بينت الآية أن الله عز وجل أخذ الميثاق على جميع الأنبياء والمرسلين من لدن آدم عليه السلام إلى عيسى عليه السلام أنه إذا ظهر النبي محمد صلى الله عليه وسلم في عهده أن يؤمن به ويتبعه ولا تمنعه نبوته أن يتابع نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم، وكل نبي أخذ العهد والميثاق على أمته أنه لو بعث محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أن يتابعوه ولا يتابعوا نبيهم.
قال ابنُ عباس: (ما بعث الله نبيًا إلاَّ أخذ عليه الميثاق: لئن بُعث محمد وهو حيّ ليؤمنن به ولينصرنَّه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته: لئن بُعت محمد وهم أحياء ليؤمننَّ به ولينصرنَّه).[1]
قال ابن كثير: (فالرسول محمد خاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين هو الإمام الأعظم الذي لو وجد في أي عصر وجد لكان هو الواجب طاعته المقدم على الأنبياء كلهم، ولهذا كان إمامهم ليلة الإسراء لما اجتمعوا ببيت المقدس).[3]
2- أنَّه أولى بالأنبياء:
فكما أن الله عز وجل أخذ العهد على جميع الأنبياء أن يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فكذلك أخبرنا الله أن النبي صلى الله عليه وسلم أولى بهم من غيره،
فقد ادعى كل من اليهود والنصارى أن إبراهيم منهم فنفى الله ذلك وبيَّن أن أولى الناس به هو النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه، ﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 68].
قال الطبري: يعني جل ثناؤه بقوله: ﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ ﴾، إنّ أحقّ الناس بإبراهيم ونصرته وولايته.
﴿ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ﴾ يعني: الذين سلكوا طريقَه ومنهاجه، فوحَّدوا الله مخلصين له الدين، وسنُّوا سُنته وشرَعوا شرائعه وكانوا لله حنفاء مسلمين غير مشركين به. ﴿ وَهَذَا النَّبِيُّ ﴾ [6] يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾ يعني: والذين صدّقوا محمدًا، وبما جاءهم به من عند الله.
﴿ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ يقول: والله ناصرُ المؤمنين بمحمد، المصدِّقين له في نبوّته وفيما جاءهم به من عنده، على من خالفهم من أهل الملل والأديان.[7]
قال القاضي عياض، فإن قيل: كيف رأى موسى عليه السلام يصلي، وأمَّ - صلى الله عليه وسلم - الأنبياء في بيت المقدس، ووجدهم على مراتبهم في السماوات؟
فالجواب: يحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - رآهم وصلى بهم في بيت المقدس، ثم صعدوا إلى السماء، فوجدهم فيها، وأن يكون اجتماعهم وصلاته معهم بعد انصرافه ورجوعه عن سدرة المنتهى.[10]
قال ابن كثير: (والصحيح أنه إنما اجتمع بهم في السماوات، ثم نزل إلى بيت المقدس ثانيًا: وهم معه، وصلى بهم فيه، ثم إنه ركب البُراق وكرَّ راجعًا إلى مكة).[11]
واختلف العلماء في حقيقة هذه الصلاة:
فقيل: إنها الصلاة اللغوية، يعني الدعاء والذكر.
وقيل: هي الصلاة المعروفة، وهذا أصح؛ لأنّ اللفظ يُحمل على حقيقته الشرعية قبل اللغوية، وإنما نحمله على اللغوية إذا تعذر حمله على الشرعية، ولم يتعذر هنا، فوجب الحمل على الصلاة الشرعية.
وعلى القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالأنبياء قبل الإسراء، فلقائل أن يقول: وكيف عَرَف النبي صلى الله عليه وسلم كيفة الصلاة؟
نقول لا إشكال في ذلك؛ لأن الصلاة كانت مفروضة على المسلمين من ابتداء الإسلام؛ ولذلك لما سأل هرقلُ أبا سفيان مَاذَا يَأْمُرُكُمْ ؟
قال ابن رجب: (وفيه دليل على أن الصلاة شُرعت من ابتداء النبوة، لكن الصلوات الخمس لم تفُرض قبل الإسراء بغير خلاف).[13]
وقال ابن حجر: (فإنه صلى الله عليه وسلم كان قَبْل الإسراء يُصلي قطعًا، وكذلك أصحابه).[14]
4- أن الله غفر له ما تقدم من ذبيه وما تأخر:
﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [الفتح: 1، 2].
ولم ينقل أنه أخبر أحدًا من الأنبياء بمثل ذلك، بل الظاهر أنه لم يخبرهم؛ لأن كل واحد منهم إذا طُلبَتْ منهم الشفاعة في الموقف ذكر خطيئته التي أصابها وقال: (نفسي نفسي)، ولو علم كل واحد منهم بغفران خطيئته لم يُوْجل منها في ذلك المقام، وإذا استشفعت الخلائق بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام قال: (أنا لها).
قال العز بن عبدالسلام: (من خصائصه أنه أخبره الله بالمغفرة ولم ينقل أنه أخبر أحدًا من الأنبياء بذلك ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 1 - 4].
وفي حديث الشفاعة الطويل أن الناس يذهبون إلى الأنبياء فيذكر كلٌ منهم ذنبه حتى يجيء الدور على عيسى عليه السلام فيقول: (إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ، فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتِمُ الأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ العَرْشِ ....).[15]
قال الشوكاني: واختلف في معنى قوله: ﴿ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾:
فقيل: ما تقدم من ذنبك قبل الرسالة، وما تأخر بعدها، قاله مجاهد، وسفيان الثوري، وابن جرير، والواحدي، وغيرهم.
وقال عطاء: ما تقدم من ذنبك: يعني ذنب أبويك آدم وحواء، وما تأخر من ذنوب أمتك، وما أبعد هذا عن معنى القرآن.
وقيل: ما تقدم من ذنب أبيك إبراهيم، وما تأخر من ذنوب النبيين من بعده، وهذا كالذي قبله.
وقيل: ما تقدم من ذنب يوم بدر، وما تأخر من ذنب يوم حنين، وهذا كالقولين الأولين في البعد.
وقيل: لو كان ذنب قديم أو حديث لغفرناه لك، وقيل غير ذلك مما لا وجه له، والأول أولى- أي ما تقدم من ذنبك قبل الرسالة، وما تأخر بعدها -.
ويكون المراد بالذنب بعد الرسالة ترك ما هو الأولى، وسمي ذنبًا في حقه لجلالة قدره، وإن لم يكن ذنبًا في حق غيره.[17] [18]
5- عموم رسالته للناس كافة:
كان الأنبياء والرسل السابقون عليهم الصلاة والسلام يرسلون إلى أقوامهم خاصة ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [نوح: 1].
وأما نبينا صلى الله عليه وسلم، فرسالته عامة لجميع الناس عربهم وعجمهم وإنسهم وجنّهم، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، ففي حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي، وفيه: (وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً).[19]
قال ابن الملقن رحمه الله: (ومن خصائصه أن الله تعالى أرسل كل نبي إلى قومه خاصة، وأرسل نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى الجن والأنس، ولكل نبي من الأنبياء ثواب تبليغه إلى أمته).[20]
ولنبينا صلى الله عليه و سلم ثواب التبليغ إلي كل من أرسل إليه تارة لمباشرة البلاغ وتارة بالنسبة إليه ولذلك مَنَّ عليه ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 51].
ووجه المنَّة: أنه لو بُعث في كل قرية نذيرًا لما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أجر إنذاره لأهل قريته وقد جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تشير إلى هذه الخصوصية ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ: 28].
قال القرطبي: (والمراد بالعالمين هنا الإِنس والجن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان رسولًا إليهما ونذيرًا لهما وأنه خاتم الأنبياء، ولم يكن غيره عامّ الرسالة إلا نوحًا، فإنه عمَّ برسالته جميع الإِنس بعد الطوفان؛ لأنه بدأ به الخلق، واختلف في عموم رسالته قبل الطوفان على قولين:
أحدهما: عامة لعموم العقاب بالطوفان على مخالفته في الرسالة.
الثاني: خاصة بقومه؛ لأنه ما تجاوزهم بدعائه).[21]
قلت: كما في قوله تعالى ﴿ إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴾ [نوح: 27].
7- خاتم النبيين والمرسلين:
قد أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم في السنة المتواترة عنه أنه لا نبي بعده ليعلم العباد أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 40].
وهذه المسألة من قواعد دين الإسلام، قال ابن الملقن: (وَلَا يُعَارضهُ مَا ورد من نزُول عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام آخر الزَّمَان فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي بشريعة ناسخة بل مقررًا لَهَا عَاملًا بهَا).[25]
ولهذه النصوص أجمعت الأمة سلفًا وخلفًا على هذه العقيدة، كما أجمعت على تكفير من ادعى النبوة بعده صلى الله عليه وسلم ووجوب قتل مدعيها إن أصر على ذلك، قال الألوسي: (وكونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين مما نطق به الكتاب، وصدعت به السنة، وأجمعت عليه الأمة، فيكفر مدعي خلافه ويقتل إن أصر).[26]
قلت: ولأن الرسالة والنبوة جنس واحد ومن فرَّق بين المتماثلات فقد فسد عقله؛ لذا من كذب بنبي واحد من الأنبياء والرسل فقد كفر كما في قوله تعالى: ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الشعراء: 105].
ومعلوم أن نوحًا عليه السلام أول الرسل ومع ذلك أخبر سبحانه وتعالى أن من كذَّب به فقد كذَّب بمن جاء بعده، فعُلِم أن التكذيب بواحد من الأنبياء والرسل تكذيب بكل الرسل؛ لذا قال تعالى: ﭽ ﯳ ﭼ ولم يقل بنوح فقط.
قال ابن كثير: (وقد أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم في السنة المتواترة عنه أنه لا نبي بعده، ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال ضال مضل).[27]
فهذه النصوص تؤكد أنه صلى الله عليه وسلم خُتِمَ به النبيون لا كما يزعم الشيعة أن خاتم النبيين، أي: أنه زينتهم كالخاتم الذي يكون زينة في الإصبع، وأن النبوة لم تُختم بعدُ، ويكذب هؤلاء ما ورد من نصوص كما تقدم، وما ثبت عن ثوبان رضي الله عنه مرفوعًا: (وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَا نَبِيَّ بَعْدِي).[28]
فالقرآن معجزته العظمى التي اختص بها دون غيره فهو الحجة المستمرة الدائمة القائمة في زمانه وبعده إلى يوم القيامة، كتاب خالد لا ينضب معينه، ولا تنقضي عجائبه ولا تنتهي فوائده محفوظ بحفظ الله من التغيير والتبديل والتحريف.
قال ابنُ حَجَرٍ: (المراد أنه المعجزة العظمى التي اختص بها دون غيره؛ لأن كل نبي أعطى معجزة خاصة به لم يعطها بعينها غيره تحدى بها قومه، وكانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه، كما كان السحر فاشيًا عند فرعون فجاءه موسى بالعصا على صورة ما يصنع السحرة لكنها تلقفت ما صنعوا ولم يقع ذلك بعينه لغيره، وكذلك إحياء عيسى الموتى وإبراء الأكمه والأبرص لكون الأطباء والحكماء كانوا في ذلك الزمان في غاية الظهور فأتاهم من جنس عملهم بمالم تصل قدرتهم إليه؛ ولهذا لما كان العرب الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم في الغاية من البلاغة جاءهم بالقرآن الذي تحداهم أن يأتوا بسورة مثله، فلم يقدروا على ذلك).[32]
لذا فالقرآن أخص معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، قال الماوردي: (والقرآن أوّلُ مُعْجزٍ دعا به مُحمَّدٌ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسلم فصدعَ فيه برسالتِهِ، وخُصَّ بإعجازِهِ من جميعِ رُسُلِه).[33]
ومن جملة حفظ الله لكتابه سهولة حفظه في الصدور وحفظه من التلاعب والتغاير في ألفاظه ومعانيه بالزياة والنقصان، ومن حفظه صيانته من المعارضة، ومن حفظه تقييد الله له العلماء الراسخين يذبون ويدفعون عنه شبه الملحدين إلى آخر الدهر، قال القاضي عياض: (لا يكاد يُعدُّ من سعى في تغييره وتبديل محكمه من الملحدة والمعطلة لا سيِّما القرامطة، فأجمعوا كيدهم، وحولهم وقوتهم فما قدروا على إطفاء شيء من نوره، ولا تغير كلمة من كلامه، ولا تشكيك المسلمين في حرف من حروفه والحمد لله).[34]
ولا شك أن حفظ القرآن حفظ لدعوته صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان أكثر الناس تبعًا لما ورد في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ أُومِنَ، أَوْ آمَنَ، عَلَيْهِ البَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنِّي أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَوْمَ القِيَامَةِ).[35]
9- أن الله أقسم بحياته:
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الحجر: 72].
ومعناه: أقسم بعمرك وحياتك يا محمد، وقد أقسم الله تبارك وتعالى بأشياء كثيرة من مخلوقاته الدالة على كماله وعظمته ليؤكد المعنى في نفوس المخاطبين، فأقسم تعالى بالشمس والقمر والسماء وغير ذلك، بينما نجده سبحانه وتعالى لم يقسم بأحد من البشر إلا بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والإقسام بحياة المُقْسَم يدل على شرف حياته وعزتها عند المُقْسِم بها، وأن حياته صلى الله عليه وسلم لجديرة أن يُقْسَم بها لما فيها من البركة العامة والخاصة، ولم يثبت هذا لغيره من الأنبياء صلى الله عليه وسلم.
ولقائل أن يقول كيف يحلف الله بمخلوقاته وقد نهانا عن ذلك؟
والجواب أننا لابد أن نعلم أن الله تعالى فعال لما يريد، وهو سبحانه لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، وليس للعبد أن يسأل الرب عن فعله لم فعله؟ وإنما الواجب عليه أن يفعل ما يأمره الله به؛ لأن الله تعالى يقسم بما شاء من مخلوقاته تنبيهًا على شرفه، ولما اعترض إبليس على ربه لما أمره بالسجود لآدم عليه السلام ﭽ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﭼ الإسراء: ٦١ طرده من رحمته.
قال القرطبي: (لله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته من حيوان وجماد، وإن لم يُعلم وجه الحكمة في ذلك).[37]