ننتظر تسجيلك هـنـا


( سجادة حمراء وأرائـك الهطول# حصريآت ال روآية )  
 
 
{ثمانية سنوات من العطاء الممزوج بالحب سنوية رواية عشق   )
   
{ أغار عليه من عيون تشوفه وخافقي مسدود - مجلة رواية عشق   )
   
.>~ { للجمال عنوان وهنا عنوانه { نشطاء منتدى روآية عشق لهذا الأسبوع } ~
    الرافدين"     عموري"     شهد"     عبدالحليم"     نبض"     روحي"     نساي"     حياتي"     الشرقية"     بادلتك"     مجروح"     ختان     البهلوان"     ناطق"     الملاح"     ارجوان"

العودة   منتدى رواية عشق > ۩ القِسـم الإسلامـي ۩ > ۩ إسلامِي هُو سر حَياتي ۩

الملاحظات

۩ إسلامِي هُو سر حَياتي ۩ غيمَة الرُوح فِي رِحَابِ الإيمَانْ " مَذْهَبْ أهْلُ السُنَةِ وَالجَمَاعَة ".

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 03-09-2024
Şøķåŕą متواجد حالياً
Egypt     Female
قَدَاسَة طُهِّرَ | | أَوْسِمَتِي | |
 
 عضويتي » 1870
 اشراقتي ♡ » Jun 2021
 كُـنتَ هُـنا » منذ ساعة واحدة (11:48 AM)
موآضيعي » 25163
آبدآعاتي » 7,481,851
 تقييمآتي » 2341199
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Egypt
جنسي  »  Female
 حالتي الآن » ☆بعالم الحب يا حب ❤️ ☆
آلعمر  » ❤
الحآلة آلآجتمآعية  » » ❤
تم شكري »  54,127
شكرت » 27,141
الاعجابات المتلقاة » 13878
الاعجابات المُرسلة » 2487
مَزآجِي  »  الحمدلله
 
Q126 علة عدم مغفرة الله تعالى للشرك



علة عدم مغفرة الله تعالى للشرك


الحمد لله الذي لَم يتَّخِذ ولدًا، ولَم يكنْ له شريكٌ في الْمُلك، ولَم يكنْ له وَلِيٌّ من الذُّل، المتفرِّد بالكَمال في ألوهيَّته وربوبيَّته، وأسمائه وصفاته، والصلاة والسلام على إمام الْحُنفاء، وسيِّد الموحِّدين، الداعي إلى إفرادِ الله بالتألُّه والخضوع والذُّل، والكُفر بكلِّ معبود وطاغوت يُدْعَى مع الله.



وبعدُ:

فإنَّ توحيدَ الله أعظمُ طاعة فرَضَها الله على العباد، كما أنَّ الشِّرْك هو أعظمُ سيِّئة نَهَى الله عنها، فالتوحيد أعظمُ الحسنات، والشِّرْك أعظمُ السيِّئات؛ قال - تعالى -: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النمل: 89 - 90].



قال ابنُ كَثير - رحمه الله تعالى -: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ﴾، قال قَتَادة: بالإخلاص، وقال زين العابدين: هي لا إله إلا الله.

وقوله: ﴿ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ﴾؛ أي: مَنْ لَقِي الله مُسيئًا لا حَسَنة له، أو: قد رجحتْ سيِّئاتُه على حسناته، كلٌّ بحسبه؛ ولهذا قال: ﴿ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾.


وقال ابن مسعود، وأبو هريرة وابنُ عباس - رَضِي الله عنهم - وأنس بن مالك، وعَطاء، وسعيد بن جُبير، وعِكْرمة، ومُجاهد، وإبراهيم النَّخَعي، وأبو وائل، وأبو صالح، ومحمد بن كعب، وزيد بن أسْلَم، والزُّهْري، والسُّدِّي، والضَحَّاك، والْحَسن، وقَتَادة، وابنُ زيد، في قوله: ﴿ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ ﴾ يعني: بالشِّرْك[1].



ومن عِظَم سيِّئة الشِّرْك عند الله - تعالى - أنَّ الله لا يَغْفر لصاحبها؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 116].

واستحقَّ صاحبُها من صفات السوء والذَّمِّ ما لَم يكنْ لأحد غيره، فالْمُشْرِك عدوُّ الله؛ قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ﴾ [الممتحنة: 1].



والمشْرِك يبغضه الله ولا يُحبُّه؛ ﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [الفتح: 6]، ﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [الروم: 45]، ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 32].



والمشِرك وَلِيٌّ للشيطان؛ ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76].

والمشْرِك مَحرومٌ من رحمة الله في الآخرة، ومُخَلَّد في نار جهنَّم؛ لا يموت فيها ولا يَحيا، ولا يَقبل الله منه فِدَاءً ولو افْتَدَى بالأرض وما فيها؛ ﴿ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ [الزمر: 47].



وقال - تعالى - على لسان عيسى - عليه السلام -: ﴿ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72]، وقال: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ﴾ [فاطر: 36 - 37]، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ﴾ [الأحزاب: 64 - 66].



والمشْرِك مَغبون؛ يظنُّ نفسَه على شيءٍ عند الله وهو من الخاسرين؛ ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ [النور: 39 - 40]، ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23]، ﴿ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴾ [الجاثية : 33 - 35]، ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾ [الكهف : 103 - 106].



والمشْرِك حقيرٌ ذليلٌ، هَيِّن على الله؛ ولذا يُعطيه ويَرزقه في الحياة الدنيا، ويَحرمه الآخرة؛ ﴿ وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف : 33 - 35].



والمشْرِك جاهلٌ ضالٌّ لا يَعْقل؛ ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 44]، ﴿ فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [الروم: 52 - 53]، ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 41].



إنَّ هذه الآيات لتدْفَع بالمؤمن دفْعًا وثيقًا؛ لمعرفة العِلَّة التي مِنْ أجْلها استحقَّ المشْرِكُ كلَّ هذا الوعيد؛ من غَضَبِ الله ومَقْته، وبُغْضه وعَدَاوته، وإباحة دَمه وماله، وهَوَانه على الله وعذابه الشديد، وخُلوده فيه وعدم رحمة الله له، فما الذي أوْجَبَ للمشرك هذا وهو يظنُّ نفسَه على هدًى، ويَحسَب نفسَه على خيرٍ، ويَقصد بفِعْله كلِّه تعظيمَ جَناب الربِّ - تعالى - وعبادته؟



يُجيبنا الإمام ابنُ القَيِّم - رحمه الله رحمة واسعة - عن هذا السؤال، فيقول:

"ووقعتْ مسألة، وهي: أنَّ المشرك إنما قصْدُه تعظيمُ جَناب الربِّ - تبارك وتعالى - أو أنَّه لعَظَمته لا يَنبغي الدخول عليه إلاَّ بالوسائط والشُّفعاء - كحال الملوك - فالمشْرِك لَم يَقصِدِ الاستهانة بِجَناب الربوبيَّة، وإنَّما قَصَد تعظيمَه، وقال: إنَّما أعبدُ هذه الوسائط؛ لتقرِّبَنِي إليه، وتُدْخِلني عليه، فهو المقصود، وهذه وسائل وشُفعاء، فلِمَ كان هذا القَدْرُ مُوجِبًا لسخطه وغَضَبه - تبارك وتعالى - ومُخلدًا في النار، وموجِبًا لسَفْك دماء أصحابه، واستباحة حريمهم وأموالهم؟

وترتَّب على هذا سؤال آخرُ، وهو: أنَّه هل يجوز أن يشرعَ الله - سبحانه - لعباده التقرُّبَ إليه بالشُّفعاء والوسائط، فيكون تحريمُ هذا إنَّما استُفِيَد من الشَّرْع، أو ذلك قبيحٌ في الفِطَر والعقول، يَمتنع أن تأتِيَ به شريعة؟ بل جاءتِ الشرائعُ بتقرير ما في الفِطَر والعقول من قُبْحه الذي هو أقْبَح مِن كلِّ قبيح؟ وما السببُ في كونه لا يغفره مِن دون سائر الذنوب؟ كما قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: 48].

فتأمَّل هذا السؤال، واجمع قلبَك وذِهْنَك على جوابه ولا تستهونه؛ فإنَّ به يَحصل الفَرق بين المشركين والموحِّدين، والعالمين بالله والجاهلين به، وأهْل الجنة وأهل النار.

فتقول وبالله التوفيق والتأييد، ومنه نسألُ المعونة والتسديد، فإنَّه مَن يَهْده الله فلا مُضِل له، ومن يُضْلل فلا هادي له، ولا مانع لِمَا أعطى، ولا مُعْطي لِمَا منَع"[2].



ثم تكلَّم - رحمه الله - عن الشِّرْك وأنواعه، إلى أنْ وَصَل إلى حقيقة الشِّرْك ثم قال: "إذا عرَفْتَ هذه المقدمة، انفتَح لك الجوابُ عن السؤال المذكور، فنقول، ومِنَ الله وحْدَه نستمدُّ الصواب:

حقيقة الشِّرْك: هو التشبُّه بالخالق، وتشبيه المخلوق به سبحانه، هذا هو التشبيه في الحقيقة، لا إثبات صفات الكمال التي وصَف الله بها نفسَه، ووصَفه بها رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فعَكَس الأمر مَن نكَس اللهُ قلبَه، وأعْمَى عينَ بَصِيرته، وأرْكَسَه بكَسْبه، وجعَل التوحيدَ تشبيهًا، والتشبيه تعظيمًا وطاعةً، فالمشْرِك مُشَبِّه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهيَّة؛ فإنَّ من خصائص الإلهية التفرُّد بِمِلْك الضُّرِّ والنفْع، والعطاء والمنْع، وذلك يوجِب تعليقَ الدعاء والخوف والرجاء والتوكُّل به وحْدَه، فمَن علَّق ذلك بمخلوق فقد شبَّهه بالخالق، وجعَل مَن لا يَملِك لنفسه نفْعًا ولا ضُرًّا، ولا موتًا ولا حياة ولا نُشورًا - فضلاً عن غيره - شبيهًا بِمَنْ له الأمرُ كلُّه، فأَزِمَّة الأمور كلِّها بيَدَيه، ومرجعُها إليه، فما شاء كان وما لَم يَشَأْ لَم يكنْ، لا مانع لِمَا أعْطَى، ولا مُعطي لِمَا منْع، بل إذا فتَح لعبده بابَ رحمته لَم يُمْسِكْها أحدٌ، وإنْ أمْسَكها عنه لَم يُرْسِلْها إليه أحدٌ.



فمِن أقبح التشبيه: تشبيهُ هذا العاجز الفقير بالذات بالقادر الغني بالذات.

ومن خصائص الإلهيَّة: الكمال المطْلَق من جميع الوجوه الذي لا نقْصَ فيه بوجْه من الوجوه، وذلك يوجِب أنْ تكون العبادة كلُّها له وحْدَه، والتعظيم والإجلال والخشية، والدعاء والرجاء والإنابة، والتوكُّل والاستعانة، وغاية الذُّلِّ مع غاية الحبِّ، كلُّ ذلك يجبُ - عقْلاً وشرعًا وفِطْرةً - أن يكونَ له وحْدَه، ويَمْتنِع - عقلاً وشرْعًا وفِطْرة - أن يكونَ لغيره، فمَن جعَل شيئًا من ذلك لغيره، فقد شبَّه ذلك الغير بِمَن لا شبيهَ له، ولا مثيل له، ولا ندَّ له، وذلك أقْبحُ التشبيه وأبْطله، ولشدَّة قُبْحه وتضمُّنه غايةَ الظلم، أخبرَ - سبحانه - عبادَه أنَّه لا يَغفره، مع أنَّه كتَب على نفسه الرحمة.

ومن خصائص الإلهيَّة: العبودية التي قامتْ على ساقين لا قِوامَ لها بدونهما: غاية الحبِّ، مع غاية الذُّل، هذا تمام العبوديَّة، وتفاوت منازل الْخَلْق فيها بحسبِ تفاوتهم في هذين الأصْلين.



فمَن أعْطَى حبَّه وذُلَّه وخضوعَه لغير الله، فقد شبَّهه به في خالص حقِّه، وهذا من المحال أنْ تأتِيَ به شريعة من الشرائع، وقُبْحه مستقرٌّ في كل فِطْرة وعقْل، ولكنْ غيَّرتِ الشياطين فِطَر أكثرِ الْخَلْق وعقولهم، وأفسدتْها عليهم، واجْتَالتهم عنها، ومَضَى على الفطرة الأولى مَن سبقَتْ له من الله الْحُسنى، فأرْسَل إليهم رسله، وأنْزَل عليهم كُتبه بما يوافِق فِطَرهم وعقولَهم، فازدادوا بذلك نورًا على نور؛ ﴿ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [النور: 35].

إذا عُرِف هذا، فمن خصائص الإلهيَّة السجود، فمَن سَجَد لغيره، فقد شبَّه المخلوقَ به.

ومنها: التوكُّل، فمَن توكَّل على غيره فقد شبَّهه به.

ومنها: التوبة، فمن تابَ لغيره، فقد شبَّهه به.

ومنها: الْحَلف باسمه تعظيمًا وإجلالاً له، فمن حَلَف بغيره فقد شبَّهه به، هذا في جانب التشبيه.



وأما في جانب التشبُّه به: فمن تعاظَم وتَكبَّر، ودعا الناس إلى إطْرائه في المدح والتعظيم، والخضوع والرجاء، وتعليق القلب به؛ خوفًا ورجاءً، والْتِجَاءً واستعانة، فقد تشبَّه بالله، ونازَعَه في ربوبيَّته وإلهيَّته، وهو حقيقٌ بأن يُهينَه غايةَ الْهَوَان، ويُذِلَّه غايةَ الذُّلِّ، ويَجعلَه تحت أقدام خَلْقه.

وفي الصحيح عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((يقول الله - عزَّ وجلَّ -: العَظَمة إزاري، والكبرياء رِدَائي، فمَن نازَعَني واحدًا منهما عذَّبْتُه))[3].



وإذا كان المصوِّرُ الذي يَصنع الصورة بيده من أشدِّ الناس عذابًا يوم القيامة؛ لتشبُّهه بالله في مجرَّد الصَّنْعَة، فما الظنُّ بالتشبُّه بالله في الربوبيَّة والإلهيَّة؟ كما قال: النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أشدُّ الناس عذابًا يوم القيامة المصوِّرون، يُقال لهم أَحْيُوا ما خَلَقْتُم))[4].

وفي الصحيحين عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((قال الله - عزَّ وجلَّ -: ومَن أظْلم ممن ذهَب يَخلُق خَلْقًا كخَلْقي، فليخلقوا ذَرَّة، فليخلقوا شعيرة))[5]؛ فنبَّه بالذَّرَّة والشعيرة على ما هو أعظم منهما وأكبر.

والمقصود: أنَّ هذا حال مَن تشبَّه به في صَنعة صورة، فكيف حال مَن تشبَّه به في خَواص ربوبيَّته وإلهيَّته؟! وكذلك مَن تشبَّه به في الاسم الذي لا يَنبغي إلاَّ لله وحْدَه، كمَلِك الأملاك، وحاكم الْحُكَّام ونحوه.



وقد ثبَتَ في الصحيح عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((إنَّ أخْنَع الأسماء عند الله رجلٌ يُسَمَّى: بشاهان شاه - أي مَلِك الملوك - لا مَلِك إلاَّ الله))، وفي لفظ: ((أغْيَظُ رجلٍ على الله رجلٌ يُسَمَّى بِمَلك الأملاك))[6].

فهذا مَقْتُ الله وغَضَبه على مَن تشبَّه به في الاسم الذي لا ينبغي إلاَّ له؛ فهو - سبحانه - مَلك الملوك وحْدَه، وهو حاكم الْحُكَّام وحْدَه، فهو الذي يَحكم على الْحُكَّام كلِّهم، ويَقضي عليهم كلِّهم لا غيرُه.



فصل: سوء الظنِّ بالله.

إذا تبيَّن هذا فها هنا أصْلٌ عظيم، يَكْشف سرَّ المسألة، وهو أنَّ أعظمَ الذنوب عند الله إساءةُ الظنِّ به، فإنَّ المسيءَ به الظنَّ قد ظنَّ به خلافَ كماله المقدَّس، وظنَّ به ما يُناقض أسماءَه وصفاته؛ ولهذا توعَّد الله - سبحانه - الظانِّين به ظنَّ السَّوء بما لَم يتوعَّدْ به غيرَهم؛ كما قال - تعالى -: ﴿ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [الفتح: 6]، وقال - تعالى - لِمَن أنكر صفةً من صفاته: ﴿ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [فصلت: 23]، وقال - تعالى -: عن خَليله إبراهيمَ أنَّه قال لقوْمه: ﴿ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 86 - 87]؛ أي: فما ظنُّكم أن يُجَازيكم به إذا لَقِيتُموه وقد عبدْتُم غيره؟ وماذا ظننْتُم به حتى عبدْتُم معه غيرَه؟ وما ظننْتُم بأسمائه وصفاته وربوبيَّته من النقْص؛ حتى أحوجَكم ذلك إلى عبوديَّة غيره؟ فلو ظننْتُم به ما هو أهْلُه من أنَّه بكلِّ شيءٍ عليم، وهو على كلِّ شيء قدير، وأنَّه غنيُّ عن كلِّ ما سواه، وكلُّ ما سواه فقيرٌ إليه، وأنَّه قائمٌ بالقسط على خَلْقه، وأنَّه المنفرد بتدبير خَلْقه لا يُشْركه فيه غيرُه، والعالِم بتفاصيل الأمور، فلا يَخفى عليه خافيةٌ من خَلْقه، والكافي لهم وحْدَه، فلا يحتاج إلى مُعِين، والرحمن بذاته، فلا يحتاج في رحمته إلى مَن يَستعطفه، وهذا بخلاف الملوك وغيرهم من الرؤساء؛ فإنَّهم يحتاجون إلى مَن يُعَرِّفهم أحوالَ الرعيَّة وحوائجَهم، ويُعينهم على قضاء حوائجهم، وإلى مَن يسترحمهم، وإلى مَن يَستعطفهم بالشَّفاعة، فاحتاجوا إلى الوسائط ضرورةً؛ لحاجتهم وضَعفهم، وعجزهم وقُصور عِلْمهم.



فأمَّا القادرُ على كلِّ شيءٍ، الغني عن كلِّ شيء، الرحمن الرحيم الذي وسعتْ رحمته كلَّ شيء، فإدخال الوسائط بينه وبين خَلْقه نقْصٌ بحقِّ ربوبيَّته وإلهيَّته وتوحيده، وظنٌّ به ظنَّ السَّوءٍ، وهذا يستحيل أنَّ يشرعَه لعباده، ويَمتنع في العقول والفِطَر جوازُه، وقُبْحُه مُستقرٌّ في العقول السليمة فوق كلِّ قبيح.



يوضِّح هذا: أنَّ العابد مُعَظِّم لمعبوده، متألِّهٌ له، خاضعٌ ذليلٌ له، والربُّ - تعالى - وحْدَه هو الذي يستحقُّ كمالَ التعظيم والجلال، والتألُّه والتذلُّل والخضوع، وهذا خالصُ حقِّه، فمن أقْبح الظُّلم أنْ يعطي حقه لغيره، أو يُشْرك بينه وبينه فيه، ولا سيَّما إذا كان الذي جُعِل شريكه في حقِّه هو عبده ومملوكه؛ كما قال - تعالى -: ﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الروم: 28]؛ أي: إذا كان أحدُكم يأْنَف أن يكونَ مملوكه شريكَه في رِزْقه، فكيف تجعلون لي مِن عبيدي شُركاء فيما أنا مُنفردٌ به، وهو الإلهيَّة التي لا تَنبغي لغيري، ولا تَصِحُّ لسواي؟


فمَن زَعَم ذلك فما قَدَرَني حقَّ قَدْري، ولا عَظَّمني حقَّ عَظَمتي، ولا أفردَني بما أنا مُنفردٌ به وحْدي دون خَلْقي، فما قَدَر الله حقَّ قَدْره مَن عبَدَ معه غيرَه؛ كما قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 73 - 74].

فما قدَرَ الله حقَّ قَدْره مَن عبد معه غيرَه ممن لا يَقْدر على خَلْق أضعف حيوان وأصغره، وإنْ سلبَه الذباب شيئًا مما عليه لَم يَقْدر على استنقاذه منه؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67].

فما قَدَر مَن هذا شأْنه وعَظمته حقَّ قَدْره مَن أشْرَكَ معه في عبادته مَن ليس له شيءٌ من ذلك ألبتَّة، بل هو أعْجَزُ شيء وأضْعفه، فما قَدَر القوي العزيز حقَّ قَدْره مَن أشْرك معه الضعيف الذليل[7].



ثم ذَكَر - رحمه الله - أصنافًا من الْخَلق لَم تقدرِ الله حقَّ قَدْره، إلى أن قال: "فهذه إشارة لطيفة إلى السرِّ الذي لأجْله كان الشِّرك أكبر الكبائر عند الله، وأنَّه لا يغفره بغير التوبة منه، وأنَّه يوجِب الخلود في العذاب، وأنَّه ليس تحريمه وقُبحه بِمُجَرَّد النهي عنه، بل يستحيل على الله - سبحانه - أن يشرع لعباده عبادة إلهٍ غيره، كما يستحيل عليه ما يُناقض أوصافَ كمال ونعوت جلاله، وكيف يُظنُّ بالمنفرد بالربوبيَّة والإلهيَّة والعَظَمة والجلال أن يأْذَنَ في مشاركته في ذلك، أو يرضى به؟! تعالَى الله عن ذلك عُلوًّا كبيرًا"[8].



فانظر كلام هذا الْحَبْر العظيم في بيان عِلَّة عدم مغفرة الله الشِّرْكَ؛ لأن حقيقته تشبيه المخلوق بالخالق، والتسوية بين الخالق والمخلوق في خالص حقِّ الخالق - سبحانه، ولأن الشِّرْك وَضْعٌ للربوبيَّة والألوهيَّة وكمال الله المطْلَق في غير موضعه، وعَدْلٌ بحقِّ الله، واتِّخاذ مَن لا يَملِك مِثقالَ ذرَّة في السماوات والأرض ندًّا لله في خالص حقِّه، وهو لا يَملِك لنفسه موتًا ولا حياة ولا نُشورًا، وهو أعجز من أن يَخلُق ذبابًا، فكيف بدفْع الضُّرِّ عمَّن ناداه واستغاثَ به، فلأجْل ذلك كان الشِّرْك ظُلمًا عظيمًا لا يَغفره الله - تعالى.



فإنْ أعْوَزَك عقْلُك بعد هذا في استشعار عَظَمة جريمة الشِّرْك، وما زال قلبُك في حَيرة: كيف غَلَب جانبُ الغضب والعقاب والبَطش في هذا المقام على مقام الرحمة والرأْفة والمحبَّة، والله - تعالى - يقول: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]، ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ [الأنعام: 54]؟!



فدونك وقفات تَجلو ظلام حَيْرة قلبك - بإذن الباري:

الوقفة الأولى: نوح - عليه السلام - وابنه:

قال - تعالى -: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ * وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [هود : 40 - 47].



فهذا نوح أحدُ أُولِي العَزْم، وأوَّل رُسل الله للبشر، مَن صَبر في الدعوة تسعمائة وخمسين عامًا، يدعو لا يَكلُّ ولا يَملُّ، شرَّفه الله ورفَعه، وقال فيه: ﴿ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصافات : 78 - 81].



أدْرَكه ما يُدرك كلَّ أبٍ من الإحساس بالعَطْف والحبِّ تجاه ولده؛ فدَعا ابنَه طمعًا في نَجاته، فأعْرَض الولد العاق عن دعوة والده، فكان من المغْرَقين، واشتعلتْ نارُ الأبوة في قلبِ نوح، فدَعا ربَّه بقلبٍ حزين، امتزجَ بِحُزنين؛ حزن على كُفْر وصدود ابنه، وحُزن على فَقْده وموته، فما كان منه إلا أنْ دَعَا ربَّه - سبحانه وتعالى - طمعًا في أنْ يُكْرمه الله - تعالى - ويَخصَّ ولدَه بشفاعة، ومع هذا الْحُزن الشديد الذي تربَّع على قلبِ نوح - عليه السلام - إلا أنَّ الردَّ من الربِّ - تبارك وتعالى - كان شديدًا، لَم يُراعِ حزنَ نوح على فَقْد ولده، فزَجَره ونَهاه، وحذَّره أنْ يكون من الجاهلين؛ مما دَفَع نوحًا - عليه صلوات الله وسلامه - إلى المسارعة بالاستغفار والتوبة.



فلِمَ كان هذا الزجر الشديد لرسولٍ مِن أعظم رُسل الله وأحبهم إليه؟ ليس لشيء إلاَّ أنَّه تجاوزٌ لِمَا لا يقبل الله - تعالى - فيه رحمة ولا عفْوًا ولا شَفَاعة، إنَّه الشِّرْك الذي أعْظَمَ الله شأْنَه، وأرْسَل رُسله وأنْزَل كُتبه؛ للتحذير منه، وخلَق النارَ لأهْله، وشَرع الجهادَ لقَتْل مَن تولَّى عنه وأبَى، فتأمَّل هذا المثال بعينٍ بصيرة، وقِفْ عنده، وإنما الْهُدى هدى الله.



المثال الثاني: إبراهيم وآزر:

قال - تعالى -: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ﴾ [مريم : 41 - 48].



سَعَى إبراهيم الخليل - عليه صلوات الله وسلامه - بكل جُهدٍ في دعوة والده "آزر"؛ للإيمان بالله ومُجَانبة الشِّرْك، وتلطَّف معه إبراهيم أيما تلطُّفٍ، وخَاطَبه بأرقِّ العبارات والكلمات، فما كان جوابُ عدوِّ الله إلاَّ الصَّدَّ والاستكبار، والتهديد بالرَّجْم والْهَجْر، فما كان من إبراهيم الأوَّاه الحليم المنيب إلاَّ أنْ وعَد والده بالاستغفار له؛ ولذا قال الله - تعالى - فيه: ﴿ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴾ [مريم: 47].



وثبَت في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((يَلْقى إبراهيم أباه آزرَ يومَ القيامة، وعلى وجْه آزرَ قَتَرة وغَبَرة، فيقول له إبراهيم: ألَم أقل لكَ لا تَعصِني، فيقول أبوه: فاليوم لا أعْصيك، فيقول إبراهيم: يا رب إنَّك وعَدْتني ألا تُخزيني يومَ يُبعثون، فأيُّ خِزْي أخْزَى من أبي الأبعد؟ فيقول الله - تعالى -: إني حَرَّمْتُ الجنة على الكافرين، ثم يُقال: يا إبراهيم، ما تحت رِجْليك؟ فينظر، فإذا هو بذِيخ مُتَلطِّخ، فيُؤخَذ بقوائمه فيُلْقى في النار))[9].



هذا إبراهيم، خليل الرحمن، حبيب الله، صاحب الْمِلَّة الحنيفيَّة وإمامُها، مَن أمرَ الله رسولَه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالاقتداء به، فقال - تعالى -: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل : 120 - 123].



ثم بعد هذا يدعو الله في والده، فيُرَد عليه دعاؤه ولا يُقْبَل، فما الذي أوْجَبَ ردَّ دعاء إبراهيم، أليس هو مَن وعَدَه الله ألا يُخزيه يومَ يبعثون، فقال - تعالى - على لسانه: ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ * وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ * وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء : 84 - 89].

إنَّه الجوابُ الذي قالَه الله له: (إنِّي حرَّمْتُ الجنة على الكافرين)، فتأمَّله راجيًا مَولاك أنْ يَشفي صدْرَك بنور القرآن.



المثال الثالث: محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - عند قَبْر أُمِّه:

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:زَار النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قَبْر أُمِّه، فبَكَى وأبْكَى مَن حَوْله، فقال: استأْذَنْتُ ربِّي في أنْ أستغفرَ لها، فلم يُؤْذَن لي، واستأْذَنْتُه في أنْ أزورَ قَبْرَها، فأَذِنَ لي، فزوروا القبور؛ فإنَّها تذكِّر الموت))[10].



إنَّه محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - أعْظَمُ رُسل الله وسيِّد ولَدِ آدمَ، صاحب المقام المحمود، وَلِيُّ الله وصفيه من خَلْقه، الرحمة المهْدَاة إلى العالَمين، أوَّل شفيعٍ، وأوَّل مَن يدخل الجنة، إنَّه مَن أقْسَم الله بحياته ولَم يُقْسم بأحدٍ من الرُّسل غيره، فقال: ﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الحجر: 72].

قال ابنُ عبَّاس - رضي الله عنهما -: "ما خَلَق الله ولا ذَرَأ ولا بَرَأ نفسًا أكرمَ عليه من نفْسِ محمدٍ، وما سمعتُ الله أقْسَم بحياة أحدٍ غيره"[11].

هذا محمدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُدْركه الحسُّ البشري والمحبَّة الْجِبِلِّيَّة لأُمِّه، فيبكي عليها ويَسأل لها أعظمَ ما يسأله مؤمنٌ لوالديه: ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24].



فيسأل الله لها المغفرة والرحمة، ويستأْذِن ربَّه في زيارتها، فيُجاب للثاني ويُرَدُّ عليه الأوَّلُ، إنَّ دمعة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - غالية كريمة عند الله، وقد أجابَ الله دعاءَ رسوله، وقَبِل شفاعته فيما لَم يَقْبله من غيره، ولا تجرَّأ عليه أحدٌ من رُسل الله في الشفاعة العُظْمى يومَ القيامة، ومع هذا فقد رَدَّ سؤال رسول الله في الاستغفار لأُمِّه، كما رَدَّ استغفاره لعَمِّه أبي طالب من قَبلُ، وما ردَّه إلاَّ لأن الله لا يَقبل في مُشركٍ دعاءًَ ولا رجاءً ولا شفاعة؛ قال - تعالى -: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 113 - 114].



فهذا محمد، فأيُّ الناس بعده يُقْبل سؤاله إنْ رُدَّ سؤاله - صلَّى الله عليه وسلَّم؛ ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37]؟



الوقفة الرابعة والأخيرة:

قال - تعالى -: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ﴾ [المؤمنون: 99 - 107].



عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: إنَّ أهْل النار يَدعون مالِكًا، فلا يُجيبهم أربعين عامًا، ثم يردُّ عليهم: ﴿ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾ [الزخرف: 77]، قال: هانتْ دعوتهم على مالك وعلى ربِّ مالِك، ثم يدعون ربَّهم، فيقولون: ﴿ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ﴾ [المؤمنون: 106 - 107].

قال: فيسكتْ عنهم قدْرَ الدنيا مرَّتين، ثم يردُّ عليهم: ﴿ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ﴾ [المؤمنون: 108].

قال: فوالله ما نبَسَ القومُ بعدها بكلمة، وما هو إلا الزفير والشهيق في نار جهنَّمَ، فشبَّه أصواتهم بأصوات الحمير؛ أوَّلها زفيرٌ، وآخِرها شهيقٌ[12].



إنَّ رحمة الله وسعتْ كلَّ شيء، حتى شملتْ كلَّ خلقِ الله - تعالى - ورحمة الله سبقتْ غضبَ الله؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إنَّ الله كتَب كتابًا قبل أن يَخلُق الْخَلْق: إنَّ رحمتي سبقتْ غضبي، فهو مكتوب عنده فوقَ العرش))[13].

فلِمَ سبقَ الغضبُ الرحمةَ في هذا المقام؟ ولِمَا تلاشتِ الرحمة والرأْفة في حقِّ المشركين؟ ولِمَا لَم يُبَالِ الله بهم وهم في العذاب الشديد الأليم، وطول شَقاءٍ وعِظَم بلاء؟ أليسوا هم الضُّعفاء والْجُهَّال وأتْباع الأسياد، ومَن تربَّى على خُطا الآباء والأعراف والعادات؟ أليسوا هم الذين قال الله فيهم: ﴿ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [العنكبوت: 63]، ﴿ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ [الأعراف: 100]، ﴿ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ [الحشر: 13]، ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ﴾ [البقرة: 171]، ﴿ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴾ [النمل: 80]، ﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ﴾ [الأحزاب: 67]، ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ﴾ [سبأ: 31]، ﴿ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأعراف: 30].



قد لا يَفقه كثيرٌ من الْخَلق حقيقةَ الأمر، ولكنَّهم لا بدَّ أن يَفقهوا أنَّ خطرَ الشِّرْك عند الله عظيمٌ، وأنَّ نفحات الرحمة لا تَخرق جدارَ الشِّرْك؛ لتصلَ إلى أهْله، بل هو جِدار مَنيع أوصدَ الله دونه كلَّ نافذة وسبيل لتَخَلُّله، وقضَى - بما لا يُرَدُّ قضاؤه وحُكْمه - أنَّ المشْرِك ليس له إلا النار، ولا تَسري إليه شفاعة ولا رجاء؛ ﴿ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾ [المدثر: 48].



فلله الحمدُ من قبلُ ومن بعد، وفي كلِّ وقتٍ وحين، حمدًا لا ينقطع ولا يزول؛ أنْ هدانا للإيمان بِمَنِّه وجُوده ورحمته.

ربَّنا توفَّنا مسلمين، وألْحِقنا بالصالحين، وصلى الله وسلم وبارَك على رسوله الكريم، وعلى آله وصَحْبه أجمعين.



 توقيع : Şøķåŕą

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
مواضيع : Şøķåŕą


رد مع اقتباس
2 أعضاء قالوا شكراً لـ Şøķåŕą على المشاركة المفيدة:
 (03-09-2024),  (03-10-2024)
قديم 03-09-2024   #2



 
 عضويتي » 2326
 اشراقتي ♡ » Sep 2023
 كُـنتَ هُـنا » منذ 45 دقيقة (12:46 PM)
موآضيعي » 154
آبدآعاتي » 1,954,231
 تقييمآتي » 246950
 حاليآ في » العراق الحبيب
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Iraq
جنسي  »  Female
 حالتي الآن » متزوجه ❤
آلقسم آلمفضل  » الترفيهي♡
آلعمر  » 29سنة
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبطة ♡
تم شكري »  6,859
شكرت » 7,506
الاعجابات المتلقاة » 6755
الاعجابات المُرسلة » 2362
 التقييم » بنت العز has a reputation beyond reputeبنت العز has a reputation beyond reputeبنت العز has a reputation beyond reputeبنت العز has a reputation beyond reputeبنت العز has a reputation beyond reputeبنت العز has a reputation beyond reputeبنت العز has a reputation beyond reputeبنت العز has a reputation beyond reputeبنت العز has a reputation beyond reputeبنت العز has a reputation beyond reputeبنت العز has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مُتنفسي هنا » مُتنفسي هنا
مَزآجِي  »  الحمدلله
 
قَدَاسَة طُهِّرَ | | أَوْسِمَتِي | |
وسآم || تكريم _بنت العز|| شكراً لجهودكِ ي نقاء .  


/ نقاط: 0

♥ وسام |وجودك سعادة ●  


/ نقاط: 0

وسام انتقاء فخم | فعالية سحر الألوان  


/ نقاط: 0

♥| وسام رَقةَ وردة . ●  


/ نقاط: 0

8 سنوات من العطاء الممزوج بالحب ||  


/ نقاط: 0

  كل الاوسمة: 83

 

بنت العز متواجد حالياً

افتراضي



شكرا لجمال طرحك


 توقيع : بنت العز

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 03-09-2024   #3



 
 عضويتي » 6
 اشراقتي ♡ » May 2017
 كُـنتَ هُـنا » منذ 9 دقيقة (01:22 PM)
موآضيعي » 101
آبدآعاتي » 1,571,227
 تقييمآتي » 1114485
 حاليآ في » المنطقة الشرقية .
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
 حالتي الآن » " لا بأس بأن نشيّع أحلامنا تشييعًا رمزيًّا . "
آلقسم آلمفضل  » الترفيهي♡
آلعمر  » 28سنة
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبطة ♡
تم شكري »  11,424
شكرت » 47,124
الاعجابات المتلقاة » 9549
الاعجابات المُرسلة » 22634
 التقييم » حاء has a reputation beyond reputeحاء has a reputation beyond reputeحاء has a reputation beyond reputeحاء has a reputation beyond reputeحاء has a reputation beyond reputeحاء has a reputation beyond reputeحاء has a reputation beyond reputeحاء has a reputation beyond reputeحاء has a reputation beyond reputeحاء has a reputation beyond reputeحاء has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 10
مُتنفسي هنا » مُتنفسي هنا
مَزآجِي  »  فاء_صاحبنا
 
قَدَاسَة طُهِّرَ | | أَوْسِمَتِي | |
وسآم -|| ♥| عِطر الحضور ●  


/ نقاط: 0

8 سنوات من العطاء الممزوج بالحب ||  


/ نقاط: 0

وسآم || مسابقة ابيات القصيد - سحر الحروف  


/ نقاط: 0

وسآم -|| ♥| مُصمم مُبدع ●  


/ نقاط: 0

♥| سور من ورد - النشطاء ., ●  


/ نقاط: 0

  كل الاوسمة: 137

 

حاء متواجد حالياً

افتراضي



-




جزاك الله خير الجزاء
وشكراً لطرحك الهادف وإختيارك القيّم
رزقك المولى الجنّة ونعيمها


 توقيع : حاء

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 03-10-2024   #4



 
 عضويتي » 1720
 اشراقتي ♡ » Nov 2020
 كُـنتَ هُـنا » منذ 6 ساعات (06:38 AM)
موآضيعي » 752
آبدآعاتي » 641,719
 تقييمآتي » 26875
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
 حالتي الآن » نبض قلبه
آلقسم آلمفضل  » الأزياء♡
آلعمر  » 🌹
الحآلة آلآجتمآعية  » متزوجة 😉
تم شكري »  2,631
شكرت » 10,899
الاعجابات المتلقاة » 2418
الاعجابات المُرسلة » 11425
 التقييم » غـرام الشوق has a reputation beyond reputeغـرام الشوق has a reputation beyond reputeغـرام الشوق has a reputation beyond reputeغـرام الشوق has a reputation beyond reputeغـرام الشوق has a reputation beyond reputeغـرام الشوق has a reputation beyond reputeغـرام الشوق has a reputation beyond reputeغـرام الشوق has a reputation beyond reputeغـرام الشوق has a reputation beyond reputeغـرام الشوق has a reputation beyond reputeغـرام الشوق has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مُتنفسي هنا » مُتنفسي هنا
مَزآجِي  »  الحمدلله
 
قَدَاسَة طُهِّرَ | | أَوْسِمَتِي | |
وسام حضور بهي | فعالية سحر الألوان  


/ نقاط: 0

وسآم -|| ♥| بهجة المنتدى ●  


/ نقاط: 0

وسآم -|| ♥| بهجة المنتدى ●  


/ نقاط: 0

8 سنوات من العطاء الممزوج بالحب ||  


/ نقاط: 0

وسآم || مسابقة ابيات القصيد - سحر الحروف  


/ نقاط: 0

  كل الاوسمة: 33

 

غـرام الشوق متواجد حالياً

افتراضي



/





طرح رائع وَ أختيار مميز
شكراً جزيلاً لك
يعطيك العافية ..


 توقيع : غـرام الشوق

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 03-10-2024   #5



 
 عضويتي » 1052
 اشراقتي ♡ » Jan 2019
 كُـنتَ هُـنا » منذ 12 دقيقة (01:20 PM)
موآضيعي » 8329
آبدآعاتي » 3,747,527
 تقييمآتي » 2305575
 حاليآ في » في قلب المطيري ❤
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
 حالتي الآن » مزاجيه
آلقسم آلمفضل  » الأدبي♡
آلعمر  » 50سنة
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبطة ♡
تم شكري »  31,353
شكرت » 15,603
الاعجابات المتلقاة » 8208
الاعجابات المُرسلة » 46
 التقييم » نبضها مطيري has a reputation beyond reputeنبضها مطيري has a reputation beyond reputeنبضها مطيري has a reputation beyond reputeنبضها مطيري has a reputation beyond reputeنبضها مطيري has a reputation beyond reputeنبضها مطيري has a reputation beyond reputeنبضها مطيري has a reputation beyond reputeنبضها مطيري has a reputation beyond reputeنبضها مطيري has a reputation beyond reputeنبضها مطيري has a reputation beyond reputeنبضها مطيري has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows vista
مُتنفسي هنا » مُتنفسي هنا
مَزآجِي  »  انا_برواية_وبس
 
قَدَاسَة طُهِّرَ | | أَوْسِمَتِي | |
وسام مميز الموسوعة | فعالية سحر الألوان  


/ نقاط: 0

♥| سور من ورد - النشطاء ., ●  


/ نقاط: 0

8 سنوات من العطاء الممزوج بالحب ||  


/ نقاط: 0

وسآم || مسابقة ابيات القصيد - سحر الحروف  


/ نقاط: 0

♥| وسام مَواصيف الرقه  ., ●  


/ نقاط: 0

  كل الاوسمة: 185

 

نبضها مطيري متواجد حالياً

افتراضي



سلمت يمينك على هذا الطرح المميز
ويعطيك العافيه على المجهود الانيق
لا حرمنا جديدك


 توقيع : نبضها مطيري

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 03-10-2024   #6



 
 عضويتي » 2305
 اشراقتي ♡ » Aug 2023
 كُـنتَ هُـنا » منذ ساعة واحدة (12:31 PM)
موآضيعي » 1792
آبدآعاتي » 1,156,526
 تقييمآتي » 231780
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Syria
جنسي  »  Female
 حالتي الآن »
آلقسم آلمفضل  » الفني♡
آلعمر  » 17سنة
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط ♡
تم شكري »  8,627
شكرت » 1
الاعجابات المتلقاة » 5936
الاعجابات المُرسلة » 12445
 التقييم » كراميلا ❥ has a reputation beyond reputeكراميلا ❥ has a reputation beyond reputeكراميلا ❥ has a reputation beyond reputeكراميلا ❥ has a reputation beyond reputeكراميلا ❥ has a reputation beyond reputeكراميلا ❥ has a reputation beyond reputeكراميلا ❥ has a reputation beyond reputeكراميلا ❥ has a reputation beyond reputeكراميلا ❥ has a reputation beyond reputeكراميلا ❥ has a reputation beyond reputeكراميلا ❥ has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مُتنفسي هنا » مُتنفسي هنا
مَزآجِي  »  افرفر_بالمنتدى
 
قَدَاسَة طُهِّرَ | | أَوْسِمَتِي | |
وسآم -|| ♥| سراج الابداع ●  


/ نقاط: 0

وسام حضور بهي | فعالية سحر الألوان  


/ نقاط: 0

8 سنوات من العطاء الممزوج بالحب ||  


/ نقاط: 0

وسآم || مسابقة ابيات القصيد - سحر الحروف  


/ نقاط: 0

وسآم || مسابقة ابيات القصيد - أمراء القصيد  


/ نقاط: 0

  كل الاوسمة: 56

 

كراميلا ❥ متواجد حالياً

افتراضي



يعطيك عافية على روعة روعه طرح


 توقيع : كراميلا ❥

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قولُ الله تعالى (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ) وقولُ الله تعالى (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا) Şøķåŕą ۩ القُــرآن الكرِيــم ۩ 32 02-20-2024 10:53 PM
الإخلاص المنافي للشرك رحيل ۩ إسلامِي هُو سر حَياتي ۩ 15 09-30-2022 08:39 AM
إلا لمشرك أو مشاحن دلوعة عشق ۩ إسلامِي هُو سر حَياتي ۩ 16 09-27-2022 07:43 AM
طريق الشهوات يبعدك عن مغفرة الله. شيخة رواية ۩ إسلامِي هُو سر حَياتي ۩ 22 09-20-2022 09:49 AM
وقفة مع آية l قال تعالى: {إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير} الشيخ محمد بن هادي الحربي بنت الشام ۩ الصّوتيات والمَرئيات الإسلامِية ۩ 20 08-27-2022 11:12 AM


الساعة الآن 01:32 PM


Powered by vBulletin Hosting By R-ESHQ
new notificatio by R-ESHQ
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة الموقع