قصص عن حسن الظن بالله
الفتى الصابر على عقيدته ( 1 )
لما وجد الفتي المؤمن عبد الله المزني أن صبره قد طال ، وأن عمه بعيد عن الإسلام ، وأن المشاهد مع رسول الله تفوته واحدا بعد آخر ، حزم أمره غير غافل عن عواقب ما أقدم عليه وأقبل على عمه ، وقال :
يا عم ، لقد انتظرت إسلامك طويلا حتى نفد صبري ، فإن كنت ترغب في أن تسلم ويكتب الله لك السعادة ، فنعم ما تصنع ، وإن كانت الأخرى فأذن لي بأن أعلن إسلامي بين الناس .
ما كادت كلمات الفتى تلامس أذني عمه حتى استشاط غضبا وقال : أقسم باللات والعزى لئن أسلمت لأنزعن من يدك كل شيء كنت أعطيته لك ، ولأسلمنك للفاقة ، ولأتركنك فريسة للعوز والجوع .
فلم يحرك هذا التهديد في الغلام المؤمن ساكنا ، ولم يفتت من عزمه شيئا ، فاستعان عمه عليه بقومه ، فهبوا يرهبونه ويرغبونه ، وطفقوا يهددونه ويتوعدنه ، فكان يقول لهم :
افعلوا ما شئتم ، فأنا والله متبع محمدا ، وتارك عبادة الأحجار ، ومنصرف إلى عبادة الواحد القهار ، وليكن منكم ومن عمي ما يكون ، فما كان من عمه إلا أن جرده من كل ما أعطاه ، وقطع عنه رفده ، ولم يترك له غير بجاد يستر به جسده .
مضى الفتي المزني مهاجرا بدينه إلى الله ورسوله ، مخلفا وراءه مغاني الطفولة ومراتع الصبا ، معرضا عما في يد عمه من الثراء والنعمة ، راغبا فيما عند الله من الأجر والمثوبة ، وجعل يحث الخطى نحو المدينة تحدوه إليها أشواق باتت تفري فؤاده فريا . فلما غدا قريبا من “يثرب” شق بجاده شقين ، فاتزر بأحدهما وارتدى الآخر .
ثم مضى إلى مسجد الرسول وبات فيه ليلته تلك ، فلما انبلج الفجر وقف قريبا من باب حجرة النبي عليه الصلاة والسلام ، وجعل يترقب – في لهف وشوق – طلعة الرسول الأعظم من حجرته .
فما أن وقع بصره عليه حتى تهللت على خديه دموع الفرح ، وشعر كأن قلبه يريد أن يقفز من بين جنبيه لتحيته والسلام عليه .
ولما قضيت الصلاة ، قام النبي – صلى الله عليه وسلم – على عادته يتصفح وجوه الناس فنظر إلى الفتى المزني ، وقال : ممن أنت يا فتى ؟ فانتسب له ، فقال له : ما اسمك ؟ فقال : عبد العزى ، فقال له : بل عبد الله .
ثم دنا منه وقال : انزل قريبا منا وكن في جملة أضيافنا ، فصار الناس منذ ذلك اليوم ينادونه عبد الله . ولقبه الصحابة الكرام ” بذي البجادين ” بعد أن رأوا بجاديه ، ووقفوا على قصته .
جاء إبليس إلى عيسى – عليه السلام – ، فقال له : ألست تعلم أنه لا يصيبك إلا ما كتب الله لك ؟
قال عيسي : بلى .
فقال إبليس : فارم بنفسك من هذا الجبل ، فإنه إن قدر لك السلامة تسلم .
فقال عيسى : يا ملعون ، إن الله عز وجل يختبر عباده ، وليس لعبد أن يختبر الله عز وجل .