روى مسلم في صحيحه من حديث تميم الداري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدين النصيحة"، قلنا: لمن؟، قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم"[1].
وهذه بعض النصائح التي أوصي بها نفسي وإخوتي:
الأولى: المحافظة على هذه الصلاة في بيوت الله - عز وجل - قال تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]، وقال تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43].
والصلاة هي أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة، فقد روى الطبراني في الأوسط من حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله"[2].
وهذه الصلاة هي الفارق بين المسلم والكافر، روى مسلم في صحيحه من حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بين الرجل، وبين الشرك والكفر، ترك الصلاة"[3]، وكان من آخر ما وصى به النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يعالج سكرات الموت أن قال: "الصلاة، وما ملكت يمينكم"[4]، وقال عمر - رضي الله عنه - يوم أن طعن، وهو يعالج سكرات الموت، وجرحه يثعب دمًا: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة".
الثانية: أداء الأمانة، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27]، روى الطبراني في المعجم الكبير من حديث شداد بن أوس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أول ما تفقدون من دينكم الأمانة"[5]، قال القرطبي: الأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال، وهو قول الجمهور[6]. اهـ، وقال بعضهم: عمل كل ما لله فيه طاعة، واجتناب كل ما لله فيه معصية، سواء كان ذلك في عبادة أو معاملة، فالصلاة أمانة، والزكاة أمانة، وحفظ الجوارح أمانة، والعمل أمانة لابد للمسلم أن يؤديه بكل إخلاص وإتقان حتى تبرأ ذمته بذلك.
والأمانة من أبرز أخلاق الرسل - عليهم الصلاة والسلام - فنوح، وهو د، وصالح، ولوط، أخبر الله عنهم في سورة الشعراء، أن كل رسول من هؤلاء، قد قال لقومه: ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ [الشعراء: 143]، ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - كان في قومه قبل الرسالة وبعدها مشهورًا بأنه الأمين.
الثالثة: اجتناب المعاصي، والذنوب، فهي أساس كل شر وبلاء، قال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]، وما الذي أخرج أبوينا من الجنة دار النعيم، واللذة والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟!
قال الشاعر:
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي
درك الجنان بها وفوز العابدِ
ونسيت أن الله أخرج آدمًا
منها إلى الدنيا بذنب واحدِ
روى الإمام أحمد من حديث سهل بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إياكم ومُحقراتُ الذنُوبِ، كقَومٍ نَزلُوا في بطْنِ وادٍ فجاءَ ذا بعودٍ، وجاء ذا بعودٍ حتى أنضَجُوا خبزتهم، وإنَّ محقَّراتِ الذُّنوب متى يُؤخذ بها صاحبُها تُهلِكْهُ"[7].
وقال الأوزاعي - رحمه الله -: "لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة عصيت".
قال الشاعر:
رأيت الذنوب تميت القلوب
وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب
وخير لنفسك عصيانها
روى الترمذي في سننه، من حديث الدرداء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء"[8]، وقال ابن المبارك: "حسن الخلق طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى، وأن تحتمل ما يكون من الناس"[9]، وقال ابن القيم: "جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين تقوى الله، وحسن الخلق، لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه، ولا يكتمل إيمان عبد ما لم يوفق للخلق الحسن"[10].
وروى الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أكمل المؤمنين إيمانًا احسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم خلقًا"[11]، ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعظم الناس خلقًا، فمن أحب يهتدي إلى معالي الأخلاق، فليقتد بمحمد - صلى الله عليه وسلم -.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: "خدمت النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، فما قال لي: أف قط، وما قال لشيء صنعته: لم صنعته؟ ولا لشيء تركته: لم تركته؟"[12].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين