فوائد وأحكام من قوله تعالى: ﴿ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم.... ﴾
قوله تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 64 - 68].
1- أن الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله تعالى؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ﴾ الآية؛ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يكتب إلى الملوك بهذه الآية.
2- شدة عناد أهل الكتاب، ومعالجة القرآن لهم بشتى الأساليب والوسائل، ولم ينجع ذلك فيهم.
3- وسطية القرآن في دعوته أهل الكتاب فلم يكلفهم شططًا، بل دعاهم إلى عبادة الله تعالى وحده ونبذ الشرك والأرباب من دون الله؛ لقوله تعالى:﴿ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾.
4- تنزل القرآن في دعوته أهل الكتاب؛ لقوله تعالى: ﴿ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ بضمير الجمع، وكذا قوله: ﴿ وَلَا نُشْرِكَ ﴾، وقوله: ﴿ وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ ولم يقل: «ألا تعبدوا إلا الله» «ولا تشركوا» «ولا تتخذوا أربابًا من دون الله».
ووجه ذلك أن ضمير الجمع مشعر بكون الفريقين كل منهما يعبد غير الله ويشرك به ويتخذ أربابًا من دون الله، والحقيقة أن الذي يفعل ذلك هم المدعوون أهل الكتاب.
5- قيام القرآن والإسلام على التوحيد والوسطية والعدل.
6- يجب العدل في المناظرة حتى مع العدو، ويحسن التنازل للخصم لإلزامه الحق، وإقامة الحجة عليه.
7- اتفاق الرسل والرسالات على الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك؛ لقوله تعالى: ﴿ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ﴾.
8- أنه كما يجب إفراد الله تعالى بالتوحيد والعبادة يجب إفراده بالطاعة والحكم والتحليل والتحريم، وعدم اتخاذ أرباب من دونه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾.
9- التعريض بذم أهل الكتاب وغيرهم من المشركين؛ لما هم عليه من الشرك وعبادة غير الله واتخاذ الأرباب من دونه؛ لقوله تعالى: ﴿ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾، وقوله تعالى عن إبراهيم: ﴿ وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾.
10- التلازم بين إفراد الله تعالى بالعبادة دون شريك وبين تحكيم شرعه وطاعته وعدم انفكاك أحدهما عن الآخر، فمن لازم توحيد الله تعالى في العبادة طاعته واتباع شرعه، ومن لازم طاعته واتباع شرعه توحيده في العبادة.
11- وجوب إظهار الحق والتمسك به وإشهاره، وعدم الاكتراث بمن تولى عنه؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾.
12- وجوب اعتزاز المسلم بدينه إعلاءً للحق وإظهارًا له، وإغاظة لأعداء الدين وخصومه؛ لقوله تعالى: ﴿ فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾.
13- يجب ألا يتأثر ولا يكترث من كان على الحق بمن يتولون عنه مهما كثروا، وعليه أن يتمسك بالحق، فالحق أحق أن يتبع.
14- تصدير الخطاب بالنداء للتنبيه والاهتمام؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ﴾.
15- الإنكار على أهل الكتاب وتوبيخهم في محاجتهم في إبراهيم وما هو عليه من الدين، وزعم كل من اليهود والنصارى أنه على دينهم أو أنهم على دينه؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ﴾.
16- فضل إبراهيم عليه السلام، وعلو شأنه ومنزلته بين الأمم، فكل من المسلمين واليهود والنصارى بل والمشركون يقول: إنه على دينهم أو إنهم على دينه.
17- إثبات علو الله على خلقه، وإنزاله التوراة والإنجيل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ ﴾.
- إبطال زعم كل من اليهود والنصارى أن إبراهيم كان على دينهم أو أنهم كانوا على دينه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
19- أن إبراهيم عليه السلام كان قبل نزول التوراة والإنجيل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ﴾ الآية.
20- سفه أهل الكتاب وعدم رشدهم، لمحاجتهم بما لا يقبله العقل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾، وكما قال تعالى في سورة البقرة: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]، وكما قال تعالى في وصف أهل جهنم: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].
21- لا ينبغي إهمال العقل في الاستدلال؛ لأن العقل الصريح يوافق النقل الصحيح.
22- التنزُّل مع الخصم لإقامة الحجة عليه؛ لقوله تعالى: ﴿ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ﴾؛ أي: لو فرض أن محاجتكم كانت فيما لكم به علم وقبلت منكم، فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم، مما لا يمكن قبوله، وهذا على سبيل الفرض، وإلا فإن من يحاج لإبطال الحق ورده لا يمكن أن تكون محاجته عن علم، بل العلم حقًّا مع خصمه صاحب الحق.
23- جواز المحاجة بعلم إذا كانت لإظهار الحق، وبالتي هي أحسن، فإن كانت لإظهار الباطل لم تجز.
24- الإنكار على أهل الكتاب وذمهم لمحاجتهم فيما ليس لهم به علم؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ﴾.
25- عدم جواز المحاجة بغير علم وأنها مذمومة حتى لو كانت لإحقاق الحق وإبطال الباطل، فإن كانت لإبطال الحق وإظهار الباطل فهي أشد حرمة وذمًا، كما في دعوى أهل الكتاب أنهم هم الذين على دين إبراهيم، وإنكارهم أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم على ملة إبراهيم.
26- إثبات العلم لله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ﴾ أي: إنه - عز وجل - ذو علم واسع، مستمر دائم، ولا يخفى عليه شيء.
27- نفي العلم عن أهل الكتاب المحاجين في إبراهيم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾.
28- جمع أهل الكتاب بين الاعتراض على النقل وتكذيبه، وإغفال العقل وإهماله، والجهل وعدم العلم.
29- يجب رد العلم إلى الله تعالى وطلبه منه، فهو ذو العلم سبحانه، يؤتي العلم والحكمة من يشاء.
30- الإشارة إلى أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الإسلام هو دين إبراهيم عليه السلام، وهو ما صرح به بعد ذلك.
31- تبرئة إبراهيم عليه السلام من اليهود والنصارى، وما هم عليه من الدين، وتكذيبهم في دعواهم، هم والمشركون أنه منهم؛ لقوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾.
32- إثبات أن دين إبراهيم عليه السلام هو الحنيفية السمحة ملة الإسلام؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾.
33- ثناء الله - عز وجل - على إبراهيم عليه السلام؛ لجمعه بين توحيد الله تعالى، والاستسلام والانقياد له ظاهرًا وباطنًا، والبراءة من الشرك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾.
34- أنه لابد في التوحيد من إثبات العبادة لله وحده ونفيها عما سواه، والاستسلام لله ظاهرًا وباطنًا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾.
35- أن أحق الناس بالولاية لإبراهيم والانتساب لملته هم الذين اتبعوه من بني إسرائيل ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون من أمته؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ﴾، ومفهوم هذا التعريض بعدم إيمان أهل الكتاب.
36- إثبات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته؛ لقوله تعالى: ﴿ وَهَذَا النَّبِيُّ ﴾.
37- تشريف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقربه من ربه؛ لأن الله تعالى أشار إليه بإشارة القريب بقوله تعالى: ﴿ وَهَذَا النَّبِيُّ﴾.
38- فضل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأمته حيث كانوا أولى بإبراهيم عليه السلام من بين سائر الأمم.
39- إبطال قول كل من اليهود والنصارى أنهم أولى بإبراهيم، بعد تبرئته منهم ومن دينهم؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ ﴾ الآية.
40- إثبات ولاية الله تعالى الخاصة للمؤمنين؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
41- الترغيب في الإيمان والازدياد منه؛ لأنه سبب لولاية الله تعالى، وكلما كان إيمان العبد أقوى كانت ولاية الله له أعظم
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|