03-23-2024
|
#7
|
الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (7)
قصة بناء الكعبة (5)
كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة:124).
مِن فوائد هذه الآية:
الفائدة الخامسة: أن الإمامة لا ينالها -بأمر الله الشرعي- ظالمٌ:
وأجمع ما قيل في ذلك قول ابن خُوَيْز مَنْدَاد المالكي: "الظالم لا يصلح أن يكون خليفة، ولا حاكمًا ولا مفتيًا ولا شاهدًا ولا راويًا".
والظلم نوعان: ظلم أكبر؛ وهو الشرك بالله، قال -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ? إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان:13)، ولا نزاع أنه لا ينال الظالم -هذا الظلم الأكبر- أيَّ نوع من الإمامة التي ذكرها ابن خُوَيْز مَنْدَاد؛ فلا يكون خليفة ولا قاضيًا، ولا مفتيًا، ولا شاهدًا ولا راويًا، ويُرد كل ذلك منه.
والنوع الثاني من الظلم: الظلم الأصغر -وهو أشمل-؛ ظلم العبد لنفسه بالمعاصي دون الشرك؛ وهو الذي قال فيه الصحابة لما سمعوا قول الله -عز وجل-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:82)، قالوا: "أيُّنا لم يظلم نفسه؟!".
وهو -الظلم الأصغر- يشمل الصغائر، وهي تُكفَّر باجتناب الكبائر، مع المحافظة على الفرائض، قال الله -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء:31)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الصَّلَواتُ الخَمْسُ، والْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، وَرَمَضانُ إلى رَمَضانَ، مُكَفِّراتٌ ما بيْنَهُنَّ إِذا اجْتَنَبَ الكَبائِرَ) (رواه مسلم).
والكبائر وهي لا تكفر إلا بالتوبة؛ فمَن لم يتب ظلَّ حكم الظالم ملازمًا لمرتكبها؛ وبالتالي: لا يصح أن يكون إمامًا يُقتدَى به في الدِّين شرعًا، وإنما قلنا: شرعًا؛ ليخرج مِن ذلك ما يقع كونًا وقَدَرًا؛ فقد يتولى بعض الولايات في بعض الأزمان وفي بعض الأمكنة ظالمون، ولكن هذا ليس مِن شرع الله -سبحانه-، ولا يجوز فعله، وإن كان تغييره يخضع لقضية المصالح والمفاسد، ولا يمضي أمرُ الظالم إلا ما وافق الشرع.
وإن كان إدراكُ الفرق بين المطلوب شرعًا والممكن المتاح الواقع قدرًا ضروريًّا للغاية؛ وذلك أن عدم إدراك الفرق يترتب عليه: إهمال موازين القدرة والعجز، والقوة والضعف، والمصلحة والمفسدة، وعامة الفتن تقع من هذا الباب؛ فيرى بعض الناس أن المطلوب شرعًا تولية العدل هذه الولايات وعدم تولية الظالم، ولا يرون القدرة والقوة على ذلك؛ فيصطدمون بالواقع المؤلم، ويهلك في ذلك الآلاف وأكثر؛ لأنهم لم يراعوا قاعدة المصالح والمفاسد التي مِن أجلها أَمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصبر على أئمة الجور، وقال: (فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ) (متفق عليه)، مع وجود المنكرات، وإن كان قد مَنَع مِن الرضا والمتابعة، فقال: (فَمْنَ أنَكَرَ فَقَدْ بَرِيءَ، ومَنْ كَرِهَ فقدْ سَلِمَ، ولكن مَنْ رضِيَ وتابَعَ) (رواه مسلم).
بل في الحقيقة مِن أجل هذه القاعدة شَرَع الله التدرج في أمر جهاد الكفار فمَن دونهم؛ فكان الجهاد منهيًّا عنه، قال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) (النساء:77)، وذلك عندما كان المسلمون مستضعفين بمكة، ثم صار مأذونًا فيه في أول قدومهم المدينة، قال الله -تعالى-: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى? نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج:39)، ثم صار مأمورًا به لمَن قاتلنا دون مَن يقاتِل؛ وهو قتال الدفع، قال -تعالى-: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة:190)، ثم صار مأمورًا به لكل الكفار حسب القدرة والاستطاعة؛ وهو جهاد الطلب، قال -تعالى-: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) (التوبة:36)، مع بقاء إعمال هذا الترتيب حسب الحاجة إليه، وحسب القدرة والمصلحة، وبقاء تشريع أنواع العهود المختلفة حسب مصلحة المسلمين.
قال ابن تيمية -رحمه الله-: "فمَن كان في أرض هو فيها مستضعف، عمل فيها بآيات الصبر والصفح والعفو عمَّن آذى الله ورسوله، ومَن كان عنده القدرة التامة، عمل بآيات قتال المشركين كافة" (انتهى بمعناه).
ومثل الجهاد: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إذ هو نوع منه، فلابد مِن رعاية القدرة والعجز، والمصلحة والمفسدة؛ وإن كان هذا لا يعني زوال المطلوب شرعًا مِن قصد المكلفين وفهمهم للدِّين، وتبليغهم لغيرهم -الدِّين- مِن الأجيال القادمة؛ فلا يتغير المطلوب شرعًا بالعجز عنه؛ بل يَظلُّ معلومًا ومنقولًا للأجيال؛ حتى يأتي الحين الذي يتمكَّن فيه المسلمون منه، ولا يكون أهل الحق كأهل التبديل والتحريف الذين يُشرِّعون ترك ما أمر الله به القادرين عامًّا مطلقًا؛ لعجزهم في زمنٍ مِن الأزمان عنه؛ فيُبدَّل الدِّين، ويُفقَد جيلًا بعد جيلٍ! ومِن هذا الباب العمل بهذه الآية الكريمة: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).
فمَن يُشرِّع للناس تولية الظالمين دائمًا، وإهدار ما أمر الله به مِن عدم كونهم أئمة؛ بل يجعلهم كالخلفاء الراشدين في الحقوق، مع تضييعهم الواجبات؛ فيُلزِم باتِّباعهم في ترك الواجبات، وفعل المحرمات، وتشريع المخالفات؛ فالناس في هذا المقام ثلاث فِرَق:
الفرقة الأولى: نظرت إلى المطلوب شرعًا؛ دون النظر إلى القدرة والعجز، والمصلحة والمفسدة؛ فزعمت أنها تقاتِل حتى لا تكون فتنة، ويكون قتالُهم هو الفتنة: كالخوارج الذين جَمَعوا مع فساد العمل فساد الاعتقاد، وكالمُخطِئين مِن أهل السُّنة الذين خَرَجوا على الولاة؛ لظلمهم، فحدثت الفتن العظيمة، وإن كان أمرهم عند أهل السُّنة أنهم مجتهدون مخطئون لهم أجرٌ واحدٌ، مغفورٌ لهم خطؤهم، وليسوا كالخوارج كلاب النار المذمومين في الدنيا والآخرة؛ لفساد عقيدتهم، وتكفيرهم المسلمين، واستباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم؛ فمَن جعل طلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص والحسين بن علي -رضي الله عنهم-، وسعيد بن جبير ومَن معه -رحمهم الله- وأمثالهم كالخوارج في الذمِّ؛ فقد ابتدع بدعة ضلالة، وسوَّى بين ما فرَّق بينه أهل السنة؛ رغم وجود القتال.
والفرقة الثانية: نظرت إلى الواقع دون المشروع؛ فجعلت الظلم عدلًا، والفساد صلاحًا، وبدَّلت الشرع؛ إرضاءً للظالمين، وحَللوا وحَرَّموا على أهوائهم؛ فصاروا أعظم فتنة مِن الفرقة الأولى، وعظم ضررهم في تحريف الكتاب، وتبديل الدِّين على أجيالٍ تلو أجيالٍ.
والفرقة الثالثة: جمعت في نظرها بين معرفة الشرع المطلوب -فحكمتْ به حكمًا عامًّا مطلقًا- وبين الواقع المقدَّر والمقدور عليه، والمعجوز عنه؛ فراعت المصالح والمفاسد، ولم تأمر في الواقِع المعين إلا بالممكن المقدور المتاح الذي يترتب عليه تحصيل أكبر قدرٍ مِن المصالح -وإن فات بعضها-، ودفع أكبر قدرٍ مِن المفاسد -وإن احْتُمِل بعضها-؛ مع بقاء الأمر العام المطلق هو الموافِق للشرع؛ فلم يفتنوا الناس، ولم يبدِّلوا الدِّين، ولا حَرَّفوا الكتاب، وهؤلاء هم أهل الحق مِن أهل السُّنة والجماعة.
نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا منهم، وأن يلحقنا بهم صالحين.
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ رحيل على المشاركة المفيدة:
|
|
03-23-2024
|
#8
|
الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (8)
قصة بناء الكعبة (6)
كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فبعد أن ذكر الله -تعالى- أنه جعل خليله إبراهيم -عليه السلام- إمامًا للناس -ومَن كان مِن ذريته عادلًا غير ظالم-؛ ذكر -سبحانه وتعالى- قصة بناء الكعبة المُشَرَّفة قِبلة إمام البشرية كافة، وأمته إلى آخر الزمان، وخير الخليقة محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وهذا تمهيدًا لنسخ القبلة مِن بيت المقدس إلى استقبال الكعبة؛ فقال -تعالى-: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة:125).
قال ابن كثير -رحمه الله-: "قال العوفي عن ابن عباس: قوله -تعالى-: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ) يقول: لا يقضون منه وطرًا؛ يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم، ثم يعودون إليه. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (مَثَابَةً لِّلنَّاسِ) يقول: يثوبون. رواهما ابن جرير. وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس، في قوله -تعالى-: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ) قال: يثوبون إليه ثم يرجعون.
قال: وروي عن أبي العالية، وسعيد بن جبير في رواية وعطاء، ومجاهد، والحسن، وعطية، والربيع بن أنس، والضحاك، نحو ذلك.
وروى ابن جرير عن عبدة بن أبي لبابة، في قوله -تعالى-: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ) قال: لا ينصرف عنه منصرف وهو يرى أنه قد قضى منه وطرًا.
وعن ابن زيد: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ) قال: يثوبون إليه من البلدان كلها ويأتونه، وما أحسن ما قال الشاعر في هذا المعنى، أورده القرطبي:
جعل البيت مثابًا لهم ليس مـنه الدهر يقضون الوطر
وقال سعيد بن جبير في الرواية الأخرى وعكرمة، وقتادة، وعطاء الخراساني: (مَثَابَةً لِّلنَّاسِ) أي: مجمعًا.
(وَأَمْنًا) قال الضحاك عن ابن عباس: أي أمنًا للناس.
وقال أبو جعفر الرازي عن أبي العالية: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا) يقول: أمنًا مِن العدو، وأن يحمل فيه السلاح، وقد كانوا في الجاهلية يُتخطف الناس من حولهم، وهم آمنون لا يُسْبَون.
وروي عن مجاهد، وعطاء، والسدي، وقتادة، والربيع بن أنس، قالوا: مَن دخله كان آمنا.
ومضمون ما فسر به هؤلاء الأئمة هذه الآية: أن الله -تعالى- يذكر شرف البيت وما جعله موصوفًا به شرعًا وقدرًا مِن كونه مثابة للناس؛ أي: جعله محلًّا تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه، ولا تقضي منه وطرًا ولو ترددت إليه كل عام؛ استجابة من الله -تعالى- لدعاء خليله إبراهيم -عليه السلام- في قوله: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) إلى أن قال: (رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) (إبراهيم:37-40).
ويصفه -تعالى- بأنه جعله أمنًا؛ مَن دخله أَمِن، ولو كان قد فعل ما فعل ثم دخله كان آمنًا.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كان الرجل يَلْقَى قاتل أبيه وأخيه فيه فلا يعرض له، كما وصفها في سورة المائدة بقوله -تعالى-: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ) (المائدة:97)، أي: يرفع عنهم بسبب تعظيمها السوء كما قال ابن عباس: لو لم يحج الناس هذا البيت لأطبق الله السماء على الأرض، وما هذا الشرف إلا لشرف بانيه أولًا، وهو خليل الرحمن -"قلتُ: بل الشرف؛ لأن الله شَرَّفه وحرمه قبل أن يخلق الناس، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ) (متفق عليه)، وقال: (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ) (رواه البخاري)"- كما قال -تعالى-: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا) (الحج:26)، وقال -تعالى-: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ . فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) (آل عمران: 96-97).
وفي هذه الآية الكريمة نبَّه -تعالى- على مقام إبراهيم مع الأمر بالصلاة عنده، فقال: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) (البقرة:125)، وقد اختلف المفسرون في المراد بالمقام: ما هو؟ فروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) قال: مقام إبراهيم: الحرم كله. وروي عن مجاهد وعطاء مثل ذلك.
وروى أيضًا عن ابن جريج، قال: سألت عطاء عن (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) فقال: سمعت ابن عباس قال: أما مقام إبراهيم الذي ذكره هاهنا -أي: في هذه السورة-، فمقام إبراهيم هذا الذي في المسجد -يعني الحجر الذي عليه القبة الصغيرة الصفراء-، ثم قال: و(مَقَام إِبْرَاهِيمَ) يُعَدُّ كَثِير، (مَقَام إِبْرَاهِيمَ) الحج كله. ثم فسره لي عطاء فقال: التعريف، وصلاتان بعرفة (الظهر والعصر)، والمشعر، ومنى، ورمي الجمار، والطواف بين الصفا والمروة. فقلت: أفسره ابن عباس؟ قال: لا، ولكن قال: مقام إبراهيم: الحج كله. قلتُ: أسمعت ذلك ؟ لهذا أجمع. قال: نعم، سمعته منه.
وروى سفيان الثوري عن سعيد بن جبير: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) قال: الحجر مقام إبراهيم نبي الله، قد جعله الله رحمة، فكان يقوم عليه ويناوله إسماعيل الحجارة. ولو غسل رأسه كما يقولون لاختلف رجلاه.
وقال السدي: المقام: الحجر الذي وضعته زوجة إسماعيل تحت قدم إبراهيم حتى غسلتْ رأسه. حكاه القرطبي وضعفه، ورجحه غيره، وحكاه الرازي في تفسيره عن الحسن البصري وقتادة والربيع بن أنس -(قلتُ: والراجح الأول؛ أنه الحجر الذي كان يبني عليه إبراهيم الكعبة المشرفة)-.
وروى ابن أبي حاتم عن جابر يحدِّث عن حجة النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لما طاف النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له عمر: هذا مقام أبينا؟ قال: نعم، قال: أفلا نتخذه مصلى؟ فأنزل الله -عز وجل-: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) -(قلتُ: هذا لا يثبت؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثبت في الصحيح أنه صَلَّى الركعتين مباشرة عقب طوافه)-.
وروى عثمان بن أبي شيبة عن أبي ميسرة قال: قال عمر: قلت: يا رسول الله، هذا مقام خليل ربنا؟ قال: نعم، قال: أفلا نتخذه مصلى؟ فنزلت: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) -(قلتُ: والذي يظهر أن هذا كان سابقًا على حجة الوداع)-.
وروى ابن مردويه عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب أنه مرَّ بمقام إبراهيم، فقال: يا رسول الله، أليس نقوم بمقام خليل ربنا؟ قال: بلى. قال: أفلا نتخذه مصلى؟ فلم يلبث إلا يسيرًا حتى نزلت: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى).
وروى ابن مردويه عن جابر قال: لما وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة عند مقام إبراهيم، قال له عمر: يا رسول الله، هذا مقام إبراهيم الذي قال الله: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)؟ قال: نعم. قال الوليد: قلت لمالك: هكذا حدثك (وَاتَّخِذُوا) قال: نعم. هكذا وقع في هذه الرواية، وهو غريب.
وقد روى النسائي من حديث الوليد بن مسلم نحوه.
وقال البخاري: باب قوله: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)، مثابة: يثوبون يرجعون. حدثنا مسدد، حدثنا يحيى عن حميد عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب: وافقت ربي في ثلاث، أو وافقني ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) وقلت: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب؟ فأنزل الله آية الحجاب. وقال: وبلغني معاتبة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض نسائه، فدخلت عليهن، فقلتُ: إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله خيرًا منكن، حتى أتيتُ إحدى نسائه، فقالت: يا عمر، أما في رسول الله ما يعظ نساءَه حتى تعظهن أنت؟! فأنزل الله: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ) الآية (التحريم:5)" (انتهى من تفسير ابن كثير).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ رحيل على المشاركة المفيدة:
|
|
03-23-2024
|
#9
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ رحيل على المشاركة المفيدة:
|
|
03-23-2024
|
#10
|
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
03-23-2024
|
#11
|
/
طرح رائع وَ أختيار مميز
شكراً جزيلاً لك
يعطيك العافية ..
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
03-23-2024
|
#12
|
شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
الساعة الآن 11:03 PM
| | | | | |