تعريف بالسورة سورة الإنسان مدنية تُسمى سورة الدهر، وعدد أياتها (30 ) آية ، وترتيبها في المصحف رقم (76 )، وفيها البدء بتذكير الإنسان بأصله وتفصيل معاده، ونعيم أهل الجنة، وحقيقة كتاب الله الذي أنزله على رسول الله صل الله عليه وسلم
التفسير:
هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) تبتدئ السورة بسؤال تقريري مُوجه للإنسان تقول فيه: هل أتى عليك أيها الإنسان وقت من الأوقات والأزمان لم تكُن فيه شيئا على الإطلاق؟ والجواب نعم، قبل أنْ يُخلق، ثمَّ خلقه الله من نُطفة، هذه النُّطفة أو القطرة من الماء مُختلطة من كلٍّ من الرجل والمرأة,
الله خلق الإنسان ليمتحنه، وأعده لهذا الامتحان، بأن جعل له السمع والبصر وهداه وعرَّفه طريق الهُدى وطريق الضلال، وترك له حرية الاختيار بعقله، فإمَّا أن يختار طريق الهُدى فيكون شاكرا لله على نِعمه، وإمَّا أن يختار طريق الضلال فيكون كافرا لِنعم الله.
والمصير كما يلي: فأمَّا الكافرون فإن الله أعد لهم سلاسل يُسحبون بها، وأغلالا يُفيَّدون بها، ونارا يُحرَّقون فيها، أمَّا الأبرارُ فإنهم يشربون من كأسٍ مخلوطةٍ بالكافور، ليُطيِّب ريحها وطعمها أكثر، ويشربون من عين مخصصة لعباد الله هم الذين يُفجّرونها، ويُجرونها كما يشاؤون بإذن الله، لأنهم كانوا يُنفِّذون نُذورهم، ويخافون أهوال يوم القيامة الذي عظُم شرُّه، وانتشر خطره، هؤلاء المؤمنون كانوا يُطعِمون الطعام للمحتاج مع حاجتهم إليه، فيُطعِمون المسكين واليتيم والأسير وغيرهم، ويفعلون ذلك لا لِيجزِيهُم الناس على ذلك، ولا ليشكُروهُم، إنما كانوا يفعلون هذا تقرُّبا إلى الله تعال.
إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) تُواصل الآيات الحديث عن الأبرار، وما أعد الله لهم في جنات النعيم فتقول: إنَّا كُنا نخاف جهنم وعذابها الشديد الكريه، فنجاهم الله مما كانوا يخافون لصِدقهم وتقواهُم وأعطاهم حُسْناً في الوجه، وسرورا في القلب، وكافأهم على صبرِهم جنةً وحريرا يلبسونه، ويجلسون فيها على المقاعد المُريحة، ولا يرون فيها شمسا تلفحُهُم ولا بردا يؤذيهم، وثمارُها دانيةٌ لهم قريبةٌ يأخذونها دون مشقّة، وعناقيدُها وثمارُها في مُتناولهم.
وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22) وأمّا شرابُ أهل الجنة، فإنّ السَاقِين يَطوفون عليهم بآنية مصنوعة من فضة، وأكواب وهي الكؤوس المصنوعة من الزُجاج، ويملأُونها بحسبِ حاجة أهل الجنة، وما تشتهي أنفسهم، ويُسقون من الشراب كأساً مخلوطةً بالزنجبيل فيجعلها ذلك أطيب، ويقوم على خِدمتهِم ولدانٌ خالدون، لا يَهرمُون ولا يَمرضون، بل يبقون على حالٍ من الفُتوَّةِ والقوة، وعندما تنظُر إليهم وهم مُنتشرون لخِدمة الناس تظنهم لؤلؤاً قد نُثِر على البُسط، من شِدةِ حًسنِهِم، وجمال منظرهم.
في الجنة هناك ترى النعيم الكبير والملك العظيم، وأمّا لِباسُهُم فالحرير الأخضر الرقيق والحرير السميكُ الثقيل، وحُلِيُّهم من فضة يَلبسُنها إكراما لهم، وفوق كل ذلك يمنُّ عليهم ربهم، فيسقيهم أطهر الشراب وأطيبه، وهذا كله جزاءٌ لعباده المؤمنين الأبرار، لقاء أعمالهم الصالحة التي قدموها في الدنيا، قد قبِلها الله منهم، وشكر لهم، وأثنى عليهم.
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) الخطاب في هذه الآيات للنبي صل الله عليه وسلم، وكل ُّ من يقتدي بالنبي صل الله عليه وسلم فهو مُخاطب بما خُوطِب به الرسول صل الله عليه وسلم تقول الآيات: إنّا نحن نزَّلنا عليك القرآن تنزيلا وقتا بعد وقت، وسورةً بعد سورةٍ ( فا صبر لحكم ربك)، ولا تُطِع من هؤلاء الكافرين آثما كثير الإثم، ولا كافرا شديد الكُفر، واذكُر ربَّك وسبَّح اسمه العظيم في كل الأوقات، وخاصةً صلاة الصبح والمغرب، في أول النهار وآخره، ومن الليل فقُم لعبادة ربِّك قياما طويلا
إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31) تقول الآيات: إن هؤلاء الكفار يُحِبُّون الدنيا العاجلة، ولذّاتِها، وينسون أو يرمُون وراء ظُهورِهِم يوما شديدا، هؤلاء الكفار نحن خلقناهم، وربطنا أعضاءهم بعضها ببعض، وقوَّيناهُم، وإذا شئِنا أوجدنا بدلهم خلقا آخرين.
إنَّ هذه الآيات في هذه السورة وكل القرآن كذلك، موعظةٌ بالغةٌ، وتذكِرةٌ حكيمةٌ عظيمةٌ، فمن شاء أن يهتدي له، ويَّتخذ إلى ربِّه سبيلاً فليفعل، ولقد جُعِلت لكم مشيئةٌ فاستخدِموها في الإيمان، وما تشاءون إلا أن شاء الله، وكل شيءٍ يحدث في هذا الكون بإرادة الله وعِلمِه، إنَّ الله كان عليما حكيما، يعلم كل شيء، وكل أفعاله حكمة.
يُدخل الله من يشاء أن يُدخِله سبحانه في رحمته ممن آمن واهتدى، وأمَّا الذين ظلموا فإن الله قد أعدَّ لهم عذابا أليما.
دروس وعبر: ترشد الآيات الكريمة إلى دروس وعبر كثيرة منها: 1- الإنسان مخلوق للامتحان، ومُزوَّد بالأدوات للنجاح في الإمتحان، مِن سمع وبصر
2- الكافرون لهم الأغلال والسلاسل والسعير جزاء كُفرهم، والأبرار لهم الجنات والعيون والنعيم جزاء إيمانهم
3- من صفات المؤمن وفاءُ النذر، وإطعامُ الطعام، وخوف الآخرة، والإخلاصُ لله، وهذا من علامات الإيمان
4- المؤمن مخلص لله، فلا يفعل الخير ليشكره الناس بل ليجزيه ربُ العالمين
5- لا يجمع الله على العباد خوفين، فمن خاف في الدنيا أمنه في الآخرة
6- في الجنة ألوان الإكرام وصنوف الشراب مما لا يعلم حُسنه إلا الله، ولا يوجد في الجنة حَرٌّ ولا برد
7- الخدم في الجنة ولدان يبقون على أعمارهم، وحالهم، كأنهم اللؤلؤ في صفائهم وحسنهِم وجمالهم
8- الله شكور، فهو يجزي من عبده واتقاه، بالرضوان والنعيم
9- هذا القرآن كلام الله أنزله علىمحمدصل الله عليه وسلمعلى دُفُعاتٍ لحكمة يعلمها الله
10- الثبات على الحق، وعدم الالتفات إلى اغراءات الآثمين والكافرين من صفات المؤمنين الصادقين