مذبحة سحمر
20 سبتمبر 1984 داهمت قوات الجيش الإسرائيلي وعميلها جيش لبنان الجنوبي بقيادة أنطون لحد، قرية سحمر الواقعة في جنوب لبنان. وقامت القوات بتجميع سكان القرية في الساحة الرئيسية لاستجوابهم بشأن مصرع أربعة من عناصر العميل لحد على أيدي المقاومة الوطنية اللبنانية بالقرب من القرية. وأطلق الجنود الإسرائيليون وأتباع "لحد" النار من رشاشاتهم على سكان القرية العزل وفق أوامر الضابط الإسرائيلي ولحد شخصياً؛ فسقط من ساحة القرية على الفور 13شهيدًا وأربعون جريحاً.
وقد حاولت إسرائيل التهرب من تبعة جرمها؛ بالادعاء أن قوات لحد هي وحدها المسؤولة عن المذبحة، وذلك على غرار محاولتها في صابرا وشاتيلا؛ إلا أن العديد من الناجين من المذبحة أكدوا أن عدداً كبيراً ممن نفذوها كانوا يتحدثون العبرية فيما بينهم، بينما يتحدثون العربية بصعوبة، كما أن ما حدث في سحمر يمثل نموذجاً لوقائع يومية شهدها لبنان وجنوبه أثناء غزو القوات الإسرائيلية في يونيه 1982 واحتلاله.
مذبحة حمامات الشط
في11 أكتوبر 1985 بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت بنحو ثلاثة سنوات؛ تعقبت الطائرات الإسرائيلية مكاتبها وقيادتها التي انتقلت إلى تونس؛ وشنت هذه الطائرات في 11 أكتوبر 1985، غارة على ضاحية حمامات الشط جنوبي العاصمة التونسية، وأسفرت عن سقوط 50 شهيداً ومائة جريح؛ إذ انهمرت القنابل والصواريخ على هذه الضاحية المكتظة بالسكان المدنيين التي اختلطت فيها العائلات الفلسطينية بالعائلات التونسية.
واستمراراً في نهج الإرهاب الصهيوني الإسرائيلي؛ لم تتورَّع تل أبيب عن إعلان مسئوليتها عن هذه الغارة رسمياً متفاخرة بقدرة سلاحها الجوي على ضرب أهداف في المغرب العربي.
مذبحة الحرم الإبراهيمي
25 فبراير 1994 ـ الجمعة الأخيرة في رمضان بعد اتفاقات أوسلو أصبحت مدينة الخليل بالضفة الغربية موضع اهتمام خاص، على ضوء أجواء التوتر التي أحاطت بالمستوطنين الإسرائيليين بعد طرح السؤال: هل يجري إخلاء المستوطنات وترحيل المستوطنين فيها في إطار مفاوضات الحل النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟.
وتكمن هذه الأهمية الخاصة في أن مدينة الخليل تُعَد مركزاً لبعض المتطرفين من المستوطنين؛ نظراً لأهميتها الدينية؛ وإن جاز القول؛ فالخليل ثاني مدينة مقدَّسة في أرض فلسطين بعد القدس الشريف.
وفي فجر يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان الموافق 25 فبراير عام 1994؛ سمحت القوات الإسرائيلية التي تقوم على حراسة الحرم الإبراهيمي بدخول المستوطن اليهودي المعروف بتطرفه "باروخ جولدشتاين" إلى الحرم الشريف وهو يحمل بندقيته الآلية وعدداً من خزائن الذخيرة المجهزة، وعلى الفور شرع جولدشتاين في حصد المصلين داخل المسجد.
وأسفرت المذبحة عن استشهاد 60 فلسطينياً، فضلاً عن إصابة عشرات آخرين بجروح، وذلك قبل أن يتمكن من تبقَّى على قيد الحياة من السيطرة عليه وقتله.
ولقد تردد أن أكثر من مسلح إسرائيلي شارك في المذبحة، إلا أن الرواية التي سادت تذهب إلى انفراد جولدشتاين بإطلاق النار داخل الحرم الإبراهيمي. ومع ذلك فإن تعامل الجنود الإسرائيليين والمستوطنين المسلحين مع ردود الفعل التلقائية الفورية إزاء المذبحة التي تمثلت في المظاهرات الفلسطينية، اتسمت باستخدام الرصاص الحي بشكل مكثَّف، وفي غضون أقل من 24 ساعة على المذبحة؛ سقط 53 شهيداً فلسطينياً أيضاً في مناطق متفرقة ومنها الخليل نفسها.
وسارعت الحكومة الإسرائيلية إلى إدانة المذبحة معلنةً تمسكها بعملية السلام مع الفلسطينيين، كما سعت إلى حصر مسئوليتها في شخص واحد هو جولد شتاين. واكتفت باعتقال عدد محدود من رموز جماعتي كاخ وكاهانا ممن أعلنوا استحسانهم جريمة جولد شتاين، وأصدرت قراراً بحظر نشاط المنظمتين الفج؛ ولكن من الواضح أن كل هذه الإجراءات إجراءات شكلية ليس لها مضمون حقيقي؛ فالنخبة الإسرائيلية، وضمنها حكومة ائتلاف العمل، تجاهلت عن عمد المساس بأوضاع المستوطنين، ومن ذلك نزع سلاحهم ولا شك في أن مستوطنة كريات أربع في قلب الخليل (وهي المستوطنة التي جاء منها جولد شتاين) تمثل حالة نموذجية سافرة لخطورة إرهاب المستوطنين الذين ظلوا يحتفظون بأسلحتهم، بل حرصت حكومة العمل، ومن بعدها حكومة الليكود على الاستمرار في تغذية أحلامهم الاستيطانية بالبقاء في الخليل ودغدغة هواجسهم الأمنية بالاستمرار في تسليحهم في مواجهة الفلسطينيين العزل؛ بل تعمدت حكومتا العمل والليكود كلتاهما تأجيل إعادة الانتشار المقرر بمقتضى الاتفاقات الفلسطينية الإسرائيلية؛ كي تضمن لحوالي أربعة آلاف مستوطن يهودي بالخليل أسباب البقاء على أسس عنصرية متميِّزة (أمنية ومعيشية) في مواجهة مائة ألف فلسطيني لا زالوا معرَّضين لخطر مذابح أخرى على طراز جولد شتاين.
وتكمن خطورة جولد شتاين في أنه يمثل نموذجاً للإرهابي الصهيوني الذي لا يزال من الوارد أن تفرز أمثاله مرحلة ما بعد أوسلو. ورغم أن مهنة جولد شتاين هي الطب فقد دفعه النظام الاجتماعي التعليمي الذي نشأ فيه كمستوطن، إلى ممارسات عنصرية اشتهر بها ومنها الامتناع عن علاج الفلسطينيين، وجولد شتاين يطنطن بعبارات عن استباحة دم غير اليهود، ويحتفظ بذكريات جيدة من جيش إسرائيل الذي تعلَّم أثناء خدمته به ممارسة الاستعلاء المسلح على الفلسطينيين، وهو في كل الأحوال كمستوطن لا يفارقه سلاحه أينما ذهب. وما يبرهن على قابلية تكرار نموذج جولد شتاين مستقبلاً: قيام مستوطن آخر بإطلاق النار في سوق الخليل على الفلسطينيين العزل بعد ثلاثة أعوام من مذبحة الحرم الإبراهيمـي. إضافة إلى تحوَّل قـبر جــولد شتاين إلى مزار مقــدَّس للمسـتوطنين الصهـاينــة في الضـفة الغربية.