«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»..
توجيهٌ نبويٌّ شديدُ الروعةِ والإبداعِ،
فيه ربطٌ وثيقٌ بينَ الإيمانِ باللهِ تَعَاَلي،
والكلامِ، الذى نظنُه سهلاً يسيراً،
إذ الإيمانُ مشروطٌ بالكلامِ الطيبِ،
أو السكوتِ نهائياً ..
لا خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ
أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ..
هَذِه خُلاصةُ الكلامِ، وعلمِ المتكلِمين،
ثلاث وظائفَ لهَذَا الكلامِ،
إنْ لم تجدْ لقولِك مجالاً فيهم،
فالقولُ لا خَيْرَ فِيه .
عندَما تقولُ،
تذكرْ فى البدايةِ ربَّك، قبلَ أى كلامٍ، واتَّقِهْ،
ولا تجعلْ كلامَك ثرثرةً لا طائلَ من ورائِها ،
بل بما ينفعُ الناسَ، ويكونُ كلاماً فيالصميمِ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ..
«وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ
أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الأَمْرِ
مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً..»
هؤلاء دُعاةُ الفتنةِ، ثرثارون، متشدقون،
مشعلون لنارِ الوقيعةِ،
دونَ معرفةٍ أو تدقيقٍ أو أمانةٍ..
إنَّ القلوبَ كالقدورِ، تغلى بما فيها،
وألسنتُها مغارفُها، والمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ..
وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ،
أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ، إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ..
كانتْ هَذِه إجابةَ المُعلمِ الأولِ
(صلى الله عليه وسلم)
على مَنْ ظنَ أنَّ الكلامَ لا حِسابَ عليه !
مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ..
فالكلمةُ مرصودةٌ، منسوخةٌ، مُراقبةٌ، ومِنْ قَوْلٍ،
تزيدُ الأمرَ خطورةً، فالحسابُ قائمٌ،
وإنْ ظنَ الإنسانُ أنَّها كلمةٌ بسيطةٌ،
أو دُعابةٌ رقيقةٌ، أو جُملةٌ عابرةٌ !
عبرتْ عندَك، لكنَّها لم تعبرْ عندَ اللهِ وملائكتِه !
كانَ صمتُه (صلى الله عليه وسلم) فكراً،
ونُطقُه ذكراً، كما قالَ فى وصايا ربِّه له
(صلى الله عليه وسلم).
يقولُ أبو ذَرٍّ الغِفاريُّ، رَضِى اللهُ عنه:
أَوصانى خليلى (صلى الله عليه وسلم)
أنْ أقولَ الحقَّ وإنْ كان مُرًّا ..
اعلموا أنَّ كلمةَ اللهِ هى الباقيةُ:
قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّى لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ
أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّى وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ..
كونوا:
كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا
ثابت وَفَرْعُهَا فِى السَّمَآءِ ..
وتذكروا أنَّ أجملَ الكلامِ وأعظمَه:
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ..
وأنَّ غايةَ الأملِ فى الكلمةِ:
يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ
فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الآخِرَةِ
وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ ..
وأنَّ أعظمَ ما قِيلَ فى الكلمةِ:
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ..
لكم خالص تحياتى وتقديرى
الدكتور علـى حسـن