عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 04-29-2022
رحيل متواجد حالياً
United Arab Emirates     Female
قَدَاسَة طُهِّرَ | | أَوْسِمَتِي | |
 
 عضويتي » 1396
 اشراقتي ♡ » Dec 2019
 كُـنتَ هُـنا » منذ 41 دقيقة (01:37 AM)
موآضيعي » 14588
آبدآعاتي » 8,576,800
 تقييمآتي » 6115454
 حاليآ في » ابو ظبي
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه United Arab Emirates
جنسي  »  Female
 حالتي الآن » الحمد لله
آلعمر  » 28سنة
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط ♡
تم شكري »  68,220
شكرت » 19,406
الاعجابات المتلقاة » 13349
الاعجابات المُرسلة » 685
مَزآجِي  »  1
 
افتراضي منهج القرآن في إصلاح المسلمين



منهج القرآن في إصلاح المسلمين
د. محمود بن أحمد الدوسري

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أمَّا بعد:
يتضح منهج القرآن العظيم في إصلاح المسلمين من خلال الأمور التالية:
أولًا: التَّدرج في التَّشريع:اقتضت حكمة الله تعالى التدرج بهؤلاء العرب الذين نزل فيهم القرآن وأُشربت قلوبهم شعائر الجاهلية وليس من اليسير اجتثاثُهم منها أو نَزْعُها دفعة واحدة من عقولهم وقلوبهم.

فقد بدأ القرآن الحكيم بتصحيح العقيدة أولًا، فنزلت الآيات التي تدعو إلى عبادة الله وحده وتحذِّر من عبادة الأوثان، وتدعو إلى التفكر في المخلوقات، والتوصُّل بذلك إلى عظمة الخالق جلَّ جلالُه، وساقت القصص والشواهد في إثبات العقيدة الصحيحة، ونزلت بعد ذلك الآيات المتعلقة بأصول الشريعة؛ كالصلاة، والزكاة، والصيام، والأخلاق، وغيرها.

ومن الشَّواهد على ذلك، حديث عائشة رضي الله عنها حيث قالت: «إنما نزَلَ أَوَّلَ ما نزل منه - أي: القرآن - سورةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فيها ذِكْرُ الجنة والنارِ، حتى إذا ثاب الناسُ إلى الإسلام، نزلَ الحلالُ والحرامُ، ولو نزل أوَّلَ شيء: لا تشربوا الخَمْرَ، لقالوا: لا نَدَعُ الخمرَ أبدًا، ولو نَزَلَ: لا تَزْنُوا، لقالوا: لا نَدَعُ الزِّنا أبدًا»[1].

ثانيًا: الإقناع: كثيرًا ما ترد في القرآن الحكيم عبارات: (لعلَّكم تعقلون) (لقوم يتفكرون) (لقوم يفقهون) (أفلا يسمعون) (قليلًا ما تذكَّرون) (أنَّى يؤفكون) (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) بعدما يسوق القرآن الكريم عقيدةً من عقائده أو حُكمًا من تشريعه يُعقب بمثل هذه العبارات حتى لا يبقى عذر لمستمع.

وقد ذمَّ القرآن الحكيم الذين لا يُعملون عُقولَهم ولا يتأمَّلون ولا يتدبَّرون بعبارات شتى، كقوله تعالى: ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179]، وقوله: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الأنفال: 22].

فالقرآن العظيم يدعو المسلمين في كلِّ مكان وزمان إلى التفكر والتدبُّر والتأمل في الأدلة والحجج والبراهين وأمور العقيدة وأحكام الشريعة، حتى يصل المسلم إلى اقتناع من عقله، وطمأنينة من قلبه، ويقف على محجَّة واضحة ظاهرة تُنير له طريق الحق[2].

ثالثًا: التَّكرار: من طبيعة النَّفس الإنسانية النِّسيان، وعلاجه في التَّكرار، والقرآن العظيم هو كتاب التَّربية لهذه الأمة، والتَّربيةُ ليست قولةً تُقال مرَّةً وتنتهي، فكلُّ مَنْ مارَسَ التربية - مع صغير أو كبير - يعلم إلى أيِّ مدى يحتاج مَنْ يتلقَّى التَّربية التَّذكير الدَّائم حتى يستقيم على الأمر المطلوب، ومن ثم يستطيع أن يُقَدِّرَ الهدف التَّربوي من عملية التَّكرار في القرآن العظيم. قال تعالى: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: 55]. وقال تعالى: ﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ﴾ [الأعلى: 9، 10]. ومن هنا نُدرك أن التَّكرار لا يأتي اعتباطًا، إنما يأتي لهدف مقصود.

وأكثر الموضوعات تكرارًا وتنوعًا في القرآن العظيم: موضوعات العقيدة والمتمثِّلة في أركان الإيمان السِّتة، وكذلك قصص الأنبياء، وقصَّة آدم والشَّيطان، وأخلاقيات الإيمان.

وعندما يدعو القرآن العظيم إلى عقيدة التوحيد مثلًا، كثيرًا ما يكرر ذلك في السُّورة الواحدة، ولكن بألوان شتى، فنراه مرة يُصرِّح، وأُخرى يُلمِّح، وثالثة يُوجز، ورابعة يُطنب، وأحيانًا يسوق العقيدة مجردةً، وأحيانًا يُتبعها الدليل، وتارة يورد دليلًا واحدًا، وتارة جملة أدلة، وتارة يضرب لها الأمثال، وتارة يسوقها في قصة، ويُعَقِّبُ عليها بالوعد مرة، وبالوعيد مرة أخرى[3].

وخَيرُ مثال على ذلك: ما نجده في سورة الأنعام، والتي يدور محورها حول «العقيدة وأُصول الإيمان»، فقد تناولت القضايا الكبرى الأساسيَّة لأصول العقيدة والإيمان، ويمكن تلخيصها فيما يلي: في الألوهية، والوحي والرِّسالة، والبعث والجزاء.

فقد تنوَّعت وتكرَّرت هذه الأمور في سورة الأنعام بألوان شتَّى، وأساليب مختلفة مُوزَّعة على السورة كلِّها، حسب مقتضيات الأحوال، والسِّياق الواردة فيه تلك الدَّلائل؛ لأجل إثبات التَّوحيد الخالص لله ربِّ العالمين، وإفراده بالعبادة، وإظهار بديع صُنعه، وإبطال الشرك والوثنية التي كانت سائدة قبل نزول القرآن العظيم[4].

فلا يشعر القارئ بتكرار، بل يجد في كلِّ مرة صورةً أخرى مختلفةً عن التي سبقتها أو ستأتي بعدها، مما يكون له أبلغ الأثر في إصلاح الفرد المسلم والجماعة المسلمة.

رابعًا: تهذيب الغرائز واستثمارها إيجابيًا: رَكَّبَ اللهُ تعالى في الإنسان غرائزَ متعددةً ابتلاءً وامتحانًا، وجاء القرآن العظيم بتهذيب هذه الغرائز وتوظيفها واستثمارها إيجابيًا لصالح المسلم.

فهذَّب غريزةَ الخوف مثلًا، واستثمرها إيجابيًا في الترهيب من وقوع العذاب في الدنيا، ومن النار وجحيمها في الآخرة، وما جرى للأمم السابقة من أنواع العذاب والابتلاء، ووصف ما أعد الله لأهل النار يوم القيامة.

وهذَّب القرآنُ الحكيمُ غريزةَ المحبَّة؛ كالأثرة، وحب التملُّك، وتحدَّث عَمَّا أعده الله تعالى للمؤمنين يوم القيامة، وأفاض في وصف الجنة: أنهارها وأشجارها وفاكهتها وطيورها ومائها وألبانها وخمرها وحورها العين، مما يشبع غريزة حب التملُّك، كقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا ﴾ [الإنسان: 20].

وهذَّب غريزةَ حُبِّ البقاء، وسخَّرها ووظَّفها واستثمرها في الدِّفاع عن حياض الدِّين، وبشَّرهم بأن الذين يُقتلون في سبيل الله أحياء عند ربِّهم يرزقون، ووصف حال أهل الجنة من الصِّحة والسَّلامة من الأمراض والنَّصَب والجوع والعطش، مما كان له أثره الذي لا يُنكَر في الجهاد الإسلامي على مر العصور المختلفة[5].

وهذَّب غريزةَ حُبِّ الاقتداء، فطهَّرها ونقَّاها من الاقتداء الأعمى الضَّار، ودعا إلى القدوة والأسوة الحسنة والاتباع المحمود: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]. وقال سبحانه مخاطبًا نبيه: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [آل عمران: 31]. وقال سبحانه: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ﴾ [الأنعام: 90].

وهكذا سلك القرآنُ الحكيمُ المسلكَ الحكيمَ في بقيَّة الغرائز، وكان لذلك أثره في الاتباع والانقياد لشرع الله تعالى وسلامة المكلَّفين. فمن عظمة القرآن ورفعته وعلوِّ شأنه: أنه يُعلي الغرائز ولا يُلغيها.

خامسًا: التَّوازن الدُّنيوي والأُخروي: النُّصوص القرآنية الكثيرة كلُّها تشهد وتحث المسلم على التوازن بين مطالب الدنيا ومطالب الآخرة، وأنَّ القرآن حين دعا إلى العمل للآخرة لم يهدم الدنيا، وحين أمر بالكسب في الدنيا لم يغفل الآخرة، فكان وسطًا بين مطالب الروح والجسد، والغيب والشهادة، قال تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77].

وأعلن القرآن الحكيم أن ثواب الدنيا والآخرة عند الله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء: 134].

وذَمَّ الذين يطلبون حَسَنَةَ الدنيا وحدها، فقال سبحانه: ﴿ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [البقرة: 200-202].

سادسًا: استقراء التَّاريخ لأخذ العظة والعبرة: القرآن المجيد، وإن لم يكن كتابَ تاريخ، إلاَّ أنه استعمل التَّاريخ ووظَّفه أحسن توظيف، وأَخَذَ خلاصته وعصر عصارته.

ففي القرآن أخبار كثيرة عن الأمم السابقة مما جرى للأنبياء مع أقوامهم، وما نتج من ذلك من أنواع العذاب الذي وقع عليهم، أو الحوار والجدل سواء كان بين الأنبياء وآبائهم؛ كحديث إبراهيم عليه السلام مع أبيه، أو مع أبنائهم؛ كحديث نوح عليه السلام مع ابنه، أو مع إخوانهم؛ كقصة يوسف وأخوته، أو مع ملوكهم؛ كحديث إبراهيم عليه السلام مع الذي آتاه الله الملك، أو حديث موسى عليه السلام مع فرعون، أو كان جدالًا عامًا، أو قصة عن الأمم الماضية والقرون الخالية، أو خلق آدم عليه السلام، وما جرى له مع إبليس لعنه الله.

والمقصود من إيراد هذه القصص أو الحوادث التَّاريخية في القرآن أمور عديدة من أهمها:
1- جذْبُ انتباه القارئ للقصَّة، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ ﴾ [يوسف: 7]. وقال أيضًا: ﴿ فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 176].

2- أَخْذُ العِظَةِ والعبرة، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ ﴾ [يوسف: 111].

3- إبراز الأفكار شاخصة في أشخاص يؤمنون بها، كما تبرز فكرة ادِّعاء الألوهية بِشَخْصِ فرعونَ مثلًا، قال تعالى: ﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ﴾ [النازعات: 24-26]. فمن خلال قراءة القرآن العظيم يستقرئ القارئ التَّاريخ، ويستوعب تلك العبر والعظات[6].

4- مراعاة النَّفس البشريَّة حال دعوتها، وأنَّ هذه النَّفس جُبِلَتْ على حبِّ المثل الشَّارد، والنَّموذج السَّابق، والقصص الغائب، ممَّا يثير في النَّفس خواطر ومشاعر يستفاد منها في دعوتها إلى ما أراده الله عزّ وجل.

[1] رواه البخاري، (3/ 1612)، (ح4993).

[2]انظر: بلاغة تصريف القول في القرآن الكريم (ص340).

[3] انظر: مناهل العرفان (2/ 333).

[4] انظر: بلاغة تصريف القول في القرآن الكريم (ص380).

[5] انظر: مناهل العرفان (2/ 333).

[6] انظر: خصائص القرآن الكريم (ص76-86).



 توقيع : رحيل

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس