ الْأَحْكَامِ: "مِنْ حِكْمَةِ التَّشْرِيعِ:

1- أَنْ يَأْتِيَ الْحَاجُّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ حَاسِرَ الرَّأْسِ، فَفِي هَذِهِ الْحَالِ يَكُونُ قَرِيبَ الْقَلْبِ مِنْ رَبِّهِ، لَمْ تُطْغِهِ الْمَظَاهِرُ، وَلَمْ تُغْرِهِ الزَّخَارِفُ، وَلَمْ تَفْتِنْهُ الزِّينَةُ.



2- أَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ تَبْعَثُ صَاحِبَهَا عَلَى الْخُضُوعِ، وَالْخُشُوعِ إِلَى اللهِ تَعَالَى هُوَ لُبُّ الْعِبَادَةِ وَرُوحُهَا.



3- أَنَّ لِبَاسَهُ يُذَكِّرُهُ بِمَوْقِفِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ حِينَمَا يَأْتِي إِلَى رَبِّهِ عَارِيًا حَافِيًا؛ فَإِذَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْمَوْقِفَ الْعَظِيمَ زَادَهُ قُرْبًا مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَابْتِهَالًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَخَوْفًا مِنْهُ، وَرَجَاءً إِلَيْهِ.



4- أَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ وَسَائِرَ الْعِبَادَاتِ تَرْمُزُ إِلَى الْوَحْدَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالاِتِّحَادِ بَيْنَهُمْ، وَتُشِيرُ إِلَى الْمُسَاوَاةِ؛ وَلِذَا تَوَحَّدَ زِيُّهُمْ وَمَسْكَنُهُمْ حَتَّى لَا يَطْغَى أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَمْتَازَ فَرْدٌ عَلَى فَرْدٍ، وَلَا يَظْهَرُ غَنِيٌّ عَلَى فَقِيرٍ، وَلَا قَوِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، وَإِنِّمَا هُمْ فِي مَوْقِفٍ وَاحِدٍ، وَفِي عِبَادَةٍ للهِ وَاحِدَةٍ، يَنْشُدُونَ هَدَفًا وَاحِدًا، فَهَذَا اللِّبَاسُ يُؤَلِّفُ بَيْنَ الْقُلُوبِ، وَيُوَحِّدُ بَيْنَ النُّفُوسِ.



5- هَذِهِ اللِّبْسَةُ الْخَاصَّةُ تُشْعِرُهُ فِي أَنَّهُ فِي حَالَةِ إِحْرَامٍ؛ فَيُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ، وَيَصُونُ نَفْسَهُ عَنِ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ.



6- أَمَّا الْمَرْأَةُ فَرُوعِيَ فِي لِبَاسِهَا قَاعِدَةُ: "دَرْءُ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ"؛ فَبَقِيَتْ مَسْتُورَةً مُصَانَةً عَنِ الْفِتْنَةِ؛ لَاسِيَّمَا فِي هَذَا الْمَوْطِنِ"[10].



الْفَرْعُ الثَّالِثُ: حُكْمُ الْإِحْرَامِ.

أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ فَرَائِضِ النُّسُكِ؛ حَجًّا كَانَ أَوْ عُمْرَةً.[11]



الْفَرْعُ الرَّابِعُ: مَا يُسَنُّ لِلْمُحْرِمِ.

ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ سُنَنَ الْإِحْرَامِ، وَهِيَ كَالتَّالِي:

السُّنَّةُ الْأُولَى: الْغُسْلُ أَوِ التَّيَمُّمُ إِنْ عُدِمَ الْمَاءُ، وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَسُنَّ لِمُرِيدِهِ غُسْلٌ أَوْ تَيَمُّمٌ لِعَدَمٍ).



أَيْ: سُنَّ لِمَنْ أَرادَ الْحَجَّ، أَوِ الْعُمْرَةَ، أَوْ هُمَا: أَنْ يَغْتَسِلَ؛ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَلَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ؛ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ -رضي لله عنها- قَالَتْ: «نُفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ؛ فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا بَكْرٍ، يَأْمُرُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ»[12]. وَلِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ -رَضِيَ الله عَنْهُ-: «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَجَرَّدَ لِإِهْلاَلِهِ وَاغْتَسَلَ»، وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ كَلَامٌ[13]؛ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَعْقُوبٍ الْمَدَنِيَّ، وَهُوَ: غَيْرُ مَعْرُوفٍ[14].



وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ -رَحِمَهُ اللهُ-: الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الِاغْتِسَالَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ غَيْرُ وَاجِبٍ.[15] وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا أَعْلَمُ؛ سِوَى ابْنِ حَزْمٍ -رَحِمَهُ اللهُ-، فَقَدْ أَفْرَطَ وَأَوْجَبَهُ عَلَى النُّفَسَاءِ[16]؛ لِأَنَّهُ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ أَسْمَاءَ -رَضِيَ الله عَنْهُا- وَهِيَ نُفَسَاءُ أَنْ تَغْتَسِلَ؛ وَلَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ.



قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ بِالْغُسْلِ عِنْدَ الْإِهْلَالِ: دَلِيلٌ عَلَى تَأْكِيدِ الْإِحْرَامِ بِالْغُسْلِ بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ؛ إِلَّا أَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ يَسْتَحِبُّونَهُ وَلَا يُوجِبُونَهُ. وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ أَوْجَبَهُ إِلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ: إِذَا لَمْ تَغْتَسِلْ عِنْدَ الْإِهْلَالِ اغْتَسَلَتْ إِذَا ذَكَرَتْ، وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ؛ قَالُوا: الْغُسْلُ وَاجِبٌ عِنْدَ الْإِهْلَالِ عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ، وَعَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ طَاهِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ إِيجَابُهُ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْوُضُوءَ يَكْفِي مِنْهُ"[17].



وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ الله- الْإِجْمَاعَ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ[18].



تَنْبِيهٌ:

لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ غُسْلٌ فِي الْحَجِّ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، وَمَا عَدَاهَا فَلَا يُسْتَحَبُّ الاِغْتِسَالُ فِيهِ؛ لِعَدَمِ وُرُودِهِ، كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ الله- فَقَالَ: "وَلَمْ يُنْقَلْ عنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ فِي الْحَجِّ إلَّا ثَلَاثَةُ أَغْسَالٍ:

الْأَوَّلُ: غُسْلُ الْإِحْرَامِ.

الثَّانِي: وَالْغُسْلُ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ.

الثَّالِثُ: وَالْغُسْلُ يَوْمَ عَرَفَةَ.



وَمَا سِوَى ذَلِكَ؛ كَالغُسْلِ لِرَمْيِ الْجِمَارِ، وَلِلطَّوَافِ، وَلِلْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، فَلَا أَصْلَ لَهُ، لَا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا اسْتَحَبَّهُ جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ؛ لَا مَالِكٌ، وَلَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَا أَحْمَدُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَكَرَهُ طَائِفَةٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِهِ، بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ سَبَبٌ يَقْتَضِي الاِسْتِحْبَابَ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ رَائِحَةٌ يُؤْذِي بِهَا النَّاسَ؛ فَيَغْتَسِلُ لِإِزَالَتِهَا"[19].



وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: (أَوْ تَيَمُّمٌ لِعَدَمٍ)؛ أَيْ: فَإِذَا عَدِمَ الْمَاءَ، أَوْ خَافَ ضَرَرًا بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ: فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ؛ هَذَا الَّذِي قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ التَّيَمُّمَ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ سُنَّةٌ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ[20]؛ كَمَا قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ -رَحِمَهُ الله-.



الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ التَّيَمُّمَ لِمَنْ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ النَّظَافَةُ، وَالتَّيَمُّمُ لَا يُنَظِّفُ. وَهَذَا رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ[21]، وَاخْتَارَهَا الْمُوَفَّقُ ابْنُ قُدَامَةَ -رَحِمَهُ الله- فَقَالَ: "فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً لَمْ يُسَنَّ لَهُ التَّيَمُّمُ... أَنَّهُ غُسْلٌ مَسْنُونٌ؛ فَلَمْ يُسْتَحَبَّ التَّيَمُّمُ عِنْدَ عَدَمِهِ، كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ مُنْتَقَضٌ بِغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمَسْنُونِ: أَنَّ الْوَاجِبَ يُرَادُ لِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ، وَالتَّيَمُّمُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ، وَالْمَسْنُونُ يُرَادُ لِلتَّنْظِيفِ وَقَطْعِ الرَّائِحَةِ، وَالتَّيَمُّمُ لَا يُحَصِّلُ هَذَا؛ بَلْ يَزِيدُ شُعْثًا وَتَغْبِيرًا؛ وَلِذَلِكَ افْتَرَقَا فِي الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى، فَلَمْ يُشْرَعْ تَجْدِيدُ التَّيَمُّمِ، وَلَا تَكْرَارُ الْمَسْحِ بِهِ"[22].



فَائِدَةٌ:

وَقَدْ ذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ الله- إِلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ؛ فَذَهَبَ إِلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ الْمُسْتَحَبَّةَ إِذَا تَعَذَّرَ فِيهَا اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ: فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ لَهَا[23]، مِثْلُ مَنْ أَرَادَ تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شَرَعَ التَّيَمُّمَ لِطَهَارَةِ الْحَدَثِ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ؛ وَلِأَنَّ الْعِبَادَاتِ لَا قِيَاسَ فِيهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ.



السُّنَةُ الثَّانِيَةُ: التَّنَظُّفُ، وَهَذِهِ قَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَتَنَظُّفٌ).



أَيْ: وَيُسَنُّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَنَظَّفَ، وَإِذَا قُرِنَ التَّنَظُّفُ مَعَ الْغُسْلِ: فَالْمُرَادُ بِالتَّنَظُّفِ: مَا يَتَعَلَّقُ بِسُنَنِ الْفِطْرَةِ؛ مِنْ أَخْذِ شَعَرٍ وَظُفْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَطْعِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ؛ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إِلَى أَخْذِهَا فِي الْإِحْرَامِ فَلَا يَتَمَكَّنُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ الله-: "إِنَّ أَخْذَهَا لَا عَلَاقَةَ لَهُ بِالْإِحْرَامِ، فَإِنْ كَانَ مُرِيدُ النُّسُكِ مُحْتَاجًا لِأَخْذِهَا أَخَذَهَا، وَإِلَّا فَلَيْسَ أَخْذُهَا مِنْ خَصَائِصِ الْإِحْرَامِ، وَلَا مِنْ سُنَنِهِ، لَكِنَّهُ مَشْرُوعٌ حَسَبَ الْحَاجَةِ. وَهَكَذَا يُشْرَعُ لِمُصَلِّي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ"[24].



السُّنَّةُ الثَّالِثَةُ: التَّطَيُّبُ، وَهَذِهِ قَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَتَطَيُّبٌ).



أَيْ: وَسُنَّ لَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ فِي بَدَنِهِ؛ لِقَوْلِ عَائِشَةَ -رَضِيَ الله عَنْهَا-: «كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ»[25]. وَقَوْلِهَا -رَضِيَ الله عَنْهَا-: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهُوَ مُحْرِمٌ»[26]. وَقَوْلُهَا: «وَبِيصِ الْمِسْكِ»؛ أَيْ: بَرِيقِهِ.



وَأَمَّا تَطْيِيبُ الْمُحْرِمِ ثَوْبَهُ: فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِهِ عَلَى أَقْوَالٍ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ تَطْيِيبُ الْمُحْرِمِ ثَوْبَهُ، وَلَهُ اسْتِدَامَةُ لُبْسِهِ مَا لَمْ يَنْزِعْهُ، فَإِنْ نَزَعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَلْبَسَهُ قَبْلَ غَسْلِ الطِّيْبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ الْمُطَيَّبَةَ لَا يَجُوْزُ لُبْسُهَا فِي الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الطِّيبِ، وَلُبْسَ الْمُطَيَّبِ دُونَ الِاسْتِدَامَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ[27].



الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ تَطْيِيبُ ثَوْبِهِ، وَهَذَا قَوْلٌ لِلْحَنابِلَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ[28]؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ الله عَنْهُ- مَرْفُوعًا، وَفِيهِ: «وَلاَ تَلْبَسُوا شَيْئًا مِنَ الثِّيَابِ مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلاَ وَرْسٌ»[29]. وَعَلَى هَذَا: فَإِذَا طَيَّبَ الْمُحْرِمُ ثَوْبَهُ قَبْلَ إِحْرَامِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَغْسِلَهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَلْبَسَهُ حَتَّى يَغْسِلَهُ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.



الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمُحْرِمِ تَطْيِيبُ ثَوْبِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ[30].



السُّنَّةُ الرَّابِعَةُ: التَّجَرُّدُ مِنَ الْمَخِيطِ، وَهَذِهِ قَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَتَجَرُّدٌ مِنْ مَخِيطٍ).



أَيْ: وَسُنَّ لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ أَيْضًا تَجَرُّدٌ مِنْ مَخِيطٍ، وَمَعْنَى هَذَا: أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَتَجَرَّدَ مِنَ الْمَخِيطِ قَبْلَ نِيَّةِ الْإِحْرَامِ؛ لِيُحْرِمَ عَنْ تَجَرُّدٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ إِحْرَامَهُ قَبْلَ تَجَرُّدِهِ، لَكِنْ إِنِ اسْتَدَامَ لُبْسَ الْمَخِيطِ وَلَوْ لَحْظَةً فَوْقَ الْمُعْتَادِ مِنْ وَقْتِ خَلْعِهِ: فَدَى.



وَالْمَقْصُودُ بِالْمَخِيطِ: "هُوَ الْمَلْبُوسُ الْمَعْمُولُ عَلَى قَدْرِ الْبَدَنِ، أَوْ قَدْرِ عُضْوٍ مِنْهُ؛ بِحَيْثُ يُحِيطُ بِهِ؛ سَوَاءٌ بِخِيَاطَةٍ أَوْ نَسْجٍ أَوْ لَصْقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَتَفْسِيرُ لُبْسِ الْمَخِيطِ عَلَى وَجْهِ الْمُعْتَادِ: أَنْ لَا يَحْتَاجَ فِي حِفْظِهِ إِلَى تَكَلُّفٍ عِنْدَ الِاشْتِغَالِ بِالْعَمَلِ، وَضِدُّهُ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَيْهِ"[31].



فَكُلُّ مَا يُخَاطُ عَلَى قَدْرِ الْمَلْبُوسِ عَلَيْهِ؛ كَالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ؛ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللهُ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ.



قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ الله-: "وَالتَّجَرُّدُ مِنَ اللِّبَاسِ وَاجِبٌ فِي الْإِحْرَامِ، وَلَيْسَ شَرْطًا فِيهِ؛ فَلَوْ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ؛ صَحَّ ذَلِكَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَبِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعَ اللِّبَاسَ الْمَحْظُورَ"[32].



السُّنَّةُ الْخَامِسَةُ: الْإِحْرَامُ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ أَبْيَضَيْنِ نَظِيفَيْنِ، وَهَذِهِ قَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَيُحْرِمُ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ أَبْيَضَيْنِ نَظِيفَيْنِ).

أَيْ: وَيُسَنُّ لِمَنْ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ: أَنْ يُحْرِمَ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ، "الْإِزَارُ هُوَ: هَذَا الْمَعْرُوفُ الَّذِي يُشَدُّ عِلَى الْحِقْوَيْنِ فَمَا تَحْتَهُمَا، وَهُوَ الْمِئْزَرُ. وَالرِّدَاءُ: مَا يَرْتَدِي بِهِ عَلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَبَيْنَ الْكَتِفَيْنِ مِنْ بُرْدٍ أَوْ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ؛ يَجْعَلُ نِصْفَهُ عَلَى كَتِفَيْهِ"[33].



وَهَذَا لِمَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ الله عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لِيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ، وَنَعْلَيْنِ»، وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ[34].



وَأَمَّا كَوْنُهُمَا أَبْيَضَيْنِ: فَلِمَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ الله عَنْهُما- مَرْفُوعًا: «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ، فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ»، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ وَجَمَاعَةٌ[35].



وَهَذَا الْحُكْمُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ نَقَلَ الْإِجَمَاعَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ[36].



وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ جَمِيعِ أَجْنَاسِ الثِّيَابِ الْمُبَاحَةِ: جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُلَوَّنًا، كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ الله- فِي مَنْسَكِهِ[37].



السُّنَّةُ السَّادِسَةُ: الْإِحْرَامُ عَقِبَ رَكْعَتَيْنِ، وَهَذِهِ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِحْرَامٌ عَقِبَ رَكْعَتَيْنِ).



أَيْ: يُسّنُّ أَنْ يُحْرِمَ بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ نَفْلًا كَانَتْ أَوْ فَرِيْضَةً؛ لِأَنَّهُ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَهَلَّ دُبُرَ صَلَاةٍ.



وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: اسْتِحْبَابُ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا اسْتَحَبَّهُ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ، قَالَ الْبَغَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ"[38]. وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- الْإِجْماعَ عَلَى اسْتِحْبابِهَا.[39]



الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِحْرَامِ صَلَاةٌ تَخُصُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ لِلْإِحْرَامِ صَلَاةً تَخُصُّهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وتَبِعَهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ الْقَيِّمِ[40].



وَعَلَى كُلِّ حَالٍ: فَالْقَوْلُ بِاسْتِحْبَابِ رَكْعَتَيْنِ لِلْإِحْرَامِ وَجِيهٌ، وَهُوَ قَوْلٌ قَوِيٌّ؛ فَمَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لِلْإِحْرَامِ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَعَهُ أَصْلًا، وَمَنْ أَحْرَمَ عَقِبَ فَرِيضَةٍ فَهُوَ أَوْلَى، وَمَنْ تَرَكَ فَلَا بَأْسَ.



الْفَرْعُ الْخَامِسُ: حُكْمُ النِّيَّةِ فِي الْإِحْرَامِ. وَهَذَا قَدْ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَنِيَّتُهُ شَرْطٌ).

أَيْ: نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ شَرْطٌ؛ فَلَا يَكُونُ مُحْرِمًا إِلَّا بِالنِّيَّةِ؛ فَلَوْ تَجَرَّدَ، أَوْ لَبِسَ فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مُحْرِمًا؛ لِحَدِيثِ عُمَرَ -رَضِيَ الله عَنْهُ-: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ[41].



الْفَرْعُ الْخَامِسُ: مَا يُسْتَحَبُّ قَوْلُهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ.

وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيُسْتَحَبُّ قَوْلُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ نُسُكَ كَذَا فَيَسِّرْهُ لِي، وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي).



هُنَا ذَكَرَ أَمْرَيْنِ مُسْتَحَبَّيْنِ لِمَنْ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ، وَهُمَا:

الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: أَنْ يُعَيِّنَ الْحَاجُّ أَوِ الْمُعْتَمِرُ مَا يُحْرِمُ بِهِ؛ فَإِذَا أَرَادَ عُمْرَةً قَالَ: (لَبَّيْكَ عُمْرَةً)، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ قَارِنًا قَالَ: (لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا(، وَهَكَذَا.



فَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِمَا أَرَادَ مِنْ عُمْرَةٍ، أَوْ حَجٍّ، أَوْ قِرَانٍ، أَوْ تَمَتُّعٍ بِعُمْرَةٍ إِلَى الْحَجِّ؛ وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْهُ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ الله عَنْهُ- قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا، لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا»[42].



وَقَدْ تَوَاتَرَتِ النُّصُوصُ فِي أَنَّهُ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَجْهَرُ بِالنُّسُكِ، لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ نُسُكَ كَذَا فَيَسِّرْهُ لِي، وَالنُّطْقُ بِهَا فِي الْحَجِّ كَالنُّطْقِ بِهَا فِي الصَّلَاةِ؛ فَعَلَى هَذَا لَا تُشْرَعُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ.



الْأَمْرُ الثَّانِي: الاِشْتِرَاطُ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: (إِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي). وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:



الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ سُنَّةٌ مَطْلَقًا، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، وَالظَّاهِرِيَّةِ[43]، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَنَقَلَهُ عَنْ جَمْعٍ مِنَ السَّلَفِ[44]؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ حِينَ قَالَتْ لَهُ: إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَأَجِدُنِي شَاكِيَةً: «حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» مُتَفَقٌ عَلَيْهِ[45]. وَقَوْلُهُ: «قُولِي»: يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ التَّلَفُّظِ وَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ.



الْقَوْلُ الثَّانِي: عَكْسُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ تَمَامًا، وَهُوَ: أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا، وَلَا يَصِحُّ، وَلَا أَثَرَ لَهُ فِي التَّحَلُّلِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ[46]؛ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّهَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ، وَالْقَاعِدَةُ فِي الْأَصْلِ: أَنَّ قَضَايَا الْأَعْيَانِ لَا تَصْلُحُ دَلِيلًا لِلْعُمُومِ، وَقُلْنَا: إِنَّ حَدِيثَ ضُبَاعَةَ قَضِيَّةُ عَيْنٍ؛ لِأَنَّهَا خِلَافُ الْأَصْلِ؛ فَالْأَصْلُ فِي الْمَرِيضِ أَنَّهُ يَفْتَدِي إِنْ أَصَابَهُ الْمَرَضُ، وَأَنَّهُ إِذَا أُحْصِرَ وَمُنِعَ مِنَ الْبَيْتِ: فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ؛ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَدْ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾ [البقرة: 196]؛ لَكِنْ إِذَا اشْتَرَطَ يَخْرُجُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ؛ فَيَخْرُجُ مِنَ الْفِدْيَةِ وَإِرَاقَةِ الدَّمِ فِي الْإِحْصَارِ؛ فَصَارَتْ قَضِيَّةَ عَيْنٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.



الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ سُنَّةٌ لِمَنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ؛ وَدَلِيلُهُمْ حَدِيثُ ضُبَاعَةَ؛ فَمَنْ كَانَ حَالُهُ كَحَالِ ضُبَاعَةَ: فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-، وَقَالَ: إِنَّ أَدِلَّةَ الطَّرَفَيْنِ تَجْتَمِعُ فِيهِ[47]. وَاللهُ أَعْلَمُ.



مَسَائِلُ:

تَكْمِلَةٌ:

ذَكَرَ الْأَصْحَابُ: أَنَّ الاِشْتِرَاطَ وَارِدٌ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَصَحَّ ‌الْقَوْلُ ‌بِالِاشْتِرَاطِ ‌عَنْ ‌عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَمَّارٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ"[48].



مَسْأَلَةٌ:

يُفِيدُ الاِشْتِرَاطُ عَلَى الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إِذَا عَاقَهُ عَائِقٌ مِنْ عَدُوٍّ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ، أَوْ نَحْوِهِ: فَإِنَّهُ يُحِلُّ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِزِيَادَةِ الْإِمَامِ النَّسَائِيِّ: «‌فَإِنَّ ‌لَكِ ‌عَلَى ‌رَبِّكِ ‌مَا ‌اسْتَثْنَيْتِ»[49][50].



مَسْأَلَةٌ:

ذَكَرَ صَاحِبُ الرَّوْضِ: أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ أَنْ يُحِلَّ مَتَى شَاءَ، أَوْ إِنْ أَفْسَدَهُ لَمْ يَقْضِهِ: لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ[51].

كراميلا ❥ 05-08-2024 12:21 PM

موضوع رائع
يعطيكـ العافيهـ \ الف شكر ع طرحك
".بشوق لجديدكـ

ٲمنِـيَــةٌ 05-08-2024 03:43 PM




-







موضوعٌ فِي قمة الجَمال
وأضَاء بجمالِه أرجاء المكانِ ، شكرا للإبدَآعِ
يعطِيك العّآفية:64:.

حسان 05-08-2024 06:45 PM

بارك الله فيك
وفي طرحك القيم
جزاك الله خيرا

мя Зάмояч 05-08-2024 07:36 PM

جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك

البرنس مديح آل قطب 05-08-2024 07:41 PM







https://www.raed.net/img?id=389576

http://www.r-eshq.com/vb/images/icons/u11.gif
http://www.r-eshq.com/vb/images/icons/u11.gif
http://www.r-eshq.com/vb/images/icons/u11.gif
http://www.r-eshq.com/vb/images/icons/u11.gif

جزاكم الله خير الجزاء ..وبارك فيكم :d4:
‏طرحكم راق لي كثيراً مميز بتميزكم :ho3:
‏هنا وجدنا طرح عشرة على عشرة :x33:
ننتظر منكم كل جديد ومميز :eq-35:
يعطيكم العافية وسلمت يداكم :ho14:
لكم شكرنا لروعة طرحكم
:501:
كل الشكر والتقدير لكم :icon28:
لكم منا :x33:
باقات جاسمين :ho14:
يسلمواااااااااااااااااااااا :244:
https://www.raed.net/img?id=405932
القيصرالعاشق http://www.r-eshq.com/vb/images/icons/u10.gif
البـــــ http://www.r-eshq.com/vb/images/icons/q68.gifمديح آل قطبhttp://www.r-eshq.com/vb/images/icons/q68.gif ـــــــرنس
:238:
https://www.raed.net/img?id=389575
https://up6.cc/2023/10/169857152674393.jpg






الساعة الآن 06:24 PM

Powered by vBulletin Hosting By R-ESHQ
new notificatio by R-ESHQ
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة الموقع