ننتظر تسجيلك هـنـا


( سجادة حمراء وأرائـك الهطول# حصريآت ال روآية )  
 
 
{ثمانية سنوات من العطاء الممزوج بالحب سنوية رواية عشق   )
   
.>~ { للجمال عنوان وهنا عنوانه { نشطاء منتدى روآية عشق لهذا الأسبوع } ~
    نور"     نبضها"     ضمة"     نايا"     بسمة"     فيولا"     حسان"     ضامية"     عاشق"     شيخة"     ريناد"     سوما"     طيف"     امنية"     ميبيت"     رحمة"

العودة   منتدى رواية عشق > ۩ القِسـم الإسلامـي ۩ > ۩ إسلامِي هُو سر حَياتي ۩

الملاحظات

۩ إسلامِي هُو سر حَياتي ۩ غيمَة الرُوح فِي رِحَابِ الإيمَانْ " مَذْهَبْ أهْلُ السُنَةِ وَالجَمَاعَة ".

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 07-25-2020
رحيل متواجد حالياً
United Arab Emirates     Female
قَدَاسَة طُهِّرَ | | أَوْسِمَتِي | |
 
 عضويتي » 1396
 اشراقتي ♡ » Dec 2019
 كُـنتَ هُـنا » منذ ساعة واحدة (07:17 PM)
موآضيعي » 14524
آبدآعاتي » 8,188,975
 تقييمآتي » 6024634
 حاليآ في » ابو ظبي
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه United Arab Emirates
جنسي  »  Female
 حالتي الآن » الحمد لله
آلعمر  » 28سنة
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط ♡
تم شكري »  61,793
شكرت » 16,674
الاعجابات المتلقاة » 11843
الاعجابات المُرسلة » 635
مَزآجِي  »  1
 
افتراضي من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( الإحسان )



من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( الإحسان )

محمد محمود صقر




معنى الإحسان:
سأل جبريلُ - عليه السلام - النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- -في الحديث المشهور عن عُمَرَ وأبي هريرةَ رضي الله عنهما-: «قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: الإحسان أن تعبدَ الله كأنّك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك»[1].

وقال الإمام الراغب الأصفهاني: الإحسانُ يقال على وجهين.. أحدهما: الإنعامُ على الغير.. يقال: أحسنَ إلى فلان، والثاني: إحسانٌ في فِعله، وذلك إذا علِم علمًا حسنا أو عمِل عمَلا حسنا، وعلى هذا قول أمير المؤمنين: «الناس أبناءُ ما يحسنون»[2] أي: منسوبون إلى ما يعلمون وما يعملونه من الأفعال الحسنة. قوله تعالى: ï´؟الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُï´¾ [السجدة: 7]، والإحسانُ أعم من الإنعام؛ قال تعالى: ï´؟ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ ï´¾ [الإسراء: 7]، وقوله تعالى: ï´؟ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ï´¾ [النحل: 90]، فالإحسانُ فوق العدل، وذاك أن العدل هو أن يُعطِيَ ما عليه ويأخذ ما له، والإحسان أن يعطي أكثرَ مما عليه ويأخذ أقلّ مما له[3]، فالإحسان زائدٌ على العدل، فتحرِّي العدل واجبٌ وتحري الإحسان ندبٌ وتطوُّع، وعلى هذا قوله تعالى: ï´؟ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ï´¾ [النساء: 125]، وقوله - عز وجل- : ï´؟ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ï´¾ [البقرة: 178]؛ ولذلك عظَّم الله تعالى ثوابَ المحسنين فقال تعالى: ï´؟ وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [العنكبوت: 69]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [البقرة: 195]، وقال تعالى: ï´؟ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ï´¾ [التوبة: 91]، ï´؟لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌï´¾ [النحل: 30][4].

وقال ابن الأثير: في حديث الإيمان «قال: فما الإحسان؟ قال: أن تَعْبُد الله كأنك ترَاه»[5]، أراد بالإحسان الإخلاصَ، وهو شَرْطٌ في صِحَّة الإيمان والإسلام معًا. وذلك أنَّ مَن تلفَّظ بالكَلمَة وجاء بالعَمل من غير نيَّة إخْلاص لم يكن مُحْسِنًا ولا كان إيمانُه صحيحًا. وقيل: أراد بالإحسان الإشارةَ إلى المُرَاقَبَة وحُسْن الطاعة؛ فإنّ مَن راقَب الله أحْسَن عملَه، وقد أشار إليه في الحديث بقوله: «فإن لم تكُن تراه فإنَّه يرَاك»[6].

وقد قسم العلماء حال العبدِ المؤمن مع ربّه سبحانه إلى حالين اثنتين..
الأولى: حال المكاشفة:
وهي القسم الأول والأعلى من قسمي الإحسان، وهي معنى قوله - صلى الله عليه وسلم-: «أن تعبُد الله كأنّك تراه»، وهي قمّة وذروة الإخلاص لله؛ إذ يكون العبد فيها مشغولاً بربّه ليس في قلبه شعبةٌ متعلقة بسواه تعالى؛ فيفتح الله سبحانه عليه الفتوح، ويدله على طرق الخير والبر، ويكثِّرها له، ويشغله بها، فتستغرقه حتى لا يفرَغ لغيرها، وقد حصُل ذلك للأنبياء والصالحين وصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- والتابعين بإحسانٍ كثيرًا.

فمنه أن نبيَّنا - صلى الله عليه وسلم- كان يُطلعه الله على الغيب فيَصفُه ويتنبأ به، فيقع وكأنه يشاهده عيانًا، من ذلك وصفه - صلى الله عليه وسلم- بيت المقدس للمشركين صبيحةَ ليلةِ الإسراء؛ فقد هيّأ الله سبحانَه الموضع لرسوله وكأنه يسير بداخله.

كذلك للصحابة - رضي الله عنه - ومنهم عمرُ وحادثة صراخِه في سارية وهو على المنبر وسارية غازٍ في سبيل الله، وقولُه له: يا ساريةُ الجبل، وسماع سارية صوته ثابت في الصحيح[7]، وهذه وأمثالها كثيرةٌ في حياة الفاروق -رضى الله عنه- وأرضاه؛ حتى أنه كان يوافِق ربَّه في نزول الوحي. وكذلك عثمانُ -رضى الله عنه- حينما قال: «يدخل عليَّ أحدُكم وفي عينيه أثر الزنا»[8]، وكان هذا المخاطب قد رأى امرأةً قبل أن يدخل على عثمان -رضى الله عنه-. وهذا في حياة الصحابة والتابعين والأولياء كثير.

وأئمة السلف لا ينكرون هذه المكاشَفة، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- سُئِل: ما الحكمة في أن المشتغلين بالذكر والفكر والرياضة ومجاهدة النفس وما أشبهه يُفتح عليهم من الكُشوفات والكرامات وما سوى ذلك من الأحوال، مع قلّة علمهم وجهل بعضهم، ما لا يفتح على المشتغلين بالعلم ودرسه والبحث عنه، حتى لو بات الإنسانُ متوجِّها مشتغلا بالذكر والحضور لابد أن يرى واقعةً أو يفتح عليه شيء، ولو بات ليلة يكرر على بابٍ من أبواب الفقه لا يجد ذلك، حتى أن كثيرًا من المتعبِّدين يجد للذكر حلاوةً ولذة ولا يجد ذلك عند قراءة القرآن، مع أنه قد وردت السنّة بتفضيل العالم على العابد، لاسيّما إذا كان العابدُ محتاجًا إلى علم هو مشتغل به عن العبادة؛ ففى الحديث «إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع»[9]، وأن «العلماء ورثة الأنبياء»[10]، و«أن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب»[11]، وفي الحديث عن النبي أنه قال: «إذا كان يوم القيامة يقول الله - عز وجل- للعابدين والمجاهدين ادخلوا الجنة، فيقول العلماء بفضل علمِنا عبدوا وجاهدوا، فيقول الله - عز وجل- لهم: أنتم عندى كملائكتي اشفعوا، فيشفعون، ثم يدخلون الجنة»[12]، وغير ذلك من الأحاديث والآثار، ثم إنّ كثيرًا من المتعبدين يؤثر العبادة على طلب العلم مع جهله بما يُبطِل كثيرًا من عبادته؛ كنواقض الوضوء، أو مبطلات الصلاة والصوم، وربما يحكي بعضهم حكايةً في هذا المعنى بأن رابعة العدوية -رحمها الله- أتت ليلة بالقدس تصلِّي حتى الصباح وإلى جانبها بيتٌ فيه فقيهٌ يكرِّر على باب الحيض إلى الصباح، فلما أصبحت رابعة قالت له: يا هذا وصَل الواصلون إلى ربهم وأنت مشتَغِل بحيض النساء، أو نحوها، فما المانعُ أن يحصل للمشتغلين بالعلم ما يحصل للمشتغلين بالعبادة مع فضله عليه؟؟
فأجاب شيخ الإسلام: الحمدُ لله رب العالمين، لا ريب أن الذي أوتي العلم والإيمان أرفعُ درجةً من الذين أوتوا الإيمان فقط[13]، كما دلّ على ذلك الكتابُ والسنة، والعلم الممدوح الذي دلّ عليه الكتاب والسنة هو العلم الذي ورَّثتْه الأنبياءُ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم- إن «العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورِّثوا درهمًا ولا دينارًا وإنما ورّثوا العلم؛ فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر»[14]، وهذا العلم ثلاثة أقسام:
علم بالله وأسمائه وصفاته وما يتبع ذلك، وفي مثله أنزل الله سورة الإخلاص وآية الكرسيّ ونحوهما.

والقسم الثاني: العلم بما أخبر الله به مما كان من الأمور الماضية وما يكون من الأمور المستقبلة وما هو كائنٌ من الأمور الحاضرة، وفي مثلِ هذا أنزل اللهُ آياتِ القصص والوعد والوعيد وصفة الجنة والنار ونحو ذلك.

والقسم الثالث: العلم بما أمر الله به من الأمور المتعلّقة بالقلوب والجوارح من الإيمان بالله من معارف القلوب وأحوالها وأقوال الجوارح وأعمالها، وهذا العلم يندرج فيه العلمُ بأصول الإيمان وقواعد الإسلام ويندرج فيه العلم بالأقوال والأفعال الظاهرة، وهذا العلم يندرج فيه ما وُجِد في كتب الفقهاء من العلم بأحكام الأفعال الظاهرة؛ فإن ذلك جزءٌ من جزءٍ من جزء من علم الدين، كما أن المكاشفات التي تكون لأهل الصفا جزءٌ من جزءِ من جزء من علم الأمور الكونية.

والناس إنما يغلطون في هذه المسائل؛ لأنهم يفهمون مسميات الأسماء الواردة في الكتاب والسنة ولا يعرفون حقائق الأمور الموجودة، فرُبَّ رجلٍ يحفظ حروف العلم التي أعظمها حفظ حروف القرآن ولا يكون له من الفهم بل ولا من الإيمان ما يتميّز به على من أُوتِي القرآن ولم يؤت حفظَ حروفِ العلم، كما قال النبي في الحديث المتفق عليه: «مثَل المؤمنِ الذي يقرأُ القرآن مثل الأترُجّة طعمها طيّبٌ وريحها طيّب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأُ القرآن مثل التمْرة طعمها طيب ولا ريحَ لها، ومثل المنافق الذي يقرأُ القرآن كمثل الرَّيْحانة ريحها طيب وطعمُها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة طعمها مرٌّ ولا ريح لها»[15]، فقد يكون الرجل حافظًا لحروف القرآن وسوَرِه ولا يكون مؤمنًا، بل يكونُ منافقًا، فالمؤمن الذي لا يحفظ حروفَه وسُوَرَه خيرٌ منه، وإن كان ذلك المنافق يَنتفع به الغير كما ينتفع بالريحان، وأما الذي أُوتِيَ العلم والإيمان فهو مؤمنٌ عليم؛ فهو أفضل من المؤمن الذي ليس مثله في العلم؛ مثل اشتراكهما في الإيمان، فهذا أصلٌ تجبُ معرفتُه. وهاهنا أصلٌ آخر، وهو أنه ليس كلُّ عملٍ أورث كشوفًا أو تصرُّفًا[16] في الكون يكون أفضلَ من العمل الذي لا يورث كشفا وتصرُّفا؛ فإن الكشف والتصرف إن لم يكن مما يستعان به على دين الله، وإلا كان من متاع الحياة الدنيا، وقد يحصُل ذلك للكفار من المشركين وأهلِ الكتاب، وإن لم يحصُل لأهل الإيمان الذين هم أهل الجنة وأولئك أصحاب النار[17].

وهذا أيضًا العلامة المحقِّق ابنُ قيم الجوزية -رحمه الله تعالى- يقول ما نصّه:
الدرجة الثانية [ملاحظة نور الكشف]، وهي تسبِل لباسَ التولِّي وتُذيق طعم التجلِّي وتعصم من عوار التسلِّي.. هذه الدرجة أتم مما قبلها؛ فإن تلك الدرجة ملاحظة ما سبق بنور العلم، وهذه ملاحظةُ كشفٍ بحالٍ قد استولى على قلبه حتى شغله عن الخلق؛ فأسبل عليه لباس تولِّيه اللهَ وحدَه وتولِّيه عما سواه، ونور الكشف عندهم هو مبدأُ الشهود، وهو نور تجلي معاني الأسماء الحسنى على القلب، فتضيء به ظلمةُ القلب، ويرتفع به حجاب الكشف، ولا تلتفت إلى غير هذا فتزلَّ قدمٌ بعد ثُبُوتِها؛ فإنك تجدُ في كلام بعضهم: تجلِّي الذاتِ يقتضي كذا وكذا، وتجلي الصفات يقتضي كذا وكذا، وتجلي الأفعال يقتضي كذا وكذا، والقوم عنايتهم بالألفاظ فيتوهَّم المتوهِّم أنهم يريدون تجلي حقيقةَ الذات والصفات والأفعال للعيان، فيقع من يقع منهم في الشطَحات والطامات، والصادقون العارفون بُرآءُ من ذلك، وإنما يشيرون إلى كمال المعرفة وارتفاع حجب الغفلة والشك والإعراض واستيلاء سلطان المعرفة على القلب بمحو شهود السوى بالكلية، فلا يشهد القلبُ سوى معروفِه، وينظرون هذا بطلوع الشمس؛ فإنها إذا طلعت انطمس نور الكواكب ولم تعدم الكواكب، وإنما غطى عليها نور الشمس فلم يظهر لها وجودٌ، وهي في الواقع موجودةٌ في أماكنها، وهكذا نور المعرفة إذا استولى على القلب قوِيَ سلطانُها وزالت الموانع والحجب عن القلب[18]. ولا ينكر هذا إلا من ليس من أهله، ولا يُعتقد أن الذات المقدسة والأوصاف برزت وتجلَّت للعبد كما تجلى سبحانه للطُّور، وكما يتجلى يوم القيامة للناس إلا غالطٌ فاقد للعلم، وكثيرًا ما يقع الغلط من التجاوز من نور العبادات والرياضة والذكر إلى نور الذات والصفات؛ فإن العبادة الصحيحة والرياضة الشرعية والذكر المتواطئ عليه القلب واللسان يوجب نورًا على قدر قُوَّتِه وضعفه، وربما قَوِي ذلك النور حتى يشاهد بالعيان، فيغلط فيه ضعيفُ العلم والتمييز بين خصائص الربوبية ومقتضيات العبوديّة، فيظنّه نورَ الذات وهيهات ثم هيهات.. نورُ الذات لا يقوم له شيءٌ، ولو كَشف - سبحانه وتعالى - الحجابَ عنه لتدكدكَ العالمُ كلُّه، كما تدكدك الجبل وساخ لما ظهر له القدر اليسير من التجلِّي، وفي الصحيح عنه: «إن الله سبحانه لا ينام ولا ينبغي له أن ينام.. يخفِض القسطَ ويرفعه.. يُرْفَعُ إليه عملُ الليل قبل عمل النَّهار وعمل النهار قبل عمل الليل.. حجابُه النور، لو كشفه أحرقتْ سبحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصرُه من خلقه»[19]. فالإسلام له نورٌ والإيمان له نور أقوى منه والإحسان له نور أقوى منهما؛ فإذا اجتمع الإسلام والإيمان والإحسان وزالت الحجبُ الشاغلةُ عن الله تعالى امتلأ القلب والجوارح بذلك النور لا بالنور الذي هو صفةُ الرب تعالى؛ فإن صفاتِه لا تحلُّ في شيءٍ من مخلوقاته، كما أن مخلوقاته لا تحلُّ فيه، فالخالق سبحانه بائنٌ عن المخلوق بذاته وصفاته؛ فلا اتحاد ولا حلول ولا ممازجة، تعالى الله عن ذلك كلِّه عُلُوًّا كبيرا[20].

الثانية: حالُ المراقبة:
وهي معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: «فإنْ لم تكن تراه فإنّه يراك»[21]، وهي الدرجة من درجات الإخلاص التي ليس دونها إخلاص؛ فإن غابت هذه الدرجة عن حال العبد وهو في عملٍ، أي لم يراقب اللهَ تعالى فيه، فسد هذا العمل، وضاع عليه جهدُه ووقته، وفي الأثر «ليس للمرء من صلاتِه إلا ما عقَل منها»[22]، وهذا -والله أعلم- في الغفلة، وهي حالٌ وُسْطى بين الرياء والإخلاص؛ فالرياء شركٌ أصغر، والإخلاص مدخلٌ للإيمان أو جزءٌ منه، وبينهما قد يكون الإنسان ذاهلاً في صلاته يتفكَّر في أمرٍ من أمور الدنيا -مالٍ أو تجارة أو مرض.. إلخ- فهذا الجزء من الصلاة -وهي أفضل العبادات- الذي ذهل فيه عن ربِّه تعالى ليس محسوبًا له، وإنما يُحسب له ما يتذكر فيه ربَّه ويذكُره ويعي كلامه من آي القرآن الكريم الذي يقرأه أو التسبيح والتحميد والذكر الذي يردِّده.

وقد أفاض العلماء في شرح الرياء والإخلاص والمراقبة والمحاسبة، وهي أحوالٌ على علاقةٍ ببعضها البعض، وليس أحدٌ ينكر فضيلة الإخلاص والمراقبة والمحاسبة، بل وجوبها على المسلم في كل عملٍ يعمله، وليس من أحد لا يخشى الرياء على نفسه، بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يخشاه على المسلمين، فقال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: «الرياء، يقول الله - عز وجل- يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء»[23].

أولاً: الإحسان في الإنفاق [وخاصة في الجهاد بالمال]:
قال تعالى -في آياتٍ من سورة البقرة في قتال المشركين وهو أعلى مراتب الجهاد في سبيل الله-: ï´؟ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ * الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ * وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [البقرة: 191 - 195] الآيات، في ستّ آيات في قتال المشركين تبيّن بعضَ أحكام الجهاد؛ كوجوب مقاتلة المقاتلين، والكف عن غيرهم، والكف عنهم إذا انتهوا عن قتالنا -معشر المسلمين- وإخراجهم من حيث أخرجونا، وبيان أن هذه الفتنة -وهي إخراجنا من ديارنا لنكفر- هي أكبر من قتلِنا إيّاهم؛ لأنّ الكفر المترتب على الفتنة إن حدثت أكبر من موت الإنسان نفسه سواء كان مؤمنًا أو كافرا، وتحريم القتال عند المسجد الحرام إلا إذا قاتل المشركون المسلمين فيه، وأن ذلك ليس ذنبًا لا كبيرا ولا صغيرا ما داموا هم البادئين بالقتال فيه، ثم يؤكد سبحانه على عدم تخاذل المسلمين أمام الكافرين بل وجوب مقابلة الاعتداء باعتداء؛ لما في ذلك من الخير وما في التخاذل وبذل السلم حال الحرب من مفاسدَ عظيمة.. ثم يُرشِد سبحانه إلى التقوى ويحفّز عليها بكونه سبحانه مع المتقين، وسيأتي في أكثر من آيةٍ من كتابه الكريم أنه - عز وجل- يحب المتقين.

ومن تمام أحكام القتال الإنفاقُ في سبيل الله، واتفق المفسِّرون على أنّه يعني الإنفاق في الجهاد، وقسم الله سبحانه الناس بشأن هذه القضية إلى قسمين: هالكين ومحبوبين.

فمن يُلقون بأيديهم إلى التهلكة؛ أي يلقون أنفسهم بأيديهم إلى التهلكة، وهم من لا ينفقون في سبيل الله؛ لسبب نزول هذه الآية، فقد روي أن رجلا من المسلمين حمل على جيش الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس: سبحان الله! ألقى بيديه إلى التهلكة؛ فقال أبو أيوبٍ الأنصاري -رضى الله عنه-: إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار حين أعزّ الله الإسلام وكثرنا؛ فقلنا: لو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها فنـزلت ï´؟ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ï´¾ [البقرة: 195]؛ فكانت التهلكة الإقامة في الأموال وإصلاحها وترك الجهاد في سبيل الله، فما زال أبو أيوب -رضى الله عنه- شاخِصًا في سبيل الله حتى استُشهِد ودُفن بأرض الروم[24].

ومعنى هذا أن يبيع الإنسانُ نفسَه ومالَه لله تعالى لقاءَ الجنة، فإنها سلعة الله الغالية.

وفي تفسيره هذه الآية، يقول العلامة السعدي -رحمه الله تعالى-: يأمر تعالى عباده بالنفقة في سبيله، وهو إخراج الأموال في الطرق الموصِّلة إلى الله؛ وهي كل طرق الخير من صدقة على مسكين، أو قريب، أو إنفاق على من تجب مؤنته. وأعظم ذلك وأوّل ما يدخل في ذلك الإنفاق في الجهاد في سبيل الله؛ فإن النفقة فيه جهادٌ بالمال، وهو فرضٌ كالجهاد بالبدن، وفيها من المصالح العظيمة الإعانة على تقوية المسلمين، وتوهين الشرك وأهله، وعلى إقامة دين الله وإعزازه، فالجهاد في سبيل الله لا يقوم إلا على ساق النفقة، فالنفقة له كالروح لا يمكن وجوده بدونها، وفي ترك الإنفاق في سبيل الله إبطالُ الجهاد، وتسليطٌ للأعداء، وشدة تكالبهم؛ فيكون قوله تعالى ï´؟ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ï´¾ [البقرة: 195] كالتعليل لذلك، والإلقاء باليد إلى التهلكة يرجع إلى أمرين: ترك ما أُمِر به العبدُ إذا كان تركه واجبًا أو مقاربا لهلاك البدن أو الروح، وفعل ما هو سببٌ موصِّل إلى تلف النفس أو الروح، فيدخل تحت ذلك أمورٌ كثيرة؛ فمن ذلك تركُ الجهاد في سبيل الله[25]، أو النفقة فيه[26]، الموجب لتسليط الأعداء، ومن ذلك تغرير الإنسان بنفسه في مقاتلة أو سفر مخوفٍ، أو محلّ مسبعة أو حيّات، أو يصعد شجرًا أو بنيانًا خطِرا، أو يدخل تحت شيء فيه خطر ونحو ذلك[27]، فهذا ونحوُه ممن ألقى بيده إلى التهلكة. ومن ذلك الإقامةُ على معاصي الله واليأس من التوبة، ومنها ترك ما أمر الله به من الفرائض التي في تركها هلاك الروح والبدن.

ولما كانت النفقة في سبيل الله نوعًا من أنواع الإحسان أمرَ بالإحسان عمومًا، فقال: ï´؟ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ï´¾، وهذا يشمل جميعَ أنواع الإحسان؛ لأنه لم يقيِّده بشيءٍ دون شيء، فيدخل فيه الإحسان بالمال كما تقدم. ويدخل فيه الإحسان بالجاه بالشفاعات ونحو ذلك، ويدخل في ذلك الإحسان الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم العلم النافع. ويدخل في ذلك قضاءُ حوائج الناس من تفريج كرباتهم، وإزالة شدائدهم، وعيادة مرضاهم، وتشييع جنائزهم، وإرشاد ضالِّهم، وإعانة من يعمل عملا[28]، والعمل لمن لا يحسن العمل، ونحو ذلك مما هو من الإحسان الذي أمر الله به. ويدخل في الإحسان أيضًا الإحسانُ في عبادة الله، وهو كما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم- «أن تعبَدَ الله كأنك تراه»[29].

فمن اتصف بهذه الصفات كان من الذين قال الله فيهم: ï´؟ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ï´¾ [يونس: 26]، وكان الله معه يسدِّده ويرشده ويعينه على كل أموره[30].

وإذًا فالإحسان الذي هو الإنفاق في سبيل الله تعالى؛ أي خاصًّا لوجهه الكريم، ويَحسُن أن يكون في الجهاد؛ كتجهيز الغزاة أو تجهيز نفسِه من ماله، هو سبَبٌّ لمحبّةِ الله تعالى للعبد.
يتبع




 توقيع : رحيل

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ رحيل على المشاركة المفيدة:
 (07-25-2020)
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
محبة, أسباب, الله, الإحسان, تعالي, عبدا

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( تزكية النفس بمكارم الأخلاق 2 ) نور القمر ۩ إسلامِي هُو سر حَياتي ۩ 12 01-17-2023 12:31 PM
من أسباب محبة الله تعالى عبدًا - تزكية النفس بمكارم الأخلاق (1) نور القمر ۩ إسلامِي هُو سر حَياتي ۩ 12 01-17-2023 12:31 PM
ليس فوق محبة النبي صلى الله عليه إلا محبة الله تعالى شيخة رواية ۩ الرّسُول والصَّحابة الكِرام ۩ 20 10-31-2022 09:09 AM
من موانع محبة الله عبدا ( الخيانة ) ♡ Šąɱąя ♡ ۩ إسلامِي هُو سر حَياتي ۩ 28 09-18-2022 12:25 PM
من موانع محبة الله عبدا ( الأثيمية ) ♡ Šąɱąя ♡ ۩ إسلامِي هُو سر حَياتي ۩ 29 09-18-2022 12:25 PM


الساعة الآن 08:17 PM


Powered by vBulletin Hosting By R-ESHQ
new notificatio by R-ESHQ
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة الموقع