وتتواصلُ إبداعاتُ الْقُرْآنِ الكريمِ،
وتستمرُ إعجازاتُه،
التى تسمو بالعقولِ،
وتأخذُ بتلابيبِ القلوبِ .
أكدنا أنَّه لا ترادفَ فى كلماتِ اللهِ ،
فكُلُّ كلمةٍ، بل كُلُّ حرفٍ،
فى الْقُرْآنِ الكريمِ،
يحوى أسراراً بلاغيةً،
مازالت تُحيرُ العُلماءَ .
وهَذِه أمثلةٌ أُخرى :
(الشُّحُّ وَالْبُخْلُ) :
الشُّحَّ هُوَ الْبُخْلُ الشَّدِيدُ،
بُخْلٌ مَعَ حِرْصٍ،
«وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحَّ ..»
«وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ..»
«أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ..»
«أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ..»
والفارقُ الأساسُ بينَ الشُّحِّ وَالْبُخْلِ،
أنَّ الأولَ حرصٌ على منعِ الخيرِ
(ولو كانَ من الغيرِ) والثانى،
منعُ الخيرِ، فلا يؤدى (البخيلُ)
حقَ غيرِه عليه ..
والشُّحُّ أشدُ خطورةً من الْبُخْلِ،
وفيه قدرٌ من (المرضِ النفسيِّ)
فقد يكونُ مفهوماً أنَّك بخيلٌ،
لكنْ من غيرِ المفهومِ،
أنْ تحزنَ لو أنفقَ غيرُك !!
وهُناكَ (الضَّنُّ)
وهو بخلافِ البخلِ، فأَصْلُهُ
أَنْ يَكُونَ بِالْعَوَارِى
(المباحِ الانتفاعُ به، مع بقاءِ عينِها)
أما الْبُخْلُ فبِالْهِبَاتِ،
وَلِهَذَا يُقَالُ هُوَ ضَنِينٌ بِعِلْمِهِ،
وَلَا يُقَالُ بَخِيلٌ،
والْوَاهِبُ إِذَا وَهَبَ شَيْئًا،
خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ،
بِخِلَافِ الْعَارِيَةِ،
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:
«وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ»..
وَلَمْ يَقُلْ:
«بِبَخِيلٍ، فعطاءُ اللهِ لعبادِه، لا يُنقصُه شيئاً»
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
(الْعَامُ وَالسَّنَةُ):
الْعَامُ يطلقُ على الدَعةِ والرخاءِ،
وَالسَّنَةُ تُطلقُ على الشدةِ والكربِ،
ومن ذلك قَوْلُهُ تَعَالَى:
«وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ
فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا»
(سورة العنكبوت:14)..
مشقةٌ فى الدعوةِ،
وغلظةٌ من القومِ ..
لذلكَ، لما دعا النَّبِيُّ،
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
عَلَى قُرَيْشٍ، لما ضيقوا على المسلمين،
وآذوا المستضعفين، قَالَ :
«اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ،
اللهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِى يُوسُفَ ..»
وقالَ تعالي:
«قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا
فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِى سُنْبُلِهِ
إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِى
مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ
مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ
ثُمَّ يَأْتِى مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ
وَفِيهِ يَعْصِرُونَ»
(سورة يوسف: 47-49)
فوصفَ السنين،
بأنَّهُن شِدَادٌ، ووصفَ العامَ، بالرخاءِ،
وأنَّه : فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ، أى يأتيهم الغوثُ،
وَفِيهِ يَعْصِرُونَ،
أى (يستخرجون عصيرَ الثمارِ)
من كثرةِ الخِصْبِ والنماءِ.
(مَدَّ وَأَمَدَّ):
أَمَدَّ، يُذكَرُ فى حقِ المؤمنين غالباً :
«وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ..»
مَدَّ، يُذكرُ فى حقِ الكفارِ:
« وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً ..
«قُلْ مَن كَانَ فِى الضَّلَالَةِ
فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا .. »
(سورة مريم: 75)
نلتقى فى الحلقة القادمة إن شاء الله
خالص تحياتى وتقديرى
و
رمضــــان كريــــــم
الدكتـــور علــــى