03-25-2022
|
#931
|
وسأكتفي بدليلٍ واحدٍ على ذلك يتمثل في اعتماد الإمام سيبويه في كتابه على السماع، وهو من أهم إجراءات جمع المادة العلمية " فقد اهتم سيبويه بالمسموع من اللغة جريا على طريقة أساتذته، ومنهجهم في وصف اللغة إيمانا منه بأن اللغة المجموعة عن طريق السماع هي المعين الرئيسي للاتصال بناطقي اللغة، والسبيل الوحيد لربط البحث اللغوي بالواقع، ودليل قاطع على صدق الأحكام اللغوية المستقراة. وتنوعت مصادر السماع عند سيبويه بين الأخذ المباشر من أفواه العرب، أو السماع عن طريق شيوخه، وقد يستعين ببعض من العرب، الذين ينتمون إلى قبيلة معينة تشعبت أماكن سكانها، أو برجلين أو برجل واحد من العرب، وكل ذلك دليل حرصه على جمع أكبر عدد من البيانات اللغوية من اللهجات المنتشرة على الرقعة الجغرافية في الجزيرة العربية"[21]
|
|
|
03-25-2022
|
#932
|
ونؤكد هنا على فكرة أن الوصفية كانت هي السمة الواضحة لبدايات التأليف في النحو العربي؛ فقد تغير هذا الوضع بعد ذلك، حيث بدأت دراسة النحو" وازدهرت، وكانت في بدئها وسيلة إلى غاية، ولكنها سرعان ما أصبحت غاية في نفسها متعددة الوسائل والطرق. كانت في مبدئها تقوم على الاستقراء والتقعيد، فأصبحت بعد زمن تقوم على القاعدة والتطبيق، وخلف بعد الرعيل الأول من رجالها خلف وقفوا من النحو موقف المتكلمين من الدين. كان الدين سمحًا فطريًّا فجعله المتكلمون فلسفةً وقضايا منطقيَّةً، وكان النحو سهلًا هينًا وصفيًّا فجعله النحاة فلسفةً وقضايا معياريَّةً منطقيَّةً أيضًا، حتى أصبح الطابع المميز للنحو العربي أنه لم يعد مجهودًا دراسيًّا لغويًّا بقدر ما تحول إلى مجهود فكري من الطراز الأول. وإذا كان الناس يعجبون بمجهود النحاة - وحقهم أن يعجبوا- فما ذلك لبساطة العرض، أو صدق النظرة، أو كفاية المنهج بقدر ما هو لعمق الفكرة وبراعة الجدل واللون الفلسفي الذي في كتبهم"[22]
|
|
|
03-25-2022
|
#933
|
ويكاد سلطان النوم أن يقهر مقلتي الناظرتين لهذا البديع الكوني والسكون الباعث على تداعي الأفكار وإرهاصات القصص الجميل، وما زلت أسعد بما أحياه حتى أرسل لي صديقي الآخر عَبر منصات التواصل "صورةً لحقل وشاحنة نقل، وشمس ساطعة، وعمال بقبعات كرعاة البقر، وينتظر منى أن أعلِّق أو أُبدي إعجابًا، أو وإشعارًا بالدهشة، فلم أتوان عن أن أرسل له تلك الإشعارات، فبعث لي بعلامة إعجاب كبرى؛ امتنانًا بما أرسلت، نظرت حولي، فرأيت أن ما أنا فيه أشد بهاءً وأصفى! وخليق بي أن أشاركه ذلك البديع والوصف، فكتبت بحماسة:
• سوف أرسل لك صورة من شرقنا العربي ودلتنا المصرية، وما أدراك ما ريفنا المصري ودلتا، فأتحفني بإشعار ذي ابتسامة كبيرة:
• يسعدني ذلك وأكون ممتنًّا.
• أمهِلني بعض الوقت.
• لك ذلك.
|
|
|
03-25-2022
|
#934
|
هضت من مقعدي بأريكة جدي المفضلة لي وقت انكسار الظل عليها، والساقية في محيط العدسة الخاصة بهاتفي النقال، وما زلت أبتعد وأقترب قدر المستطاع، حتى حوت صورتي الساقية والصفصافة والأريكة التي انغمست في جزع الصفصافة وكأنَّهما جسد واحدٌ، ومن خلفهم الحقول، غير أن الأصيل قد طَمس نقش الثور وقرناه للأسف الشديد، ولما أصبحت كلها في محيط عيني وقد دفقت فوهة الغروب لي دفقةً من غَسقها المغيب تفاصيل الأشياء، التقطت الصورة وما أروعها، وبدون أدنى جهد أرسلتها له، وعلمت أنها قد استقرت أمام عينيه وأنا أنتظر ردَّ فعله، غاب صديقي بعض الوقت ولم يحر جوابًا حتى باغته بعلامة استفهام كبرى:
• وصلتك الصورة؟!
• بالتأكيد.
• وما رأيك؟!
• لوحة فنية رائعة!!
• هي ذلك وأكثر ولقد أفاض زمن الغروب عليها مسحة من الجمال!
• بالتأكيد فأجمل ما في الأصيل أنه يجعل الأشياء هياكلَ مبهمة، فيخفي تفاصيلَ ثانوية محرجة.
ابتسمت دون أن أرسل له الحالة: - تقصد الحقول التي تنتظر الحراث؟!
• ربما أو الثور الذي انْمجت معالمه وقرناه.
انتزعت الدهشة عيني من رائق المنظر إلى غريب الاستفهام!!
• كأنك الآن معي!!
فيرسل بضحكة ساخرة: لا عليك لا تهتم فتلك من سجايا الغروب!
|
|
|
03-25-2022
|
#935
|
من المعلوم أن من أهداف أهل الأهواء والمتأثرين بهم التشكيك في قدرة اللغة العربية على مسايرة التطور العلمي لنظل عالة على مصطلحاتهم التي تشعرنا بفضلهم وسلطانهم الأدبي علينا. وذلك هو الاستعمار الأدبي الذي يبغونه مع الاستعمار العسكري الذي يرتكبونه[2]. كما أن من أعظم أهدافهم هدم الإسلام عن طريق الحملة الجائرة على اللغة العربية ودعوتهم إلى استعمال اللهجات العامية وكتابة العربية بالحروف اللاتينية[3] وإهمال الإعراب والدعوة للشعر النبطي وإهمال الفصيح.
وفي هذا المقال بيان لتاريخ هذه الدعوات، ومواجهة الغيورين على دينهم ولغتهم لتلك الدعوات، لأن لكل قوم وارث، وهذه الدعوات تتكرر بين الفينة والأخرى، والاستعداد المعرفي من الحزم المطلوب، والغلبة للحق وأهله بإذن الله.
|
|
|
03-25-2022
|
#936
|
المبحث الأول: الدعوة إلى العامية[4]
المطلب الأول: دعاة العامية في مصر
كان رفاعةُ رافع الطَّهْطَاوي - الذي أُرسل إماماً لأول بعثةٍ علميّةٍ إلى الغرب - أولَ من دعا إلى استعمال العامية وتدوين قواعد لها. فقد قال في كتاب أصدره عام 1868م أسماه: (أنوارُ توفيق الجليل من أخبار توثيق بني إسماعيل): إنَّ اللغة المتداوَلة المُسمَّاة باللغة الدارجة التي يقع بها التفاهمُ في المعاملات السائرة لا مانع أن يكون لها قواعد قريبة المأخذ وتصنف بها كتب المنافع العمومية، والمصالح البلدية .. ا هـ[5] .
|
|
|
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 08:33 PM
| | | | | |