أسماء الخلفاء الأربع مكتوبة على سقف يني جامع في إسطنبول.
الخلفاء الراشدون بالمعنى العام هم أئمة المسلمين في الدين أهل الهدى والرشاد، أو من كان منهم خليفة للمسلمين وهم عند أهل السنة والجماعة الخلفاء الأربعة اتفاقا، ونص كثير من الأئمة على أن عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين،[40] لأنهم جمعوا بين إمامة الدين والدنيا، وكانت لهم ولاية قائمة على منهاج النبوة، وأهل السنة والجماعة متفقون وجوب اتباع سنة الخلفاء، وأنها من السنة التي أمر الشرع باتباعها وأنهم كانوا مجتمعين على الهدى، ويستدلون على ذلك بأدلة منها حديث: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» ومعناه إلزموا طريقتي أي: التي كان عليها هو وأصحابه من العلم والعمل والاعتقاد والهدى، والزموا طريقة الخلفاء الراشدين المشهود لهم بالهدى والرشاد، وهم المقتفون لأثره المتبعون لسنتة المهتدون بهديه، وذلك أنه لما كان رسولا للعالمين وخاتما للأنبياء والمرسلين كان الأئمة في الدين هم المستخلفون من بعده الحاملون لشريعته المبلغون عنه لرسالته الداعون بدعوته الهادون بهديه الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر الوارثون لعلم النبوة من بعده في أخذ العلم عنهم، وفي الحديث: «كان بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما مات نبي قام بعده نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فيكثرون».[51]
والمقصود بـالخلفاء في هذا الحديث الأئمة المجتهدون الفقهاء في الدين، الذين اختصوا بعلم الكتاب والسنة رواية ودراية، وهم الخلفاء الأربعة الأوائل أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، ويتضمن الأمر باتباع سنة الخلفاء اتباع أئمة الفقهاء في الدين علماء الشريعة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان، فإنهم ورثة علم النبوة.
«عن يحيى بن أبي المطاع قال سمعت العرباض بن سارية يقول: قام فينا رسول الله Mohamed peace be upon him.svg ذات يوم فوعظنا موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقيل يا رسول الله وعظتنا موعظة مودع فاعهد إلينا بعهد فقال: «عليكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا، وسترون من بعدي اختلافا شديدا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمور المحدثات فإن كل بدعة ضلالة.»» في الحديث: الأمر بالسمع والطاعة لولاة الأمور وإن كان المولى عليهم عبد حبشي مبالغة في وجوب لزوم الطاعة، وعدم جواز الخروج على ولاة الأمر ما لم يأمروكم بكفر بواح عندكم فيه من الله برهان. وقوله: «وسترون من بعدي اختلافا..» بمنزلة التعليل للوصية بذلك أي: والسمع والطاعة مما يدفع الخلاف الشديد فهو خير وعند ذلك: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» قيل هم الخلفاء الأربعة، وقيل: هم أهل العلم بالكتاب والسنة ومما يدل عليه حديث: «وعن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري قال: قال رسول الله Mohamed peace be upon him.svg: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين»». رواه البيهقي.[52] قال السندي: قوله: «وسنة الخلفاء إلخ» قيل: هم الأربعة رضي الله عنهم وقيل: بل هم ومن سار سيرتهم من أئمة الإسلام المجتهدين في الأحكام فإنهم خلفاء الرسول عليه الصلاة والسلام في إعلاء الحق وإحياء الدين وإرشاد الخلق إلى الصراط المستقيم. وقوله: «عضوا عليها بالنواجذ»: بالذال المعجمة وهي الأضراس قيل: أراد به الجد في لزوم السنة كفعل من أمسك الشيء بين أضراسه وعض عليه منعا من أن ينتزع أو الصبر على ما يصيب من التعب في ذات الله كما يفعل المتألم بالوجع يصيبه قوله: «والأمور المحدثات» قيل: أريد بها ما ليس له أصل في الدين، قال السندي: «وأما الأمور الموافقة لأصول الدين فغير داخلة فيها، وإن أحدثت بعده Mohamed peace be upon him.svg قلت: هو الموافق لقوله: «وسنة الخلفاء» فليتأمل».[18]
والراشدون جمع راشد وهو الذي عرف الحق وعمل به، وإنما وصف الخلفاء بالراشدين لأنهم عرفوا الحق وقضوا به، والرشاد ضد الغواية، والغاوي من عرف الحق وعمل بخلافه. وفي رواية: «المهديين» يعني: أن الله يهديهم للحق ولا يضلهم عنه فالأقسام ثلاثة: راشد وغاو وضال فالراشد عرف الحق واتبعه والغاوي: عرفه ولم يتبعه، والضال: لم يعرفه بالكلية، فكل راشد فهو مهتد، وكل مهتد هداية تامة فهو راشد، لأن الهداية إنما تتم بمعرفة الحق والعمل به أيضا.[40]
«عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي أنه سمع العرباض بن سارية يقول وعظنا رسول الله Mohamed peace be upon him.svg موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقلنا يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا قال: «قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد»».[53]
قال السندي: قوله: «على البيضاء» أي: الملة والحجة الواضحة التي لا تقبل الشبه أصلا فصار حال إيراد الشبه عليها كحال كشف الشبه عنها ودفعها وإليه الإشارة بقوله: «ليلها كنهارها» قوله: «فإنما المؤمن» أي: شأن المؤمن ترك التكبر والتزام التواضع فيكون كالجمل الأنف ككنف أي بلا مد وكصاحب أي: بالمد والأول أصح وأفصح أي: الذي جعل الزمام في أنفه فيجره من يشاء من صغير وكبير إلى حيث يشاء حيثما قيد أي سيق والله أعلم.[54]
وفيه إخبار صحابته بما سيكون من بعده من الاختلاف الكثير أي: بعد انتشار الإسلام واندماج ثقافات الشعوب المختلفة ووقوع ظواهر جديدة وإشكالات، فبين لهم أن من أدرك زمن هذا الاختلاف فعليه بالرجوع إلى ما علموه من سنته وسنة خلفائه من بعده فالسنة المأمور باتباعها عند أئمة السنة من السلف المتقدمين هي علم الدين بعمومة عن أئمة الصحابة وعلمائهم، «وسنة الخلفاء..» داخلة في عموم معنى السنة، وإنما خصهم بالسنة المضافة إليهم لأن لهم سنة متبعة، ويجب اتباعها والرجوع إليها عند الاختلاف، وسنن الخلفاء التي اجتمع الناس عليها مثل جمع القرآن، وجمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح ووضع الدواوين وغير ذلك،
روى أبو نعيم من حديث عرزب الكندي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه سيحدث بعدي أشياء فأحبها إلي أن تلزموا ما أحدث عمر»".[40]
وقال مالك: قال عمر بن عبد العزيز: «سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده سننا، الأخذ بها اعتصام بكتاب الله وقوة على دين الله، وليس لأحد تبديلها ولا تغييرها ولا النظر في أمر خالفها، من اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن تركها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا».[40]
وقال خلف بن خليفة: شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب الناس وهو خليفة فقال في خطبته: «ألا إن ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه فهو وظيفة دين، نأخذ به وننتهي إليه».[40]
وسنة الخلفاء التي وقع الاجتماع عليها تشمل الأحكام الصادرة عنهم في مستجدات ليس فيها نص شرعي يدل عليها بخصوصها، كقضاء عمر الذي جمع عليه الصحابة في العول وفي مسألتي الغراوين ومثل ما جمع عليه الناس في الطلاق الثلاث، وفي تحريم متعة النساء، وغير ذلك.[40] وكل ما قضى به أئمة الصحابة أو خلفائهم وحصل الاجتماع عليه فهو عند أهل السنة والجماعة حجة معتبرة وإجماعهم إجماع، أما ما لم يجتمعوا عليه من فروع الأحكام فلا تكون حجة بل هي مذاهب فقهية.
قال وكيع: «إذا اجتمع عمر وعلي على شيء فهو الأمر».[40]
عن ابن مسعود أنه كان يحلف بالله: إن الصراط المستقيم هو الذي ثبت عليه عمر حتى دخل الجنة.[40]
وكان علي يتبع أحكامه وقضاياه، ويقول: «إن عمر كان رشيد الأمر».[40]
وروى أشعث عن الشعبي قال: «إذا اختلف الناس في شيء فانظر كيف قضى فيه عمر فإنه لم يكن يقضي عمر في أمر لم يقض فيه قبله حتى يشاور».[40]
وقال مجاهد: «إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ما صنع عمر فخذوا به».[40]
وقال أيوب عن الشعبي: «انظروا ما اجتمعت عليه أمة محمد، فإن الله لم يكن ليجمعها على ضلالة، فإذا اختلفت فانظروا ما صنع عمر ابن الخطاب فخذوا به».
وسئل عكرمة عن أم الولد فقال: تعتق بموت سيدها، فقيل له: بأي شيء تقول؟ قال: بالقرآن قال: بأي القرآن؟ قال: ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ (النساء: 59)، وعمر من أولي الأمر.[40]