03-25-2022
|
#955
|
بيد أنه من المفيد هنا الإشارة إلى أن "تشوسر" صاحب "قصص كانتربري"، كان يكتب النثر أيضًا ترجمةً وتأليفًا، بل إن له كتابًا عن الأسطرلاب، ألفه لابنه الصغير "لويس"، الذي كان يدرس حينها في أوكسفورد، بما يفيد أن الكتابة النثرية كانت متقدمة في عهده، حتى لتوضع بها المؤلَّفات العلمية أو شبه العلمية، وهذا أقوى رد على استشهاد الكاتب بهذا الأديب الإنجليزي؛ لتعضيد رأيه في سبْق الشعر على النثر.
|
|
|
03-25-2022
|
#956
|
بل إن "تشوسر" في بعض حكاياته متأثر بقصص "بوكاشيو"، وهي قصص نثرية لا شعرية، ليس ذلك فحسب، بل إن إحدى تلك القصص - وهي القصة الأخيرة - قد كُتبت نثرًا، وهذا رد آخر على دعوى الكاتب، ومن معاصري "تشوسر" يمكن أن نذكر "جون ويكليف" المصلح الإنجليزي المشهور، وصاحب الخطب الكنَسية المُتَّقدة حماسةً، والخُطب أحد فنون النثر.
|
|
|
03-25-2022
|
#957
|
ولدينا قبله المؤرخ "جيفري أوف ما موث" ابن القرن الحادي عشر، وعندنا أيضًا ناثرون في اللغة الأنجلوساكيونية السابقة على الإنجليزية، أما بالنسبة إلى "هوميروس"، فمن أين يا تُرى استمدَّ موضوعاته التاريخية والخرافية التي أدار عليها ملحمتيه المعروفتين؟
أليس مما كان الناس قبله وفي عصره يروونه نثرًا في مجالسهم ومنتدياتهم قبل أن يحوله هو شعرًا؟ أم ترى الكاتب يقول: إنهم لم يكونوا يتحدثون طوال حياتهم إلا بالشعر المنظوم؟ إن هذا لهو المستحيل بعينه!
|
|
|
03-25-2022
|
#958
|
ذلك أن تأخر معرفة الأمم للكتابة والقراءة ليس بمانع من ظهور الإبداع النثري؛ إذ إن البشر لا يملكون فقط أيديًا للكتابة، بل قد زوَّدهم الله بأفواه للكلام أيضًا، وإذا كانوا في فترة من فترات تاريخهم لا يستطيعون أن يكتبوا، فإن هذا لا يمنعهم من الإبداع النثري شِفاهًا، أترى الأمم الجاهلة بالقراءة والكتابة لم تكن تخطب مثلاً، أو تحكي قصصًا، أو تضرب الأمثال؟
|
|
|
03-25-2022
|
#959
|
فإن قيل: إنه لم تصلْنا تلك الإبداعات النثرية، فمن السهل تفسير ذلك بأن الذاكرة لا تقدر على الاحتفاظ بالنصوص النثرية مَقدرتَها على الاحتفاظ بنصوص الشعر؛ لِما فيه من أوزان وقوافٍ تساعد على ذلك الحفظ كما هو معلوم، وطه حسين - وهو واحد ممن اشتركوا في وضع الكتاب الذي نحن بصدده - إن لم يكن هو كاتب الفصل الخاص بالشعر، يقول بوجود خُطَب جاهلية تجمع بين الإقناع والإمتاع، ومن ثم كانت تتسم بالجمال الفني، كل ما هنالك أنها - لعدم شيوع الكتابة بين العرب آنذاك - لم تصلنا؛ لأنها لا تعتمد على الوزن والقافية، فكان من الصعب على الذاكرة أن تحتفظ بها احتفاظها بالشعر، وهذا الكلام موجود في محاضرته: "النثر في القرنين الثاني والثالث للهجرة" المنشورة في كتابه: "من حديث الشعر والنثر"، ثم إن المنطق يقول بما قلناه من أن الأمر كله أدب، ثم بعد ذلك يكون هذا شعرًا، وذلك قصصًا مثلاً، ولدينا في الجاهلية - إلى جانب الشعر - المثل والقصة والخطابة وسجع الكهان، لا الشعر وحده فقط، أما إذا قلنا بالشك في تلك الفنون، فقد قال "دافيد صمويل مرجليوث" المستشرق البريطاني أيضًا بالشك في الشعر الجاهلي كله على بكرة أبيه، كما تابعه "طه حسين" فأعلن ارتيابه في معظم ذلك الشعر على الأقل - إن لم يكن فيه جميعه - أي إن هذا باب لا يمكن إغلاقه في وجه محبي الجدل المُولعين بالخصام، ثم إننا لا نقول بأن كل ما وردنا عن الجاهليين من نثر، قد أتانا على صورته الأصلية؛ إذ إن الذاكرة البشرية لا تستطيع - مهما كانت قدرتُها على الاستيعاب والحفظ، كالذاكرة العربية قبل الإسلام - أن تحفظ كل شيء، لا تخرم منه حرفًا، حتى لو كان المحفوظ شعرًا تساعد موسيقاه وقلة نصوصه على المحافظة عليه أفضل من سواه، فما بالنا بالنصوص النثرية التي تخلو من ذلك العامل المساعد؟
|
|
|
03-25-2022
|
#960
|
أما قوله: إن الشعر في صدر الإسلام كان أغزر من النثر، فماذا تراه فاعلاً أمام أحاديث النبي - عليه السلام - وخُطبه، وهي تكافئ وحدها عدة دواوين شعرية من حيث الحجم، رغم أنها لا تغطّي كل ما قاله النبي - عليه السلام - في هذا الصدد كما هو معروف؟
وكذلك لا ينبغي أن ننسى خطب الخلفاء والولاة، والقادة العسكريين والعلماء، وأئمة المساجد، وما كان القُصَّاص يروونه من قصص في المساجد وغير المساجد، وكُتَّاب "أخبار عَبيد بن شَرية الجُرْهمي في أخبار اليمن، وأشعارها وأنسابها"، الذي سجّل فيه صاحبُه ما كان يقع بينه وبين معاوية بن أبي سفيان من حوارات تاريخية، وكان معاوية قد استقدمه؛ ليستمع منه إلى أخبار ملوك اليمن
|
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 04:19 PM
| | | | | |