.. ثم وصلت الفتيات الثلاث إلى المدرسة وتفرقن إلى فصولهنَّ، وبعد انقضاء اليوم الدراسي خرجت الفتيات الثلاث من المدرسة متوجهات إلى منازلهنَّ، وفي الطريق تناقشن فيما قالتْه سالي وأماني للطالبة النصرانية، ودار بينهن حوار:
إيمان: إن كلامك يا سالي كان جميلاً، وكذلك كلامك يا أماني، حقًّا لقد استفدت كثيرًا، جزاكما الله خيرًا.
سالي وأماني: وجزاك الله خيرًا.
إيمان: ولكن دار في عقلي أسئلة كثيرة في التوحيد والعقيدة، فهل أجد لديكما إجابات لهذه الأسئلة؟
سالي: وما معنى التوحيد يا فتيات؟
أماني: إن هذا الأصل ليس من السهل الحوار والمناقشة فيه؛ لأن التوحيد أهم علوم الدين على الإطلاق؛ إذ هو أول واجب على المكلَّف؛ فعند دخول الشخص الإسلام يجب عليه معرفة التوحيد قبل تعلم العبادات.
إيمان: حقًّا لقد صدقت يا أماني، فلا ينبغي أن نتحدَّث فيما لا نعلم؛ فقد قال الله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]، ولذا فالأفضل أن نتقابل بعد العصر عند معلمتنا التي نحفَظ عندها القرآن الكريم؛ فهي أعلم منا كثيرًا، فنتناقش معها ونعرف ما نريد إن شاء الله.
وتقابلت الفتيات الثلاث بعد العصر في مجلس العلم عند الأخت المعلمة، وبعد الانتهاء من درس القرآن الكريم قالت المعلمة: هل لديكنَّ أي أسئلة يا فتيات؟
قلنَ لها: نعم؛ لدينا الكثير.
المعلمة: حسنًا.
سالي: أريد أن أعرف ما معنى التوحيد؟
المعلمة: التوحيد هو إفراد الله تعالى بالربوبية، والألوهية، وكمال الأسماء والصفات.
أماني: وهل للتوحيد أنواع؟
المعلمة: نعم؛ للتوحيد أنواع ثلاثة هم:
الأول: توحيد الربوبية: وهو توحيد الله بأفعاله؛ مثل: الخلق، والإماتة، والرزق، وتدبير الأمور.
الثاني: توحيد الألوهية: هو توحيد الله بأفعال العباد التي أمرهم بها، فتُصرف جميع أنواع العبادة لله وحده لا شريك له؛ مثل: الدعاء، والتوكل، والخوف، والاستعاذة، وهذا النوع من التوحيد هو الذي جاءت به الرسل عليهم السلام، وهو الذي أنكره الكفار قديمًا وحديثًا.
الثالث: توحيد الأسماء والصفات: هو الإيمان بكل ما ورد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة من أسماء الله وصفاته؛ مثل: الرحمن، والرحيم، والسميع، والبصير.
إيمان: لقد سمعت من قبل في أحد البرامج التلفزيونية أن هناك أنواعًا للعبادات، فهل هذا صحيح؟
المعلمة: نعم، هذا صحيح؛ إن للعبادات أنواعًا أربعة هي:
1- عبادات قلبية؛ مثل: الحب، والخوف، والرجاء، والإخلاص، والتوكل.
2- عبادات قولية؛ مثل: الذكر، والدعاء، والاستغفار.
3- عبادات بدنية؛ مثل: الصلاة، والصيام، والحج.
4- عبادات مالية؛ مثل: الزكاة، والنفقة.
سالي: أريد أن أعرف ما مدى أهمية معرفة وتعلم التوحيد؟
المعلمة: إن التوحيد هو أساس جميع ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام من أولهم إلى آخرهم، وقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة بعد بعثته ثلاث عشرة سنة يدعو الناس إلى تصحيح العقيدة وإلى التوحيد، فلا حياة للقلب ولا طمأنينة ولا سعادة إلا بمعرفة التوحيد وتصحيح العقيدة.
وللتوحيد فضائل عظيمة، وآثار حميدة، ونتائج جميلة؛ منها:
1- التوحيد من أجله خلَق الله الخلق؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، ومن أجله أرسل الله الرسل؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، ومن أجله أنزل الله الكتب، فهو شرط في دخول الجنة والنجاة من الخلود في النار.
2- التوحيد هو السبب الأعظم في نَيل رضا الله وثوابه.
3- التوحيد يمنع دخول النار بالكلية إذا كمل في القلب.
4- التوحيد الخالص يُثمر الأمن التام في الدنيا والآخرة؛ قال الله - عز وجل -: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].
5- التوحيد يُخفف عن العبد المكاره ويهوِّن عليه الآلام، فبحسب كمال التوحيد في قلب العبد يتلقى المكاره والآلام بقلب منشرِح، ونفس مطمئنة، وتسليم ورضًا بأقدار الله، وهو مِن أعظم أسباب انشراح الصدر.
6- التوحيد هو أول ما ندعو الناس إليه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه عندما بعثه إلى أرض اليمن: ((إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات))؛ رواه البخاري.
7- التوحيد هو حق الله على العبيد، وهو أول ما يُسأل عنه العبد في قبره.
8- تكفل الله لأهل التوحيد بالفتح، والنصر، والعز، والشرف، وحصول الهداية، وإصلاح الأحوال، والسداد في القول والعمل.
9- يسهل على العبد فعل الخيرات وترك المنكرات ويسليه عن المصائب، وهو سبب في حلول البركة.
سالي: جزاكِ الله خيرًا أيتها المعلمة.
إيمان: لقد نسيت أن أسألك سؤالاً مهمًّا، وهو سبب مجيئنا إلى هنا اليوم؛ حيث إننا قد تناقشنا في صباح اليوم مع زميلة لنا نصرانية، وذكرت لها سالي بعض حقوق غير المسلمين في الإسلام، فهل يمكن أن تُخبرينا بما يجب علينا نحن المسلمين في تعاملنا مع غير المسلمين؟
المعلمة: نعم؛ إن المسلم يجب أن يلتزم بأمور عديدة في تعامله مع غير المسلمين، وأن يحذر من أمور أخرى، ومنها:
• الحذر من التشبه باليهود والنصارى المنهيِّ عنه؛ فيجب أن يكون للمسلمين كيانهم المتميز الذي يعتزون به في كل الأمور؛ ذلك لأن دينهم هو الدين الحق وهو دين تام ليس فيه نقص؛ قال الله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، فالذي يتشبه بالكفار فكأنه مقرّ بما عندهم من الكفر والمنكرات، راضٍ بها، وأن ما عندهم خير مما عندنا في ديننا، وهذا قد يصل به إلى الكفر؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((من تشبَّه بقوم فهو منهم))؛ متفق عليه، وقال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ [المائدة: 51]، ومَن تشبَّه بقوم حُشر معهم يوم القيامة؛ لأن التشبه يدل على محبة المتشبِّه به؛ لذلك وجب على المسلم أن يتشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في الظاهر والباطن.
• ويَحرم على المسلمات التشبه بالنساء الكافرات في عاداتهن التي يُعرَفن بها في الأكل والشرب واللباس والكلام، وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالرجال الكفار؛ مثل: حلق اللحية وإطالة الشوارب، وقصات الشعر المنهي عنها.
• ولا يجوز التشبه بهم في أعيادهم ومشاركتهم إياها وشهودها؛ لأنها من الزور؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾ [الفرقان: 72].
• ويحرم مجاملة الكفار على حساب الدين، فينسلخ المسلم من إسلامه حتى لا يقال عنه: متعصِّب أو متطرف، فيخشى الكفار أكثر من خشيته لله، فيترك شعائر دينه الظاهرة خوفًا أو مجاملة للكفار، بل عليه أن يتبع أمر الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ظاهرًا وباطنًا.
• ولا ينبغي التسمي بأسمائهم، وليعلم المسلم أن خير الأسماء ما عُبِّد وما حُمِّد.
• يجب الالتزام بالتاريخ الهجري (تاريخ المسلمين) وتقديمه على التاريخ الميلادي المكذوب، وتطبيق ذلك في كل شؤون حياتنا.
• لا يجوز تولية الكفار أمرًا من أمور المسلمين المهمة من الوظائف والمناصب والمهام التي فيها سلطان على المسلمين؛ كالإمامة العظمى، أو رئاسة الدولة وقيادة الجيوش والوزارة والقضاء؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ ﴾ [آل عمران: 118].
إيمان: جزاكِ الله خيرًا أيتها المعلمة، ونفع الناس بعلمك.
أماني: بارك الله فيكِ؛ فقد استفدت كثيرًا.
سالي: شكرًا لكِ، أسال الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتك، هيا بنا يا فتيات فقد تأخَّرنا كثيرًا.
المعلمة: بارك الله فيكنًّ.. في حفظ الله تعالى.
ثم انصرفت الفتيات الثلاث إلى منازلهنَّ بعد هذا اللقاء الطيب المبارك.