غزوة بدر شهدت معركة بدر تضحياتٍ كبيرةً قدمها الصحابة -رضي الله عنهم-، وقد سُميت بهذا الاسم؛ نسبةً لمنطقة بدر التي حدثت فيها المعركة، وبدر هي بئرٌ مشهورةٌ تقع بين مكة والمدينة المنورة، ولها مسمَّياتٌ عدَّةٌ مثل: يوم الفرقان، وقد وقعت المعركة في السابع عشر من رمضان في العام الثاني من الهجرة، وهي المعركة التي فصلت بين الحق والباطل فلم تكن غزوة بدر الكبرى غزوةً عاديةً هُزم فيها العدو فقط، وإنّما كانت معركةً فاصلةً في تاريخ الإسلام أعادت له هيبته وحجزت له مكانته.
مواقف التضحية والفداء في غزوة بدر لا تخلو معركة بدر من مواقف التضحية النبيلة؛ فهي درسٌ للأمّة في إحسان التوكل على الله تعالى، ومن تلك المواقف الدالة على التضحية ما يأتي.
الهمم العالية من المواقف الدالة على الهمّة العالية، ما كان من الطفلين: معاذ ومعوذ اللذين جاءا إلى عبد الرحمن بن عوف، وسألاه عن مكان أبي جهل فأخبرهما به، فذهبوا إليه بسرعةٍ؛ فضربوه بسيفيهما، ثم لحقهم عبد الله بن مسعود ووجّه له ضربةً أُخرى أدت إلى موته.
التضحية بالنفس كان عمير بن الحُمام أول من استشهد من الأنصار في معركة بدر؛ فقد كان مثالًا عظيمًا في التضحية بالنفس؛ فقد سمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: (والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل، فيقتل صابرًا محتسبًا، مقبلًا غير مُدبر إلا أدخله الله الجنة)؛ فتقدم عمير بن الحُمام بشجاعةٍ، وظلّ يقاتل في سبيل الله تعالى حتى لاقى ربه، فلم ينظر إلى الدنيا وزينتها ولم يفكر في أهله وعشيرته.
التنافس في الجهاد كان سعد بن خيثمة ووالده يتسابقان للخروج إلى القتال في المعركة؛ لأنّهما لا يستطيعان الخروج معًا، لاحتياج أسرتهما إلى بقاء أحدهما بجانبها، فلم يتنازل أحدٌ منهما للآخر؛ رغبةً في نيل الشهادة، فجسَّدا صورةً من صور التنافس والحرص بين الصحابة -رضي الله عنهم- في الخروج إلى المعارك والجهاد في سبيل الله تعالى.
التسابق في نيل الشهادة كان عُمير بن أبي وقاص أصغر المجاهدين والشهداء، حيث كان عمره ستة عشر عامًا، فخاف عُمير بن أبي وقاص أن يراه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويُرجعه بسبب صغر سنه، فقد كان يرغب في الجهاد في سبيل الله تعالى ونيل الشهادة، وفعلًا كان من أصغر الشهداء في معركة بدر.
القرابة رغم أنّ القرابة هي رابطٌ اجتماعيٌّ عظيمٌ عند الإنسان، إلّا أنّ رابطة العقيدة أعظم وأولى، فقد كان مصعب بن عُمير يقاتل مع المسلمين، وأخوه أبو عزيز بن عُمير يقاتل مع المشركين، وأبو حذيفة بن عُتبة بن ربيعة في صف المسلمين ووالده عُتبة وأخوه الوليد وعمه شَيبة في صف المشركين؛ فقتلهم جميعهم في المبارزة الأولى، وكان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- أيضًا في طرف المسلمين وابنه عبد الرحمن في صف المشركين.