قال الخليفة المأمون لإبراهيم بن المهدي ( وكان مذنبا ) : إني شاورت في أمرك ، فأشاروا علي بقتلك ، إلا أني وجدت قدرك فوق ذنبك ، فكرهت القتل للازم حرمتك ، فقال :
يا أمير المؤمنين ، إن المشير أشار بما جرت به العادة في السياسة ، إلا أنك أبيت أن تطلب إلا من حيث ما عودته من العفو ، فإن عاقبت فلك نظير ، وإن عفوت فلا نظير لك ، وأنشأ يقول :
البر بي منك وطّا العذر عندك لي * فيما فعلت فلم تعذل ولم تلم
وقام علمك بي فاحتج عندك لي * مقام شاهد عدل غير متهم
تعفو بعدل وتسطو إن سطوت به * فلا عدمتك من عاف ومنتقم
لا شيء أحسن من الإنسان
روي أن عيسى بن موسى ( أمير عباسي ) ، كان يحب زوجته حبا شديدا ، فقال لها يوما : أنت طالق ، إن لم تكوني أحسن من القمر .
فنهضت ، واحتجبت عنه ، وقالت : قد طلقتني ، فبات بليلة عظيمة فلما أصبح غدا إلى المنصور ، وأخبره الخبر ، وقال : يا أمير المؤمنين ، إن تم طلاقها ، تلفت نفسي غما ، وكان الموت أحب إلي من الحياة .
وظهر للمنصور منه جزع شديد ، فأحضر الفقهاء ، واستفتاهم ، فقال جميع من حضر ، قد طلقت ، إلا رجلا من أصحاب أبي حنيفة ، فإنه سكت ، فقال له المنصور : ما لك لا تتكلم ؟ .
فقال : ” بسم الله الرحمان الرحيم * والتين والزيتون * وطور سنين * وهذا البلد الأمين * لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ” . فلا شيء أحسن من الإنسان .
فقال المنصور لعيسى بن موسى : قد فرج الله تعالى عنك ، والأمر كما قال ، وأقم على زوجتك .
وراسلها أن أطيعي زوجك فما طلقك .
بين الجارية والحجاج
كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج : أن ابعث إلي أسلم بن عبد البكري ، لما بلغني عنه ، فأحضره الحجاج ، فقال الرجل : أيها الأمير أنت الشاهد وأمير المؤمنين الغائب ، وقال الله تعالى : ” يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ” وما بلغه باطل ، وإني أعيل أربعا وعشرين إمرأة ما لهن من معيل غيري ، وهن بالباب .
فأمر الحجاج بإحضارهن ، فلما حضرن جعلت هذه تقول : أنا خالته ، وهذه : أنا عمته ، وهذه : أنا أخته ، وهذه : أنا زوجته ، وهذه : أنا ابنته ، وتقدمت إليه جارية فوق الثمانية ودون العشر ، فقال لها الحجاج : من أنت ؟ فقالت : أنا ابنته ، ثم قالت : أصلح الله الأمير – وجثت على ركبتيها – وقالت :
أحجاج لم تشهد مقام بناته * وعماته يندبنه الليل أجمعا
أحجاج كم تقتل به إن قتلته * ثمانا وعشرا واثتين وأربعا
أحجاج من هذا يقوم مقامه * علينا فمهلا إن تزدنا تضعضعا
أحجاج إما أن تجود بنعمة * علينا وإما أن تقتلنا .. معا
فبكى الحجاج ، وقال : والله لا أعنت عليكن ولا زدتكن تضعضعا ثم كتب إلى عبد الملك بما قال الرجل ، وبما قالت ابنته هذه ، فكتب عبد الملك إلى الحجاج يأمره بإطلاقه وحسن صلته وبالإحسان إلى هذه الجارية وتفقدها في كل وقت !! .