( سجادة حمراء وأرائـك الهطول# حصريآت ال روآية )  
 
 
.>~ { للجمال عنوان وهنا عنوانه { نشطاء منتدى روآية عشق لهذا الأسبوع } ~
    حاء"     خاطري"     رحيل"     سكرة"     البرنس"     أمنية"     العز"     اميرت"     عشق"     جوهرة"     غلاتك"     غرام"     كلي"     لورد"     سيران"     احمد"

العودة   منتدى رواية عشق > ۩ القِسـم الإسلامـي ۩ > ۩ القُــرآن الكرِيــم ۩

الملاحظات

۩ القُــرآن الكرِيــم ۩ َيهتم بالقُرآن والتفسِير والقرَاءات ، والدرَاسات الحدِيثية ، ويَهتم بالأحادِيث والآثار وتخرِيجها .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 04-14-2019
شيخة رواية متواجد حالياً
Saudi Arabia     Female
قَدَاسَة طُهِّرَ | | أَوْسِمَتِي | |
لوني المفضل Cadetblue
 عضويتي » 726
 اشراقتي ♡ » Jul 2018
 كُنت هنا » منذ 2 ساعات (07:17 AM)
موآضيعي » 17453
آبدآعاتي » 2,166,405
 تقييمآتي » 1567990
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
 حالتي الآن »
آلقسم آلمفضل  » العآم♡
آلعمر  » 24سنة
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط ♡
تم شكري »  29,498
شكرت » 11,217
الاعجابات المتلقاة » 1422
الاعجابات المُرسلة » 3992
مُتنفسي هنا » مُتنفسي هنا
 التقييم » شيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond repute
مَزآجِي  »  فديتك_ياغلاهم
افتراضي تفسير ابن كثير/سورة التوبة



بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1)
بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

هَذِهِ السُّورَة الْكَرِيمَة مِنْ أَوَاخِر مَا نَزَلَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ أَبِي إسْحَاق قَالَ : سَمِعْت الْبَرَاء يَقُول آخِر آيَة نَزَلَتْ " يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة " وَآخِر سُورَة نَزَلَتْ بَرَاءَة وَإِنَّمَا لَمْ يُبَسْمِل فِي أَوَّلهَا لِأَنَّ الصَّحَابَة لَمْ يَكْتُبُوا الْبَسْمَلَة فِي أَوَّلهَا فِي الْمُصْحَف الْإِمَام بَلْ اِقْتَدَوْا فِي ذَلِكَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَأَرْضَاهُ . كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد وَمُحَمَّد بْن أَبِي جَعْفَر وَابْن عَدِيّ وَسُهَيْل بْن يُوسُف قَالُوا : حَدَّثَنَا عَوْف عَنْ أَبِي جَمِيلَة أَخْبَرَنِي يَزِيد الْفَارِسِيّ أَخْبَرَنِي اِبْن عَبَّاس قَالَ : قُلْت لِعُثْمَان بْن عَفَّان مَا حَمَلَكُمْ أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى الْأَنْفَال وَهِيَ مِنْ الْمَثَانِي وَإِلَى بَرَاءَة وَهِيَ مِنْ الْمِئِينَ وَقَرَنْتُمْ بَيْنهمَا وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنهمَا سَطْر بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم وَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْع الطُّوَل مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ عُثْمَان : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَان وَهُوَ يَنْزِل عَلَيْهِ السُّوَر ذَوَات الْعَدَد فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الشَّيْء دَعَا بَعْض مَنْ كَانَ يَكْتُب فَيَقُول ضَعُوا هَذِهِ الْآيَة فِي السُّورَة الَّتِي يُذْكَر فِيهَا كَذَا وَكَذَا وَكَانَتْ الْأَنْفَال مِنْ أَوَّل مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَتْ بَرَاءَة مِنْ آخِر مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآن وَكَانَتْ قِصَّتهَا شَبِيهَة بِقِصَّتِهَا وَخَشِيت أَنَّهَا مِنْهَا وَقُبِضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّن لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا فَمِنْ أَجْل ذَلِكَ قَرَنْت بَيْنهمَا وَلَمْ أَكْتُب بَيْنهمَا سَطْر بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم وَوَضَعْتهَا فِي السَّبْع الطُّوَل .

وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حِبَّان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه مِنْ طُرُق أُخَر عَنْ عَوْف الْأَعْرَابِيّ بِهِ وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح الْإسْنَاد وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَأَوَّل هَذِهِ السُّورَة الْكَرِيمَة نَزَلَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَجَعَ مِنْ غَزْوَة تَبُوك وَهَمَّ بِالْحَجِّ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَحْضُرُونَ عَامهمْ هَذَا الْمَوْسِم عَلَى عَادَتهمْ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاة فَكَرِهَ مُخَالَطَتهمْ وَبَعَثَ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَمِيرًا عَلَى الْحَجّ تِلْكَ السَّنَة لِيُقِيمَ لِلنَّاسِ مَنَاسِكهمْ وَيُعْلِم الْمُشْرِكِينَ أَنْ لَا يَحُجُّوا بَعْد عَامهمْ هَذَا وَأَنْ يُنَادِي فِي النَّاس " بَرَاءَة مِنْ اللَّه وَرَسُوله " فَلَمَّا قَفَلَ أَتْبَعَهُ بِعَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب لِيَكُونَ مُبَلِّغًا عَنْ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهِ عَصَبَة لَهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه فَقَوْله تَعَالَى " بَرَاءَة مِنْ اللَّه وَرَسُوله " أَيْ هَذِهِ بَرَاءَة أَيْ تَبَرُّؤ مِنْ اللَّه وَرَسُوله " إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ " .

فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2)
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ

" فَسِيحُوا فِي الْأَرْض أَرْبَعَة أَشْهُر " اِخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ هَهُنَا اِخْتِلَافًا كَثِيرًا فَقَالَ قَائِلُونَ هَذِهِ الْآيَة لِذَوِي الْعُهُود الْمُطْلَقَة غَيْر الْمُؤَقَّتَة أَوْ مَنْ لَهُ عَهْد دُون أَرْبَعَة أَشْهُر فَيُكَمَّل لَهُ أَرْبَعَة أَشْهُر فَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ عَهْد مُؤَقَّت فَأَجَله إِلَى مُدَّته مَهْمَا كَانَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى " فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدهمْ إِلَى مُدَّتهمْ " الْآيَة وَلِمَا سَيَأْتِي فِي الْحَدِيث وَمَنْ كَانَ بَيْنه وَبَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْد فَعَهْده إِلَى مُدَّته وَهَذَا أَحْسَن الْأَقْوَال وَأَقْوَاهَا وَقَدْ اِخْتَارَهُ اِبْن جَرِير رَحِمَهُ اللَّه وَرُوِيَ عَنْ الْكَلْبِيّ وَمُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ وَغَيْر وَاحِد .

وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " بَرَاءَة مِنْ اللَّه وَرَسُوله إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْض أَرْبَعَة أَشْهُر " الْآيَة قَالَ حَدَّ اللَّه لِلَّذِينَ عَاهَدُوا رَسُوله أَرْبَعَة أَشْهُر يَسِيحُونَ فِي الْأَرْض حَيْثُ شَاءُوا وَأَجَل مَنْ لَيْسَ لَهُ عَهْد اِنْسِلَاخ الْأَشْهُر الْحُرُم مِنْ يَوْم النَّحْر إِلَى سَلْخ الْمُحَرَّم فَذَلِكَ خَمْسُونَ لَيْلَة فَأَمَرَ اللَّه نَبِيّه إِذَا اِنْسَلَخَ الْمُحَرَّم أَنْ يَضَع السَّيْف فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنه وَبَيْنه عَهْد يَقْتُلهُمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَام وَأَمَرَ بِمَنْ كَانَ لَهُ عَهْد إِذَا اِنْسَلَخَ أَرْبَعَة أَشْهُر مِنْ يَوْم النَّحْر إِلَى عَشْر خَلَوْنَ مِنْ رَبِيع الْآخِر أَنْ يَضَع فِيهِمْ السَّيْف أَيْضًا حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَام وَقَالَ أَبُو مَعْشَر الْمَدَنِيّ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ وَغَيْره قَالُوا : بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْر أَمِيرًا عَلَى الْمَوْسِم سَنَة تِسْع وَبَعَثَ عَلِيَّ بْن أَبِي طَالِب بِثَلَاثِينَ آيَة أَوْ أَرْبَعِينَ آيَة مِنْ بَرَاءَة فَقَرَأَهَا عَلَى النَّاس يُؤَجِّل الْمُشْرِكِينَ أَرْبَعَة أَشْهُر يَسِيحُونَ فِي الْأَرْض فَقَرَأَهَا عَلَيْهِمْ يَوْم عَرَفَة أَجَّلَهُمْ عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحَجَّة وَالْمُحَرَّم وَصَفَر وَشَهْر رَبِيع الْأَوَّل وَعَشْرًا مِنْ رَبِيع الْآخِر وَقَرَأَهَا عَلَيْهِمْ فِي مَنَازِلهمْ وَقَالَ " لَا يَحُجَّنَّ بَعْد عَامنَا هَذَا مُشْرِك وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَان " وَقَالَ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد " بَرَاءَة مِنْ اللَّه وَرَسُوله " إِلَى أَهْل الْعَهْد خُزَاعَة وَمُدْلِج وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْد أَوْ غَيْرهمْ فَقَفَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوك حِين فَرَغَ فَأَرَادَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجّ ثُمَّ قَالَ " إِنَّمَا يَحْضُر الْمُشْرِكُونَ فَيَطُوفُونَ عُرَاة فَلَا أُحِبّ أَنْ أَحُجّ حَتَّى لَا يَكُون ذَلِكَ " فَأَرْسَلَ أَبَا بَكْر وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فَطَافَا بِالنَّاسِ فِي ذِي الْمِجَاز وَبِأَمْكِنَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا يُتَابَعُونَ بِهَا وَبِالْمَوَاسِمِ كُلّهَا فَآذنُوا أَصْحَاب الْعَهْد بِأَنْ يُؤَقِّتُوا أَرْبَعَة أَشْهُر فَهِيَ الْأَشْهُر الْمُتَوَالِيَات عِشْرُونَ مِنْ ذِي الْحَجَّة إِلَى عَشْر يَخْلُونَ مِنْ رَبِيع الْآخِر ثُمَّ لَا عَهْد لَهُمْ وَآذَنَ النَّاس كُلّهمْ بِالْقِتَالِ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ السُّدِّيّ وَقَتَادَة وَقَالَ الزُّهْرِيّ : كَانَ اِبْتِدَاء التَّأْجِيل مِنْ شَوَّال وَآخِره سَلْخ الْمُحَرَّم وَهَذَا الْقَوْل غَرِيب وَكَيْف يُحَاسَبُونَ بِمُدَّةٍ لَمْ يَبْلُغهُمْ حُكْمهَا وَإِنَّمَا ظَهَرَ لَهُمْ أَمْرهَا يَوْم النَّحْر حِين نَادَى أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : .

وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)
وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ

يَقُول تَعَالَى وَإِعْلَام " مِنْ اللَّه وَرَسُوله " وَتَقَدَّمَ وَإِنْذَار إِلَى النَّاس " يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر " وَهُوَ يَوْم النَّحْر الَّذِي هُوَ أَفْضَل أَيَّام الْمَنَاسِك وَأَظْهَرهَا وَأَكْبَرهَا جَمِيعًا " أَنَّ اللَّه بَرِيء مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُوله " أَيْ بَرِيء مِنْهُمْ أَيْضًا ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى التَّوْبَة إِلَيْهِ فَقَالَ " فَإِنْ تُبْتُمْ " أَيْ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ الشِّرْك وَالضَّلَال " فَهُوَ خَيْر لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ " أَيْ اِسْتَمْرَرْتُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ " فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْر مُعْجِزِي اللَّه " بَلْ هُوَ قَادِر عَلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ فِي قَبْضَته وَتَحْت قَهْره وَمَشِيئَته " وَبَشِّرْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيم " أَيْ فِي الدُّنْيَا بِالْخِزْيِ وَالنَّكَال وَفِي الْآخِرَة بِالْمَقَامِعِ وَالْأَغْلَال . قَالَ الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّه : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن يُوسُف حَدَّثَنَا اللَّيْث حَدَّثَنِي عُقَيْل عَنْ اِبْن شِهَاب قَالَ : أَخْبَرَنِي حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة قَالَ : بَعَثَنِي أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي تِلْكَ الْحَجَّة فِي الْمُؤَذِّنِينَ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ يَوْم النَّحْر يُؤَذِّنُونَ بِمِنًى أَنْ لَا يَحُجّ بَعْد الْعَام مُشْرِك وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَان . قَالَ حُمَيْد : ثُمَّ أَرْدَفَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّن بِبَرَاءَة . قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيّ فِي أَهْل مِنًى يَوْم النَّحْر بِبَرَاءَة وَأَنْ لَا يَحُجّ بَعْد هَذَا الْعَام مُشْرِك وَلَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان وَرَوَاهُ الْبُخَارِيّ أَيْضًا : حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَان أَخْبَرَنَا شُعَيْب عَنْ الزُّهْرِيّ أَخْبَرَنِي حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة قَالَ : بَعَثَنِي أَبُو بَكْر فِيمَنْ يُؤَذِّن يَوْم النَّحْر بِمِنًى أَلَّا يَحُجّ بَعْد الْعَام مُشْرِك وَلَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان . وَيَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر وَإِنَّمَا قِيلَ الْأَكْبَر مِنْ أَجْل قَوْل النَّاس الْحَجّ الْأَصْغَر فَنَبَذَ أَبُو بَكْر إِلَى النَّاس فِي ذَلِكَ الْعَام فَلَمْ يَحُجّ عَام حَجَّة الْوَدَاع الَّذِي حَجّ فِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْرِك . هَذَا لَفْظ الْبُخَارِيّ فِي كِتَاب الْجِهَاد . وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ اِبْن الْمُسَيِّب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي قَوْله " بَرَاءَة مِنْ اللَّه وَرَسُوله " قَالَ لَمَّا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَن حُنَيْن اِعْتَمَرَ مِنْ الْجِعْرَانَة ثُمَّ أَمَّرَ أَبَا بَكْر عَلَى تِلْكَ الْحَجَّة قَالَ مَعْمَر : قَالَ الزُّهْرِيّ : وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة يُحَدِّث أَنَّ أَبَا بَكْر أَمَرَ أَبَا هُرَيْرَة أَنْ يُؤَذِّن بِبَرَاءَة فِي حَجَّة أَبِي بَكْر .

قَالَ أَبُو هُرَيْرَة ثُمَّ أَتْبَعَنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّن بِبَرَاءَة وَأَبُو بَكْر عَلَى الْمَوْسِم كَمَا هُوَ أَوْ قَالَ عَلَى هَيْئَته وَهَذَا السِّيَاق فِيهِ غَرَابَة مِنْ جِهَة أَنَّ أَمِير الْحَجّ كَانَ سَنَة عُمْرَة الْجِعْرَانَة إِنَّمَا هُوَ عَتَّاب بْن أَسِيد فَأَمَّا أَبُو بَكْر إِنَّمَا كَانَ أَمِيرًا سَنَة تِسْع . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ مُغِيرَة عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ مُحْرِز بْن أَبِي هُرَيْرَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنْت مَعَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب حِينَ بَعَثَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْل مَكَّة بِبَرَاءَة فَقَالَ " مَا كُنْتُمْ تُنَادُونَ ؟ " قَالَ كُنَّا نُنَادِي أَنَّهُ لَا يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا نَفْس مُؤْمِنَة وَلَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان وَمَنْ كَانَ بَيْنه وَبَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْد فَإِنَّ أَجَله أَوْ مُدَّته إِلَى أَرْبَعَة أَشْهُر فَإِذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَة أَشْهُر فَإِنَّ اللَّه بَرِيء مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُوله وَلَا يَحُجّ هَذَا الْبَيْت بَعْد عَامنَا هَذَا مُشْرِك قَالَ : فَكُنْت أُنَادِي حَتَّى صَحِلَ صَوْتِي . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : حَدَّثَنِي مُحْرِز بْن أَبِي هُرَيْرَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنْت مَعَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حِين بَعَثَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي فَكَانَ إِذَا صَحِلَ نَادَيْت فَقُلْت بِأَيِّ شَيْء كُنْتُمْ تُنَادُونَ ؟ قَالَ بِأَرْبَعٍ لَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْد عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَهْده إِلَى مُدَّته وَلَا يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا نَفْس مُؤْمِنَة وَلَا يَحُجّ بَعْد عَامنَا هَذَا مُشْرِك .

رَوَاهُ اِبْن جَرِير مِنْ غَيْر وَجْه عَنْ الشَّعْبِيّ وَرَوَاهُ شُعْبَة عَنْ مُغِيرَة عَنْ الشَّعْبِيّ بِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : وَمَنْ كَانَ بَيْنه وَبَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْد فَعَهْده إِلَى أَرْبَعَة أَشْهُر وَذَكَرَ تَمَام الْحَدِيث قَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا عَفَّان حَدَّثَنَا حَمَّاد عَنْ سِمَاك عَنْ أَنَس بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ بِبَرَاءَة مَعَ أَبِي بَكْر فَلَمَّا بَلَغَ ذَا الْحُلَيْفَة قَالَ " لَا يَبْلُغهَا إِلَّا أَنَا أَوْ رَجُل مِنْ أَهْل بَيْتِي " فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَنْ بُنْدَار عَنْ عَفَّان وَعَبْد الصَّمَد كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة ثُمَّ قَالَ : حَسَن غَرِيب مِنْ حَدِيث أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن حَنْبَل : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان حَدَّثَنَا لُوَيْن حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَابِر عَنْ سِمَاك عَنْ حَنَش عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ عَشْر آيَات مِنْ بَرَاءَة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ أَبَا بَكْر فَبَعَثَهُ بِهَا لِيَقْرَأهَا عَلَى أَهْل مَكَّة ثُمَّ دَعَانِي فَقَالَ : أَدْرِكْ أَبَا بَكْر فَحَيْثُمَا لَحِقْته فَخُذْ الْكِتَاب مِنْهُ فَاذْهَبْ إِلَى أَهْل مَكَّة فَاقْرَأْهُ عَلَيْهِمْ " فَلَحِقْته بِالْجُحْفَةِ فَأَخَذْت الْكِتَاب مِنْهُ وَرَجَعَ أَبُو بَكْر إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه نَزَلَ فِيَّ شَيْء ؟ فَقَالَ : لَا وَلَكِنَّ جِبْرِيل جَاءَنِي فَقَالَ لَنْ يُؤَدِّي عَنْك إِلَّا أَنْتَ أَوْ رَجُل مِنْك هَذَا إِسْنَاد فِيهِ ضَعْف وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّ أَبَا بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ رَجَعَ مِنْ فَوْره بَلْ بَعْد قَضَائِهِ لِلْمَنَاسِكِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَقَالَ عَبْد اللَّه أَيْضًا حَدَّثَنِي أَبُو بَكْر حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد عَنْ أَسْبَاط بْن نَصْر عَنْ سِمَاك عَنْ حَنَش عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين بَعَثَهُ بِبَرَاءَة قَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه إِنِّي لَسْت بِاللَّسِنِ وَلَا بِالْخَطِيبِ قَالَ : لَا بُدّ لِي أَنْ أَذْهَب بِهَا أَنَا أَوْ تَذْهَب بِهَا أَنْتَ قَالَ : فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدّ فَسَأَذْهَبُ بِهَا أَنَا قَالَ : اِنْطَلِقْ فَإِنَّ اللَّه يُثَبِّت لِسَانك وَيَهْدِي قَلْبك قَالَ ثُمَّ وَضَعَ يَده عَلَى فِيهِ .

وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ زَيْد بْن يُثَيْع رَجُل مِنْ هَمْدَان : سَأَلْنَا عَلِيًّا بِأَيِّ شَيْء بُعِثْت ؟ يَعْنِي يَوْم بَعَثَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي بَكْر فِي الْحَجَّة قَالَ : بُعِثْت بِأَرْبَعٍ : لَا يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا نَفْس مُؤْمِنَة وَلَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان وَمَنْ كَانَ بَيْنه وَبَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْد فَعَهْده إِلَى مُدَّته وَلَا يَحُجّ الْمُشْرِكُونَ بَعْد عَامهمْ هَذَا وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ قِلَابَة عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَقَالَ حَسَن صَحِيح كَذَا قَالَ .

وَرَوَاهُ شُعْبَة عَنْ أَبِي إِسْحَاق فَقَالَ زَيْد بْن أُثَيْل وَهِمَ فِيهِ وَرَوَاهُ الثَّوْرِيّ عَنْ أَبِي إسْحَاق عَنْ بَعْض أَصْحَابه عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَة عَنْ زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ زَيْد بْن يُثَيْع عَنْ عَلِيّ قَالَ : بَعَثَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أُنْزِلَتْ بَرَاءَة بِأَرْبَعٍ : أَنْ لَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان وَلَا يَقْرَب الْمَسْجِد الْحَرَام مُشْرِك بَعْد عَامهمْ هَذَا وَمَنْ كَانَ بَيْنه وَبَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْد فَهُوَ إِلَى مُدَّته وَلَا يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا نَفْس مُؤْمِنَة ثُمَّ رَوَاهُ اِبْن جَرِير عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى عَنْ اِبْن ثَوْر عَنْ مَعْمَر عَنْ أَبِي إسْحَاق عَنْ الْحَارِث عَنْ عَلِيّ قَالَ : أُمِرْت بِأَرْبَعٍ فَذَكَرَهُ وَقَالَ إِسْرَائِيل عَنْ أَبِي إسْحَاق عَنْ زَيْد بْن يُثَيْع قَالَ : نَزَلَتْ بَرَاءَة فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْر ثُمَّ أَرْسَلَ عَلِيًّا فَأَخَذَهَا فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو بَكْر قَالَ : نَزَلَ فِيَّ شَيْء ؟ قَالَ " لَا وَلَكِنْ أُمِرْت أَنْ أُبَلِّغهَا أَنَا أَوْ رَجُل مِنْ أَهْل بَيْتِي " فَانْطَلَقَ إِلَى أَهْل مَكَّة فَقَامَ فِيهِمْ بِأَرْبَعٍ : لَا يَدْخُل مَكَّة مُشْرِك بَعْد عَامه هَذَا وَلَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان وَلَا يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا نَفْس مُسْلِمَة وَمَنْ كَانَ بَيْنه وَبَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْد فَعَهْده إِلَى مُدَّته وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ حَكِيم بْن حَكِيم بْن عَبَّاد بْن حُنَيْف عَنْ أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ بَرَاءَة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ كَانَ بَعَثَ أَبَا بَكْر لِيُقِيمَ الْحَجّ لِلنَّاسِ فَقِيلَ يَا رَسُول اللَّه : لَوْ بَعَثْت إِلَى أَبِي بَكْر فَقَالَ " لَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا رَجُل مِنْ أَهْل بَيْتِي " ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا فَقَالَ " اِذْهَبْ بِهَذِهِ الْقِصَّة مِنْ سُورَة بَرَاءَة وَأَذِّنْ فِي النَّاس يَوْم النَّحْر إذَا اِجْتَمَعُوا بِمِنًى أَنَّهُ لَا يَدْخُل الْجَنَّة كَافِر وَلَا يَحُجّ بَعْد الْعَام مُشْرِك وَلَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْد عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ لَهُ إِلَى مُدَّته " فَخَرَجَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَلَى نَاقَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَضْبَاء حَتَّى أَدْرَكَ أَبَا بَكْر فِي الطَّرِيق فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْر قَالَ : أَمِير أَوْ مَأْمُور ؟ فَقَالَ بَلْ مَأْمُور ثُمَّ مَضَيَا فَأَقَامَ أَبُو بَكْر لِلنَّاسِ الْحَجّ إِذْ ذَاكَ فِي تِلْكَ السَّنَة عَلَى مَنَازِلهمْ مِنْ الْحَجّ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْم النَّحْر قَامَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب فَأَذَّنَ فِي النَّاس بِالَّذِي أَمَرَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّهُ لَا يَدْخُل الْجَنَّة كَافِر " وَلَا يَحُجّ بَعْد الْعَام مُشْرِك وَلَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْد عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ

إِلَى مُدَّته " . فَلَمْ يَحُجّ بَعْد ذَلِكَ الْعَام مُشْرِك وَلَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ عُرْيَان ثُمَّ قَدِمَا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ هَذَا مِنْ بَرَاءَة فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الشِّرْك مِنْ أَهْل الْعَهْد الْعَامّ وَأَهْل الْمُدَّة إِلَى الْأَجَل الْمُسَمَّى . وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَة وَعَبْد اللَّه بْن رَاشِد أَخْبَرَنَا حَيْوَة بْن شُرَيْح أَخْبَرَنَا اِبْن صَخْر أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مُعَاوِيَة الْبَجْلِيّ مِنْ أَهْل الْكُوفَة يَقُول : سَمِعْت أَبَا الصَّهْبَاء الْبَكْرِيّ وَهُوَ يَقُول : سَأَلْت عَلِيًّا عَنْ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر فَقَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا بَكْر بْن أَبِي قُحَافَة يُقِيم لِلنَّاسِ الْحَجّ وَبَعَثَنِي مَعَهُ بِأَرْبَعِينَ آيَة مِنْ بَرَاءَة حَتَّى أَتَى عَرَفَة فَخَطَبَ النَّاس يَوْم عَرَفَة فَلَمَّا قَضَى خُطْبَته اِلْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ : قُمْ يَا عَلِيّ فَأَدِّ رِسَالَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُمْت فَقَرَأْت عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ آيَة مِنْ بَرَاءَة ثُمَّ صَدَرْنَا فَأَتَيْنَا مِنًى فَرَمَيْت الْجَمْرَة وَنَحَرْت الْبَدَنَة ثُمَّ حَلَقْت رَأْسِي وَعَلِمْت أَنَّ أَهْل الْجَمْع لَمْ يَكُونُوا كُلّهمْ حَضَرُوا خُطْبَة أَبِي بَكْر يَوْم عَرَفَة فَطُفْت أَتَتَبَّع بِهَا الْفَسَاطِيط أَقْرَؤُهَا عَلَيْهِمْ فَمِنْ ثَمَّ أَخَال حَسِبْتُمْ أَنَّهُ يَوْم النَّحْر أَلَا وَهُوَ يَوْم عَرَفَة وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ أَبِي إسْحَاق : سَأَلْت أَبَا جُحَيْفَة عَنْ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر قَالَ : يَوْم عَرَفَة فَقُلْت أَمِنْ عِنْدك أَمْ مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ كُلّ فِي ذَلِكَ . وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق أَيْضًا عَنْ اِبْن جُرَيْج عَنْ عَطَاء قَالَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم عَرَفَة . وَقَالَ عَمْرو بْن الْوَلِيد السَّهْمِيّ حَدَّثَنَا شِهَاب بْن عَبَّاد الْبَصْرِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْت عُمَر بْن الْخَطَّاب يَقُول : هَذَا يَوْم عَرَفَة هَذَا يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر فَلَا يَصُومَنَّهُ أَحَد . قَالَ : فَحَجَجْت بَعْد أَبِي فَأَتَيْت الْمَدِينَة فَسَأَلْت عَنْ أَفْضَل أَهْلهَا فَقَالُوا سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فَأَتَيْته فَقُلْت إنِّي سَأَلْت عَنْ أَفْضَل الْمَدِينَة فَقَالُوا سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فَأَخْبِرْنِي عَنْ صَوْم يَوْم عَرَفَة فَقَالَ : أُخْبِرك عَمَّنْ هُوَ أَفْضَل مِنِّي مِائَة ضِعْف عُمَر أَوْ اِبْن عُمَر كَانَ يَنْهَى عَنْ صَوْمه وَيَقُول يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر رَوَاهُ اِبْن جَرِير وَابْن أَبِي حَاتِم وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَطَاوُس أَنَّهُمْ قَالُوا : يَوْم عَرَفَة هُوَ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ حَدِيث مُرْسَل رَوَاهُ اِبْن جُرَيْج أُخْبِرْت عَنْ مُحَمَّد بْن قَيْس عَنْ اِبْن مَخْرَمَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْم عَرَفَة .

فَقَالَ " هَذَا يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر " وَرُوِيَ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ اِبْن جُرَيْج عَنْ مُحَمَّد بْن قَيْس عَنْ الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَطَبَهُمْ بِعَرَفَاتٍ فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ " أَمَّا بَعْد فَإِنَّ هَذَا يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر " . وَالْقَوْل الثَّانِي أَنَّهُ يَوْم النَّحْر . قَالَ هُشَيْم عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر وَقَالَ أَبُو إسْحَاق السَّبِيعِيّ عَنْ الْحَارِث الْأَعْوَر سَأَلْت عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر فَقَالَ : هُوَ يَوْم النَّحْر وَقَالَ شُعْبَة عَنْ الْحَكَم سَمِعْت يَحْيَى بْن الْجَزَّار يُحَدِّث عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْم النَّحْر عَلَى بَغْلَة بَيْضَاء يُرِيد الْجَبَّانَة فَجَاءَ رَجُل فَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابَّته فَسَأَلَهُ عَنْ الْحَجّ الْأَكْبَر فَقَالَ : هُوَ يَوْمك هَذَا خَلّ سَبِيلهَا وَقَالَ عَبْد الرَّازِق عَنْ سُفْيَان عَنْ شُعْبَة عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي أَوْفَى أَنَّهُ قَالَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر وَرَوَى شُعْبَة وَغَيْره عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر بِهِ نَحْوه وَهَكَذَا رَوَاهُ هُشَيْم وَغَيْره عَنْ الشَّيْبَانِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي أَوْفَى وَقَالَ الْأَعْمَش عَنْ عَبْد اللَّه بْن سِنَان قَالَ : خَطَبَنَا الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة يَوْم الْأَضْحَى عَلَى بَعِير فَقَالَ : هَذَا يَوْم الْأَضْحَى وَهَذَا يَوْم النَّحْر وَهَذَا يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر وَقَالَ حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ سِمَاك بْن جُبَيْر وَعَبْد اللَّه بْن شَدَّاد بْن الْهَادِ وَنَافِع بْن جُبَيْر بْن مُطْعَم وَالشَّعْبِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَأَبِي جَعْفَر الْبَاقِر وَالزُّهْرِيّ وَعَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم أَنَّهُمْ قَالُوا : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر هُوَ يَوْم النَّحْر وَاخْتَارَهُ اِبْن جَرِير وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيث عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ أَنَّ أَبَا بَكْر بَعَثَهُمْ يَوْم النَّحْر يُؤَذِّنُونَ بِمِنًى وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيث أُخَر كَمَا قَالَ الْإِمَام أَبُو جَعْفَر بْن جَرِير : حَدَّثَنِي سَهْل بْن مُحَمَّد الْحَسَّانِيّ حَدَّثَنَا أَبُو جَابِر الْحَرْثِيّ حَدَّثَنَا هِشَام بْن الْغَازِي الْجُرَشِيّ عَنْ نَفَّاع عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : وَقَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم النَّحْر عِنْد الْجَمَرَات فِي حَجَّة الْوَدَاع فَقَالَ هَذَا يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر وَهَكَذَا رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم وَابْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيث اِبْن جَابِر وَاسْمه مُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك بِهِ , وَرَوَاهُ اِبْن مَرْدَوَيْهِ أَيْضًا مِنْ حَدِيث الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ هِشَام اِبْن الْغَازِي بِهِ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيث سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْ نَافِع بِهِ .

وَقَالَ شُعْبَة عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة الْهَمْدَانِيّ عَنْ رَجُل مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَة حَمْرَاء مُخَضْرَمَة فَقَالَ : أَتَدْرُونَ أَيّ يَوْم يَوْمكُمْ هَذَا ؟ قَالُوا يَوْم النَّحْر قَالَ : صَدَقْتُمْ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر . وَقَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْمِقْدَام حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع حَدَّثَنَا اِبْن عَوْن عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِين عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْرَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ : لَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْم قَعَدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعِير لَهُ وَأَخَذَ النَّاس بِخِطَامِهِ أَوْ زِمَامِه فَقَالَ أَيّ يَوْم هَذَا ؟ قَالَ فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اِسْمه فَقَالَ : أَلَيْسَ هَذَا يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر ؟ وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَأَصْله مُخَرَّج فِي الصَّحِيح . وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَص عَنْ شَبِيب عَنْ عُرْوَة عَنْ سُلَيْمَان بْن عَمْرو بْن الْأَحْوَص عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّة الْوَدَاع فَقَالَ : أَيّ يَوْم هَذَا ؟ فَقَالُوا الْيَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر وَعَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَنَّهُ قَالَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر الْيَوْم الثَّانِي مِنْ يَوْم النَّحْر رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم وَقَالَ مُجَاهِد أَيْضًا يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر أَيَّام الْحَجّ كُلّهَا وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة قَالَ سُفْيَان : يَوْم الْحَجّ وَيَوْم الْجَمَل وَيَوْم صِفِّين أَيْ أَيَّامه كُلّهَا . وَقَالَ سَهْل السَّرَّاج سُئِلَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ عَنْ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر فَقَالَ : مَا لَكُمْ وَلِلْحَجِّ الْأَكْبَر ؟ ذَاكَ عَام حَجَّ فِيهِ أَبُو بَكْر الَّذِي اِسْتَخْلَفَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَجَّ النَّاس رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَة عَنْ اِبْن عَوْن سَأَلْت مُحَمَّدًا يَعْنِي اِبْن سِيرِين عَنْ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر فَقَالَ كَانَ يَوْمًا وَافَقَ فِيهِ حَجّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَجّ أَهْل الْوَبَر .

إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ

هَذَا اِسْتِثْنَاء مِنْ ضَرْب مُدَّة التَّأْجِيل بِأَرْبَعَةِ أَشْهُر لِمَنْ لَهُ عَهْد مُطْلَق لَيْسَ بِمُؤَقَّتٍ فَأَجَله أَرْبَعَة أَشْهُر يَسِيح فِي الْأَرْض يَذْهَب فِيهَا لِيَنْجُوَ بِنَفْسِهِ حَيْثُ شَاءَ إِلَّا مَنْ لَهُ عَهْد مُؤَقَّت فَأَجَله إِلَى مُدَّته الْمَضْرُوبَة الَّتِي عُوهِدَ عَلَيْهَا وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْأَحَادِيث وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْد مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَهْده إِلَى مُدَّته وَذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْقُض الْمُعَاهِد عَهْده وَلَمْ يُظَاهِر عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَحَدًا أَيْ يُمَالِئ عَلَيْهِمْ مَنْ سِوَاهُمْ فَهَذَا الَّذِي يُوَفَّى لَهُ بِذِمَّتِهِ وَعَهْده إِلَى مُدَّته . وَلِهَذَا حَرَّضَ تَعَالَى عَلَى الْوَفَاء بِذَلِكَ فَقَالَ " إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُتَّقِينَ " أَيْ الْمُوفِينَ بِعَهْدِهِمْ .

فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

اِخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَاد بِالْأَشْهُرِ الْحُرُم هَهُنَا مَا هِيَ فَذَهَبَ اِبْن جَرِير إِلَى أَنَّهَا الْمَذْكُورَة فِي قَوْله تَعَالَى " مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ " الْآيَة قَالَهُ أَبُو جَعْفَر الْبَاقِر وَلَكِنْ قَالَ اِبْن جَرِير : آخِر الْأَشْهُر الْحُرُم فِي حَقّهمْ الْمُحَرَّم وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ حَكَاهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الضَّحَّاك أَيْضًا وَفِيهِ نَظَر وَاَلَّذِي يَظْهَر مِنْ حَيْثُ السِّيَاق مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ اِبْن عَبَّاس فِي رِوَايَة الْعَوْفِيّ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ مُجَاهِد وَعَمْرو بْن شُعَيْب وَمُحَمَّد بْن إِسْحَاق وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ وَعَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم أَنَّ الْمُرَاد بِهَا أَشْهُر التَّسْيِير الْأَرْبَعَة الْمَنْصُوص عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ " فَسِيحُوا فِي الْأَرْض أَرْبَعَة أَشْهُر " ثُمَّ قَالَ " فَإِذَا اِنْسَلَخَ الْأَشْهُر الْحُرُم " أَيْ إِذَا اِنْقَضَتْ الْأَشْهُر الْأَرْبَعَة الَّتِي حَرَّمْنَا عَلَيْكُمْ فِيهَا قِتَالهمْ وَأَجَّلْنَاهُمْ فِيهَا فَحَيْثُمَا وَجَدْتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ لِأَنَّ عَوْد الْعَهْد عَلَى مَذْكُور أَوْلَى مِنْ مُقَدَّر ثُمَّ إِنَّ الْأَشْهُر الْأَرْبَعَة الْمُحَرَّمَة سَيَأْتِي بَيَان حُكْمهَا فِي آيَة أُخْرَى بَعْد فِي هَذِهِ السُّورَة الْكَرِيمَة وَقَوْله " فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ " أَيْ مِنْ الْأَرْض وَهَذَا عَامّ وَالْمَشْهُور تَخْصِيصه بِتَحْرِيمِ الْقِتَال فِي الْحَرَم بِقَوْلِهِ " وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ " وَقَوْله " وَخُذُوهُمْ " أَيْ وَأْسِرُوهُمْ إِنْ شِئْتُمْ قَتْلًا وَإِنْ شِئْتُمْ أَسْرًا وَقَوْله " وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصَد " أَيْ لَا تَكْتَفُوا بِمُجَرَّدِ وِجْدَانكُمْ لَهُمْ بَلْ اِقْصِدُوهُمْ بِالْحِصَارِ فِي مَعَاقِلهمْ وَحُصُونهمْ وَالرَّصْد فِي طُرُقهمْ وَمَسَالِكهمْ حَتَّى تُضَيِّقُوا عَلَيْهِمْ الْوَاسِع وَتَضْطَرُّوهُمْ إِلَى الْقَتْل أَوْ الْإِسْلَام وَلِهَذَا قَالَ " فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتَوْا الزَّكَاة فَخَلُّوا سَبِيلهمْ إِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم " وَلِهَذَا اِعْتَمَدَ الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي قِتَال مَانِعِي الزَّكَاة عَلَى هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة وَأَمْثَالهَا حَيْثُ حَرَّمَتْ قِتَالهمْ بِشَرْطِ هَذِهِ الْأَفْعَال وَهِيَ الدُّخُول فِي الْإِسْلَام وَالْقِيَام بِأَدَاءِ وَاجِبَاته وَنُبِّهَ بِأَعْلَاهَا عَلَى أَدْنَاهَا فَإِنَّ أَشْرَفَ أَرْكَان الْإِسْلَام بَعْد الشَّهَادَتَيْنِ الصَّلَاة الَّتِي هِيَ حَقّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَبَعْدهَا أَدَاء الزَّكَاة الَّتِي هِيَ نَفْع مُتَعَدٍّ إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَحَاوِيج وَهِيَ أَشْرَف الْأَفْعَال الْمُتَعَلِّقَة بِالْمَخْلُوقِينَ وَلِهَذَا كَثِيرًا مَا يَقْرِن اللَّه بَيْن الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه وَيُقِيمُوا الصَّلَاة وَيُؤْتُوا الزَّكَاة " الْحَدِيث

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق عَنْ أَبِي عُبَيْدَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : أُمِرْتُمْ بِإِقَامِ الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة وَمَنْ لَمْ يُزَكِّ فَلَا صَلَاة لَهُ . وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم أَبَى اللَّه أَنْ يَقْبَل الصَّلَاة إِلَّا بِالزَّكَاةِ وَقَالَ يَرْحَم اللَّه أَبَا بَكْر مَا كَانَ أَفْقَهه . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن إِسْحَاق أَنْبَأَنَا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك أَنْبَأَنَا حُمَيْد الطَّوِيل عَنْ أَنَس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه ; فَإِذَا شَهِدُوا أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتنَا وَأَكَلُوا ذَبِيحَتنَا وَصَلَّوْا صَلَاتنَا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا ; لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ " وَرَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَأَهْل السُّنَن إِلَّا اِبْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك بِهِ . وَقَالَ الْإِمَام أَبُو جَعْفَر بْن جَرِير حَدَّثَنَا عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل الْأَسَدِيّ حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا عَلَى الْإِخْلَاص لِلَّهِ وَحْده وَعِبَادَته لَا يُشْرِك بِهِ شَيْئًا فَارَقَهَا وَاَللَّه عَنْهُ رَاضٍ " قَالَ وَقَالَ أَنَس : هُوَ دِين اللَّه الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُل وَبَلَّغُوهُ عَنْ رَبّهمْ قَبْل هَرْج الْأَحَادِيث وَاخْتِلَاف الْأَهْوَاء وَتَصْدِيق ذَلِكَ فِي كِتَاب اللَّه فِي آخِر مَا أُنْزِلَ قَالَ اللَّه تَعَالَى " فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتَوْا الزَّكَاة فَخَلُّوا سَبِيلهمْ " قَالَ : تَوْبَتهمْ خَلْع الْأَوْثَان وَعِبَادَة رَبّهمْ وَإِقَام الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة ثُمَّ قَالَ فِي آيَة أُخْرَى " فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتَوْا الزَّكَاة فَإِخْوَانكُمْ فِي الدِّين " وَرَوَاهُ اِبْن مَرْدَوَيْهِ وَرَوَاهُ مُحَمَّد بْن نَصْر الْمَرُّوذِيّ فِي كِتَاب الصَّلَاة لَهُ .

حَدَّثَنَا إسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم أَنْبَأَنَا حَكَّام بْن سَلَمَة حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ بِهِ سَوَاء وَهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة هِيَ آيَة السَّيْف الَّتِي قَالَ فِيهَا الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم أَنَّهَا نَسَخَتْ كُلّ عَهْد بَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن أَحَد مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَكُلّ عَقْد وَكُلّ مُدَّة وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة : لَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَهْد وَلَا ذِمَّة مُنْذُ نَزَلَتْ بَرَاءَة وَانْسِلَاخ الْأَشْهُر الْحُرُم وَمُدَّة مَنْ كَانَ لَهُ عَهْد مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَبْل أَنْ تَنْزِل بَرَاءَة أَرْبَعَة أَشْهُر مِنْ يَوْم أَذَّنَ بِبَرَاءَة إِلَى عَشْر مِنْ أَوَّل شَهْر رَبِيع الْآخِر وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة قَالَ : أَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَضَع السَّيْف فِيمَنْ عَاهَدَ إِنْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَام وَنَقْض مَا كَانَ سُمِّيَ لَهُمْ مِنْ الْعَقْد وَالْمِيثَاق وَأَذْهَبَ الشَّرْط الْأَوَّل وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا إسْحَاق بْن مُوسَى الْأَنْصَارِيّ قَالَ : قَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب : بُعِثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعَةِ أَسْيَاف سَيْف فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْعَرَب قَالَ اللَّه تَعَالَى " فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ " هَكَذَا رَوَاهُ مُخْتَصَرًا وَأَظُنّ أَنَّ السَّيْف الثَّانِي هُوَ قِتَال أَهْل الْكِتَاب لِقَوْلِهِ تَعَالَى " قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله وَلَا يَدِينُونَ دِين الْحَقّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة عَنْ يَد وَهُمْ صَاغِرُونَ " " وَالسَّيْف الثَّالِث " قِتَال الْمُنَافِقِينَ فِي قَوْله " يَا أَيّهَا النَّبِيّ جَاهِدْ الْكُفَّار وَالْمُنَافِقِينَ " الْآيَة . " وَالرَّابِع " قِتَال الْبَاغِينَ فِي قَوْله " وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنهمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيء إِلَى أَمْر اللَّه " ثُمَّ اِخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي آيَة السَّيْف هَذِهِ فَقَالَ الضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ هِيَ مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى " فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فَدَاء " وَقَالَ قَتَادَة بِالْعَكْسِ .

وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ

يَقُول تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ " وَإِنْ أَحَد مِنْ الْمُشْرِكِينَ " الَّذِينَ أَمَرْتُك بِقِتَالِهِمْ وَأَحْلَلْت لَك اِسْتِبَاحَة نُفُوسهمْ وَأَمْوَالهمْ " اِسْتَجَارَك " أَيْ اِسْتَأْمَنَك فَأَجِبهُ إِلَى طِلْبَته حَتَّى يَسْمَع كَلَام اللَّه أَيْ الْقُرْآن تَقْرَؤُهُ عَلَيْهِ وَتَذْكُر لَهُ شَيْئًا مِنْ أَمْر الدِّين تُقِيم بِهِ عَلَيْهِ حُجَّة اللَّه " ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنه " أَيْ وَهُوَ آمِن مُسْتَمِرّ الْأَمَان حَتَّى يَرْجِع إِلَى بِلَاده وَدَاره وَمَأْمَنه " ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَعْلَمُونَ " أَيْ إِنَّمَا شَرَعْنَا أَمَان مِثْل هَؤُلَاءِ لِيَعْلَمُوا دِين اللَّه وَتَنْتَشِر دَعْوَة اللَّه فِي عِبَاده وَقَالَ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة قَالَ : إِنْسَان يَأْتِيك لِيَسْمَع مَا تَقُول وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْك فَهُوَ آمِن حَتَّى يَأْتِيك فَتُسْمِعهُ كَلَام اللَّه وَحَتَّى يَبْلُغ مَأْمَنه حَيْثُ جَاءَ وَمِنْ هَذَا كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي الْأَمَان لِمَنْ جَاءَهُ مُسْتَرْشِدًا أَوْ فِي رِسَالَة كَمَا جَاءَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة جَمَاعَة مِنْ الرُّسُل مِنْ قُرَيْش مِنْهُمْ عُرْوَة بْن مَسْعُود وَمِكْرَز بْن حَفْص وَسُهَيْل بْن عَمْرو وَغَيْرهمْ وَاحِدًا بَعْد وَاحِد يَتَرَدَّدُونَ فِي الْقَضِيَّة بَيْنه وَبَيْن الْمُشْرِكِينَ فَرَأَوْا مِنْ إِعْظَام الْمُسْلِمِينَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَهَرَهُمْ وَمَا لَمْ يُشَاهِدُوهُ عِنْد مَلِك وَلَا قَيْصَر فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمهمْ وَأَخْبَرُوهُمْ بِذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ وَأَمْثَاله مِنْ أَكْبَر أَسْبَاب هِدَايَة أَكْثَرهمْ وَلِهَذَا أَيْضًا لَمَّا قَدِمَ رَسُول مُسَيْلِمَة الْكَذَّاب عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ أَتَشْهَدُ أَنَّ مُسَيْلِمَة رَسُول اللَّه ؟ قَالَ نَعَمْ . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا أَنَّ الرُّسُل لَا تُقْتَل لَضَرَبْت عُنُقك . وَقَدْ قَيَّضَ اللَّه لَهُ ضَرْب الْعُنُق فِي إِمَارَة اِبْن مَسْعُود عَلَى الْكُوفَة وَكَانَ يُقَال لَهُ اِبْن النَّوَّاحَة ظَهَرَ عَنْهُ فِي زَمَان اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ يَشْهَد لِمُسَيْلِمَة بِالرِّسَالَةِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ اِبْن مَسْعُود فَقَالَ لَهُ إِنَّك الْآن لَسْت فِي رِسَالَة وَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقه لَا رَحِمَهُ اللَّه وَلَعَنَهُ وَالْغَرَض أَنَّ مَنْ قَدِمَ مِنْ دَار الْحَرْب إِلَى دَار الْإِسْلَام فِي أَدَاء رِسَالَة أَوْ تِجَارَة أَوْ طَلَب صُلْح أَوْ مُهَادَنَة أَوْ حَمْل جِزْيَة أَوْ نَحْو ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَاب وَطَلَبَ مِنْ الْإِمَام أَوْ نَائِبه أَمَانًا أُعْطِيَ أَمَانًا مَادَامَ مُتَرَدِّدًا فِي دَار الْإِسْلَام وَيَجُوز أَنْ يُمَكَّن مِنْ إِقَامَة أَرْبَعَة أَشْهُر وَفِيمَا بَيْن ذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى أَرْبَعَة أَشْهُر وَنَقَصَ عَنْ سَنَة قَوْلَانِ عَنْ الْإِمَام الشَّافِعِيّ وَغَيْره مِنْ الْعُلَمَاء رَحِمَهُمْ اللَّه .

كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7)
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ

بَيَّنَ تَعَالَى حِكْمَته فِي الْبَرَاءَة مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَنَظِرَته إِيَّاهُمْ أَرْبَعَة أَشْهُر ثُمَّ بَعْد ذَلِكَ السَّيْف الْمُرْهَف أَيْنَ ثُقِفُوا فَقَالَ تَعَالَى " كَيْف يَكُون لِلْمُشْرِكِينَ عَهْد " أَيْ أَمَان وَيُتْرَكُونَ فِيمَا هُمْ فِيهِ وَهُمْ مُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ كَافِرُونَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ " إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام " يَعْنِي يَوْم الْحُدَيْبِيَة كَمَا قَالَ تَعَالَى " هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام وَالْهَدْي مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغ مَحِلّه " الْآيَة " فَمَا اِسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ " أَيْ مَهْمَا تَمَسَّكُوا بِمَا عَاقَدْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ وَعَاهَدْتُمُوهُمْ مِنْ تَرْك الْحَرْب بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ عَشْر سِنِينَ " فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُتَّقِينَ " وَقَدْ فَعَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ . اِسْتَمَرَّ الْعَقْد وَالْهُدْنَة مَعَ أَهْل مَكَّة مِنْ ذِي الْقَعْدَة فِي سَنَة سِتّ إِلَى أَنْ نَقَضَتْ قُرَيْش الْعَهْد وَمَالَئُوا حُلَفَاءَهُمْ وَهُمْ بَنُو بَكْر عَلَى خُزَاعَة أَحْلَاف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلُوهُمْ مَعَهُمْ فِي الْحَرَام أَيْضًا فَعِنْد ذَلِكَ غَزَاهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَان سَنَة ثَمَان فَفَتَحَ اللَّه عَلَيْهِ الْبَلَد الْحَرَام وَمَكَّنَهُ مِنْ نَوَاصِيهمْ وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة فَأَطْلَقَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ بَعْد الْقَهْر وَالْغَلَبَة عَلَيْهِمْ فَسُمُّوا الطُّلَقَاء وَكَانُوا قَرِيبًا مِنْ أَلْفَيْنِ وَمَنْ اِسْتَمَرَّ عَلَى كُفْره وَفَرَّ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَيْهِ بِالْأَمَانِ وَالتَّسْيِير فِي الْأَرْض أَرْبَعَة أَشْهُر يَذْهَب حَيْثُ شَاءَ وَمِنْهُمْ صَفْوَان بْن أُمَيَّة وَعِكْرِمَة بْن أَبِي جَهْل وَغَيْرهمَا ثُمَّ هَدَاهُمْ اللَّه بَعْد ذَلِكَ إِلَى الْإِسْلَام التَّامّ وَاَللَّه الْمَحْمُود عَلَى جَمِيع مَا يُقَدِّرهُ وَيَفْعَلهُ .

كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8)
كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ

يَقُول تَعَالَى مُحَرِّضًا لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى مُعَادَاتهمْ وَالتَّبَرُّؤِ مِنْهُمْ وَمُبَيِّنًا أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ أَنْ يَكُون لَهُمْ عَهْد لِشِرْكِهِمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَكُفْرهمْ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُمْ لَوْ ظَهَرُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأُدِيلُوا عَلَيْهِمْ لَمْ يُبْقُوا وَلَمْ يَذَرُوا وَلَا رَاقَبُوا فِيهِمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّة قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة وَعِكْرِمَة وَالْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس : الْإلّ الْقَرَابَة وَالذِّمَّة الْعَهْد وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ كَمَا قَالَ تَمِيم بْن مُقْبِل : أَفْسَدَ النَّاس خُلُوف خَلَفُوا ... قَطَعُوا الْإِلّ وَأَعْرَاق الرَّحِم وَقَالَ حَسَّان بْن ثَابِت رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : وَجَدْنَاهُمْ كَاذِبًا إلُّهُمْ ... وَذُو الْإِلّ وَالْعَهْد لَا يَكْذِب وَقَالَ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِن إِلًّا : قَالَ إِلَّا اللَّه , وَفِي رِوَايَة لَا يَرْقُبُونَ اللَّه وَلَا غَيْره وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنِي يَعْقُوب حَدَّثَنَا اِبْن عُلَيَّة عَنْ سُلَيْمَان عَنْ أَبِي مِجْلَز فِي قَوْله تَعَالَى " لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِن إِلًّا وَلَا ذِمَّة " مِثْل قَوْله جِبْرِيل مِيكَائِيل إِسْرَافِيل كَأَنَّهُ يَقُول لَا يَرْقُبُونَ اللَّه وَالْقَوْل الْأَوَّل أَظْهَر وَأَشْهَر وَعَلَيْهِ الْأَكْثَر . وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا الْإِلّ الْعَهْد . وَقَالَ قَتَادَة الْإِلّ الْحَلِف .

اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9)
اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

يَقُول تَعَالَى ذَمًّا لِلْمُشْرِكِينَ وَحَثًّا لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى قِتَالهمْ " اِشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّه ثَمَنًا قَلِيلًا " يَعْنِي أَنَّهُمْ اعْتَاضُوا عَنْ اِتِّبَاع آيَات اللَّه بِمَا اِلْتَهَوْا بِهِ مِنْ أُمُور الدُّنْيَا الْخَسِيسَة " فَصَدُّوا عَنْ سَبِيله " أَيْ مَنَعُوا الْمُؤْمِنِينَ مِنْ اِتِّبَاع الْحَقّ .



 توقيع : شيخة رواية

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
قديم 04-14-2019   #2



 عضويتي » 726
 اشراقتي ♡ » Jul 2018
 كُـنتَ هُـنا » منذ 2 ساعات (07:17 AM)
موآضيعي » 17453
آبدآعاتي » 2,166,405
 تقييمآتي » 1567990
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
 حالتي الآن »
آلقسم آلمفضل  » العآم♡
آلعمر  » 24سنة
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط ♡
تم شكري »  29,498
شكرت » 11,217
الاعجابات المتلقاة » 1422
الاعجابات المُرسلة » 3992
 التقييم » شيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مُتنفسي هنا » مُتنفسي هنا
مَزآجِي  »  فديتك_ياغلاهم
 
قَدَاسَة طُهِّرَ | | أَوْسِمَتِي | |
وسآم || - نُشطاء روآية عشق  


/ نقاط: 0

وسآم || مشاركين..توقعات كاس امم اسيا  


/ نقاط: 0

♥ وسام |وجودك سعادة ●  


/ نقاط: 0

وسآم - ♥ | سنة حلوة عليكم آل رواية 2024  


/ نقاط: 0

وسآم -|| ♥| تكريم نشطآء الاسبوع ●  


/ نقاط: 0

  كل الاوسمة: 68

شيخة رواية متواجد حالياً

افتراضي



لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)
لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ

" إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِن إِلًّا وَلَا ذِمَّة " وَلَا رَاقَبُوا فِيهِمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّة قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة وَعِكْرِمَة وَالْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس : الْإلّ الْقَرَابَة وَالذِّمَّة الْعَهْد وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ كَمَا قَالَ تَمِيم بْن مُقْبِل : أَفْسَدَ النَّاس خُلُوف خَلَفُوا ... قَطَعُوا الْإِلّ وَأَعْرَاق الرَّحِم وَقَالَ حَسَّان بْن ثَابِت رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : وَجَدْنَاهُمْ كَاذِبًا إِلُّهُمْ ... وَذُو الْإِلّ وَالْعَهْد لَا يَكْذِب وَقَالَ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِن إِلًّا : قَالَ الْإلّ اللَّه , وَفِي رِوَايَة لَا يَرْقُبُونَ اللَّه وَلَا غَيْره وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنِي يَعْقُوب حَدَّثَنَا اِبْن عُلَيَّة عَنْ سُلَيْمَان عَنْ أَبِي مِجْلَز فِي قَوْله تَعَالَى " لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِن إِلًّا وَلَا ذِمَّة " مِثْل قَوْله جِبْرِيل مِيكَائِيل إِسْرَافِيل كَأَنَّهُ يَقُول لَا يَرْقُبُونَ اللَّه وَالْقَوْل الْأَوَّل أَظْهَر وَأَشْهَر وَعَلَيْهِ الْأَكْثَر . وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا الْإِلّ الْعَهْد . وَقَالَ قَتَادَة الْإِلّ الْحَلِف .

فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)
فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

وَكَذَا الْآيَة الَّتِي بَعْدهَا " فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة " إِلَى آخِرهَا تَقَدَّمَتْ وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بَكْر الْبَزَّار : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي بَكْر حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ حَدَّثَنَا الرَّبِيع بْن أَنَس قَالَ : سَمِعْت أَنَس بْن مَالِك يَقُول قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا عَلَى الْإِخْلَاص لِلَّهِ وَعِبَادَته لَا يُشْرِك بِهِ وَأَقَامَ الصَّلَاة وَآتَى الزَّكَاة فَارَقَهَا وَاَللَّه عَنْهُ رَاضٍ " وَهُوَ دِين اللَّه الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُل وَبَلَّغُوهُ عَنْ رَبّهمْ قَبْل هَرْج الْأَحَادِيث وَاخْتِلَاف الْأَهْوَاء وَتَصْدِيق ذَلِكَ فِي كِتَاب اللَّه " فَإِنْ تَابُوا " يَقُول فَإِنْ خَلَعُوا الْأَوْثَان وَعِبَادَتهَا " وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتَوْا الزَّكَاة فَخَلُّوا سَبِيلهمْ " وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى " فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتَوْا الزَّكَاة فَإِخْوَانكُمْ فِي الدِّين " ثُمَّ قَالَ الْبَزَّار : آخِر الْحَدِيث عِنْدِي وَاَللَّه أَعْلَم فَارَقَهَا وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ وَبَاقِيه عِنْدِي مِنْ كَلَام الرَّبِيع بْن أَنَس .

وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)
وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ

يَقُول تَعَالَى " وَإِنْ نَكَثَ " هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ عَاهَدْتُمُوهُمْ عَلَى مُدَّة مُعَيَّنَة أَيْمَانهمْ أَيْ عُهُودهمْ وَمَوَاثِيقهمْ " وَطَعَنُوا فِي دِينكُمْ " أَيْ عَابُوهُ وَانْتَقَصُوهُ وَمِنْ هَهُنَا أُخِذَ قَتْل مَنْ سَبَّ الرَّسُول صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ أَوْ مَنْ طَعَنَ فِي دِين الْإِسْلَام أَوْ ذَكَرَهُ بِنَقْصٍ وَلِهَذَا قَالَ : " فَقَاتِلُوا أَئِمَّة الْكُفْر إِنَّهُمْ لَا أَيْمَان لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ " أَيْ يَرْجِعُونَ عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ الْكُفْر وَالْعِنَاد وَالضَّلَال وَقَدْ قَالَ قَتَادَة وَغَيْره : أَئِمَّة الْكُفْر كَأَبِي جَهْل وَعُتْبَة وَشَيْبَة وَأُمَيَّة بْن خَلَف وَعَدَّدَ رِجَالًا وَعَنْ مَصْعَب بْن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص قَالَ : مَرَّ سَعِيد بْن أَبِي وَقَّاص بِرَجُلٍ مِنْ الْخَوَارِج فَقَالَ الْخَارِجِيّ : هَذَا مِنْ أَئِمَّة الْكُفْر فَقَالَ سَعْد : كَذَبَتْ بَلْ أَنَا قَاتَلْت أَئِمَّة الْكُفْر رَوَاهُ اِبْن مَرْدَوَيْهِ وَقَالَ الْأَعْمَش عَنْ زَيْد بْن وَهْب عَنْ حُذَيْفَة أَنَّهُ قَالَ : مَا قُوتِلَ أَهْل هَذِهِ الْآيَة بَعْد وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِثْله وَالصَّحِيح أَنَّ الْآيَة عَامَّة وَإِنْ كَانَ سَبَب نُزُولهَا مُشْرِكِي قُرَيْش فَهِيَ عَامَّة لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ وَاَللَّه أَعْلَم وَقَالَ الْوَلِيد بْن مُسْلِم : حَدَّثَنَا صَفْوَان بْن عَمْرو عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر بْن نُفَيْر أَنَّهُ كَانَ فِي عَهْد أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِلَى النَّاس حِين وَجَّهَهُمْ إِلَى الشَّام قَالَ إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ قَوْمًا مُجَوَّفَة رُءُوسهمْ فَاضْرِبُوا مَعَاقِد الشَّيْطَان مِنْهُمْ بِالسُّيُوفِ فَوَاَللَّهِ لَأَنْ أَقْتُل رَجُلًا مِنْهُمْ أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُل سَبْعِينَ مِنْ غَيْرهمْ وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه يَقُول " فَقَاتِلُوا أَئِمَّة الْكُفْر " رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم .

أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13)
أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

وَهَذَا أَيْضًا تَهْيِيج وَتَحْضِيض وَإِغْرَاء عَلَى قِتَال الْمُشْرِكِينَ النَّاكِثِينَ بِأَيْمَانِهِمْ الَّذِينَ هَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُول مِنْ مَكَّة كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَإِذْ يَمْكُر بِك الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوك أَوْ يَقْتُلُوك أَوْ يُخْرِجُوك وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُر اللَّه وَاَللَّه خَيْر الْمَاكِرِينَ " وَقَالَ تَعَالَى " يُخْرِجُونَ الرَّسُول وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ رَبّكُمْ " الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَك مِنْ الْأَرْض لِيُخْرِجُوك مِنْهَا " الْآيَة وَقَوْله " وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّل مَرَّة " قِيلَ الْمُرَاد بِذَلِكَ يَوْم بَدْر حِين خَرَجُوا لِنَصْرِ عِيرهمْ فَلَمَّا نَجَتْ وَعَلِمُوا بِذَلِكَ اِسْتَمَرُّوا عَلَى وَجْههمْ طَلَبًا لِلْقِتَالِ بَغْيًا وَتَكَبُّرًا كَمَا تَقَدَّمَ بَسْط ذَلِكَ وَقِيلَ الْمُرَاد نَقْضهمْ الْعَهْد وَقِتَالهمْ مَعَ حُلَفَائِهِمْ بَنِي بَكْر لِخُزَاعَة أَحْلَاف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَارَ إِلَيْهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام الْفَتْح وَكَانَ مَا كَانَ وَاَللَّه أَعْلَم وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة . وَقَوْله " أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاَللَّه أَحَقّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " يَقُول تَعَالَى لَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ فَأَنَا أَهْل أَنْ يَخْشَى الْعِبَاد مِنْ سَطْوَتِي وَعُقُوبَتِي فَبِيَدِي الْأَمْر وَمَا شِئْت كَانَ وَمَا لَمْ أَشَأْ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى عَزِيمَة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَبَيَانًا لِحِكْمَتِهِ فِيمَا شَرَعَ لَهُمْ مِنْ الْجِهَاد مَعَ قُدْرَته عَلَى إِهْلَاك الْأَعْدَاء بِأَمْرٍ مِنْ عِنْده .

قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14)
قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ

" قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبهُمْ اللَّه بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُركُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُور قَوْم مُؤْمِنِينَ " وَهَذَا عَامّ فِي الْمُؤْمِنِينَ كُلّهمْ وَقَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَالسُّدِّيّ فِي هَذِهِ الْآيَة " وَيَشْفِ صُدُور قَوْم مُؤْمِنِينَ " يَعْنِي خُزَاعَة .

وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

وَأَعَادَ الضَّمِير فِي قَوْله " وَيُذْهِب غَيْظ قُلُوبهمْ " عَلَيْهِمْ أَيْضًا . وَقَدْ ذَكَرَ اِبْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمَة مُؤَذِّن لِعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ مُسْلِم بْن يَسَار عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَضِبَتْ أَخَذَ بِأَنْفِهَا وَقَالَ " يَا عُوَيْش قُولِي اللَّهُمَّ رَبّ النَّبِيّ مُحَمَّد اِغْفِرْ ذَنْبِي وَأَذْهِبْ غَيْظ قَلْبِي وَأَجِرْنِي مِنْ مُضِلَّات الْفِتَن " سَاقَهُ مِنْ طَرِيق أَبِي أَحْمَد الْحَاكِم عَنْ الْبَاغَنْدِيّ عَنْ هِشَام بْن عَمَّار حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الْجَوْزَاء عَنْهُ " وَيَتُوب اللَّه عَلَى مَنْ يَشَاء " أَيْ مِنْ عِبَاده " وَاَللَّه عَلِيم " أَيْ بِمَا يُصْلِح عِبَاده " حَكِيم " فِي أَفْعَاله وَأَقْوَاله الْكَوْنِيَّة وَالشَّرْعِيَّة فَيَفْعَل مَا يَشَاء . وَيْحكُمْ مَا يُرِيد وَهُوَ الْعَادِل الْحَاكِم الَّذِي لَا يَجُور أَبَدًا وَلَا يُضَيِّع مِثْقَال ذَرَّة مِنْ خَيْر وَشَرّ بَلْ يُجَازِي عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة .

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

يَقُول تَعَالَى : " أَمْ حَسِبْتُمْ " أَيّهَا الْمُؤْمِنِينَ أَنْ نَتْرُككُمْ مُهْمَلِينَ لَا نَخْتَبِركُمْ بِأُمُورٍ يَظْهَر فِيهَا أَهْل الْعَزْم الصَّادِق مِنْ الْكَاذِب وَلِهَذَا قَالَ " وَلَمَّا يَعْلَم اللَّه الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُون اللَّه وَلَا رَسُوله وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَة " أَيْ بِطَانَة وَدَخِيلَة بَلْ هُمْ فِي الظَّاهِر وَالْبَاطِن عَلَى النُّصْح لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فَاكْتَفَى بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ عَنْ الْآخَر كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَمَا أَدْرِي إِذَا يَمَّمْت أَرْضًا ... أُرِيد الْخَيْر أَيّهمَا يَلِينِي وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى فِي الْآيَة الْأُخْرَى " الم أَحَسِبَ النَّاس أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّه الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ " وَقَالَ تَعَالَى " أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّة الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى " مَا كَانَ اللَّه لِيَذَر الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ " الْآيَة وَالْحَاصِل أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا شَرَعَ لِعِبَادِهِ الْجِهَاد بَيَّنَ أَنَّ لَهُ فِيهِ حِكْمَة وَهُوَ اِخْتِبَار عَبِيده مَنْ يُطِيعهُ مِمَّنْ يَعْصِيه وَهُوَ تَعَالَى الْعَالِم بِمَا كَانَ وَمَا يَكُون وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُون فَيَعْلَم الشَّيْء قَبْل كَوْنه وَمَعَ كَوْنه عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَلَا رَبّ سِوَاهُ وَلَا رَادّ لِمَا قَدَّرَهُ وَأَمْضَاهُ .

مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17)
مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ

يَقُول تَعَالَى : مَا يَنْبَغِي لِلْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِد اللَّه الَّتِي بُنِيَتْ عَلَى اِسْمه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَمَنْ قَرَأَ مَسْجِد اللَّه فَأَرَادَ بِهِ الْمَسْجِد الْحَرَام أَشْرَف الْمَسَاجِد فِي الْأَرْض الَّذِي بُنِيَ مِنْ أَوَّل يَوْم عَلَى عِبَادَة اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَأَسَّسَهُ خَلِيل الرَّحْمَن هَذَا وَهُمْ شَاهِدُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ بِالْكُفْرِ أَيْ بِحَالِهِمْ . وَقَالَ لَهُمْ كَمَا قَالَ السُّدِّيّ : لَوْ سَأَلْت النَّصْرَانِيّ مَا دِينك ؟ لَقَالَ نَصْرَانِيّ وَلَوْ سَأَلْت الْيَهُودِيّ مَا دِينك لَقَالَ يَهُودِيّ وَالصَّابِئِيّ لَقَالَ صَابِئِيّ وَالْمُشْرِك لَقَالَ مُشْرِك " أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالهمْ " أَيْ بِشِرْكِهِمْ " وَفِي النَّار هُمْ خَالِدُونَ " وَقَالَ تَعَالَى " وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ " .

إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " إِنَّمَا يَعْمُر مَسَاجِد اللَّه مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر " فَشَهِدَ تَعَالَى بِالْإِيمَانِ لِعُمَّار الْمَسَاجِد كَمَا قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا شُرَيْح حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب عَنْ عَمْرو بْن الْحَارِث أَنَّ دَرَّاجًا أَبَا السَّمْح حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي الْهَيْثَم عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُل يَعْتَاد الْمَسْجِد فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ " قَالَ تَعَالَى " إِنَّمَا يَعْمُر مَسَاجِد اللَّه مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر " وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَرْدَوَيْهِ وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن وَهْب بِهِ . وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن حُمَيْد فِي مُسْنَده حَدَّثَنَا يُونُس بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا صَالِح الْمُرِّيّ عَنْ ثَابِت الْبُنَانِيّ عَنْ مَيْمُون بْن سَيَّارَة وَجَعْفَر بْن زَيْد عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّمَا عُمَّار الْمَسَاجِد هُمْ أَهْل اللَّه " وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بَكْر الْبَزَّار عَنْ عَبْد الْوَاحِد بْن غِيَاث عَنْ صَالِح بْن بَشِير الْمُرِّيّ عَنْ ثَابِت عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا عُمَّار الْمَسَاجِد هُمْ أَهْل اللَّه .

ثُمَّ قَالَ : لَا نَعْلَم رَوَاهُ عَنْ ثَابِت غَيْر صَالِح وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد مِنْ طَرِيق حَكَّامَة بِنْت عُثْمَان بْن دِينَار عَنْ أَبِيهَا عَنْ أَخِيهِ مَالِك بْن دِينَار عَنْ أَنَس مَرْفُوعًا " إِذَا أَرَادَ اللَّه بِقَوْمٍ عَاهَة نَظَرَ إِلَى أَهْل الْمَسَاجِد فَصَرْف عَنْهُمْ " ثُمَّ قَالَ غَرِيب وَرَوَى الْحَافِظ الْبَهَائِيّ فِي الْمُسْتَقْصَى عَنْ أَبِيهِ بِسَنَدِهِ إِلَى أَبِي أُمَيَّة الطَّرَسُوسِيّ حَدَّثَنَا مَنْصُور بْن صُقَيْر حَدَّثَنَا صَالِح الْمُرِّيّ عَنْ ثَابِت عَنْ أَنَس مَرْفُوعًا يَقُول اللَّه : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي إِنِّي لَأَهُمّ بِأَهْلِ الْأَرْض عَذَابًا فَإِذَا نَظَرْت إِلَى عُمَّار بُيُوتِي وَإِلَى الْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَإِلَى الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ صَرَفْت ذَلِكَ عَنْهُمْ ثُمَّ قَالَ اِبْن عَسَاكِر : حَدِيث غَرِيب وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا رَوْح حَدَّثَنَا سَعِيد عَنْ قَتَادَة حَدَّثَنَا الْعَلَاء بْن زِيَاد عَنْ مُعَاذ بْن جَبَل أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِنَّ الشَّيْطَان ذِئْب الْإِنْسَان كَذِئْبِ الْغَنَم يَأْخُذ الشَّاة الْقَاصِيَة وَالنَّاحِيَة فَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَاب وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَالْعَامَّة وَالْمَسْجِد وَقَالَ عَبْد الرَّازِق عَنْ مَعْمَر عَنْ أَبِي إسْحَاق عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون الْأَوْدِيّ قَالَ : أَدْرَكْت أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ الْمَسَاجِد بُيُوت اللَّه فِي الْأَرْض وَإِنَّهُ حَقّ عَلَى اللَّه أَنْ يُكْرِم مَنْ زَارَهُ فِيهَا وَقَالَ الْمَسْعُودِيّ عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت وَعْدِي بْن ثَابِت عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ : مَنْ سَمِعَ النِّدَاء بِالصَّلَاةِ ثُمَّ لَمْ يُجِبْ وَلَمْ يَأْتِ الْمَسْجِد وَيُصَلِّي فَلَا صَلَاة لَهُ وَقَدْ عَصَى اللَّه وَرَسُوله قَالَ اللَّه تَعَالَى " إِنَّمَا يَعْمُر مَسَاجِد اللَّه مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر " الْآيَة رَوَاهُ اِبْن مَرْدَوَيْهِ . وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ وَجْه آخَر وَلَهُ شَوَاهِد مِنْ وُجُوه أُخَر لَيْسَ هَذَا مَوْضِع بَسْطهَا .

وَقَوْله " وَأَقَامَ الصَّلَاة " أَيْ الَّتِي هِيَ أَكْبَر عِبَادَات الْبَدَن " وَآتَى الزَّكَاة " أَيْ الَّتِي هِيَ أَفْضَل الْأَعْمَال الْمُتَعَدِّيَة إِلَى بِرّ الْخَلَائِق وَقَوْله " وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّه " أَيْ وَلَمْ يَخَفْ إِلَّا مِنْ اللَّه تَعَالَى وَلَمْ يَخْشَ سِوَاهُ " فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ " قَالَ اِبْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " إِنَّمَا يَعْمُر مَسَاجِد اللَّه مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر " يَقُول مَنْ وَحَّدَ اللَّه وَآمَنَ بِالْيَوْمِ الْآخِر يَقُول مَنْ آمَنَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه " وَأَقَامَ الصَّلَاة " يَعْنِي الصَّلَوَات الْخَمْس " وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّه " يَقُول لَمْ يَعْبُد إِلَّا اللَّه ثُمَّ قَالَ " فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ " يَقُول تَعَالَى إِنَّ أُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ كَقَوْلِهِ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا " وَهِيَ الشَّفَاعَة وَكُلّ عَسَى فِي الْقُرْآن فَهِيَ وَاجِبَة وَقَالَ مُحَمَّد بْن إسْحَاق بْن يَسَار رَحِمَهُ اللَّه : وَعَسَى مِنْ حَقّ اللَّه .

أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)
أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

قَالَ الْعَوْفِيّ فِي تَفْسِيره عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي تَفْسِيره هَذِهِ الْآيَة قَالَ : إِنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا عِمَارَة بَيْت اللَّه وَقِيَام عَلَى السِّقَايَة خَيْر مِمَّنْ آمَنَ وَجَاهَدَ وَكَانُوا يَفْخَرُونَ بِالْحَرَمِ وَيَسْتَكْبِرُونَ بِهِ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ أَهْله وَعُمَّاره فَذَكَرَ اللَّه اِسْتِكْبَارهمْ وَإِعْرَاضهمْ فَقَالَ لِأَهْلِ الْحَرَم مِنْ الْمُشْرِكِينَ " قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ تَنْكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ " يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَكْبِرُونَ بِالْحَرَمِ قَالَ " بِهِ سَامِرًا " كَانُوا يَسْمُرُونَ بِهِ وَيَهْجُرُونَ الْقُرْآن وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَيَّرَ اللَّه الْإِيمَان وَالْجِهَاد مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عِمَارَة الْمُشْرِكِينَ الْبَيْت وَقِيَامهمْ عَلَى السِّقَايَة وَلَمْ يَكُنْ يَنْفَعهُمْ عِنْد اللَّه مَعَ الشِّرْك بِهِ وَإِنْ كَانُوا يَعْمُرُونَ بَيْته وَيُحْرِمُونَ بِهِ . قَالَ اللَّه تَعَالَى " لَا يَسْتَوُونَ عِنْد اللَّه وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ " يَعْنِي الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ أَهْل الْعِمَارَة فَسَمَّاهُمْ اللَّه ظَالِمِينَ بِشِرْكِهِمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ الْعِمَارَة شَيْئًا . وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة قَالَ : قَدْ نَزَلَتْ فِي الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب حِين أُسِرَ بِبَدْرٍ قَالَ لَئِنْ كُنْتُمْ سَبَقْتُمُونَا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَة وَالْجِهَاد لَقَدْ كُنَّا نَعْمُر الْمَسْجِد الْحَرَام نَسْقِي وَنَفُكّ الْعَانِي قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ " - إِلَى قَوْله - " وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ " يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ كُلّه كَانَ فِي الشِّرْك وَلَا أَقْبَل مَا كَانَ فِي الشِّرْك وَقَالَ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم أَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْعَبَّاس وَأَصْحَابه الَّذِينَ أُسِرُوا يَوْم بَدْر يُعَيِّرُونَهُمْ بِالشِّرْكِ فَقَالَ الْعَبَّاس أَمَا وَاَللَّه لَقَدْ كُنَّا نَعْمُر الْمَسْجِد الْحَرَام وَنَفُكّ الْعَانِي وَنَحْجُب الْبَيْت وَنَسْقِي الْحَاجّ فَأَنْزَلَ اللَّه " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ " الْآيَة . وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة عَنْ إِسْمَاعِيل عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَلِيّ وَالْعَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا بِمَا تَكَلَّمَا فِي ذَلِكَ .

وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا يُونُس أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب أَخْبَرَنِي اِبْن لَهِيعَة عَنْ أَبِي صَخْر قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ يَقُول : اِفْتَخَرَ طَلْحَة بْن شَيْبَة مِنْ بَنِي عَبْد الدَّار وَعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب وَعَلِيّ بْن أَبِي طَالِب فَقَالَ طَلْحَة أَنَا صَاحِب الْبَيْت مَعِي مِفْتَاحه وَلَوْ أَشَاء بِتّ فِيهِ وَقَالَ الْعَبَّاس أَنَا صَاحِب السِّقَايَة وَالْقَائِم عَلَيْهَا وَلَوْ أَشَاء بِتّ فِي الْمَسْجِد فَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَا أَدْرِي مَا تَقُولَانِ لَقَدْ صَلَّيْت إِلَى الْقِبْلَة سِتَّة أَشْهُر قَبْل النَّاس وَأَنَا صَاحِب الْجِهَاد فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ " الْآيَة كُلّهَا وَهَكَذَا قَالَ السُّدِّيّ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : اِفْتَخَرَ عَلِيّ وَالْعَبَّاس وَشَيْبَة بْن عُثْمَان وَذَكَرَ نَحْوه وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ عَمْرو عَنْ الْحَسَن قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَلِيّ وَعَبَّاس وَشَيْبَة تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْعَبَّاس مَا أُرَانِي إِلَّا أَنِّي تَارِك سِقَايَتنَا فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَقِيمُوا عَلَى سِقَايَتكُمْ فَإِنَّ لَكُمْ فِيهَا خَيْرًا " وَرَوَاهُ مُحَمَّد بْن ثَوْر عَنْ مَعْمَر عَنْ الْحَسَن فَذَكَرَ نَحْوه وَقَدْ وَرَدَ فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة حَدِيث مَرْفُوع فَلَا بُدّ مِنْ ذِكْره هُنَا قَالَ عَبْد الرَّزَّاق أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَل عَمَلًا بَعْد الْإِسْلَام إِلَّا أَنْ أَسْقِي الْحَاجّ . وَقَالَ آخَر : مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَل عَمَلًا بَعْد الْإِسْلَام إِلَّا أَنْ أَعْمُر الْمَسْجِد الْحَرَام . وَقَالَ آخَر : الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه أَفْضَل مِمَّا قُلْتُمْ . فَزَجَرَهُمْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَقَالَ : لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتكُمْ عِنْد مِنْبَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة وَلَكِنْ إِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَة دَخَلْنَا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُ . فَنَزَلَتْ " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ وَعِمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام " - إِلَى قَوْله - " لَا يَسْتَوُونَ عِنْد اللَّه " . " طَرِيق أُخْرَى " قَالَ الْوَلِيد بْن مُسْلِم : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن سَلَامٍ عَنْ جَدّه أَبِي سَلَام الْأَسْوَد عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير الْأَنْصَارِيّ قَالَ : كُنْت عِنْد مِنْبَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَر مِنْ أَصْحَابه فَقَالَ رَجُل مِنْهُمْ : مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَل لِلَّهِ عَمَلًا بَعْد الْإِسْلَام إِلَّا أَنْ أَسْقِي الْحَاجّ . وَقَالَ آخَر : بَلْ عِمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام . وَقَالَ آخَر : بَلْ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه خَيْر مِمَّا قُلْتُمْ فَزَجَرَهُ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقَالَ : لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتكُمْ عِنْد مِنْبَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة وَلَكِنْ إِذَا صَلَّيْت الْجُمُعَة دَخَلْت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَيْته فِيمَا اِخْتَلَفْتُمْ فِيهِ .

قَالَ فَفَعَلَ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ وَعِمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام " - إِلَى قَوْله - " وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ " وَرَوَاهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه وَأَبُو دَاوُد وَابْن جَرِير وَهَذَا لَفْظه وَابْن مَرْدَوَيْهِ وَابْن أَبِي حَاتِم فِي تَفَاسِيرهمْ وَابْن حِبَّان فِي صَحِيحه .

الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)
الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ

قَالَ الْعَوْفِيّ فِي تَفْسِيره عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي تَفْسِيره هَذِهِ الْآيَة قَالَ : إِنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا عِمَارَة بَيْت اللَّه وَقِيَام عَلَى السِّقَايَة خَيْر مِمَّنْ آمَنَ وَجَاهَدَ وَكَانُوا يَفْخَرُونَ بِالْحَرَمِ وَيَسْتَكْبِرُونَ بِهِ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ أَهْله وَعُمَّاره فَذَكَرَ اللَّه اِسْتِكْبَارهمْ وَإِعْرَاضهمْ فَقَالَ لِأَهْلِ الْحَرَم مِنْ الْمُشْرِكِينَ " قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ تَنْكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ " يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَكْبِرُونَ بِالْحَرَمِ قَالَ " بِهِ سَامِرًا " كَانُوا يَسْمُرُونَ بِهِ وَيَهْجُرُونَ الْقُرْآن وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَيَّرَ اللَّه الْإِيمَان وَالْجِهَاد مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عِمَارَة الْمُشْرِكِينَ الْبَيْت وَقِيَامهمْ عَلَى السِّقَايَة وَلَمْ يَكُنْ يَنْفَعهُمْ عِنْد اللَّه مَعَ الشِّرْك بِهِ وَإِنْ كَانُوا يَعْمُرُونَ بَيْته وَيُحْرِمُونَ بِهِ . قَالَ اللَّه تَعَالَى " لَا يَسْتَوُونَ عِنْد اللَّه وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ " يَعْنِي الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ أَهْل الْعِمَارَة فَسَمَّاهُمْ اللَّه ظَالِمِينَ بِشِرْكِهِمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ الْعِمَارَة شَيْئًا . وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة قَالَ : قَدْ نَزَلَتْ فِي الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب حِين أُسِرَ بِبَدْرٍ قَالَ لَئِنْ كُنْتُمْ سَبَقْتُمُونَا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَة وَالْجِهَاد لَقَدْ كُنَّا نَعْمُر الْمَسْجِد الْحَرَام نَسْقِي وَنَفُكّ الْعَانِي قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ - إِلَى قَوْله - وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ " يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ كُلّه كَانَ فِي الشِّرْك وَلَا أَقْبَلَ مَا كَانَ فِي الشِّرْك وَقَالَ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم أَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْعَبَّاس وَأَصْحَابه الَّذِينَ أُسِرُوا يَوْم بَدْر يُعَيِّرُونَهُمْ بِالشِّرْكِ فَقَالَ الْعَبَّاس أَمَا وَاَللَّه لَقَدْ كُنَّا نَعْمُر الْمَسْجِد الْحَرَام وَنَفُكّ الْعَانِي وَنَحْجُب الْبَيْت وَنَسْقِي الْحَاجّ فَأَنْزَلَ اللَّه " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ " الْآيَة . وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة عَنْ إِسْمَاعِيل عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَلِيّ وَالْعَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا بِمَا تَكَلَّمَا فِي ذَلِكَ .

وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا يُونُس أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب أَخْبَرَنِي اِبْن لَهِيعَة عَنْ أَبِي صَخْر قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ يَقُول : اِفْتَخَرَ طَلْحَة بْن شَيْبَة مِنْ بَنِي عَبْد الدَّار وَعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب وَعَلِيّ بْن أَبِي طَالِب فَقَالَ طَلْحَة أَنَا صَاحِب الْبَيْت مَعِي مِفْتَاحه وَلَوْ أَشَاء بِتّ فِيهِ وَقَالَ الْعَبَّاس أَنَا صَاحِب السِّقَايَة وَالْقَائِم عَلَيْهَا وَلَوْ أَشَاء بِتّ فِي الْمَسْجِد فَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَا أَدْرِي مَا تَقُولَانِ لَقَدْ صَلَّيْت إِلَى الْقِبْلَة سِتَّة أَشْهُر قَبْل النَّاس وَأَنَا صَاحِب الْجِهَاد فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ " الْآيَة كُلّهَا وَهَكَذَا قَالَ السُّدِّيّ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : اِفْتَخَرَ عَلِيّ وَالْعَبَّاس وَشَيْبَة بْن عُثْمَان وَذَكَرَ نَحْوه وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ عَمْرو عَنْ الْحَسَن قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَلِيّ وَعَبَّاس وَشَيْبَة تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْعَبَّاس مَا أُرَانِي إِلَّا أَنِّي تَارِك سِقَايَتنَا فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَقِيمُوا عَلَى سِقَايَتكُمْ فَإِنَّ لَكُمْ فِيهَا خَيْرًا " وَرَوَاهُ مُحَمَّد بْن ثَوْر عَنْ مَعْمَر عَنْ الْحَسَن فَذَكَرَ نَحْوه وَقَدْ وَرَدَ فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة حَدِيث مَرْفُوع فَلَا بُدّ مِنْ ذِكْره هُنَا قَالَ عَبْد الرَّزَّاق أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَل عَمَلًا بَعْد الْإِسْلَام إِلَّا أَنْ أَسْقِي الْحَاجّ . وَقَالَ آخَر : مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَل عَمَلًا بَعْد الْإِسْلَام إِلَّا أَنْ أَعْمُر الْمَسْجِد الْحَرَام . وَقَالَ آخَر : الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه أَفْضَل مِمَّا قُلْتُمْ . فَزَجَرَهُمْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَقَالَ : لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتكُمْ عِنْد مِنْبَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة وَلَكِنْ إِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَة دَخَلْنَا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُ . فَنَزَلَتْ " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ وَعِمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام - إِلَى قَوْله - لَا يَسْتَوُونَ عِنْد اللَّه " . " طَرِيق أُخْرَى " قَالَ الْوَلِيد بْن مُسْلِم : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن سَلَام عَنْ جَدّه أَبِي سَلَام الْأَسْوَد عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير الْأَنْصَارِيّ قَالَ : كُنْت عِنْد مِنْبَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَر مِنْ أَصْحَابه فَقَالَ رَجُل مِنْهُمْ : مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَل لِلَّهِ عَمَلًا بَعْد الْإِسْلَام إِلَّا أَنْ أَسْقِي الْحَاجّ . وَقَالَ آخَر : بَلْ عِمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام . وَقَالَ آخَر : بَلْ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه خَيْر مِمَّا قُلْتُمْ فَزَجَرَهُ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقَالَ : لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتكُمْ عِنْد مِنْبَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة وَلَكِنْ إِذَا صَلَّيْت الْجُمُعَة دَخَلْت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَيْته فِيمَا اِخْتَلَفْتُمْ فِيهِ .

قَالَ فَفَعَلَ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ وَعِمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام - إِلَى قَوْله - وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ " وَرَوَاهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه وَأَبُو دَاوُد وَابْن جَرِير وَهَذَا لَفْظه وَابْن مَرْدَوَيْهِ وَابْن أَبِي حَاتِم فِي تَفَاسِيرهمْ وَابْن حِبَّان فِي صَحِيحه .

يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21)
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ

قَالَ الْعَوْفِيّ فِي تَفْسِيره عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي تَفْسِيره هَذِهِ الْآيَة قَالَ : إِنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا عِمَارَة بَيْت اللَّه وَقِيَام عَلَى السِّقَايَة خَيْر مِمَّنْ آمَنَ وَجَاهَدَ وَكَانُوا يَفْخَرُونَ بِالْحَرَمِ وَيَسْتَكْبِرُونَ بِهِ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ أَهْله وَعُمَّاره فَذَكَرَ اللَّه اِسْتِكْبَارهمْ وَإِعْرَاضهمْ فَقَالَ لِأَهْلِ الْحَرَم مِنْ الْمُشْرِكِينَ " قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ تَنْكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ " يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَكْبِرُونَ بِالْحَرَمِ قَالَ " بِهِ سَامِرًا " كَانُوا يَسْمُرُونَ بِهِ وَيَهْجُرُونَ الْقُرْآن وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَيَّرَ اللَّه الْإِيمَان وَالْجِهَاد مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عِمَارَة الْمُشْرِكِينَ الْبَيْت وَقِيَامهمْ عَلَى السِّقَايَة وَلَمْ يَكُنْ يَنْفَعهُمْ عِنْد اللَّه مَعَ الشِّرْك بِهِ وَإِنْ كَانُوا يَعْمُرُونَ بَيْته وَيُحْرِمُونَ بِهِ . قَالَ اللَّه تَعَالَى " لَا يَسْتَوُونَ عِنْد اللَّه وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ " يَعْنِي الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ أَهْل الْعِمَارَة فَسَمَّاهُمْ اللَّه ظَالِمِينَ بِشِرْكِهِمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ الْعِمَارَة شَيْئًا . وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة قَالَ : قَدْ نَزَلَتْ فِي الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمَطْلَب حِين أُسِرَ بِبَدْرٍ قَالَ لَئِنْ كُنْتُمْ سَبَقْتُمُونَا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَة وَالْجِهَاد لَقَدْ كُنَّا نَعْمُر الْمَسْجِد الْحَرَام نَسْقِي وَنَفُكّ الْعَانِي قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ - إِلَى قَوْله - وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ " يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ كُلّه كَانَ فِي الشِّرْك وَلَا أَقْبَلَ مَا كَانَ فِي الشِّرْك وَقَالَ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم أَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْعَبَّاس وَأَصْحَابه الَّذِينَ أُسِرُوا يَوْم بَدْر يُعَيِّرُونَهُمْ بِالشِّرْكِ فَقَالَ الْعَبَّاس أَمَا وَاَللَّه لَقَدْ كُنَّا نَعْمُر الْمَسْجِد الْحَرَام وَنَفُكّ الْعَانِي وَنَحْجُب الْبَيْت وَنَسْقِي الْحَاجّ فَأَنْزَلَ اللَّه " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ " الْآيَة . وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة عَنْ إِسْمَاعِيل عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَلِيّ وَالْعَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا بِمَا تَكَلَّمَا فِي ذَلِكَ . وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا يُونُس أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب أَخْبَرَنِي اِبْن لَهِيعَة عَنْ أَبِي صَخْر قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ يَقُول : اِفْتَخَرَ طَلْحَة بْن شَيْبَة مِنْ بَنِي عَبْد الدَّار وَعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب وَعَلِيّ بْن أَبِي طَالِب فَقَالَ طَلْحَة أَنَا صَاحِب الْبَيْت مَعِي مِفْتَاحه وَلَوْ أَشَاء بِتّ فِيهِ وَقَالَ الْعَبَّاس أَنَا صَاحِب السِّقَايَة وَالْقَائِم عَلَيْهَا وَلَوْ أَشَاء بِتّ فِي الْمَسْجِد فَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَا أَدْرِي مَا تَقُولَانِ لَقَدْ صَلَّيْت إِلَى الْقِبْلَة سِتَّة أَشْهُر قَبْل النَّاس وَأَنَا صَاحِب الْجِهَاد فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ " الْآيَة كُلّهَا وَهَكَذَا قَالَ السُّدِّيّ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : اِفْتَخَرَ عَلِيّ وَالْعَبَّاس وَشَيْبَة بْن عُثْمَان وَذَكَرَ نَحْوه وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ عَمْرو عَنْ الْحَسَن قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَلِيّ وَعَبَّاس وَشَيْبَة تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْعَبَّاس مَا أُرَانِي إِلَّا أَنِّي تَارِك سِقَايَتنَا فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أُقِيمُوا عَلَى سِقَايَتكُمْ فَإِنَّ لَكُمْ فِيهَا خَيْرًا " وَرَوَاهُ مُحَمَّد بْن ثَوْر عَنْ مَعْمَر عَنْ الْحَسَن فَذَكَرَ نَحْوه وَقَدْ وَرَدَ فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة حَدِيث مَرْفُوع فَلَا بُدّ مِنْ ذِكْره هُنَا قَالَ عَبْد الرَّزَّاق أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَل عَمَلًا بَعْد الْإِسْلَام إِلَّا أَنْ أَسْقِي الْحَاجّ . وَقَالَ آخَر : مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَل عَمَلًا بَعْد الْإِسْلَام إِلَّا أَنْ أَعْمُر الْمَسْجِد الْحَرَام . وَقَالَ آخَر : الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه أَفْضَل مِمَّا قُلْتُمْ . فَزَجَرَهُمْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَقَالَ : لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتكُمْ عِنْد مِنْبَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة وَلَكِنْ إِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَة دَخَلْنَا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُ . فَنَزَلَتْ " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ وَعِمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام - إِلَى قَوْله - لَا يَسْتَوُونَ عِنْد اللَّه " . " طَرِيق أُخْرَى " قَالَ الْوَلِيد بْن مُسْلِم : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن سَلَام عَنْ جَدّه أَبِي سَلَام الْأَسْوَد عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير الْأَنْصَارِيّ قَالَ : كُنْت عِنْد مِنْبَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَر مِنْ أَصْحَابه فَقَالَ رَجُل مِنْهُمْ : مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَل لِلَّهِ عَمَلًا بَعْد الْإِسْلَام إِلَّا أَنْ أَسْقِي الْحَاجّ . وَقَالَ آخَر : بَلْ عِمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام . وَقَالَ آخَر : بَلْ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه خَيْر مِمَّا قُلْتُمْ فَزَجَرَهُ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقَالَ : لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتكُمْ عِنْد مِنْبَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة وَلَكِنْ إِذَا صَلَّيْت الْجُمُعَة دَخَلْت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَيْته فِيمَا اِخْتَلَفْتُمْ فِيهِ .

قَالَ فَفَعَلَ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ وَعِمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام - إِلَى قَوْله - وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ " وَرَوَاهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه وَأَبُو دَاوُد وَابْن جَرِير وَهَذَا لَفْظه وَابْن مَرْدَوَيْهِ وَابْن أَبِي حَاتِم فِي تَفَاسِيرهمْ وَابْن حِبَّان فِي صَحِيحه .

خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ

قَالَ الْعَوْفِيّ فِي تَفْسِيره عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي تَفْسِيره هَذِهِ الْآيَة قَالَ : إِنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا عِمَارَة بَيْت اللَّه وَقِيَام عَلَى السِّقَايَة خَيْر مِمَّنْ آمَنَ وَجَاهَدَ وَكَانُوا يَفْخَرُونَ بِالْحَرَمِ وَيَسْتَكْبِرُونَ بِهِ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ أَهْله وَعُمَّاره فَذَكَرَ اللَّه اِسْتِكْبَارهمْ وَإِعْرَاضهمْ فَقَالَ لِأَهْلِ الْحَرَم مِنْ الْمُشْرِكِينَ " قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ تَنْكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ " يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَكْبِرُونَ بِالْحَرَمِ قَالَ " بِهِ سَامِرًا " كَانُوا يَسْمُرُونَ بِهِ وَيَهْجُرُونَ الْقُرْآن وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَيَّرَ اللَّه الْإِيمَان وَالْجِهَاد مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عِمَارَة الْمُشْرِكِينَ الْبَيْت وَقِيَامهمْ عَلَى السِّقَايَة وَلَمْ يَكُنْ يَنْفَعهُمْ عِنْد اللَّه مَعَ الشِّرْك بِهِ وَإِنْ كَانُوا يَعْمُرُونَ بَيْته وَيُحْرِمُونَ بِهِ . قَالَ اللَّه تَعَالَى " لَا يَسْتَوُونَ عِنْد اللَّه وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ " يَعْنِي الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ أَهْل الْعِمَارَة فَسَمَّاهُمْ اللَّه ظَالِمِينَ بِشِرْكِهِمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ الْعِمَارَة شَيْئًا . وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة قَالَ : قَدْ نَزَلَتْ فِي الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب حِين أُسِرَ بِبَدْرٍ قَالَ لَئِنْ كُنْتُمْ سَبَقْتُمُونَا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَة وَالْجِهَاد لَقَدْ كُنَّا نَعْمُر الْمَسْجِد الْحَرَام نَسْقِي وَنَفُكّ الْعَانِي قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ - إِلَى قَوْله - وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ " يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ كُلّه كَانَ فِي الشِّرْك وَلَا أَقْبَل مَا كَانَ فِي الشِّرْك وَقَالَ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم أَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْعَبَّاس وَأَصْحَابه الَّذِينَ أُسِرُوا يَوْم بَدْر يُعَيِّرُونَهُمْ بِالشِّرْكِ فَقَالَ الْعَبَّاس أَمَا وَاَللَّه لَقَدْ كُنَّا نَعْمُر الْمَسْجِد الْحَرَام وَنَفُكّ الْعَانِي وَنَحْجُب الْبَيْت وَنَسْقِي الْحَاجّ فَأَنْزَلَ اللَّه " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ " الْآيَة . وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة عَنْ إِسْمَاعِيل عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَلِيّ وَالْعَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا بِمَا تَكَلَّمَا فِي ذَلِكَ .

وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا يُونُس أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب أَخْبَرَنِي اِبْن لَهِيعَة عَنْ أَبِي صَخْر قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ يَقُول : اِفْتَخَرَ طَلْحَة بْن شَيْبَة مِنْ بَنِي عَبْد الدَّار وَعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب وَعَلِيّ بْن أَبِي طَالِب فَقَالَ طَلْحَة أَنَا صَاحِب الْبَيْت مَعِي مِفْتَاحه وَلَوْ أَشَاء بِتّ فِيهِ وَقَالَ الْعَبَّاس أَنَا صَاحِب السِّقَايَة وَالْقَائِم عَلَيْهَا وَلَوْ أَشَاء بِتّ فِي الْمَسْجِد فَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَا أَدْرِي مَا تَقُولَانِ لَقَدْ صَلَّيْت إِلَى الْقِبْلَة سِتَّة أَشْهُر قَبْل النَّاس وَأَنَا صَاحِب الْجِهَاد فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ " الْآيَة كُلّهَا وَهَكَذَا قَالَ السُّدِّيّ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : اِفْتَخَرَ عَلِيّ وَالْعَبَّاس وَشَيْبَة بْن عُثْمَان وَذَكَرَ نَحْوه وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ عَمْرو عَنْ الْحَسَن قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَلِيّ وَعَبَّاس وَشَيْبَة تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْعَبَّاس مَا أُرَانِي إِلَّا أَنِّي تَارِك سِقَايَتنَا فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أُقِيمُوا عَلَى سِقَايَتكُمْ فَإِنَّ لَكُمْ فِيهَا خَيْرًا " وَرَوَاهُ مُحَمَّد بْن ثَوْر عَنْ مَعْمَر عَنْ الْحَسَن فَذَكَرَ نَحْوه وَقَدْ وَرَدَ فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة حَدِيث مَرْفُوع فَلَا بُدّ مِنْ ذِكْره هُنَا قَالَ عَبْد الرَّزَّاق أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَل عَمَلًا بَعْد الْإِسْلَام إِلَّا أَنْ أَسْقِي الْحَاجّ . وَقَالَ آخَر : مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَل عَمَلًا بَعْد الْإِسْلَام إِلَّا أَنْ أَعْمُر الْمَسْجِد الْحَرَام . وَقَالَ آخَر : الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه أَفْضَل مِمَّا قُلْتُمْ . فَزَجَرَهُمْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَقَالَ : لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتكُمْ عِنْد مِنْبَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة وَلَكِنْ إِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَة دَخَلْنَا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُ . فَنَزَلَتْ " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ وَعِمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام - إِلَى قَوْله - لَا يَسْتَوُونَ عِنْد اللَّه " . " طَرِيق أُخْرَى " قَالَ الْوَلِيد بْن مُسْلِم : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن سَلَام عَنْ جَدّه أَبِي سَلَام الْأَسْوَد عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير الْأَنْصَارِيّ قَالَ : كُنْت عِنْد مِنْبَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَر مِنْ أَصْحَابه فَقَالَ رَجُل مِنْهُمْ : مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَل لِلَّهِ عَمَلًا بَعْد الْإِسْلَام إِلَّا أَنْ أَسْقِي الْحَاجّ . وَقَالَ آخَر : بَلْ عِمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام . وَقَالَ آخَر : بَلْ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه خَيْر مِمَّا قُلْتُمْ فَزَجَرَهُ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقَالَ : لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتكُمْ عِنْد مِنْبَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة وَلَكِنْ إِذَا صَلَّيْت الْجُمُعَة دَخَلْت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَيْته فِيمَا اِخْتَلَفْتُمْ فِيهِ .

قَالَ فَفَعَلَ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ وَعِمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام - إِلَى قَوْله - وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ " وَرَوَاهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه وَأَبُو دَاوُد وَابْن جَرِير وَهَذَا لَفْظه وَابْن مَرْدَوَيْهِ وَابْن أَبِي حَاتِم فِي تَفَاسِيرهمْ وَابْن حِبَّان فِي صَحِيحه .


 توقيع : شيخة رواية

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 04-14-2019   #3



 عضويتي » 726
 اشراقتي ♡ » Jul 2018
 كُـنتَ هُـنا » منذ 2 ساعات (07:17 AM)
موآضيعي » 17453
آبدآعاتي » 2,166,405
 تقييمآتي » 1567990
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
 حالتي الآن »
آلقسم آلمفضل  » العآم♡
آلعمر  » 24سنة
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط ♡
تم شكري »  29,498
شكرت » 11,217
الاعجابات المتلقاة » 1422
الاعجابات المُرسلة » 3992
 التقييم » شيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مُتنفسي هنا » مُتنفسي هنا
مَزآجِي  »  فديتك_ياغلاهم
 
قَدَاسَة طُهِّرَ | | أَوْسِمَتِي | |
وسآم || - نُشطاء روآية عشق  


/ نقاط: 0

وسآم || مشاركين..توقعات كاس امم اسيا  


/ نقاط: 0

♥ وسام |وجودك سعادة ●  


/ نقاط: 0

وسآم - ♥ | سنة حلوة عليكم آل رواية 2024  


/ نقاط: 0

وسآم -|| ♥| تكريم نشطآء الاسبوع ●  


/ نقاط: 0

  كل الاوسمة: 68

شيخة رواية متواجد حالياً

افتراضي



يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ

أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِمُبَايَنَةِ الْكُفَّار وَإِنْ كَانُوا آبَاء أَوْ أَبْنَاء وَنَهَى عَنْ مُوَالَاتهمْ إِنْ اِسْتَحَبُّوا أَيْ اِخْتَارُوا الْكُفْر عَلَى الْإِيمَان وَتَوَعَّدَ عَلَى ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى " لَا تَجِد قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّه وَرَسُوله وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانهمْ أَوْ عَشِيرَتهمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبهمْ الْإِيمَان وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار " الْآيَة . وَرَوَى الْحَافِظ الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن شَوْذَب قَالَ : جَعَلَ أَبُو أَبِي عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح يَنْعَت لَهُ الْآلِهَة يَوْم بَدْر وَجَعَلَ أَبُو عُبَيْدَة يَحِيد عَنْهُ فَلَمَّا أَكْثَرَ الْجَرَّاح قَصَدَهُ اِبْنه أَبُو عُبَيْدَة فَقَتَلَهُ فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِ هَذِهِ الْآيَة " لَا تَجِد قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّه وَرَسُوله " الْآيَة .

قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)
قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ

ثُمَّ أَمَرَ تَعَالَى رَسُوله أَنْ يَتَوَعَّد مَنْ آثَرَ أَهْله وَقَرَابَته وَعَشِيرَته عَلَى اللَّه وَرَسُوله وَجِهَاد فِي سَبِيله فَقَالَ " وَتِجَارَة تَخْشَوْنَ كَسَادهَا وَمَسَاكِن تَرْضَوْنَهَا " أَيْ تُحِبُّونَهَا لِطِيبِهَا وَحُسْنهَا أَيْ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء " أَحَبّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّه وَرَسُوله وَجِهَاد فِي سَبِيله فَتَرَبَّصُوا " أَيْ فَانْتَظِرُوا مَاذَا يَحِلّ بِكُمْ مِنْ عِقَابه وَنَكَاله بِكُمْ . وَلِهَذَا قَالَ " حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِأَمْرِهِ وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْفَاسِقِينَ " وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا قُتَيْبَة بْن سَعِيد حَدَّثَنَا اِبْن لَهِيعَة عَنْ زُهْرَة بْن مَعْبَد عَنْ جَدّه قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذ بِيَدِ عُمَر بْن الْخَطَّاب فَقَالَ : وَاَللَّه يَا رَسُول اللَّه لَأَنْتَ أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ كُلّ شَيْء إِلَّا مِنْ نَفْسِي فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يُؤْمِن أَحَدكُمْ حَتَّى أَكُون أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسه " فَقَالَ عُمَر : فَأَنْتَ الْآن وَاَللَّه أَحَبّ إلَيَّ مِنْ نَفْسِي فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْآن يَا عُمَر " اِنْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيّ فَرَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْن سُلَيْمَان عَنْ اِبْن وَهْب عَنْ حَيْوَة بْن شُرَيْح عَنْ أَبِي عُقَيْل زُهْرَة بْن مَعْبَد أَنَّهُ سَمِعَ جَدّه عَبْد اللَّه بْن هِشَام عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيح عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِن أَحَدكُمْ حَتَّى أَكُون أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِده وَوَلَده وَالنَّاس أَجْمَعِينَ " وَرَوَى الْإِمَام أَحْمَد وَأَبُو دَاوُد وَاللَّفْظ لَهُ مِنْ حَدِيث أَبِي عَبْد الرَّحْمَن الْخُرَاسَانِيّ عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ بِأَذْنَابِ الْبَقَر وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَاد سَلَّطَ اللَّه عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينكُمْ " وَرَوَى الْإِمَام أَحْمَد أَيْضًا عَنْ يَزِيد بْن هَارُون عَنْ أَبِي حَبَّاب عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب أَنَّهُ سَمِعَ عَبْد اللَّه اِبْن عُمَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا شَاهِد لِلَّذِي قَبْله وَاَللَّه أَعْلَم .

لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ

قَالَ اِبْن جُرَيْج عَنْ مُجَاهِد : هَذِهِ أَوَّل آيَة نَزَلَتْ مِنْ بَرَاءَة يَذْكُر تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ فَضْله عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانه لَدَيْهِمْ فِي نَصْره إِيَّاهُمْ فِي مَوَاطِن كَثِيرَة مِنْ غَزَوَاتهمْ مَعَ رَسُوله وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عِنْده تَعَالَى وَبِتَأْيِيدِهِ وَتَقْدِيره لَا بِعَدَدِهِمْ وَلَا بِعُدَّتِهِمْ وَنَبَّهَهُمْ عَلَى أَنَّ النَّصْر مِنْ عِنْده سَوَاء قَلَّ الْجَمْع أَوْ كَثُرَ فَإِنَّ يَوْم حُنَيْن أَعْجَبَتْهُمْ كَثْرَتهمْ وَمَعَ هَذَا مَا أَجْدَى ذَلِكَ عَنْهُمْ شَيْئًا فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ إِلَّا الْقَلِيل مِنْهُمْ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَنْزَلَ نَصْره وَتَأْيِيده عَلَى رَسُوله وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ مَعَهُ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى مُفَصَّلًا لِيُعْلِمهُمْ أَنَّ النَّصْر مِنْ عِنْده تَعَالَى وَحْده وَبِإمْدَادِهِ وَإِنْ قَلَّ الْجَمْع فَكَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ . وَقَدْ قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا وَهْب بْن جَرِير حَدَّثَنَا أَبِي سَمِعْت يُونُس يُحَدِّث عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عُبَيْد اللَّه عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَيْر الصَّحَابَة أَرْبَعَة وَخَيْر السَّرَايَا أَرْبَعمِائَةٍ وَخَيْر الْجُيُوش أَرْبَعَة آلَاف وَلَنْ تُغْلَب اِثْنَا عَشَر أَلْفًا مِنْ قِلَّة " وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ ثُمَّ قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن غَرِيب جِدًّا لَا يَسْنُدهُ أَحَد غَيْر جَرِير بْن حَازِم وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا . وَقَدْ رَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيْره عَنْ أَكْثَم بْن الْجَوْن عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ كَانَتْ وَقْعَة حُنَيْن بَعْد فَتْح مَكَّة فِي شَوَّال سَنَة ثَمَان مِنْ الْهِجْرَة .

وَذَلِكَ لَمَّا فَرَغَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَتْح مَكَّة وَتَمَهَّدَتْ أُمُورهَا وَأَسْلَمَ عَامَّة أَهْلهَا وَأَطْلَقَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَلَغَهُ أَنَّ هَوَازِن جَمَعُوا لَهُ لِيُقَاتِلُوهُ وَأَنَّ أَمِيرهمْ مَالِك بْن عَوْف النَّضْرِيّ وَمَعَهُ ثَقِيف بِكَمَالِهَا وَبَنُو جُشَم وَبَنُو سَعْد بْن بَكْر وَأَوْزَاع مِنْ بَنِي هِلَال وَهُمْ قَلِيل وَنَاس مِنْ بَنِي عَمْرو بْن عَامِر وَعَوْن بْن عَامِر وَقَدْ أَقْبَلُوا وَمَعَهُمْ النِّسَاء وَالْوِلْدَان وَالشَّاء وَالنَّعَم وَجَاءُوا بِقَضّهمْ وَقَضِيضهمْ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَيْشه الَّذِي جَاءَ مَعَهُ لِلْفَتْحِ وَهُوَ عَشَرَة آلَاف مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار وَقَبَائِل الْعَرَب وَمَعَهُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْل مَكَّة وَهُمْ الطُّلَقَاء فِي أَلْفَيْنِ فَسَارَ بِهِمْ إِلَى الْعَدُوّ فَالْتَقَوْا بِوَادٍ بَيْن مَكَّة وَالطَّائِف يُقَال لَهُ حُنَيْن فَكَانَتْ فِيهِ الْوَقْعَة فِي أَوَّل النَّهَار فِي غَلَس الصُّبْح اِنْحَدَرُوا فِي الْوَادِي وَقَدْ كَمَنَتْ فِيهِ هَوَازِن فَلَمَّا تَوَاجَهُوا لَمْ يَشْعُر الْمُسْلِمُونَ إِلَّا بِهِمْ قَدْ بَادَرُوهُمْ وَرَشَقُوا بِالنِّبَالِ وَأَصْلَتُوا السُّيُوف وَحَمَلُوا حَمَلَة رَجُل وَاحِد كَمَا أَمَرَهُمْ مَلِكهمْ فَعِنْد ذَلِكَ وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَثَبَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِب يَوْمئِذٍ بَغْلَته الشَّهْبَاء يَسُوقهَا إِلَى نَحْر الْعَدُوّ وَالْعَبَّاس عَمّه آخِذ بِرِكَابِهَا الْأَيْمَن وَأَبُو سُفْيَان بْن الْحَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِب آخِذ بِرِكَابِهَا الْأَيْسَر يُثْقِلَانِهَا لِئَلَّا تُسْرِع السَّيْر وَهُوَ يُنَوِّه بِاسْمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَيَدْعُو الْمُسْلِمِينَ إِلَى الرَّجْعَة وَيَقُول " إِلَيَّ عِبَاد اللَّه إِلَيَّ أَنَا رَسُول اللَّه " وَيَقُول فِي تِلْكَ الْحَال " أَنَا النَّبِيّ لَا كَذِب أَنَا اِبْن عَبْد الْمُطَّلِب " وَثَبَتَ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابه قَرِيب مِنْ مِائَة وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ ثَمَانُونَ فَمِنْهُمْ أَبُو بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَالْعَبَّاس وَعَلِيّ وَالْفَضْل بْن عَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان بْن الْحَارِث وَأَيْمَن بْن أُمّ أَيْمَن وَأُسَامَة بْن زَيْد وَغَيْرهمْ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ ثُمَّ أَمَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمّه الْعَبَّاس وَكَانَ جَهِير الصَّوْت أَنْ يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْته : يَا أَصْحَاب الشَّجَرَة يَعْنِي شَجَرَة بَيْعَة الرِّضْوَان الَّتِي بَايَعَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار تَحْتهَا عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا عَنْهُ فَجَعَلَ يُنَادِي بِهِمْ يَا أَصْحَاب السَّمُرَة وَيَقُول تَارَة : يَا أَصْحَاب سُورَة الْبَقَرَة فَجَعَلُوا يَقُولُونَ يَا لَبَّيْكَ يَا لَبَّيْكَ وَانْعَطَفَ النَّاس فَتَرَاجَعُوا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِنَّ الرَّجُل مِنْهُمْ إِذَا لَمْ يُطَاوِعهُ بَعِيره عَلَى الرُّجُوع لَبِسَ دِرْعه ثُمَّ اِنْحَدَرَ عَنْهُ وَأَرْسَلَهُ وَرَجَعَ بِنَفْسِهِ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا اِجْتَمَعَتْ شِرْذِمَة مِنْهُمْ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ

عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يَصْدُقُوا الْحَمْلَة وَأَخَذَ قَبْضَة مِنْ التُّرَاب بَعْد مَا دَعَا رَبّه وَاسْتَنْصَرَهُ وَقَالَ " اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتنِي " ثُمَّ رَمَى الْقَوْم بِهَا فَمَا بَقِيَ إِنْسَان مِنْهُمْ إِلَّا أَصَابَهُ مِنْهَا فِي عَيْنَيْهِ وَفَمه مَا شَغْله عَنْ الْقِتَال ثُمَّ اِنْهَزَمُوا فَاتَّبَعَ الْمُسْلِمُونَ أَقْفَاءَهُمْ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ وَمَا تَرَاجَعَ بَقِيَّة النَّاس إِلَّا وَالْأَسْرَى مُجَنْدَلَة بَيْن يَدَيْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا عَفَّان حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْن عَطَاء عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن سَيَّار عَنْ أَبِي هَمَّام عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن الْفِهْرِيّ وَاسْمه يَزِيد بْن أُسَيْد وَيُقَال يَزِيد بْن أُنَيْس وَيُقَال كُرْز قَالَ : كُنْت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة حُنَيْن فَسِرْنَا فِي يَوْم قَائِظ شَدِيد الْحَرّ فَنَزَلْنَا تَحْت ظِلَال الشَّجَر فَلَمَّا زَالَتْ الشَّمْس لَبِسْت لَأْمَتِي وَرَكِبْت فَرَسِي فَانْطَلَقْت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي فُسْطَاطه فَقُلْت : السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول اللَّه وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته حَانَ الرَّوَاح ؟ فَقَالَ " أَجَل " فَقَالَ " يَا بِلَال " فَثَارَ مِنْ تَحْت سَمُرَة كَأَنَّ ظِلّهَا ظِلّ طَائِر فَقَالَ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَأَنَا فِدَاؤُك فَقَالَ " أَسْرِجْ لِي فَرَسِي " فَأَخْرَجَ سَرْجًا دَفَّتَاهُ مِنْ لِيف لَيْسَ فِيهِمَا أَشَر وَلَا بَطَر قَالَ فَأَسْرَعَ فَرَكِبَ وَرَكِبْنَا فَصَافَفْنَاهُمْ عَشِيَّتنَا وَلَيْلَتنَا فَتَشَامَتَ الْخَيْلَانِ فَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى " ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ " فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا عِبَاد اللَّه أَنَا عَبْد اللَّه وَرَسُوله " ثُمَّ قَالَ : يَا مَعْشَر الْمُهَاجِرِينَ أَنَا عَبْد اللَّه وَرَسُوله " قَالَ : ثُمَّ اِقْتَحَمَ عَنْ فَرَسه فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَاب فَأَخْبَرَنِي الَّذِي كَانَ أَدْنَى إِلَيْهِ مِنِّي أَنَّهُ ضَرَبَ بِهِ وُجُوههمْ وَقَالَ " شَاهَت الْوُجُوه " فَهَزَمَهُمْ اللَّه تَعَالَى .

قَالَ يَعْلَى بْن عَطَاء : فَحَدَّثَنِي أَبْنَاؤُهُمْ عَنْ آبَائِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لَمْ يَبْقَ مِنَّا أَحَد إِلَّا اِمْتَلَأَتْ عَيْنَاهُ وَفَمه تُرَابًا وَسَمِعْنَا صَلْصَلَة بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض كَإِمْرَارِ الْحَدِيد عَلَى الطَّسْت الْجَدِيد وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظ الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة مِنْ حَدِيث أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة بِهِ وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق حَدَّثَنِي عَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن جَابِر عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : فَخَرَجَ مَالِك بْن عَوْف بِمَنْ مَعَهُ إِلَى حُنَيْن فَسَبَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعَدُّوا وَتَهَيَّئُوا فِي مَضَايِق الْوَادِي وَأَحْنَائِهِ وَأَقْبَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه حَتَّى اِنْحَطَّ بِهِمْ الْوَادِي فِي عَمَايَة الصُّبْح فَلَمَّا اِنْحَطَّ النَّاس ثَارَتْ فِي وُجُوههمْ الْخَيْل فَشَدَّتْ عَلَيْهِمْ وَانْكَفَأَ النَّاس مُنْهَزِمِينَ لَا يُقْبِل أَحَد عَلَى أَحَد وَانْحَازَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ ذَات الْيَمِين يَقُول " أَيّهَا النَّاس هَلُمُّوا إِلَيَّ أَنَا رَسُول اللَّه أَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه " فَلَا شَيْء وَرَكِبَتْ الْإِبِل بَعْضهَا بَعْضًا فَلَمَّا رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ أَمْر النَّاس قَالَ يَا عَبَّاس اُصْرُخْ يَا مَعْشَر الْأَنْصَار يَا أَصْحَاب السَّمُرَة " فَأَجَابُوهُ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ فَجَعَلَ الرَّجُل يَذْهَب لِيَعْطِف بَعِيره فَلَا يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ فَيَقْذِف دِرْعه فِي عُنُقه وَيَأْخُذ سَيْفه وَقَوْسه ثُمَّ يَؤُمّ الصَّوْت حَتَّى اِجْتَمَعَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ مِائَة فَاسْتَعْرَضَ النَّاس فَاقْتَتَلُوا وَكَانَتْ الدَّعْوَة أَوَّل مَا كَانَتْ بِالْأَنْصَارِ ثُمَّ جُعِلَتْ آخِرًا بِالْخَزْرَجِ وَكَانُوا صُبَرَاء عِنْد الْحَرْب وَأَشْرَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِكَابِه فَنَظَرَ إلَى مُجْتَلَد الْقَوْم فَقَالَ الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيس قَالَ فَوَاللَّهِ مَا رَاجَعَهُ النَّاس إلَّا وَالْأَسَارَى عِنْدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُلْقَوْنَ فَقَتَلَ اللَّه مِنْهُمْ مَنْ قَتَلَ وَانْهَزَمَ مِنْهُمْ مَنْ اِنْهَزَمَ وَأَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله أَمْوَالهمْ وَأَبْنَاءَهُمْ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث شُعْبَة عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ : يَا أَبَا عُمَارَة أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم حُنَيْن ؟ فَقَالَ لَكِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفِرّ إِنَّ هَوَازِن كَانُوا قَوْمًا رُمَاة فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ وَحَمَلْنَا عَلَيْهِمْ اِنْهَزَمُوا فَأَقْبَلَ النَّاس عَلَى الْغَنَائِم فَاسْتَقْبَلُونَا بِالسِّهَامِ فَانْهَزَمَ النَّاس فَلَقَدْ رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو سُفْيَان بْن الْحَارِث آخِذ بِلِجَامِ بَغْلَته الْبَيْضَاء وَهُوَ يَقُول " أَنَا النَّبِيّ لَا كَذِب أَنَا اِبْن عَبْد الْمُطَّلِب " قُلْت : وَهَذَا فِي غَايَة مَا يَكُون مِنْ الشَّجَاعَة التَّامَّة أَنَّهُ فِي مِثْل هَذَا الْيَوْم فِي

حَوْمَة الْوَغَى وَقَدْ اِنْكَشَفَ عَنْهُ جَيْشه وَهُوَ مَعَ هَذَا عَلَى بَغْلَة وَلَيْسَتْ سَرِيعَة الْجَرْي وَلَا تَصْلُح لِفَرٍّ وَلَا لِكَرٍّ وَلَا لِهَرَبٍ وَهُوَ مَعَ هَذَا أَيْضًا يَرْكُضهَا إِلَى وُجُوههمْ وَيُنَوِّه بِاسْمِهِ لِيَعْرِفهُ مَنْ لَمْ يَعْرِفهُ صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْم الدِّين وَمَا هَذَا كُلّه إِلَّا ثِقَة بِاَللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ وَعِلْمًا مِنْهُ بِأَنَّهُ سَيَنْصُرُهُ وَيُتِمّ مَا أَرْسَلَهُ بِهِ وَيُظْهِر دِينه عَلَى سَائِر الْأَدْيَان .

ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26)
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه سَكِينَته عَلَى رَسُوله " أَيْ طُمَأْنِينَته وَثَبَاته عَلَى رَسُوله " وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ " أَيْ الَّذِينَ مَعَهُ " وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا " وَهُمْ الْمَلَائِكَة كَمَا قَالَ الْإِمَام أَبُو جَعْفَر بْن جَرِير : حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن عَرَفَة قَالَ : حَدَّثَنِي الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان عَنْ عَوْف هُوَ اِبْن أَبِي جَمِيلَة الْأَعْرَابِيّ قَالَ : سَمِعْت عَبْد الرَّحْمَن مَوْلَى اِبْن بُرْثُن حَدَّثَنِي رَجُل كَانَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ يَوْم حُنَيْن قَالَ : لَمَّا اِلْتَقَيْنَا نَحْنُ وَأَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ يَوْم حُنَيْن لَمْ يَقُومُوا لَنَا حَلْب شَاة قَالَ فَلَمَّا كَشَفْنَاهُمْ جَعَلْنَا نَسُوقهُمْ فِي آثَارهمْ حَتَّى اِنْتَهَيْنَا إِلَى أَصْحَاب الْبَغْلَة الْبَيْضَاء فَإِذَا هُوَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَتَلَقَّانَا عِنْده رِجَال بِيض حِسَان الْوُجُوه فَقَالَ لَنَا : شَاهَتْ الْوُجُوه اِرْجِعُوا .

قَالَ فَانْهَزَمْنَا وَرَكِبُوا أَكْتَافنَا فَكَانَتْ إِيَّاهَا وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بَكْر الْبَيْهَقِيّ أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الْحَافِظ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن بَالَوَيْهِ حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن الْحَسَن الْحَرَمِيّ حَدَّثَنَا عَفَّان بْن مُسْلِم حَدَّثَنَا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد حَدَّثَنَا اِبْن حَصِيرَة حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كُنْت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم حُنَيْن فَوَلَّى عَنْهُ النَّاس وَبَقِيت مَعَهُ فِي ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار قَدِمْنَا وَلَمْ نُوَلِّهِمْ الدُّبْر وَهُمْ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ السَّكِينَة قَالَ وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَته الْبَيْضَاء يَمْضِي قُدُمًا فَحَادَتْ بَغْلَته فَمَالَ عَنْ السَّرْج فَقُلْت : اِرْتَفِعْ رَفَعَك اللَّه قَالَ " نَاوِلْنِي كَفًّا مِنْ التُّرَاب " فَنَاوَلْته قَالَ فَضَرَبَ بِهِ وُجُوههمْ فَامْتَلَأَتْ أَعْيُنهمْ تُرَابًا قَالَ " أَيْنَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار ؟ " قُلْت : هُمْ هُنَاكَ قَالَ " اِهْتِفْ بِهِمْ " فَهَتَفْت فَجَاءُوا وَسُيُوفهمْ بِأَيْمَانِهِمْ كَأَنَّهَا الشُّهُب وَوَلَّى الْمُشْرِكُونَ أَدْبَارهمْ وَرَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد فِي مُسْنَده عَنْ عَفَّان بِهِ نَحْوه وَقَالَ الْوَلِيد بْن مُسْلِم : حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك عَنْ أَبِي بَكْر الْهُذَلِيّ عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس عَنْ شَيْبَة بْن عُثْمَان قَالَ : لَمَّا رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم حُنَيْن قَدْ عَرِيَ ذَكَرْت أَبِي وَعَمِّي وَقَتْل عَلِيّ وَحَمْزَة إِيَّاهُمَا فَقُلْت الْيَوْم أُدْرِك ثَأْرِي مِنْهُ قَالَ فَذَهَبْت لِأَجِيئَهُ عَنْ يَمِينه فَإِذَا أَنَا بِالْعَبَّاسِ بْن عَبْد الْمُطَّلِب قَائِمًا عَلَيْهِ دِرْع بَيْضَاء كَأَنَّهَا فِضَّة يَكْشِف عَنْهَا الْعَجَاج فَقُلْت : عَمّه وَلَنْ يَخْذُلهُ قَالَ فَجِئْته عَنْ يَسَاره فَإِذَا أَنَا بِأَبِي سُفْيَان بْن الْحَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِب فَقُلْت : اِبْن عَمّه وَلَنْ يَخْذُلهُ فَجِئْته مِنْ خَلْفه فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ أُسَوِّرهُ سَوْرَة بِالسَّيْفِ إِذْ رُفِعَ لِي شُوَاظ مِنْ نَار بَيْنِي وَبَيْنه كَأَنَّهُ بَرْق فَخِفْت أَنْ يَخْمُشنِي فَوَضَعْت يَدِي عَلَى بَصَرِي وَمَشَيْت الْقَهْقَرَى فَالْتَفَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ " يَا شَيْبَة يَا شَيْبَة اُدْنُ مِنِّي اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ الشَّيْطَان " قَالَ : فَرَفَعْت إِلَيْهِ بَصَرِي وَلَهُوَ أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ سَمْعِي وَبَصَرِي فَقَالَ " يَا شَيْبَة قَاتِل الْكُفَّار " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيث الْوَلِيد فَذَكَرَهُ ثُمَّ رُوِيَ مِنْ حَدِيث أَيُّوب بْن جَابِر عَنْ صَدَقَة بْن سَعِيد عَنْ مُصْعَب بْن شَيْبَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ : خَرَجْت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم حُنَيْن وَاَللَّه مَا أَخْرَجَنِي إِسْلَام وَلَا مَعْرِفَة بِهِ وَلَكِنَّنِي أَبَيْت أَنْ تَظْهَر هَوَازِن عَلَى قُرَيْش فَقُلْت وَأَنَا وَاقِف مَعَهُ : يَا رَسُول اللَّه إنِّي أَرَى خَيْلًا بَلْقَاء فَقَالَ " يَا شَيْبَة إِنَّهُ لَا يَرَاهَا إِلَّا كَافِر " فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِي ثُمَّ قَالَ "

اللَّهُمَّ اِهْدِ شَيْبَة " ثُمَّ ضَرَبَهَا الثَّانِيَة ثُمَّ قَالَ " اللَّهُمَّ اِهْدِ شَيْبَة " ثُمَّ ضَرَبَهَا الثَّالِثَة ثُمَّ قَالَ " اللَّهُمَّ اِهْدِ شَيْبَة " قَالَ فَوَاَللَّهِ مَا رَفَعَ يَده عَنْ صَدْرِي فِي الثَّالِثَة حَتَّى مَا كَانَ أَحَد مِنْ خَلْق اللَّه أَحَبّ إلَيَّ مِنْهُ وَذَكَرَ تَمَام الْحَدِيث فِي اِلْتِقَاء النَّاس وَانْهِزَام الْمُسْلِمِينَ وَنِدَاء الْعَبَّاس وَاسْتِنْصَار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى هَزَمَ اللَّه تَعَالَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : حَدَّثَنِي أَبِي إِسْحَاق بْن يَسَار عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ جُبَيْر بْن مُطْعَم رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : إِنَّا لَمَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم حُنَيْن وَالنَّاس يَقْتَتِلُونَ إِذْ نَظَرْت إِلَى مِثْل الْبِجَاد الْأَسْوَد يَهْوِي مِنْ السَّمَاء حَتَّى وَقَعَ بَيْننَا وَبَيْن الْقَوْم فَإِذَا نَمْل مَنْثُور قَدْ مَلَأ الْوَادِي فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا هَزِيمَة قَوْم فَمَا كُنَّا نَشُكّ أَنَّهَا الْمَلَائِكَة وَقَالَ سَعِيد بْن السَّائِب بْن يَسَار عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْت يَزِيد بْن عَامِر السُّوَائِيّ وَكَانَ شَهِدَ حُنَيْنًا مَعَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْد فَكُنَّا نَسْأَلهُ عَنْ الرُّعْب الَّذِي أَلْقَى اللَّه فِي قُلُوب الْمُشْرِكِينَ يَوْم حُنَيْن فَكَانَ يَأْخُذ الْحَصَاة فَيَرْمِي بِهَا فِي الطَّسْت فَيَطِنّ فَيَقُول كُنَّا نَجِد فِي أَجْوَافنَا مِثْل هَذَا وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ شَاهِد مِنْ حَدِيث الْفِهْرِيّ يَزِيد بْن أُسَيْد فَاَللَّه أَعْلَم وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ مُحَمَّد بْن رَافِع عَنْ عَبْد الرَّزَّاق أَنْبَأَنَا مَعْمَر عَنْ هَمَّام قَالَ : هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " نُصِرْت بِالرُّعْبِ وَأُوتِيت جَوَامِع الْكَلِم " وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه سَكِينَته عَلَى رَسُوله وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ " .

ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27)
ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

وَقَوْله " ثُمَّ يَتُوب اللَّه مِنْ بَعْد ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاء وَاَللَّه غَفُور رَحِيم " قَدْ تَابَ اللَّه عَلَى بَقِيَّة هَوَازِن فَأَسْلَمُوا وَقَدِمُوا عَلَيْهِ مُسْلِمِينَ وَلَحِقُوهُ وَقَدْ قَارَبَ مَكَّة عِنْد الْجِعْرَانَة وَذَلِكَ بَعْد الْوَقْعَة بِقَرِيبٍ مِنْ عِشْرِينَ يَوْمًا فَعِنْد ذَلِكَ خَيَّرَهُمْ بَيْن سَبْيهمْ وَبَيْن أَمْوَالهمْ فَاخْتَارُوا سَبْيهمْ وَكَانُوا سِتَّة آلَاف أَسِير مَا بَيْن صَبِيّ وَامْرَأَة فَرَدَّهُ عَلَيْهِمْ وَقَسَمَ الْأَمْوَال بَيْن الْغَانِمِينَ وَنَفَلَ أُنَاسًا مِنْ الطُّلَقَاء لِيَتَأَلَّف قُلُوبهمْ عَلَى الْإِسْلَام فَأَعْطَاهُمْ مِائَة مِنْ الْإِبِل وَكَانَ مِنْ جُمْلَة مَنْ أُعْطِيَ مَاله مَالِك بْن عَوْف النَّضْرِيّ وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى قَوْمه كَمَا كَانَ فَامْتَدَحَهُ بِقَصِيدَتِهِ الَّتِي يَقُول فِيهَا : مَا إِنْ رَأَيْت وَلَا سَمِعْت بِمِثْلِهِ ... فِي النَّاس كُلّهمْ بِمِثْلِ مُحَمَّد أَوْفَى وَأَعْطَى لِلْجَزِيلِ إِذَا اِجْتَدَى ... وَمَتَى يَشَأْ يُخْبِرك عَمَّا فِي غَد وَإِذَا الْكَتِيبَة عَرَّدَتْ أَنْيَابهَا ... بِالسَّمْهَرِيّ وَضَرْب كُلّ مُهَنَّد فَكَأَنَّهُ لَيْث عَلَى أَشْبَاله ... وَسَط الْمَبَاءَة خَادِر فِي مَرْصَد

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ

أَمَرَ تَعَالَى عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ الظَّاهِرِينَ دِينًا وَذَاتًا بِنَفْيِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ هُمْ نَجَس دِينًا عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام وَأَنْ لَا يَقْرَبُوهُ بَعْد نُزُول هَذِهِ الْآيَة وَكَانَ نُزُولهَا فِي سَنَة تِسْع وَلِهَذَا بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا صُحْبَة أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا عَامَئِذ وَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِي مِنْ الْمُشْرِكِينَ : أَنْ لَا يَحُجّ بَعْد هَذَا الْعَام مُشْرِك وَلَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان فَأَتَمَّ اللَّه ذَلِكَ وَحَكَمَ بِهِ شَرْعًا وَقَدَرًا . وَقَالَ عَبْد الرَّازِق أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْر أَنَّهُ سَمِعَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول فِي قَوْله تَعَالَى " إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بَعْد عَامهمْ هَذَا " إِلَّا أَنْ يَكُون عَبْدًا أَوْ أَحَدًا مِنْ أَهْل الذِّمَّة .

وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ وَجْه آخَر فَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا حَسَن حَدَّثَنَا شَرِيك عَنْ الْأَشْعَث يَعْنِي اِبْن سِوَار عَنْ الْحَسَن عَنْ جَابِر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْخُل مَسْجِدنَا بَعْد عَامنَا هَذَا مُشْرِك إِلَّا أَهْل الْعَهْد وَخَدَمهمْ " تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَام أَحْمَد مَرْفُوعًا وَالْمَوْقُوف أَصَحّ إِسْنَادًا وَقَالَ الْإِمَام أَبُو عُمَر وَالْأَوْزَاعِيّ : كَتَبَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنْ اِمْنَعُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى مِنْ دُخُول مَسَاجِد الْمُسْلِمِينَ وَأَتْبَعَ نَهْيه قَوْل اللَّه تَعَالَى " إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس " وَقَالَ عَطَاء : الْحَرَم كُلّه مَسْجِد لِقَوْلِهِ تَعَالَى " فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بَعْد يَوْمهمْ هَذَا " وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة عَلَى نَجَاسَة الْمُشْرِك كَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيح " الْمُؤْمِن لَا يَنْجُس " وَأَمَّا نَجَاسَة بَدَنه فَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْبَدَن وَالذَّات لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَحَلَّ طَعَام أَهْل الْكِتَاب وَذَهَبَ بَعْض الظَّاهِرِيَّة إِلَى نَجَاسَة أَبْدَانهمْ وَقَالَ أَشْعَث عَنْ الْحَسَن : مَنْ صَافَحَهُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ رَوَاهُ اِبْن جَرِير وَقَوْله " إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَة فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّه مِنْ فَضْله " قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : وَذَلِكَ أَنَّ النَّاس قَالُوا : لَتُقْطَعَنَّ عَنَّا الْأَسْوَاق وَلَتَهْلِكَنَّ التِّجَارَة وَلَيَذْهَبَنَّ عَنَّا مَا كُنَّا نُصِيب فِيهَا مِنْ الْمَرَافِق فَأَنْزَلَ اللَّه " وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَة فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّه مِنْ فَضْله " مِنْ وَجْه غَيْر ذَلِكَ " إِنْ شَاءَ " إِلَى قَوْله " وَهُمْ صَاغِرُونَ " أَيْ هَذَا عِوَض مَا تَخَوَّفْتُمْ مِنْ قَطْع تِلْكَ الْأَسْوَاق فَعَوَّضَهُمْ اللَّه مِمَّا قَطَعَ أَمْر الشِّرْك مَا أَعْطَاهُمْ مِنْ أَعْنَاق أَهْل الْكِتَاب مِنْ الْجِزْيَة وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَغَيْرهمْ " إِنَّ اللَّه عَلِيم " أَيْ بِمَا يُصْلِحكُمْ " حَكِيم " أَيْ فِيمَا يَأْمُر بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ الْكَامِل فِي أَفْعَاله وَأَقْوَاله الْعَادِل فِي خَلْقه وَأَمْره تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلِهَذَا عَوَّضَهُمْ عَنْ تِلْكَ الْمَكَاسِب بِأَمْوَالِ الْجِزْيَة الَّتِي يَأْخُذُونَهَا مِنْ أَهْل الذِّمَّة .

قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)
قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ

وَقَوْله تَعَالَى " قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله وَلَا يَدِينُونَ دِين الْحَقّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة عَنْ يَد وَهُمْ صَاغِرُونَ " فَهُمْ فِي نَفْس الْأَمْر لَمَّا كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ إِيمَان صَحِيح بِأَحَدِ الرُّسُل وَلَا بِمَا جَاءُوا بِهِ وَإِنَّمَا يَتَّبِعُونَ آرَاءَهُمْ وَأَهْوَاءَهُمْ وَآبَاءَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ لَا لِأَنَّهُ شَرْع اللَّه وَدِينه لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِمَا بِأَيْدِيهِمْ إِيمَانًا صَحِيحًا لَقَادَهُمْ ذَلِكَ إِلَى الْإِيمَان بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ جَمِيع الْأَنْبِيَاء بَشَّرُوا بِهِ وَأَمَرُوا بِاتِّبَاعِهِ فَلَمَّا جَاءَ كَفَرُوا بِهِ وَهُوَ أَشْرَفَ الرُّسُل عُلِمَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مُتَمَسِّكِينَ بِشَرْعِ الْأَنْبِيَاء الْأَقْدَمِينَ لِأَنَّهُ مِنْ اللَّه . بَلْ لِحُظُوظِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ فَلِهَذَا لَا يَنْفَعهُمْ إِيمَانهمْ بِبَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاء وَقَدْ كَفَرُوا بِسَيِّدِهِمْ وَأَفْضَلهمْ وَخَاتَمهمْ وَأَكْمَلهمْ . وَلِهَذَا قَالَ " قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله وَلَا يَدِينُونَ دِين الْحَقّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب " وَهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة أَوَّل الْأَمْر بِقِتَالِ أَهْل الْكِتَاب بَعْد مَا تَمَهَّدَتْ أُمُور الْمُشْرِكِينَ وَدَخَلَ النَّاس فِي دِين اللَّه أَفْوَاجًا وَاسْتَقَامَتْ جَزِيرَة الْعَرَب أَمَرَ اللَّه رَسُوله بِقِتَالِ أَهْل الْكِتَابَيْنِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَة تِسْع وَلِهَذَا تَجَهَّزَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقِتَالِ الرُّوم وَدَعَا النَّاس إِلَى ذَلِكَ وَأَظْهَرَهُ لَهُمْ وَبَعَثَ إِلَى أَحْيَاء الْعَرَب حَوْل الْمَدِينَة فَنَدَبَهُمْ فَأَوْعَبُوا مَعَهُ وَاجْتَمَعَ مِنْ الْمُقَاتِلَة نَحْو مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفًا وَتَخَلَّفَ بَعْض النَّاس مِنْ أَهْل الْمَدِينَة وَمَنْ حَوْلهَا مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَغَيْرهمْ وَكَانَ ذَلِكَ فِي عَام جَدْب وَوَقْت قَيْظ وَحَرّ وَخَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيد الشَّام لِقِتَالِ الرُّوم فَبَلَغَ تَبُوك فَنَزَلَ بِهَا وَأَقَامَ بِهَا قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ اِسْتَخَارَ اللَّه فِي الرُّجُوع فَرَجَعَ عَامه ذَلِكَ لِضِيقِ الْحَال وَضَعْف النَّاس كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه بَعْد إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .

وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَا تُؤْخَذ الْجِزْيَة إِلَّا مِنْ أَهْل الْكِتَاب أَوْ مِنْ أَشْبَاههمْ كَالْمَجُوسِ كَمَا صَحَّ فِيهِمْ الْحَدِيث أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوس هَجَر وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُور عَنْهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة رَحِمَهُ اللَّه : بَلْ تُؤْخَذ مِنْ جَمِيع الْأَعَاجِم سَوَاء كَانُوا مِنْ أَهْل الْكِتَاب أَوْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَلَا تُؤْخَذ مِنْ الْعَرَب إِلَّا مِنْ أَهْل الْكِتَاب . وَقَالَ الْإِمَام مَالِك : بَلْ يَجُوز أَنْ تُضْرَب الْجِزْيَة عَلَى جَمِيع الْكُفَّار مِنْ كِتَابِيّ وَمَجُوسِيّ وَوَثَنِيّ وَغَيْر ذَلِكَ وَلِمَأْخَذِ هَذِهِ الْمَذَاهِب وَذِكْر أَدِلَّتهَا مَكَان غَيْر هَذَا وَاَللَّه أَعْلَم .

وَقَوْله " حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة " أَيْ إِنْ لَمْ يُسَلِّمُوا " عَنْ يَد " أَيْ عَنْ قَهْر لَهُمْ وَغَلَبَة " وَهُمْ صَاغِرُونَ " أَيْ ذَلِيلُونَ حَقِيرُونَ مُهَانُونَ فَلِهَذَا لَا يَجُوز إِعْزَاز أَهْل الذِّمَّة وَلَا رَفْعهمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَلْ هُمْ أَذِلَّاء صَغَرَة أَشْقِيَاء كَمَا جَاءَ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تَبْدَءُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدهمْ فِي طَرِيق فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقه " وَلِهَذَا اِشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ تِلْكَ الشُّرُوط الْمَعْرُوفَة فِي إِذْلَالهمْ وَتَصْغِيرهمْ وَتَحْقِيرهمْ وَذَلِكَ مِمَّا رَوَاهُ الْأَئِمَّة الْحُفَّاظ مِنْ رِوَايَة عَبْد الرَّحْمَن بْن غَنْم الْأَشْعَرِيّ قَالَ : كَتَبْت لِعُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حِين صَالَحَ نَصَارَى مِنْ أَهْل الشَّام بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا كِتَاب لِعَبْدِ اللَّه عُمَر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نَصَارَى مَدِينَة كَذَا وَكَذَا إِنَّكُمْ لَمَّا قَدِمْتُمْ عَلَيْنَا سَأَلْنَاكُمْ الْأَمَان لِأَنْفُسِنَا وَذَرَارِيّنَا وَأَمْوَالنَا وَأَهْل مِلَّتنَا وَشَرَطْنَا لَكُمْ عَلَى أَنْفُسنَا أَنْ لَا نُحْدِث فِي مَدِينَتنَا وَلَا فِيمَا حَوْلهَا دَيْرًا وَلَا كَنِيسَة وَلَا قلاية وَلَا صَوْمَعَة رَاهِب وَلَا نُجَدِّد مَا خَرِبَ مِنْهَا وَلَا نُحْيِي مِنْهَا مَا كَانَ خُطَطًا لِلْمُسْلِمِينَ وَأَنْ لَا نَمْنَع كَنَائِسنَا أَنْ يَنْزِلهَا أَحَد مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي لَيْل وَلَا نَهَار وَأَنْ نُوَسِّع أَبْوَابهَا لِلْمَارَّةِ وَابْن السَّبِيل وَأَنْ نُنْزِل مِنْ رَأَيْنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَة أَيَّام نُطْعِمهُمْ وَلَا نَأْوِي فِي كَنَائِسنَا وَلَا مَنَازِلنَا جَاسُوسًا وَلَا نَكْتُم غِشًّا لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا نُعَلِّم أَوْلَادنَا الْقُرْآن وَلَا نُظْهِر شِرْكًا وَلَا نَدْعُو إِلَيْهِ أَحَدًا وَلَا نَمْنَع أَحَدًا مِنْ ذَوِي قَرَابَتنَا الدُّخُول فِي الْإِسْلَام إِنْ أَرَادُوهُ وَأَنْ نُوَقِّر الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ نَقُوم لَهُمْ مِنْ مَجَالِسنَا إِنْ أَرَادُوا الْجُلُوس وَلَا نَتَشَبَّه بِهِمْ فِي شَيْء مِنْ مُلَابِسهمْ فِي قَلَنْسُوَة وَلَا عِمَامَة وَلَا نَعْلَيْنِ وَلَا فَرْق شَعْر وَلَا نَتَكَلَّم بِكَلَامِهِمْ وَلَا نَكَتْنِي بِكُنَاهُمْ وَلَا نَرْكَب السُّرُوج وَلَا نَتَقَلَّد السُّيُوف وَلَا نَتَّخِذ شَيْئًا مِنْ السِّلَاح وَلَا نَحْمِلهُ مَعَنَا وَلَا نَنْقُش خَوَاتِيمنَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا نَبِيع الْخُمُور وَأَنْ نَجُزّ مَقَادِيم رُءُوسنَا وَأَنْ نَلْزَم زَيِّنَا حَيْثُمَا كُنَّا وَأَنْ نَشُدّ الزَّنَانِير عَلَى أَوْسَاطنَا وَأَنْ لَا نُظْهِر الصَّلِيب عَلَى كَنَائِسنَا وَأَنْ لَا نُظْهِر صُلُبنَا وَلَا كُتُبنَا فِي شَيْء مِنْ طُرُق الْمُسْلِمِينَ وَلَا أَسْوَاقهمْ وَلَا نَضْرِب نَوَاقِيسنَا فِي كَنَائِسنَا إِلَّا ضَرْبًا خَفِيفًا وَأَنْ لَا نَرْفَع أَصْوَاتنَا بِالْقِرَاءَةِ فِي كَنَائِسنَا فِي شَيْء فِي حَضْرَة الْمُسْلِمِينَ وَلَا نَخْرُج شَعَّانِينَ وَلَا بُعُوثًا وَلَا نَرْفَع أَصْوَاتنَا مَعَ مَوْتَانَا وَلَا نُظْهِر النِّيرَان مَعَهُمْ فِي شَيْء مِنْ طُرُق الْمُسْلِمِينَ وَلَا أَسْوَاقهمْ وَلَا نُجَاوِرهُمْ بِمَوْتَانَا

وَلَا نَتَّخِذ مِنْ الرَّقِيق مَا جَرَى عَلَيْهِ سِهَام الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ نُرْشِد الْمُسْلِمِينَ وَلَا نَطْلُع عَلَيْهِمْ فِي مَنَازِلهمْ . قَالَ فَلَمَّا أَتَيْت عُمَر بِالْكِتَابِ زَادَ فِيهِ وَلَا نَضْرِب أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَرَطْنَا لَكُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنْفُسنَا وَأَهْل مِلَّتنَا وَقَبِلْنَا عَلَيْهِ الْأَمَان فَإِنْ نَحْنُ خَالَفْنَا فِي شَيْء مِمَّا شَرَطْنَاهُ لَكُمْ وَوَظَّفْنَا عَلَى أَنْفُسنَا فَلَا ذِمَّة لَنَا وَقَدْ حَلَّ لَكُمْ مِنَّا مَا يَحِلّ مِنْ أَهْل الْمُعَانَدَة وَالشِّقَاق .

وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ

وَهَذَا إِغْرَاء مِنْ اللَّه تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى قِتَال الْكُفَّار مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى لِمَقَالَتِهِمْ هَذِهِ الْمَقَالَة الشَّنِيعَة وَالْفِرْيَة عَلَى اللَّه تَعَالَى فَأَمَّا الْيَهُود فَقَالُوا فِي الْعُزَيْر إنَّهُ اِبْن اللَّه تَعَالَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا وَذَكَرَ السُّدِّيّ وَغَيْره أَنَّ الشُّبْهَة الَّتِي حَصَلَتْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعَمَالِقَة لَمَّا غَلَبَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل فَقَتَلُوا عُلَمَاءَهُمْ وَسَبُّوا كِبَارهمْ بَقِيَ الْعُزَيْر يَبْكِي عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل وَذَهَاب الْعِلْم مِنْهُمْ حَتَّى سَقَطَتْ جُفُون عَيْنَيْهِ فَبَيْنَمَا هُوَ ذَات يَوْم إِذْ مَرَّ عَلَى جَبَّانَة وَإِذَا اِمْرَأَة تَبْكِي عِنْد قَبْر وَهِيَ تَقُول وَامُطْعِمَاه وَاكَاسِيَاه فَقَالَ لَهَا : وَيْحك مَنْ كَانَ يُطْعِمك قَبْل هَذَا ؟ قَالَتْ اللَّه قَالَ : فَإِنَّ اللَّه حَيّ لَا يَمُوت قَالَتْ : يَا عُزَيْر فَمَنْ كَانَ يُعَلِّم الْعُلَمَاء قَبْل بَنِي إِسْرَائِيل ؟ قَالَ : اللَّه قَالَتْ : فَلِمَ تَبْكِي عَلَيْهِمْ ؟ فَعَرَفَ أَنَّهُ شَيْء قَدْ وَعَظَ بِهِ ثُمَّ قِيلَ لَهُ اِذْهَبْ إِلَى نَهَر كَذَا فَاغْتَسِلْ مِنْهُ وَصَلِّ هُنَاكَ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّك سَتَلْقَى هُنَاكَ شَيْخًا فَمَا أَطْعَمَك فَكُلْهُ فَذَهَبَ فَفَعَلَ مَا أَمَرَ بِهِ فَإِذَا الشَّيْخ فَقَالَ لَهُ : اِفْتَحْ فَمك فَفَتْح فَمه فَأَلْقَى فِيهِ شَيْئًا كَهَيْئَةِ الْجَرَّة الْعَظِيمَة ثَلَاث مَرَّات فَرَجَعَ عُزَيْر وَهُوَ مِنْ أَعْلَم النَّاس بِالتَّوْرَاةِ فَقَالَ يَا بَنِي إِسْرَائِيل قَدْ جِئْتُكُمْ بِالتَّوْرَاةِ فَقَالُوا يَا عُزَيْر مَا كُنْت كَذَّابًا فَعَمَدَ فَرَبَطَ عَلَى إِصْبَع مِنْ أَصَابِعه قَلَمًا وَكَتَبَ التَّوْرَاة بِإِصْبَعِهِ كُلّهَا فَلَمَّا تَرَاجَعَ النَّاس مِنْ عَدُوّهُمْ وَرَجَعَ الْعُلَمَاء أَخْبَرُوا بِشَأْنِ عُزَيْر فَاسْتَخْرَجُوا النُّسَخ الَّتِي كَانُوا أَوْدَعُوهَا فِي الْجِبَال وَقَابَلُوهُ بِهَا فَوَجَدُوا مَا جَاءَ بِهِ صَحِيحًا فَقَالَ بَعْض جَهَلَتهمْ إِنَّمَا صَنَعَ هَذَا لِأَنَّهُ اِبْن اللَّه وَأَمَّا ضَلَال النَّصَارَى فِي الْمَسِيح فَظَاهِر ; وَلِهَذَا كَذَّبَ اللَّه سُبْحَانه الطَّائِفَتَيْنِ فَقَالَ " ذَلِكَ قَوْلهمْ بِأَفْوَاهِهِمْ " أَيْ لَا مُسْتَنَد لَهُمْ فِيمَا اِدَّعَوْهُ سِوَى اِفْتِرَائِهِمْ وَاخْتِلَافهمْ " يُضَاهِئُونَ " أَيْ يُشَابِهُونَ " قَوْل الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْل " أَيْ مِنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم ضَلُّوا كَمَا ضَلَّ هَؤُلَاءِ " قَاتَلَهُمْ اللَّه " وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : لَعَنَهُمْ اللَّه " أَنَّى يُؤْفَكُونَ " أَيْ كَيْف يَضِلُّونَ عَنْ الْحَقّ وَهُوَ ظَاهِر وَيَعْدِلُونَ إِلَى الْبَاطِل ؟ .

اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ

وَقَوْله " اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه وَالْمَسِيح اِبْن مَرْيَم " رَوَى الْإِمَام أَحْمَد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جَرِير مِنْ طُرُق عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَتْهُ دَعْوَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّ إِلَى الشَّام وَكَانَ قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّة فَأُسِرَتْ أُخْته وَجَمَاعَة مِنْ قَوْمه ثُمَّ مَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُخْته وَأَعْتَقَهَا فَرَجَعَتْ إِلَى أَخِيهَا فَرَغَّبَتْهُ فِي الْإِسْلَام وَفِي الْقُدُوم عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقَدَّمَ عَدِيّ إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ رَئِيسًا فِي قَوْمه طَيْئ وَأَبُوهُ حَاتِم الطَّائِيّ الْمَشْهُور بِالْكَرْمِ فَتَحَدَّثَ النَّاس بِقُدُومِهِ فَدَخَلَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ وَفِي عُنُق عَدِيّ صَلِيب مِنْ فِضَّة وَهُوَ يَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة " اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه " قَالَ : فَقُلْت إِنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوهُمْ فَقَالَ " بَلَى إِنَّهُمْ حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ الْحَلَال وَأَحَلُّوا لَهُمْ الْحَرَام فَاتَّبَعُوهُمْ فَذَلِكَ عِبَادَتهمْ إِيَّاهُمْ " وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا عَدِيّ مَا تَقُول ؟ أَيَضُرُّك أَنْ يُقَال اللَّه أَكْبَر ؟ فَهَلْ تَعْلَم شَيْئًا أَكْبَر مِنْ اللَّه ؟ مَا يَضُرّك أَيَضُرُّك أَنْ يُقَال لَا إِلَه إِلَّا اللَّه فَهَلْ تَعْلَم إِلَهًا غَيْر اللَّه ؟ ثُمَّ دَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَام فَأَسْلَمَ وَشَهِدَ شَهَادَة الْحَقّ قَالَ : فَلَقَدْ رَأَيْت وَجْهه اِسْتَبْشَرَ ثُمَّ قَالَ " إِنَّ الْيَهُود مَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ " وَهَكَذَا قَالَ حُذَيْفَة بْن الْيَمَان وَعَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَغَيْرهمَا فِي تَفْسِير " اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه " إنَّهُمْ اِتَّبَعُوهُمْ فِيمَا حَلَّلُوا وَحَرَّمُوا وَقَالَ السُّدِّيّ اِسْتَنْصَحُوا الرِّجَال وَنَبَذُوا كِتَاب اللَّه وَرَاء ظُهُورهمْ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا " أَيْ الَّذِي إِذَا حَرَّمَ الشَّيْء فَهُوَ الْحَرَام وَمَا حَلَّلَهُ فَهُوَ الْحَلَال وَمَا شَرَعَهُ اُتُّبِعَ وَمَا حَكَمَ بِهِ نَفَذَ " لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَلَا رَبّ سِوَاهُ .

يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)
يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ

يَقُول تَعَالَى : يُرِيد هَؤُلَاءِ الْكُفَّار مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْل الْكِتَاب " أَنْ يُطْفِئُوا نُور اللَّه " أَيْ مَا بُعِثَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْهُدَى وَدِين الْحَقّ بِمُجَرَّدِ جِدَالهمْ وَافْتِرَائِهِمْ فَمَثَلهمْ فِي ذَلِكَ كَمَثَلِ مَنْ يُرِيد أَنْ يُطْفِئ شُعَاع الشَّمْس أَوْ نُور الْقَمَر بِنَفْخِهِ وَهَذَا لَا سَبِيل إِلَيْهِ فَكَذَلِكَ مَا أُرْسِلَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بُدّ أَنْ يَتِمّ وَيَظْهَر وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى مُقَابِلًا لَهُمْ فِيمَا رَامُوهُ وَأَرَادُوهُ " وَيَأْبَى اللَّه إِلَّا أَنْ يُتِمّ نُوره وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ " وَالْكَافِر هُوَ الَّذِي يَسْتُر الشَّيْء وَيُغَطِّيه وَمِنْهُ سُمِّيَ اللَّيْل كَافِرًا لِأَنَّهُ يَسْتُر الْأَشْيَاء وَالزَّارِع كَافِرًا لِأَنَّهُ يُغَطِّي الْحَبّ فِي الْأَرْض كَمَا قَالَ " يُعْجِب الْكُفَّار نَبَاته" .

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى " هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله بِالْهُدَى وَدِين الْحَقّ " فَالْهُدَى هُوَ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْإخْبَارَات الصَّادِقَة وَالْإِيمَان الصَّحِيح وَالْعِلْم النَّافِع وَدِين الْحَقّ هُوَ الْأَعْمَال الصَّالِحَة الصَّحِيحَة النَّافِعَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة " لِيُظْهِرهُ عَلَى الدِّين كُلّه " أَيْ عَلَى سَائِر الْأَدْيَان كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيح عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " إِنَّ اللَّه زَوَى لِيَ الْأَرْض مَشَارِقهَا وَمَغَارِبهَا وَسَيَبْلُغُ مُلْك أُمَّتِي مَا زَوَى لِي مِنْهَا " . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي يَعْقُوب سَمِعْت شَقِيق بْن حَيَّان يُحَدِّث عَنْ مَسْعُود بْن قَبِيصَة أَوْ قَبِيصَة بْن مَسْعُود يَقُول : صَلَّى هَذَا الْحَيّ مِنْ مُحَارِب الصُّبْح فَلَمَّا صَلَّوْا قَالَ شَابّ مِنْهُمْ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ يَقُول " إِنَّهُ سَتُفْتَحُ لَكُمْ مَشَارِق الْأَرْض وَمَغَارِبهَا وَإِنَّ عُمَّالهَا فِي النَّار إِلَّا مَنْ اِتَّقَى اللَّه وَأَدَّى الْأَمَانَة " . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَة حَدَّثَنَا صَفْوَان حَدَّثَنَا سُلَيْم بْن عَامِر عَنْ تَمِيم الدَّارِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْر مَا بَلَغَ اللَّيْل وَالنَّهَار وَلَا يَتْرُك اللَّه بَيْت مَدَر وَلَا وَبَر إِلَّا أَدْخَلَهُ هَذَا الدِّين يُعِزّ عَزِيزًا وَيُذِلّ ذَلِيلًا عِزًّا يُعِزّ اللَّه بِهِ الْإِسْلَام وَذُلًّا يُذِلّ اللَّه بِهِ الْكُفْر " فَكَانَ تَمِيم الدَّارِيّ يَقُول : قَدْ عَرَفْت ذَلِكَ فِي أَهْل بَيْتِي لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ الْخَيْر وَالشَّرَف وَالْعِزّ وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ كَافِرًا مِنْهُمْ الذُّلّ وَالصَّغَار وَالْجِزْيَة .

وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن عَبْد رَبّه حَدَّثَنَا الْوَلِيد بْن مُسْلِم حَدَّثَنِي اِبْن جَابِر سَمِعْت سُلَيْم بْن عَامِر قَالَ : سَمِعْت الْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد يَقُول : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " لَا يَبْقَى عَلَى وَجْه الْأَرْض بَيْت مَدَر وَلَا وَبَر إِلَّا دَخَلَتْهُ كَلِمَة الْإِسْلَام يُعِزّ عَزِيزًا وَيُذِلّ ذَلِيلًا إِمَّا يُعِزّهُمْ اللَّه فَيَجْعَلهُمْ مِنْ أَهْلهَا وَإِمَّا يُذِلّهُمْ فَيَدِينُونَ لَهَا " وَفِي الْمُسْنَد أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي عَدِيّ عَنْ اِبْن عَوْن عَنْ اِبْن سِيرِين عَنْ أَبِي حُذَيْفَة عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم سَمِعَهُ يَقُول : دَخَلْت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " يَا عَدِيّ أَسْلِمْ تَسْلَم " فَقُلْت إنِّي مِنْ أَهْل دِين قَالَ " أَنَا أَعْلَم بِدِينِك مِنْك " فَقُلْت أَنْتَ أَعْلَم بِدِينِي مِنِّي ؟ قَالَ " نَعَمْ أَلَسْت مِنْ الرَّكُوسِيَّة وَأَنْتَ تَأْكُل مِرْبَاع قَوْمك ؟ " قُلْت بَلَى ! قَالَ " فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلّ لَك فِي دِينك " قَالَ فَلَمْ يَعُدْ أَنْ قَالَهَا فَتَوَاضَعْت لَهَا قَالَ " أَمَا إِنِّي أَعْلَم مَا الَّذِي يَمْنَعك مِنْ الْإِسْلَام تَقُول إِنَّمَا اِتَّبَعَهُ ضَعَفَة النَّاس وَمَنْ لَا قُوَّة لَهُ وَقَدْ رَمَتْهُمْ الْعَرَب أَتَعْرِفُ الْحِيرَة ؟ " قُلْت لَمْ أَرَهَا وَقَدْ سَمِعْت بِهَا قَالَ " فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّه هَذَا الْأَمْر حَتَّى تَخْرُج الظَّعِينَة مِنْ الْحِيرَة حَتَّى تَطُوف بِالْبَيْتِ مِنْ غَيْر جِوَار أَحَد وَلَتُفْتَحَنَّ كُنُوز كِسْرَى بْن هُرْمُز " قُلْت كِسْرَى بْن هُرْمُز ؟ قَالَ " نَعَمْ كِسْرَى بْن هُرْمُز وَلَيُبْذَلَنَّ الْمَال حَتَّى لَا يَقْبَلهُ أَحَد " قَالَ عَدِيّ : فَهَذِهِ الظَّعِينَة تَخْرُج مِنْ الْحِيرَة فَتَطُوف بِالْبَيْتِ مِنْ غَيْر جِوَار أَحَد وَلَقَدْ كُنْت فِيمَنْ فَتَحَ كُنُوز كِسْرَى بْن هُرْمُز وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكُونَنَّ الثَّالِثَة لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَهَا . وَقَالَ مُسْلِم : حَدَّثَنَا أَبُو مَعْن زَيْد بْن يَزِيد الرَّقَاشِيّ حَدَّثَنَا خَالِد بْن الْحَارِث حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن جَعْفَر عَنْ الْأَسْوَد بْن الْعَلَاء عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا " قَالَتْ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " لَا يَذْهَب اللَّيْل وَالنَّهَار حَتَّى تُعْبَد اللَّات وَالْعُزَّى " فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه إِنْ كُنْت لَأَظُنّ حِين أَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله بِالْهُدَى وَدِين الْحَقّ " الْآيَة أَنَّ ذَلِكَ تَامّ قَالَ " إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَبْعَث اللَّه رِيحًا طَيِّبَة فَيُتَوَفَّى كُلّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبه مِثْقَال حَبَّة خَرْدَل مِنْ إِيمَان فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْر فِيهِ فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِين آبَائِهِمْ " .


 توقيع : شيخة رواية

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 04-14-2019   #4



 عضويتي » 726
 اشراقتي ♡ » Jul 2018
 كُـنتَ هُـنا » منذ 2 ساعات (07:17 AM)
موآضيعي » 17453
آبدآعاتي » 2,166,405
 تقييمآتي » 1567990
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
 حالتي الآن »
آلقسم آلمفضل  » العآم♡
آلعمر  » 24سنة
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط ♡
تم شكري »  29,498
شكرت » 11,217
الاعجابات المتلقاة » 1422
الاعجابات المُرسلة » 3992
 التقييم » شيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مُتنفسي هنا » مُتنفسي هنا
مَزآجِي  »  فديتك_ياغلاهم
 
قَدَاسَة طُهِّرَ | | أَوْسِمَتِي | |
وسآم || - نُشطاء روآية عشق  


/ نقاط: 0

وسآم || مشاركين..توقعات كاس امم اسيا  


/ نقاط: 0

♥ وسام |وجودك سعادة ●  


/ نقاط: 0

وسآم - ♥ | سنة حلوة عليكم آل رواية 2024  


/ نقاط: 0

وسآم -|| ♥| تكريم نشطآء الاسبوع ●  


/ نقاط: 0

  كل الاوسمة: 68

شيخة رواية متواجد حالياً

افتراضي



يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ

قَالَ السُّدِّيّ الْأَحْبَار مِنْ الْيَهُود وَالرُّهْبَان مِنْ النَّصَارَى وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ الْأَحْبَار هُمْ عُلَمَاء الْيَهُود كَمَا قَالَ تَعَالَى " لَوْلَا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار عَنْ قَوْلهمْ الْإِثْم وَأَكْلهمْ السُّحْت " وَالرُّهْبَان عُبَّاد النَّصَارَى وَالْقِسِّيسُونَ عُلَمَاؤُهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى " ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا " وَالْمَقْصُود التَّحْذِير مِنْ عُلَمَاء السُّوء وَعُبَّاد الضَّلَال كَمَا قَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة : مَنْ فَسَدَ مِنْ عُلَمَائِنَا كَانَ فِيهِ شَبَه مِنْ الْيَهُود وَمَنْ فَسَدَ مِنْ عُبَّادنَا كَانَ فِيهِ شَبَه مِنْ النَّصَارَى وَفِي الْحَدِيث الصَّحِيح " لَتَرْكَبُنَّ سُنَن مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ حَذْو الْقُذَّة بِالْقُذَّةِ " قَالُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى ؟ قَالَ فَمَنْ ؟ وَفِي رِوَايَة فَارِس وَالرُّوم قَالَ " فَمَنْ النَّاس إِلَّا هَؤُلَاءِ ؟ " وَالْحَاصِل التَّحْذِير مِنْ التَّشَبُّه بِهِمْ فِي أَقْوَالهمْ وَأَحْوَالهمْ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " لَيَأْكُلُونَ أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه " وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ وَمَنَاصِبهمْ وَرِيَاسَتهمْ فِي النَّاس يَأْكُلُونَ أَمْوَالهمْ بِذَلِكَ كَمَا كَانَ لِأَحْبَارِ الْيَهُود عَلَى أَهْل الْجَاهِلِيَّة شَرَف وَلَهُمْ عِنْدهمْ خَرْج وَهَدَايَا وَضَرَائِب تَجِيء إِلَيْهِمْ فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَمَرُّوا عَلَى ضَلَالهمْ وَكُفْرهمْ وَعِنَادهمْ طَمَعًا مِنْهُمْ أَنْ تَبْقَى لَهُمْ تِلْكَ الرِّيَاسَات فَأَطْفَأَهَا اللَّه بِنُورِ النُّبُوَّة وَسَلَبَهُمْ إِيَّاهَا وَعَوَّضَهُمْ الذُّلّ وَالصَّغَار وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه تَعَالَى وَقَوْله تَعَالَى " وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه " أَيْ وَهُمْ مَعَ أَكْلهمْ الْحَرَام يَصُدُّونَ النَّاس عَنْ اِتِّبَاع الْحَقّ وَيُلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَيُظْهِرُونَ لِمَنْ اِتَّبَعَهُمْ مِنْ الْجَهَلَة أَنَّهُمْ يَدْعُونَهُ إِلَى الْخَيْر وَلَيْسُوا كَمَا يَزْعُمُونَ بَلْ هُمْ دُعَاة إِلَى النَّار وَيَوْم الْقِيَامَة لَا يُنْصَرُونَ وَقَوْله " وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه " الْآيَة هَؤُلَاءِ هُمْ الْقِسْم الثَّالِث مِنْ رُءُوس النَّاس فَإِنَّ النَّاس عَالَة عَلَى الْعُلَمَاء وَعَلَى الْعِبَاد وَعَلَى أَرْبَاب الْأَمْوَال فَإِذَا فَسَدَتْ أَحْوَال هَؤُلَاءِ فَسَدَتْ أَحْوَال النَّاس كَمَا قَالَ اِبْن الْمُبَارَك . وَهَلْ أَفْسَدَ الدِّين إِلَّا الْمُلُوك ... وَأَحْبَار سُوء وَرُهْبَانهَا

وَأَمَّا الْكَنْز فَقَالَ مَالِك عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار عَنْ اِبْن عُمَر : هُوَ الْمَال الَّذِي لَا تُؤَدَّى زَكَاته وَرَوَى الثَّوْرِيّ وَغَيْره عَنْ عُبَيْد اللَّه عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : مَا أُدِّيَ زَكَاته فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ تَحْت سَبْع أَرَضِينَ وَمَا كَانَ ظَاهِرًا لَا تُؤَدَّى زَكَاته فَهُوَ كَنْز وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ اِبْن عَبَّاس وَجَابِر وَأَبِي هُرَيْرَة مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب نَحْوه أَيّمَا مَال أُدِّيَتْ زَكَاته فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا فِي الْأَرْض وَأَيّمَا مَال لَمْ تُؤَدَّ زَكَاته فَهُوَ كَنْز يُكْوَى بِهِ صَاحِبه وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْه الْأَرْض . وَرَوَى الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيث الزُّهْرِيّ عَنْ خَالِد بْن أَسْلَم قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر قَالَ : هَذَا قَبْل أَنْ تَنْزِل الزَّكَاة فَلَمَّا نَزَلَتْ جَعَلَهَا اللَّه طُهْرَة لِلْأَمْوَالِ وَكَذَا قَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَعِرَاك بْن مَالِك نَسَخَهَا قَوْله تَعَالَى " خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة " الْآيَة . وَقَالَ سَعِيد بْن مُحَمَّد بْن زِيَاد عَنْ أَبِي أُمَامَة أَنَّهُ قَالَ : حِلْيَة السُّيُوف مِنْ الْكَنْز . مَا أُحَدِّثكُمْ إِلَّا مَا سَمِعْت مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الثَّوْرِيّ عَنْ أَبِي حُصَيْن عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ جَعْدَة بْن هُبَيْرَة عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : أَرْبَعَة آلَاف فَمَا دُونهَا نَفَقَة فَمَا كَانَ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَنْز وَهَذَا غَرِيب . وَقَدْ جَاءَ فِي مَدْح التَّقَلُّل مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَذَمّ التَّكَثُّر مِنْهَا أَحَادِيث كَثِيرَة وَلْنُورِدْ مِنْهَا هُنَا طَرَفًا يَدُلّ عَلَى الْبَاقِي قَالَ عَبْد الرَّازِق : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ أَخْبَرَنِي أَبُو حُصَيْن عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ جَعْدَة بْن هُبَيْرَة عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي قَوْله " وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة " الْآيَة قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تَبًّا لِلذَّهَبِ تَبًّا لِلْفِضَّةِ " يَقُولهَا ثَلَاثًا قَالَ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا فَأَيّ مَال نَتَّخِذ ؟ فَقَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَا أَعْلَم لَكُمْ ذَلِكَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ أَصْحَابك قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا فَأَيّ الْمَال نَتَّخِذ قَالَ " لِسَانًا ذَاكِرًا وَقَلْبًا شَاكِرًا وَزَوْجَة تُعِين أَحَدكُمْ عَلَى دِينه " . " حَدِيث آخَر " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ أَبِي مُحَمَّد بْن جَعْفَر حَدَّثَنَا شُعْبَة حَدَّثَنِي سَالِم بْن عَبْد اللَّه أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي الْهُذَيْل حَدَّثَنِي صَاحِب لِي أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ قَالَ " تَبًّا لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّة " قَالَ وَحَدَّثَنِي صَاحِبِي أَنَّهُ اِنْطَلَقَ مَعَ عُمَر بْن الْخَطَّاب فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه قَوْلك " تَبًّا لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّة " مَاذَا نَدَّخِر ؟ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لِسَانًا ذَاكِرًا وَقَلْبًا شَاكِرًا وَزَوْجَة تُعِين عَلَى الْآخِرَة " .

" حَدِيث آخَر " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا وَكِيع حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد عَنْ ثَوْبَان قَالَ : لَمَّا نَزَلَ فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة مَا نَزَلَ قَالُوا فَأَيّ الْمَال نَتَّخِذ ؟ قَالَ عُمَر فَأَنَا أَعْلَم لَكُمْ ذَلِكَ . فَأَوْضَعَ عَلَى بَعِير فَأَدْرَكَهُ وَأَنَا فِي أَثَره فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه أَيّ الْمَال نَتَّخِذ ؟ قَالَ " قَلْبًا شَاكِرًا وَلِسَانًا ذَاكِرًا وَزَوْجَة تُعِين أَحَدكُمْ عَلَى أَمْر الْآخِرَة " وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَهْ مِنْ غَيْر وَجْه عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن وَحُكِيَ عَنْ الْبُخَارِيّ أَنَّ سَالِمًا لَمْ يَسْمَعهُ مِنْ ثَوْبَان قُلْت : وَلِهَذَا رَوَاهُ بَعْضهمْ عَنْهُ مُرْسَلًا وَاَللَّه أَعْلَم . " حَدِيث آخَر " قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَالِك حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن يَعْلَى الْمُحَارِبِيّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا غَيْلَان بْن جَامِع الْمُحَارِبِيّ عَنْ عُثْمَان بْن أَبِي الْيَقْظَان عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي إِيَاس عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة " وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة " الْآيَة كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَالُوا مَا يَسْتَطِيع أَحَد مِنَّا يَدَع لِوَلَدِهِ مَالًا يَبْقَى بَعْده فَقَالَ عُمَر : أَنَا أُفَرِّج عَنْكُمْ فَانْطَلَقَ عُمَر وَاتَّبَعَهُ ثَوْبَان فَأَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه إِنَّهُ قَدْ كَبُرَ عَلَى أَصْحَابك هَذِهِ الْآيَة . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّه لَمْ يَفْرِض الزَّكَاة إِلَّا لِيُطَيِّب بِهَا مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالكُمْ وَإِنَّمَا فَرَضَ الْمَوَارِيث مِنْ أَمْوَال تَبْقَى بَعْدكُمْ " قَالَ فَكَبَّرَ عُمَر ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَلَا أُخْبِرك بِخَيْرِ مَا يَكْنِز الْمَرْء الْمَرْأَة الصَّالِحَة الَّتِي إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ " وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه وَابْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيث يَحْيَى بْن يَعْلَى بِهِ وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح عَلَى شَرْطهمَا وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ .

" حَدِيث آخَر " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا رَوْح حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيّ عَنْ حَسَّان بْن عَطِيَّة قَالَ : كَانَ شَدَّاد بْن أَوْس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي سَفَر فَنَزَلَ مَنْزِلًا فَقَالَ لِغُلَامِهِ اِئْتِنَا بِالشَّفْرَة نَعْبَث بِهَا فَأَنْكَرْت عَلَيْهِ فَقَالَ مَا تَكَلَّمْت بِكَلِمَةٍ مُنْذُ أَسْلَمْت إِلَّا وَأَنَا أَخْطِمهَا وَأَزُمّهَا غَيْر كَلِمَتِي هَذِهِ فَلَا تَحْفَظُوهَا عَلَيَّ وَاحْفَظُوا مَا أَقُول لَكُمْ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " إِذَا كَنَزَ النَّاس الذَّهَب وَالْفِضَّة فَاكْنِزُوا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات اللَّهُمَّ إِنَى أَسْأَلك الثَّبَات فِي الْأَمْر وَالْعَزِيمَة عَلَى الرُّشْد وَأَسْأَلك شُكْر نِعْمَتك وَأَسْأَلك حُسْن عِبَادَتك وَأَسْأَلك قَلْبًا سَلِيمًا وَأَسْأَلك لِسَانًا صَادِقًا وَأَسْأَلك مِنْ خَيْر مَا تَعْلَم وَأَعُوذ بِك مِنْ شَرّ مَا تَعْلَم وَأَسْتَغْفِرك لِمَا تَعْلَم إِنَّك أَنْتَ عَلَّام الْغُيُوب " .

يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)
يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ

قَوْله تَعَالَى " يَوْم يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّم فَتُكْوَى بِهَا جِبَاههمْ وَجُنُوبهمْ وَظُهُورهمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ " أَيْ يُقَال لَهُمْ هَذَا الْكَلَام تَبْكِيتًا وَتَقْرِيعًا وَتَهَكُّمًا كَمَا فِي قَوْله " ثُمَّ صُبُّوا فَوْق رَأْسِهِ مِنْ عَذَاب الْحَمِيم ذُقْ إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْكَرِيم " أَيْ هَذَا بِذَاكَ وَهَذَا الَّذِي كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ لِأَنْفُسِكُمْ وَلِهَذَا يُقَال مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا وَقَدَّمَهُ عَلَى طَاعَة اللَّه عُذِّبَ بِهِ وَهَؤُلَاءِ لَمَّا كَانَ جَمْع هَذِهِ الْأَمْوَال آثَر عِنْدهمْ مِنْ رِضَا اللَّه عِنْدهمْ عُذِّبُوا بِهَا كَمَا كَانَ أَبُو لَهَب لَعَنْهُ اللَّه جَاهِدَا فِي عَدَاوَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَامْرَأَته تُعِينهُ فِي ذَلِكَ كَانَتْ يَوْم الْقِيَامَة عَوْنًا عَلَى عَذَابه أَيْضًا فِي جِيدهَا أَيْ عُنُقهَا حَبْل مِنْ مَسَد أَيْ تَجْمَع مِنْ الْحَطَب فِي النَّار وَتُلْقِي عَلَيْهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَبْلَغ فِي عَذَابه مِمَّنْ هُوَ أَشْفَق عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا كَمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَمْوَال لَمَّا كَانَتْ أَعَزّ الْأَمْوَال عَلَى أَرْبَابهَا كَانَتْ أَضَرّ الْأَشْيَاء عَلَيْهِمْ فِي الدَّار الْآخِرَة فَيُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّم وَنَاهِيك بِحَرِّهَا فَتُكْوَى بِهَا جِبَاههمْ وَجُنُوبهمْ وَظُهُورهمْ . قَالَ سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن مُرَّة عَنْ مَسْرُوق عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : وَاَلَّذِي لَا إِلَه غَيْره لَا يُكْوَى عَبْد يَكْنِز فَيَمَسّ دِينَار دِينَارًا وَلَا دِرْهَم دِرْهَمًا وَلَكِنْ يُوَسَّع جِلْده فَيُوضَع كُلّ دِينَار وَدِرْهَم عَلَى حِدَته وَقَدْ رَوَاهُ اِبْن مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا وَلَا يَصِحّ رَفْعه وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ اِبْن طَاوُس عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ الْكَنْز يَتَحَوَّل يَوْم الْقِيَامَة شُجَاعًا يَتْبَع صَاحِبه وَهُوَ يَفِرّ مِنْهُ وَيَقُول : أَنَا كَنْزك لَا يُدْرِك مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا أَخَذَهُ . وَقَالَ الْإِمَام أَبُو جَعْفَر بْن جَرِير : حَدَّثَنَا بِشْر حَدَّثَنَا يَزِيد حَدَّثَنَا سَعِيد عَنْ قَتَادَة عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد عَنْ مَعْدَان بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ ثَوْبَان أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول " مَنْ تَرَكَ بَعْده كَنْزًا مُثِّلَ لَهُ يَوْم الْقِيَامَة شُجَاعًا أَقْرَع لَهُ زَبِيبَتَانِ يَتْبَعهُ وَيَقُول وَيْلك مَا أَنْتَ ؟ فَيَقُول أَنَا كَنْزك الَّذِي تَرَكْته بَعْدك وَلَا يَزَال يَتْبَعهُ حَتَّى يُلْقِمهُ يَده فَيَقْضِمهَا ثُمَّ يُتْبِعهَا سَائِر جَسَده وَرَوَاهُ اِبْن حِبَّان فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيث يَزِيد عَنْ سَعِيد بِهِ .

وَأَصْل هَذَا الْحَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَة أَبِي الزِّنَاد عَنْ الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : مَا مِنْ رَجُل لَا يُؤَدِّي زَكَاة مَاله إِلَّا جُعِلَ لَهُ يَوْم الْقِيَامَة صَفَائِح مِنْ نَار فَيُكْوَى بِهَا جَنْبه وَجَبْهَته وَظَهْره فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة حَتَّى يُقْضَى بَيْن الْعِبَاد ثُمَّ يَرَى سَبِيله إِمَّا إِلَى الْجَنَّة وَإِمَّا إِلَى النَّار وَذَكَرَ تَمَام الْحَدِيث وَقَالَ الْبُخَارِيّ فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة حَدَّثَنَا قُتَيْبَة بْن سَعِيد حَدَّثَنَا جَرِير عَنْ حُصَيْن عَنْ زَيْد بْن وَهْب قَالَ : مَرَرْت عَلَى أَبِي ذَرّ بِالرَّبَذَة فَقُلْت : مَا أَنْزَلَك بِهَذِهِ الْأَرْض ؟ قَالَ : كُنَّا بِالشَّامِ فَقَرَأْت " وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم " فَقَالَ مُعَاوِيَة : مَا هَذِهِ فِينَا مَا هَذِهِ إِلَّا فِي أَهْل الْكِتَاب قَالَ : قُلْت إِنَّهَا لَفِينَا وَفِيهِمْ .

وَرَوَاهُ اِبْن جَرِير مِنْ حَدِيث عُبَيْد بْن الْقَاسِم عَنْ حُصَيْن عَنْ زَيْد بْن وَهْب عَنْ أَبِي ذَرّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَذَكَرَهُ وَزَادَ فَارْتَفَعَ فِي ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنه الْقَوْل فَكَتَبَ إِلَى عُثْمَان يَشْكُونِي فَكَتَبَ إِلَيَّ عُثْمَان أَنْ أُقْبِل إِلَيْهِ قَالَ فَأَقْبَلْت إِلَيْهِ فَلَمَّا قَدِمْت الْمَدِينَة رَكِبَنِي النَّاس كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْل يَوْمئِذٍ فَشَكَوْت ذَلِكَ إِلَى عُثْمَان فَقَالَ لِي : تَنَحَّ قَرِيبًا قُلْت وَاَللَّه مَا أَدَع مَا كُنْت أَقُول " قُلْت " كَانَ مِنْ مَذْهَب أَبِي ذَرّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ تَحْرِيم اِدِّخَار مَا زَادَ عَلَى نَفَقَة الْعِيَال وَكَانَ يُفْتِي بِذَلِكَ وَيَحُثّهُمْ عَلَيْهِ وَيَأْمُرهُمْ بِهِ وَيُغْلِظ فِي خِلَافه فَنَهَاهُ مُعَاوِيَة فَلَمْ يَنْتَهِ فَخَشِيَ أَنْ يَضُرّ بِالنَّاسِ فِي هَذَا فَكَتَبَ يَشْكُوهُ إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَان وَأَنْ يَأْخُذهُ إِلَيْهِ فَاسْتَقْدَمَهُ عُثْمَان إِلَى الْمَدِينَة وَأَنْزَلَهُ بِالرَّبَذَة وَحْده وَبِهَا مَاتَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي خِلَافَة عُثْمَان وَقَدْ اِخْتَبَرَهُ مُعَاوِيَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَهُوَ عِنْده هَلْ يُوَافِق عَمَله قَوْله فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِينَار فَفَرَّقَهَا مِنْ يَوْمه ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ الَّذِي أَتَاهُ بِهَا فَقَالَ إنَّ مُعَاوِيَة إِنَّمَا بَعَثَنِي إِلَى غَيْرك فَأَخْطَأْت فَهَاتِ الذَّهَب فَقَالَ وَيْحك إِنَّهَا خَرَجَتْ وَلَكِنْ إِذَا جَاءَ مَالِي حَاسَبْنَاك بِهِ وَهَكَذَا رَوَى عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهَا عَامَّة وَقَالَ السُّدِّيّ هِيَ فِي أَهْل الْقِبْلَة وَقَالَ الْأَحْنَف بْن قَيْس قَدِمْت الْمَدِينَة فَبَيْنَمَا أَنَا فِي حَلْقَة فِيهَا مَلَأ مِنْ قُرَيْش إِذْ جَاءَ رَجُل أَخْشَن الثِّيَاب أَخْشَن الْجَسَد أَخْشَن الْوَجْه فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ : بَشِّرْ الْكَنَّازِينَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَار جَهَنَّم فَيُوضَع عَلَى حَلَمَة ثَدْي أَحَدهمْ حَتَّى يَخْرُج مِنْ نُغْضِ كَتِفه وَيُوضَع عَلَى نُغْضِ كَتِفه حَتَّى يَخْرُج مِنْ حَلَمَة ثَدْيه يَتَزَلْزَل قَالَ فَوَضَعَ الْقَوْم رُءُوسهمْ فَمَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْهُمْ رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا قَالَ فَأَدْبَرَ فَاتَّبَعْته حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَة فَقُلْت مَا رَأَيْت هَؤُلَاءِ إِلَّا كَرِهُوا مَا قُلْت لَهُمْ فَقَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا . وَفِي الصَّحِيح أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي ذَرّ " مَا يَسُرّنِي أَنَّ عِنْدِي مِثْل أُحُد ذَهَبًا يَمُرّ عَلَيَّ ثَلَاثَة أَيَّام وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْء إِلَّا دِينَار أَرْصُدهُ لِدَيْنٍ " فَهَذَا وَاَللَّه أَعْلَم هُوَ الَّذِي حَدَا بِأَبِي ذَرّ عَلَى الْقَوْل بِهَذَا . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا عَفَّان حَدَّثَنَا هَمَّام حَدَّثَنَا قَتَادَة عَنْ سَعِيد بْن أَبِي الْحَسَن عَنْ عَبْد اللَّه بْن الصَّامِت رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ أَبِي ذَرّ فَخَرَجَ عَطَاؤُهُ وَمَعَهُ جَارِيَة فَجَعَلَتْ تَقْضِي حَوَائِجه فَفَضَلَتْ مَعَهَا سَبْعَة فَأَمَرَهَا أَنْ تَشْتَرِي بِهِ فُلُوسًا .

قَالَ قُلْت لَوْ اِدَّخَرْته لِحَاجَةٍ تَنُوبُكَ وَلِلضَّيْفِ يَنْزِل بِك قَالَ إِنَّ خَلِيلِي عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّ أَيّمَا ذَهَب أَوْ فِضَّة أُوكِيَ عَلَيْهِ فَهُوَ جَمْر عَلَى صَاحِبه حَتَّى يُفْرِغهُ فِي سَبِيل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَرَوَاهُ عَنْ يَزِيد عَنْ هَمَّام بِهِ وَزَادَ إِفْرَاغًا . وَقَالَ الْحَافِظ اِبْن عَسَاكِر بِسَنَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْر الشِّبْلِيّ فِي تَرْجَمَته عَنْ مُحَمَّد بْن مَهْدِيّ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن أَبِي سَلَمَة عَنْ صَدَقَة بْن عَبْد اللَّه عَنْ طَلْحَة بْن زَيْد عَنْ أَبِي فَرْوَة الرَّهَاوِيّ عَنْ عَطَاء عَنْ أَبِي سَعِيد رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِلْقَ اللَّه فَقِيرًا وَلَا تَلْقَهُ غَنِيًّا " قَالَ : يَا رَسُول اللَّه كَيْف لِي بِذَلِكَ ؟ قَالَ " مَا سَأَلْت فَلَا تَمْنَع وَمَا رُزِقْت فَلَا تُخَبِّئ " قَالَ : يَا رَسُول اللَّه كَيْف لِي بِذَلِكَ ؟ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ ذَاكَ وَإِلَّا فَالنَّار " إِسْنَاده ضَعِيف وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا عَفَّان حَدَّثَنَا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان حَدَّثَنَا عُيَيْنَة عَنْ يَزِيد بْن الصِّرْم قَالَ : سَمِعْت عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول : مَاتَ رَجُل مِنْ أَهْل الصُّفَّة وَتَرَكَ دِينَارَيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ " كَيَّتَانِ صَلُّوا عَلَى صَاحِبكُمْ " وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ طُرُق أُخَر وَقَالَ قَتَادَة عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب عَنْ أَبِي أُمَامَة صُدَيّ بْن عَجْلَان قَالَ مَاتَ رَجُل مِنْ أَهْل الصُّفَّة فَوُجِدَ فِي مِئْزَره دِينَار فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَيَّة " ثُمَّ تُوُفِّيَ رَجُل آخَر فَوُجِدَ فِي مِئْزَره دِينَارَانِ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَيَّتَانِ " وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْر إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم الْفَرَادِيسِيّ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَة بْن يَحْيَى الْأَطْرَابُلُسِيّ حَدَّثَنِي أَرْطَاة حَدَّثَنَا أَبُو عَامِر الْهَوْزَنِيّ سَمِعْت ثَوْبَان مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَا مِنْ رَجُل يَمُوت وَعِنْده أَحْمَر أَوْ أَبْيَض إِلَّا جَعَلَ اللَّه بِكُلِّ قِيرَاط صَفْحَة مِنْ نَار يُكْوَى بِهَا مِنْ قَدِمَهُ إِلَى ذَقْنه " وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو يَعْلَى : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن خِدَاش حَدَّثَنَا سَيْف بْن مُحَمَّد الثَّوْرِيّ حَدَّثَنَا الْأَعْمَش عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يُوضَع الدِّينَار عَلَى الدِّينَار , وَلَا الدِّرْهَم عَلَى الدِّرْهَم وَلَكِنْ يُوَسَّع جِلْده فَيُكْوَى بِهَا جِبَاههمْ وَجُنُوبهمْ وَظُهُورهمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ " سَيْف هَذَا كَذَّاب مَتْرُوك .


 توقيع : شيخة رواية

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 04-14-2019   #5



 عضويتي » 726
 اشراقتي ♡ » Jul 2018
 كُـنتَ هُـنا » منذ 2 ساعات (07:17 AM)
موآضيعي » 17453
آبدآعاتي » 2,166,405
 تقييمآتي » 1567990
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
 حالتي الآن »
آلقسم آلمفضل  » العآم♡
آلعمر  » 24سنة
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط ♡
تم شكري »  29,498
شكرت » 11,217
الاعجابات المتلقاة » 1422
الاعجابات المُرسلة » 3992
 التقييم » شيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مُتنفسي هنا » مُتنفسي هنا
مَزآجِي  »  فديتك_ياغلاهم
 
قَدَاسَة طُهِّرَ | | أَوْسِمَتِي | |
وسآم || - نُشطاء روآية عشق  


/ نقاط: 0

وسآم || مشاركين..توقعات كاس امم اسيا  


/ نقاط: 0

♥ وسام |وجودك سعادة ●  


/ نقاط: 0

وسآم - ♥ | سنة حلوة عليكم آل رواية 2024  


/ نقاط: 0

وسآم -|| ♥| تكريم نشطآء الاسبوع ●  


/ نقاط: 0

  كل الاوسمة: 68

شيخة رواية متواجد حالياً

افتراضي



إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ

قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل أَخْبَرَنَا أَيُّوب أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن سِيرِين عَنْ أَبِي بَكْرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فِي حَجَّته فَقَالَ " أَلَا إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَوَات وَالْأَرْض السَّنَة اِثْنَا عَشَر شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم ثَلَاثَة مُتَوَالِيَات ذُو الْقَعْدَة وَذُو الْحِجَّة وَالْمُحَرَّم وَرَجَب مُضَر الَّذِي بَيْن جُمَادَى وَشَعْبَان " ثُمَّ قَالَ " أَيّ يَوْم هَذَا ؟ " قُلْنَا اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اِسْمه قَالَ " أَلَيْسَ يَوْم النَّحْر ؟ " قُلْنَا بَلَى ثُمَّ قَالَ " أَيّ شَهْر هَذَا ؟ " قُلْنَا اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اِسْمه قَالَ " أَلَيْسَ ذَا الْحَجَّة ؟ " قُلْنَا بَلَى ثُمَّ قَالَ " أَيّ بَلَد هَذَا . ؟ " قُلْنَا اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اِسْمه قَالَ " أَلَيْسَتْ الْبَلْدَة ؟ " قُلْنَا بَلَى قَالَ " فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ - وَأَحْسِبهُ قَالَ - وَأَعْرَاضكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَام كَحُرْمَةِ يَوْمكُمْ هَذَا فِي شَهْركُمْ هَذَا فِي بَلَدكُمْ هَذَا . وَسَتَلْقَوْنَ رَبّكُمْ فَيَسْأَلكُمْ عَنْ أَعْمَالكُمْ أَلَا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِب بَعْضكُمْ رِقَاب بَعْض أَلَا هَلْ بَلَّغْت ؟ أَلَا لِيُبَلِّغْ الشَّاهِد مِنْكُمْ الْغَائِب فَلَعَلَّ مَنْ يَبْلُغهُ يَكُون أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْض مَنْ سَمِعَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي التَّفْسِير وَغَيْره . وَمُسْلِم مِنْ حَدِيث أَيُّوب عَنْ مُحَمَّد وَهُوَ اِبْن سِيرِين عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْرَة عَنْ أَبِيهِ بِهِ وَقَدْ قَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا مَعْمَر حَدَّثَنَا رَوْح حَدَّثَنَا أَشْعَث عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِين عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَإِنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَر شَهْرًا فِي كِتَاب اللَّه يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم ثَلَاثَة مُتَوَالِيَات - ذُو الْقَعْدَة وَذُو الْحَجَّة وَالْمُحَرَّم - وَرَجَب مُضَر الَّذِي بَيْن جُمَادَى وَشَعْبَان " وَرَوَاهُ الْبَزَّار عَنْ مُحَمَّد بْن مَعْمَر بِهِ .

ثُمَّ قَالَ لَا يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَة إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْه وَقَدْ رَوَاهُ اِبْن عَوْن وَقُرَّة عَنْ اِبْن سِيرِين عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْرَة عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ اِبْن جَرِير أَيْضًا : حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ حَدَّثَنَا زَيْد بْن حَبَّاب حَدَّثَنَا مُوسَى بْن عُبَيْدَة الرَّبَذِيّ حَدَّثَنِي صَدَقَة بْن يَسَار عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : خَطَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّة الْوَدَاع بِمِنًى فِي أَوْسَط أَيَّام التَّشْرِيق فَقَالَ " أَيّهَا النَّاس إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ فَهُوَ الْيَوْم كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَإِنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَر شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم أَوَّلهنَّ رَجَب مُضَر بَيْن جُمَادَى وَشَعْبَان وَذُو الْقَعْدَة وَذُو الْحَجَّة وَالْمُحَرَّم " وَرَوَى اِبْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيث مُوسَى بْن عُبَيْدَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار عَنْ اِبْن عُمَر مِثْله أَوْ نَحْوه وَقَالَ حَمَّاد بْن سَلَمَة حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن زَيْد عَنْ أَبِي حَمْزَة الرَّقَاشِيّ عَنْ عَمّه وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَة قَالَ : كُنْت آخِذًا بِزِمَامِ نَاقَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوْسَط أَيَّام التَّشْرِيق أَذُود النَّاس عَنْهُ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَلَا إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَإِنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَر شَهْرًا فِي كِتَاب اللَّه يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ " وَقَالَ سَعِيد بْن مَنْصُور حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ الْكَلْبِيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم " قَالَ مُحَرَّم وَرَجَب وَذُو الْقَعْدَة وَذُو الْحَجَّة وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيث " إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض " تَقْرِير مِنْهُ صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ وَتَثْبِيت لِلْأَمْرِ عَلَى مَا جَعَلَهُ اللَّه فِي أَوَّل الْأَمْر مِنْ غَيْر تَقْدِيم وَلَا تَأْخِير وَلَا زِيَادَة وَلَا نَقْص وَلَا نَسِيء وَلَا تَبْدِيل كَمَا قَالَ فِي تَحْرِيم مَكَّة " إِنَّ هَذَا الْبَلَد حَرَّمَهُ اللَّه يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فَهُوَ حَرَام بِحُرْمَة اللَّه تَعَالَى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَهَكَذَا قَالَ هَهُنَا " إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض " أَيْ الْأَمْر الْيَوْم شَرْعًا كَمَا اِبْتَدَعَ اللَّه ذَلِكَ فِي كِتَابه يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَقَدْ قَالَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى هَذَا الْحَدِيث إِنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض " أَنَّهُ اِتَّفَقَ أَنَّ حَجّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ السَّنَة فِي ذِي الْحَجَّة وَأَنَّ الْعَرَب قَدْ كَانَتْ نَسَأَتْ النَّسِيء يَحُجُّونَ فِي كَثِير مِنْ السِّنِينَ بَلْ أَكْثَرهَا فِي غَيْر ذِي الْحَجَّة وَزَعَمُوا أَنَّ حَجَّة التَّصْدِيق فِي سَنَة تِسْع كَانَتْ فِي ذِي

الْقَعْدَة وَفِي هَذَا نَظَر كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إِذَا تَكَلَّمْنَا عَنْ النَّسِيء وَأَغْرَب مِنْهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَنْ بَعْض السَّلَف فِي جُمْلَة حَدِيث أَنَّهُ اِتَّفَقَ حَجّ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي يَوْم وَاحِد وَهُوَ يَوْم النَّحْر عَام حَجَّة الْوَدَاع وَاَللَّه أَعْلَم . " فَصْل " ذَكَرَ الشَّيْخ عَلَم الدِّين السَّخَاوِيّ فِي جُزْء جَمَعَهُ سَمَّاهُ " الْمَشْهُور فِي أَسْمَاء الْأَيَّام وَالشُّهُور " أَنَّ الْمُحَرَّم سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ شَهْرًا مُحَرَّمًا وَعِنْدِي أَنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ تَأْكِيدًا لِتَحْرِيمِهِ لِأَنَّ الْعَرَب كَانَتْ تَتَقَلَّب بِهِ فَتُحِلّهُ عَامًا وَتُحَرِّمهُ عَامًا قَالَ وَيُجْمَع عَلَى مُحَرَّمَات وَمَحَارِم وَمَحَارِيم وَصَفَر سُمِّيَ بِذَلِكَ لِخُلُوِّ بُيُوتهمْ مِنْهُمْ حِين يَخْرُجُونَ لِلْقِتَالِ وَالْأَسْفَار يُقَال صَفِرَ الْمَكَان إِذَا خَلَا وَيُجْمَع عَلَى أَصْفَار كَجَمَلٍ وَأَجْمَال وَشَهْر رَبِيع الْأَوَّل سُمِّيَ بِذَلِكَ لِارْتِبَاعِهِمْ فِيهِ وَالِارْتِبَاع الْإِقَامَة فِي عِمَارَة الرَّبْع وَيُجْمَع عَلَى أَرْبِعَاء كَنَصِيبِ وَأَنْصِبَاء وَعَلَى أَرْبِعَة كَرَغِيفٍ وَأَرْغِفَة وَرَبِيع الْآخِر كَالْأَوَّلِ وَجُمَادَى سُمِّيَ بِذَلِكَ لِجُمُودِ الْمَاء فِيهِ قَالَ : وَكَانَتْ الشُّهُور فِي حِسَابهمْ لَا تَدُور وَفِي هَذَا نَظَر إِذْ كَانَتْ شُهُورهمْ مَنُوطَة بِالْأَهِلَّةِ فَلَا بُدّ مِنْ دَوَرَانهَا فَلَعَلَّهُمْ سَمَّوْهُ بِذَلِكَ أَوَّل مَا سُمِّيَ عِنْد جُمُود الْمَاء فِي الْبَرْد كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَلَيْلَة مِنْ جُمَادَى ذَات أَنْدِيَة ... لَا يُبْصِر الْعَبْد فِي ظَلْمَائِهَا الطُّنُبَا لَا يَنْبَح الْكَلْب فِيهَا غَيْر وَاحِدَة ... حَتَّى يَلُفّ عَلَى خُرْطُومه الذَّنَبَا وَيُجْمَع عَلَى جُمَادَيَات كَحُبَارَى وَحُبَارَيَات وَقَدْ يُذَكَّر وَيُؤَنَّث فَيُقَال جُمَادَى الْأُولَى وَالْأَوَّل وَجُمَادَى الْآخِر وَالْآخِرَة وَرَجَب مِنْ التَّرْجِيب وَهُوَ التَّعْظِيم وَيُجْمَع عَلَى أَرْجَاب وَرِجَاب وَرُجُبَات وَشَعْبَان مِنْ تَشَعُّب الْقَبَائِل وَتَفَرُّقهَا لِلْغَارَةِ وَيُجْمَع عَلَى شَعَابِين وَشَعَابَات وَرَمَضَان مِنْ شِدَّة الرَّمْضَاء وَهُوَ الْحَرّ يُقَال رَمِضَتْ الْفِصَال إِذَا عَطِشَتْ وَيُجْمَع عَلَى رَمَضَانَات وَرَمَاضِين وَأَرْمِضَة قَالَ : وَقَوْل مَنْ قَالَ إنَّهُ اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه خَطَأ لَا يُعَرَّج عَلَيْهِ وَلَا يُلْتَفَت إِلَيْهِ قُلْت : قَدْ وَرَدَ فِي حَدِيث وَلَكِنَّهُ ضَعِيف وَبَيَّنْته فِي أَوَّل كِتَاب الصِّيَام وَشَوَّال مِنْ شَالَتْ الْإِبِل بِأَذْنَابِهَا لِلطِّرَاقِ قَالَ : وَيُجْمَع عَلَى شَوَاوِل وَشَوَاوِيل وَشَوَّالَات .

الْقَعْدَة بِفَتْحِ الْقَاف - قُلْت وَكَسْرهَا - لِقُعُودِهِمْ فِيهِ عَنْ الْقِتَال وَالتَّرْحَال وَيُجْمَع عَلَى ذَوَات الْقَعْدَة الْحِجَّة بِكَسْرِ الْحَاء - قُلْت وَفَتْحهَا - سُمِّيَ بِذَلِكَ لِإِيقَاعِهِمْ الْحَجّ فِيهِ وَيُجْمَع عَلَى ذَوَات الْحِجَّة أَسْمَاء الْأَيَّام أَوَّلهَا الْأَحَد وَيُجْمَع عَلَى آحَاد وَأَوْحَاد وَوُحُود ثُمَّ يَوْم الِاثْنَيْن وَيُجْمَع عَلَى أَثَانِينَ الثُّلَاثَاء يُمَدّ وَيُذَكَّر وَيُؤَنَّث وَيُجْمَع عَلَى ثَلَاثَاوَات وَأَثَالِث ثُمَّ الْأَرْبِعَاء بِالْمَدِّ وَيُجْمَع عَلَى أَرْبِعَاوَات وَأَرَابِيع وَالْخَمِيس يُجْمَع عَلَى أَخْمِسَة وَأَخَامِس ثُمَّ الْجُمُعَة بِضَمِّ الْمِيم وَإِسْكَانهَا وَفَتْحهَا أَيْضًا وَيُجْمَع عَلَى جُمَع وَجُمَاعَات . السَّبْت مَأْخُوذ مِنْ السَّبْت وَهُوَ الْقَطْع لِانْتِهَاءِ الْعَدَد عِنْده وَكَانَتْ الْعَرَب تُسَمِّي الْأَيَّام أَوَّل ثُمَّ أَهْوَن ثُمَّ جُبَار ثُمَّ دُبَار ثُمَّ مُؤْنِس ثُمَّ الْعَرُوبَة ثُمَّ شِيَار قَالَ الشَّاعِر مِنْ الْعَرَب الْعَرْبَاء الْعَارِبَة الْمُتَقَدِّمِينَ : أُرَجِّي أَنْ أَعِيش وَإِنَّ يَوْمِي ... بِأَوَّل أَوْ بِأَهْوَن أَوْ جُبَار أَوْ التَّالِي دُبَار فَإِنْ أَفُتْهُ ... فَمُؤْنِس أَوْ عَرُوبَة أَوْ شِيَار

وَقَوْله تَعَالَى " مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم " فَهَذَا مِمَّا كَانَتْ الْعَرَب أَيْضًا فِي الْجَاهِلِيَّة تُحَرِّمهُ وَهُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ جُمْهُورهمْ إِلَّا طَائِفَة مِنْهُمْ يُقَال لَهُمْ الْبَسْل كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْ السَّنَة ثَمَانِيَة أَشْهُر تَعَمُّقًا وَتَشْدِيدًا وَأَمَّا قَوْله " ثَلَاثَة مُتَوَالِيَات ذُو الْقَعْدَة وَذُو الْحَجَّة وَالْمُحَرَّم وَرَجَب مُضَر الَّذِي بَيْن جُمَادَى وَشَعْبَان " فَإِنَّمَا أَضَافَهُ إِلَى مُضَر لِيُبَيِّن صِحَّة قَوْلهمْ فِي رَجَب أَنَّهُ الشَّهْر الَّذِي بَيْن جُمَادَى وَشَعْبَان لَا كَمَا تَظُنّهُ رَبِيعَة مِنْ أَنَّ رَجَب الْمُحَرَّم هُوَ الشَّهْر الَّذِي بَيْن شَعْبَان وَشَوَّال وَهُوَ رَمَضَان الْيَوْم فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَجَب مُضَر لَا رَجَب رَبِيعَة وَإِنَّمَا كَانَتْ الْأَشْهُر الْمُحَرَّمَة أَرْبَعَة ثَلَاثَة سَرْد وَوَاحِد فَرْد لِأَجْلِ أَدَاء مَنَاسِك الْحَجّ وَالْعُمْرَة فَحَرَّمَ قَبْل أَشْهُر الْحَجّ شَهْرًا وَهُوَ ذُو الْقَعْدَة لِأَنَّهُمْ يَقْعُدُونَ فِيهِ عَنْ الْقِتَال وَحَرَّمَ شَهْر ذِي الْحَجَّة لِأَنَّهُمْ يُوقِعُونَ فِيهِ الْحَجّ وَيَشْتَغِلُونَ بِأَدَاءِ الْمَنَاسِك وَحَرَّمَ بَعْده شَهْرًا آخَر وَهُوَ الْمُحَرَّم لِيَرْجِعُوا فِيهِ إِلَى أَقْصَى بِلَادهمْ آمِنِينَ وَحَرَّمَ رَجَب فِي وَسَط الْحَوْل لِأَجْلِ زِيَارَة الْبَيْت وَالِاعْتِمَار بِهِ لِمَنْ يَقْدَم إِلَيْهِ مِنْ أَقْصَى جَزِيرَة الْعَرَب فَيَزُورهُ ثُمَّ يَعُود إِلَى وَطَنه فِيهِ آمِنًا وَقَوْله " ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم " أَيْ هَذَا هُوَ الشَّرْع الْمُسْتَقِيم مِنْ اِمْتِثَال أَمْر اللَّه فِيمَا جَعَلَ مِنْ الْأَشْهُر الْحُرُم وَالْحَذْو بِهَا عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ كِتَاب اللَّه الْأَوَّل قَالَ تَعَالَى " فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ " أَيْ فِي هَذِهِ الْأَشْهُر الْمُحَرَّمَة لِأَنَّهَا آكَد وَأَبْلَغ فِي الْإِثْم مِنْ غَيْرهَا كَمَا أَنَّ الْمَعَاصِي فِي الْبَلَد الْحَرَام تُضَاعَف لِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم " وَكَذَا الشَّهْر الْحَرَام تَغْلُظ فِيهِ الْآثَام وَلِهَذَا تَغْلُظ فِيهِ الدِّيَة فِي مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَطَائِفَة كَثِيرَة مِنْ الْعُلَمَاء وَكَذَا فِي حَقّ مَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَم أَوْ قَتَلَ ذَا مَحْرَم وَقَالَ حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد عَنْ يُوسُف بْن مَهْرَان عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ " قَالَ فِي الشُّهُور كُلّهَا وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله " إِنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه " الْآيَة فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ فِي كُلّهنَّ ثُمَّ اِخْتَصَّ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَة أَشْهُر فَجَعَلَهُنَّ حَرَامًا وَعَظَّمَ حُرُمَاتهنَّ وَجَعَلَ الذَّنْب فِيهِنَّ أَعْظَم وَالْعَمَل الصَّالِح وَالْأَجْر أَعْظَم وَقَالَ قَتَادَة فِي قَوْله " فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ " إِنَّ الظُّلْم فِي الْأَشْهُر الْحُرُم أَعْظَم خَطِيئَة وَوِزْرًا مِنْ الظُّلْم فِيمَا سِوَاهَا .

وَإِنْ كَانَ الظُّلْم عَلَى كُلّ حَال عَظِيمًا وَلَكِنَّ اللَّه يُعَظِّم مِنْ أَمْره مَا يَشَاء وَقَالَ : إِنَّ اللَّه اِصْطَفَى صَفَايَا مِنْ خَلْقه اِصْطَفَى مِنْ الْمَلَائِكَة رُسُلًا وَمِنْ النَّاس رُسُلًا وَاصْطَفَى مِنْ الْكَلَام ذِكْره وَاصْطَفَى مِنْ الْأَرْض الْمَسَاجِد وَاصْطَفَى مِنْ الشُّهُور رَمَضَان وَالْأَشْهُر الْحُرُم وَاصْطَفَى مِنْ الْأَيَّام يَوْم الْجُمُعَة وَاصْطَفَى مِنْ اللَّيَالِي لَيْلَة الْقَدْر فَعَظِّمُوا مَا عَظَّمَ اللَّه . فَإِنَّمَا تَعْظِيم الْأُمُور بِمَا عَظَّمَهَا اللَّه بِهِ عِنْد أَهْل الْفَهْم وَأَهْل الْعَقْل وَقَالَ الثَّوْرِيّ عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم عَنْ الْحَسَن عَنْ مُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة بِأَنْ لَا تُحَرِّمُوهُنَّ كَحُرْمَتِهِنَّ وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق " فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ " أَيْ لَا تَجْعَلُوا حَرَامَهَا حَلَالًا وَلَا حَلَالهَا حَرَامًا كَمَا فَعَلَ أَهْل الشِّرْك فَإِنَّمَا النَّسِيء الَّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ زِيَادَة فِي الْكُفْر " يُضَلّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا " الْآيَة وَهَذَا الْقَوْل اِخْتِيَار اِبْن جَرِير . وَقَوْله " وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة " أَيْ جَمِيعكُمْ " كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّة " أَيْ جَمِيعهمْ " وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه مَعَ الْمُتَّقِينَ " وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَحْرِيم اِبْتِدَاء الْقِتَال فِي الشَّهْر الْحَرَام هَلْ هُوَ مَنْسُوخ أَوْ مُحْكَم عَلَى قَوْلَيْنِ " أَحَدهمَا " وَهُوَ الْأَشْهَر أَنَّهُ مَنْسُوخ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ هَهُنَا " فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ " وَأَمَرَ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَظَاهِر السِّيَاق مُشْعِر بِأَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ أَمْرًا عَامًّا وَلَوْ كَانَ مُحَرَّمًا فِي الشَّهْر الْحَرَام لَأَوْشَكَ أَنْ يُقَيِّدهُ بِانْسِلَاخِهَا وَلِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاصَرَ أَهْل الطَّائِف فِي شَهْر حَرَام وَهُوَ ذُو الْقَعْدَة كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى هَوَازِن فِي شَوَّال فَلَمَّا كَسَرَهُمْ وَاسْتَفَاءَ أَمْوَالهمْ وَرَجَعَ فَلّهمْ لَجَئُوا إِلَى الطَّائِف فَعَمَدَ إِلَى الطَّائِف فَحَاصَرَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَفْتَحهَا فَثَبَتَ أَنَّهُ حَاصَرَ فِي الشَّهْر الْحَرَام وَالْقَوْل الْآخَر أَنَّ اِبْتِدَاء الْقِتَال فِي الشَّهْر الْحَرَام حَرَام وَأَنَّهُ لَمْ يُنْسَخ تَحْرِيم الشَّهْر الْحَرَام لِقَوْلِهِ تَعَالَى " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام " وَقَالَ " الشَّهْر الْحَرَام بِالشَّهْرِ الْحَرَام وَالْحُرُمَات قِصَاص فَمَنْ اِعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اِعْتَدَى عَلَيْكُمْ " الْآيَة وَقَالَ " فَإِذَا اِنْسَلَخَ الْأَشْهُر الْحُرُم فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ " الْآيَة وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا الْأَرْبَعَة الْمُقَرَّرَة فِي كُلّ سَنَة لَا أَشْهُر التَّسْيِير عَلَى أَحَد الْقَوْلَيْنِ .

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى " وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّة " فَيَحْتَمِل أَنَّهُ مُنْقَطِع عَمَّا قَبْله وَأَنَّهُ حُكْم مُسْتَأْنَف وَيَكُون مِنْ بَاب التَّهْيِيج وَالتَّحْضِيض أَيْ كَمَا يَجْتَمِعُونَ لِحَرْبِكُمْ إِذَا حَارَبُوكُمْ فَاجْتَمِعُوا أَنْتُمْ أَيْضًا لَهُمْ إِذَا حَارَبْتُمُوهُمْ وَقَاتِلُوهُمْ بِنَظِيرِ مَا يَفْعَلُونَ وَيَحْتَمِل أَنَّهُ إِذْن لِلْمُؤْمِنِينَ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي الشَّهْر الْحَرَام إِذَا كَانَتْ الْبُدَاءَة مِنْهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى " الشَّهْر الْحَرَام بِالشَّهْرِ الْحَرَام وَالْحُرُمَات قِصَاص " وَقَالَ تَعَالَى " وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ " الْآيَة . وَهَكَذَا الْجَوَاب عَنْ حِصَار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْل الطَّائِف وَاسْتِصْحَابه الْحِصَار إِلَى أَنْ دَخَلَ الشَّهْر الْحَرَام فَإِنَّهُ مِنْ تَتِمَّة قِتَال هَوَازِن وَأَحْلَافهَا مِنْ ثَقِيف فَإِنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ اِبْتَدَءُوا الْقِتَال وَجَمَعُوا الرِّجَال وَدَعَوْا إِلَى الْحَرْب وَالنِّزَال فَعِنْدَمَا قَصَدَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَمَّا تَحَصَّنُوا بِالطَّائِفِ ذَهَبَ إِلَيْهِمْ لِيُنْزِلهُمْ مِنْ حُصُونهمْ فَنَالُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَقَتَلُوا جَمَاعَة وَاسْتَمَرَّ الْحِصَار بِالْمَجَانِيقِ وَغَيْرهَا قَرِيبًا مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَكَانَ اِبْتِدَاؤُهُ فِي شَهْر حَلَال وَدَخَلَ الشَّهْر الْحَرَام فَاسْتَمَرَّ فِيهِ أَيَّامًا ثُمَّ قَفَلَ عَنْهُمْ لِأَنَّهُ يُغْتَفَر فِي الدَّوَام مَا لَا يُغْتَفَر فِي الِابْتِدَاء وَهَذَا أَمْر مُقَرَّر وَلَهُ نَظَائِر كَثِيرَة وَاَللَّه أَعْلَم وَلْنَذْكُرْ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي ذَلِكَ . وَقَدْ حَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي السِّيرَة وَاَللَّه أَعْلَم .

إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ

هَذَا مِمَّا ذَمَّ اللَّه تَعَالَى بِهِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ تَصَرُّفهمْ فِي شَرْع اللَّه بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَة وَتَغْيِيرهمْ أَحْكَام اللَّه بِأَهْوَائِهِمْ الْبَارِدَة وَتَحْلِيلهمْ مَا حَرَّمَ اللَّه وَتَحْرِيمهمْ مَا أَحَلَّ اللَّه فَإِنَّهُمْ كَانَ فِيهِمْ مِنْ الْقُوَّة الْغَضَبِيَّة وَالشَّهَامِيَّة مَا اِسْتَطَاعُوا بِهِ مُدَّة الْأَشْهُر الثَّلَاثَة فِي التَّحْرِيم الْمَانِع لَهُمْ مِنْ قَضَاء أَوْطَارهمْ مِنْ قِتَال أَعْدَائِهِمْ فَكَانُوا قَدْ أَحْدَثُوا قَبْل الْإِسْلَام بِمُدَّةٍ تَحْلِيل الْمُحَرَّم فَأَخَّرُوهُ إِلَى صَفَر فَيُحِلُّونَ الشَّهْر الْحَرَام وَيُحَرِّمُونَ الشَّهْر الْحَلَال لِيُوَاطِئُوا عِدَّة مَا حَرَّمَ اللَّه الْأَشْهُر الْأَرْبَعَة كَمَا قَالَ شَاعِرهمْ وَهُوَ عُمَيْر بْن قَيْس الْمَعْرُوف بِجِذْلِ الطِّعَان : لَقَدْ عَلِمَتْ مَعَدّ بِأَنَّ قَوْمِي ... كِرَام النَّاس أَنَّ لَهُمْ كِرَامَا أَلَسْنَا النَّاسِئِينَ عَلَى مَعَدّ ... شُهُور الْحِلّ نَجْعَلهَا حَرَامَا فَأَيّ النَّاس لَمْ نُدْرِك بِوِتْرٍ ... وَأَيّ النَّاس لَمْ نَعْلِك لِجَامَا وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر " قَالَ النَّسِيء أَنَّ جُنَادَة بْن عَوْف بْن أُمَيَّة الْكِنَانِيّ كَانَ يُوَافِي الْمَوْسِم فِي كُلّ عَام وَكَانَ يُكَنَّى أَبَا ثُمَامَة فَيُنَادِي أَلَا إِنَّ أَبَا ثُمَامَة لَا يُجَاب وَلَا يُعَاب أَلَا وَإِنَّ صَفَر الْعَام الْأَوَّل الْعَام حَلَال فَيُحِلّهُ لِلنَّاسِ فَيُحَرِّم صَفَرًا عَامًا وَيُحَرِّم الْمُحَرَّم عَامًا فَذَلِكَ قَوْل اللَّه " إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر " يَقُول يَتْرُكُونَ الْمُحَرَّم عَامًا وَعَامًا يُحَرِّمُونَهُ وَرَوَى الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس نَحْوه وَقَالَ لَيْث بْن أَبِي سُلَيْم عَنْ مُجَاهِد : كَانَ رَجُل مِنْ بَنِي كِنَانَة يَأْتِي كُلّ عَام إِلَى الْمَوْسِم عَلَى حِمَار لَهُ فَيَقُول أَيّهَا النَّاس : إِنِّي لَا أُعَاب وَلَا أُجَاب وَلَا مَرَدّ لِمَا أَقُول إِنَّا قَدْ حَرَّمْنَا الْمُحَرَّم وَأَخَّرْنَا صَفَر . ثُمَّ يَجِيء الْعَام الْمُقْبِل بَعْده فَيَقُول مِثْل مَقَالَته وَيَقُول إِنَّا قَدْ حَرَّمْنَا صَفَر وَأَخَّرْنَا الْمُحَرَّم فَهُوَ قَوْله " لِيُوَاطِئُوا عِدَّة مَا حَرَّمَ اللَّه " قَالَ : يَعْنِي الْأَرْبَعَة فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّه بِتَأْخِيرِ هَذَا الشَّهْر الْحَرَام وَرُوِيَ عَنْ أَبِي وَائِل وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة نَحْو هَذَا وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم فِي قَوْله " إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر " الْآيَة .

قَالَ هَذَا رَجُل مِنْ بَنِي كِنَانَة يُقَال لَهُ الْقَلَمَّس وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة لَا يُغِير بَعْضهمْ عَلَى بَعْض فِي الشَّهْر الْحَرَام يَلْقَى الرَّجُل قَاتِل أَبِيهِ وَلَا يَمُدّ إِلَيْهِ يَده فَلَمَّا كَانَ هُوَ قَالُوا اُخْرُجُوا بِنَا قَالُوا لَهُ هَذَا الْمُحَرَّم قَالَ نُنْسِئهُ الْعَام هُمَا الْعَام صَفَرَانِ فَإِذَا كَانَ الْعَام الْقَابِل قَضَيْنَا جَعَلْنَاهُمَا مُحَرَّمَيْنِ قَالَ فَفَعَلَ ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ عَام قَابِل قَالَ لَا تَغْزُوا فِي صَفَر حَرِّمُوهُ مَعَ الْمُحَرَّم هُمَا مُحَرَّمَانِ فَهَذِهِ صِفَة غَرِيبَة فِي النَّسِيء وَفِيهَا نَظَر لِأَنَّهُمْ فِي عَام إِنَّمَا يُحَرِّمُونَ عَلَى هَذَا ثَلَاثَة أَشْهُر فَقَطْ وَفِي الْعَام الَّذِي يَلِيه يُحَرِّمُونَ خَمْسَة أَشْهُر فَأَيْنَ هَذَا مِنْ قَوْله تَعَالَى " يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّة مَا حَرَّمَ اللَّه " وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد صِفَة أُخْرَى غَرِيبَة أَيْضًا فَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق : أَنَا مَعْمَر عَنْ أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى " إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر " الْآيَة قَالَ فَرَضَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْحَجّ فِي ذِي الْحَجَّة قَالَ : وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُسَمُّونَ ذَا الْحَجَّة الْمُحَرَّم وَصَفَر وَرَبِيع وَرَبِيع وَجُمَادَى وَجُمَادَى وَرَجَب وَشَعْبَان وَرَمَضَان وَشَوَّالًا وَذَا الْقَعْدَة وَذَا الْحَجَّة يَحُجُّونَ فِيهِ مَرَّة أُخْرَى ثُمَّ يَسْكُتُونَ عَنْ الْمُحَرَّم وَلَا يَذْكُرُونَهُ ثُمَّ يَعُودُونَ فَيُسَمُّونَ صَفَرًا ثُمَّ يُسَمُّونَ رَجَب جُمَادَى الْآخِر ثُمَّ يُسَمُّونَ شَعْبَان رَمَضَان ثُمَّ يُسَمُّونَ شَوَّالًا رَمَضَان ثُمَّ يُسَمُّونَ ذَا الْقَعْدَة شَوَّالًا ثُمَّ يُسَمُّونَ ذَا الْحَجَّة ذَا الْقَعْدَة ثُمَّ يُسَمُّونَ الْمُحَرَّم ذَا الْحَجَّة فَيَحُجُّونَ فِيهِ وَاسْمه عِنْدهمْ ذُو الْحَجَّة ثُمَّ عَادُوا بِمِثْلِ هَذِهِ الصِّفَة فَكَانُوا يَحُجُّونَ فِي كُلّ شَهْر عَامَيْنِ حَتَّى إِذَا وَافَقَ حَجَّة أَبِي بَكْر الْآخِر مِنْ الْعَامَيْنِ فِي ذِي الْقَعْدَة ثُمَّ حَجَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّته الَّتِي حَجَّ فَوَافَقَ ذَا الْحَجَّة فَذَلِكَ حِين يَقُول النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَته " إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض " وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِد فِيهِ نَظَر أَيْضًا وَكَيْف تَصِحّ حَجَّة أَبِي بَكْر وَقَدْ وَقَعَتْ فِي ذِي الْقَعْدَة وَأَنَّى هَذَا ؟ وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَأَذَان مِنْ اللَّه وَرَسُوله إِلَى النَّاس يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر أَنَّ اللَّه بَرِيء مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُوله " الْآيَة وَإِنَّمَا نُودِيَ بِهِ فِي حَجَّة أَبِي بَكْر فَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِي ذِي الْحَجَّة لَمَا قَالَ تَعَالَى " يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر " وَلَا يَلْزَم مِنْ فِعْلهمْ النَّسِيء هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ دَوَرَان السَّنَة عَلَيْهِمْ وَحَجّهمْ فِي كُلّ شَهْر عَامَيْنِ فَإِنَّ النَّسِيء حَاصِل بِدُونِ هَذَا فَإِنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا يُحِلُّونَ شَهْر الْمُحَرَّم عَامًا يُحَرِّمُونَ عِوَضه صَفَرًا وَبَعْده رَبِيع وَرَبِيع إِلَى آخِر السَّنَة بِحَالِهَا عَلَى نِظَامهَا وَعِدَّتهَا وَأَسْمَاء شُهُورهَا ثُمَّ فِي السَّنَة الثَّانِيَة يُحَرِّمُونَ

الْمُحَرَّم وَيَتْرُكُونَهُ عَلَى تَحْرِيمه وَبَعْده صَفَر وَرَبِيع وَرَبِيع إِلَى آخِرهَا " فَيُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّة مَا حَرَّمَ اللَّه فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّه " أَيْ فِي تَحْرِيم أَرْبَعَة أَشْهُر مِنْ السَّنَة إِلَّا أَنَّهُمْ تَارَة يُقَدِّمُونَ تَحْرِيم الشَّهْر الثَّالِث مِنْ الثَّلَاثَة الْمُتَوَالِيَة وَهُوَ الْمُحَرَّم وَتَارَة يُنْسِئُونَهُ إِلَى صَفَر أَيْ يُؤَخِّرُونَهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَام عَلَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ " الْحَدِيث أَيْ إِنَّ الْأَمْر فِي عِدَّة الشُّهُور وَتَحْرِيم مَا هُوَ مُحَرَّم مِنْهَا عَلَى مَا سَبَقَ فِي كِتَاب اللَّه مِنْ الْعَدَد وَالتَّوَالِي لَا كَمَا تَعْتَمِدهُ جَهَلَة الْعَرَب مِنْ فَصْلهمْ تَحْرِيم بَعْضهَا بِالنَّسِيءِ عَنْ بَعْض وَاَللَّه أَعْلَم وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا صَالِح بْن بِشْر بْن سَلَمَة الطَّبَرَانِيّ حَدَّثَنَا مَكِّيّ بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا مُوسَى بْن عُبَيْدَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ قَالَ : وَقَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَقَبَةِ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّه مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْل ثُمَّ قَالَ " وَإِنَّمَا النَّسِيء مِنْ الشَّيْطَان زِيَادَة فِي الْكُفْر يُضَلّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا " فَكَانُوا يُحَرِّمُونَ الْمُحَرَّم عَامًا وَيَسْتَحِلُّونَ صَفَرًا وَيَسْتَحِلُّونَ الْمُحَرَّم وَهُوَ النَّسِيء " وَقَدْ تَكَلَّمَ الْإِمَام مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَلَى هَذَا فِي كِتَاب السِّيرَة كَلَامًا جَيِّدًا مُفِيدًا حَسَنًا فَقَالَ : كَانَ أَوَّل مَنْ نَسَأَ الشُّهُور عَلَى الْعَرَب فَأَحَلَّ مِنْهَا مَا حَرَّمَ اللَّه وَحَرَّمَ مِنْهَا مَا أَحَلَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْقَلَمَّس وَهُوَ حُذَيْفَة بْن عَبْد فُقَيْم بْن عَدِيّ بْن عَامِر بْن ثَعْلَبَة بْن الْحَارِث بْن مَالِك بْن كِنَانَة بْن خُزَيْمَة بْن مُدْرِكَة بْن إِلْيَاس بْن مُضَر بْن نِزَار بْن مَعَدّ بْن عَدْنَان ثُمَّ قَامَ بَعْده عَلَى ذَلِكَ اِبْنه عَبَّاد ثُمَّ مِنْ بَعْد عَبَّاد اِبْنه قلع بْن عَبَّاد ثُمَّ اِبْنه أُمَيَّة بْن قلع ثُمَّ اِبْنه عَوْف بْن أُمَيَّة ثُمَّ اِبْنه أَبُو ثُمَامَة جُنَادَة بْن عَوْف وَكَانَ آخِرهمْ وَعَلَيْهِ قَامَ الْإِسْلَام فَكَانَتْ الْعَرَب إِذَا فَرَغَتْ مِنْ حَجّهَا اِجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ فَقَامَ فِيهِمْ خَطِيبًا فَحَرَّمَ رَجَبًا وَذَا الْقَعْدَة وَذَا الْحَجَّة وَيُحِلّ الْمُحَرَّم عَامًا وَيَجْعَل مَكَانه صَفَرًا وَيُحَرِّمهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّة مَا حَرَّمَ اللَّه فَيُحِلّ مَا حَرَّمَ اللَّه يَعْنِي وَيُحَرِّم مَا أَحَلَّ اللَّه . وَاَللَّه أَعْلَم .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا

هَذَا شُرُوع فِي عِتَاب مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة تَبُوك حِين طَابَتْ الثِّمَار وَالظِّلَال فِي شِدَّة الْحَرّ وَحَمَارَة الْقَيْظ فَقَالَ تَعَالَى " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ اِنْفِرُوا فِي سَبِيل اللَّه " أَيْ إِذَا دُعِيتُمْ إِلَى الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه " اِثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْض " أَيْ تَكَاسَلْتُمْ وَمِلْتُمْ إِلَى الْمُقَام فِي الدَّعَة وَالْخَفْض وَطِيب الثِّمَار " أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَة " أَيْ مَا لَكُمْ فَعَلْتُمْ هَكَذَا رِضًا مِنْكُمْ بِالدُّنْيَا بَدَلًا مِنْ الْآخِرَة ثُمَّ زَهَّدَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الدُّنْيَا . وَرَغَّبَ فِي الْآخِرَة فَقَالَ " فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا قَلِيل " كَمَا قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا وَكِيع وَيَحْيَى بْن سَعِيد قَالَا : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد عَنْ قَيْس عَنْ الْمُسْتَوْرِد أَخِي بَنِي فِهْر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا كَمَا يَجْعَل أَحَدكُمْ أُصْبُعه هَذِهِ فِي الْيَمّ فَلِيَنْظُر بِمَا تَرْجِع ؟ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ اِنْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِم . وَرَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُسْلِم بْن عَبْد الْحَمِيد الْحِمْصِيّ بِحِمْص حَدَّثَنَا الرَّبِيع بْن رَوْح حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن خَالِد الْوَهْبِيّ حَدَّثَنَا زِيَاد يَعْنِي الْجَصَّاص عَنْ أَبِي عُثْمَان قَالَ : قُلْت يَا أَبَا هُرَيْرَة سَمِعْت مِنْ إِخْوَانِي بِالْبَصْرَةِ أَنَّك تَقُول سَمِعْت نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " إِنَّ اللَّه يَجْزِي بِالْحَسَنَةِ أَلْف أَلْف حَسَنَة " قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : بَلْ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " إِنَّ اللَّه يَجْزِي بِالْحَسَنَة أَلْفَيْ أَلْف حَسَنَة " ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة " فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا قَلِيل " فَالدُّنْيَا مَا مَضَى مِنْهَا وَمَا بَقِيَ مِنْهَا عِنْد اللَّه قَلِيل . وَقَالَ الثَّوْرِيّ عَنْ الْأَعْمَش فِي الْآيَة " فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا قَلِيل " قَالَ كَزَادِ الرَّاكِب وَقَالَ عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي حَازِم عَنْ أَبِيهِ لَمَّا حَضَرَتْ عَبْد الْعَزِيز بْن مَرْوَان الْوَفَاة قَالَ : اِئْتُونِي بِكَفَنِي الَّذِي أُكَفَّن فِيهِ أَنْظُر إِلَيْهِ فَلَمَّا وُضِعَ بَيْن يَدَيْهِ نَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ : أَمَا لِي مِنْ كَبِير مَا أُخَلِّف مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا هَذَا ؟ ثُمَّ وَلَّى ظَهْره فَبَكَى وَهُوَ يَقُول أُفّ لَك مِنْ دَار إِنْ كَانَ كَثِيرك لَقَلِيل وَإِنْ كَانَ قَلِيلك لَقَصِير وَإِنْ كُنَّا مِنْك لَفِي غُرُور .


 توقيع : شيخة رواية

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 04-14-2019   #6



 عضويتي » 726
 اشراقتي ♡ » Jul 2018
 كُـنتَ هُـنا » منذ 2 ساعات (07:17 AM)
موآضيعي » 17453
آبدآعاتي » 2,166,405
 تقييمآتي » 1567990
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
 حالتي الآن »
آلقسم آلمفضل  » العآم♡
آلعمر  » 24سنة
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط ♡
تم شكري »  29,498
شكرت » 11,217
الاعجابات المتلقاة » 1422
الاعجابات المُرسلة » 3992
 التقييم » شيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond reputeشيخة رواية has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مُتنفسي هنا » مُتنفسي هنا
مَزآجِي  »  فديتك_ياغلاهم
 
قَدَاسَة طُهِّرَ | | أَوْسِمَتِي | |
وسآم || - نُشطاء روآية عشق  


/ نقاط: 0

وسآم || مشاركين..توقعات كاس امم اسيا  


/ نقاط: 0

♥ وسام |وجودك سعادة ●  


/ نقاط: 0

وسآم - ♥ | سنة حلوة عليكم آل رواية 2024  


/ نقاط: 0

وسآم -|| ♥| تكريم نشطآء الاسبوع ●  


/ نقاط: 0

  كل الاوسمة: 68

شيخة رواية متواجد حالياً

افتراضي



إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ

قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل أَخْبَرَنَا أَيُّوب أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن سِيرِين عَنْ أَبِي بَكْرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فِي حَجَّته فَقَالَ " أَلَا إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَوَات وَالْأَرْض السَّنَة اِثْنَا عَشَر شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم ثَلَاثَة مُتَوَالِيَات ذُو الْقَعْدَة وَذُو الْحِجَّة وَالْمُحَرَّم وَرَجَب مُضَر الَّذِي بَيْن جُمَادَى وَشَعْبَان " ثُمَّ قَالَ " أَيّ يَوْم هَذَا ؟ " قُلْنَا اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اِسْمه قَالَ " أَلَيْسَ يَوْم النَّحْر ؟ " قُلْنَا بَلَى ثُمَّ قَالَ " أَيّ شَهْر هَذَا ؟ " قُلْنَا اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اِسْمه قَالَ " أَلَيْسَ ذَا الْحَجَّة ؟ " قُلْنَا بَلَى ثُمَّ قَالَ " أَيّ بَلَد هَذَا . ؟ " قُلْنَا اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اِسْمه قَالَ " أَلَيْسَتْ الْبَلْدَة ؟ " قُلْنَا بَلَى قَالَ " فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ - وَأَحْسِبهُ قَالَ - وَأَعْرَاضكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَام كَحُرْمَةِ يَوْمكُمْ هَذَا فِي شَهْركُمْ هَذَا فِي بَلَدكُمْ هَذَا . وَسَتَلْقَوْنَ رَبّكُمْ فَيَسْأَلكُمْ عَنْ أَعْمَالكُمْ أَلَا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِب بَعْضكُمْ رِقَاب بَعْض أَلَا هَلْ بَلَّغْت ؟ أَلَا لِيُبَلِّغْ الشَّاهِد مِنْكُمْ الْغَائِب فَلَعَلَّ مَنْ يَبْلُغهُ يَكُون أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْض مَنْ سَمِعَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي التَّفْسِير وَغَيْره . وَمُسْلِم مِنْ حَدِيث أَيُّوب عَنْ مُحَمَّد وَهُوَ اِبْن سِيرِين عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْرَة عَنْ أَبِيهِ بِهِ وَقَدْ قَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا مَعْمَر حَدَّثَنَا رَوْح حَدَّثَنَا أَشْعَث عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِين عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَإِنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَر شَهْرًا فِي كِتَاب اللَّه يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم ثَلَاثَة مُتَوَالِيَات - ذُو الْقَعْدَة وَذُو الْحَجَّة وَالْمُحَرَّم - وَرَجَب مُضَر الَّذِي بَيْن جُمَادَى وَشَعْبَان " وَرَوَاهُ الْبَزَّار عَنْ مُحَمَّد بْن مَعْمَر بِهِ .

ثُمَّ قَالَ لَا يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَة إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْه وَقَدْ رَوَاهُ اِبْن عَوْن وَقُرَّة عَنْ اِبْن سِيرِين عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْرَة عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ اِبْن جَرِير أَيْضًا : حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ حَدَّثَنَا زَيْد بْن حَبَّاب حَدَّثَنَا مُوسَى بْن عُبَيْدَة الرَّبَذِيّ حَدَّثَنِي صَدَقَة بْن يَسَار عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : خَطَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّة الْوَدَاع بِمِنًى فِي أَوْسَط أَيَّام التَّشْرِيق فَقَالَ " أَيّهَا النَّاس إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ فَهُوَ الْيَوْم كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَإِنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَر شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم أَوَّلهنَّ رَجَب مُضَر بَيْن جُمَادَى وَشَعْبَان وَذُو الْقَعْدَة وَذُو الْحَجَّة وَالْمُحَرَّم " وَرَوَى اِبْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيث مُوسَى بْن عُبَيْدَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار عَنْ اِبْن عُمَر مِثْله أَوْ نَحْوه وَقَالَ حَمَّاد بْن سَلَمَة حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن زَيْد عَنْ أَبِي حَمْزَة الرَّقَاشِيّ عَنْ عَمّه وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَة قَالَ : كُنْت آخِذًا بِزِمَامِ نَاقَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوْسَط أَيَّام التَّشْرِيق أَذُود النَّاس عَنْهُ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَلَا إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَإِنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَر شَهْرًا فِي كِتَاب اللَّه يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ " وَقَالَ سَعِيد بْن مَنْصُور حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ الْكَلْبِيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم " قَالَ مُحَرَّم وَرَجَب وَذُو الْقَعْدَة وَذُو الْحَجَّة وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيث " إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض " تَقْرِير مِنْهُ صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ وَتَثْبِيت لِلْأَمْرِ عَلَى مَا جَعَلَهُ اللَّه فِي أَوَّل الْأَمْر مِنْ غَيْر تَقْدِيم وَلَا تَأْخِير وَلَا زِيَادَة وَلَا نَقْص وَلَا نَسِيء وَلَا تَبْدِيل كَمَا قَالَ فِي تَحْرِيم مَكَّة " إِنَّ هَذَا الْبَلَد حَرَّمَهُ اللَّه يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فَهُوَ حَرَام بِحُرْمَة اللَّه تَعَالَى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَهَكَذَا قَالَ هَهُنَا " إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض " أَيْ الْأَمْر الْيَوْم شَرْعًا كَمَا اِبْتَدَعَ اللَّه ذَلِكَ فِي كِتَابه يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَقَدْ قَالَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى هَذَا الْحَدِيث إِنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض " أَنَّهُ اِتَّفَقَ أَنَّ حَجّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ السَّنَة فِي ذِي الْحَجَّة وَأَنَّ الْعَرَب قَدْ كَانَتْ نَسَأَتْ النَّسِيء يَحُجُّونَ فِي كَثِير مِنْ السِّنِينَ بَلْ أَكْثَرهَا فِي غَيْر ذِي الْحَجَّة وَزَعَمُوا أَنَّ حَجَّة التَّصْدِيق فِي سَنَة تِسْع كَانَتْ فِي ذِي

الْقَعْدَة وَفِي هَذَا نَظَر كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إِذَا تَكَلَّمْنَا عَنْ النَّسِيء وَأَغْرَب مِنْهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَنْ بَعْض السَّلَف فِي جُمْلَة حَدِيث أَنَّهُ اِتَّفَقَ حَجّ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي يَوْم وَاحِد وَهُوَ يَوْم النَّحْر عَام حَجَّة الْوَدَاع وَاَللَّه أَعْلَم . " فَصْل " ذَكَرَ الشَّيْخ عَلَم الدِّين السَّخَاوِيّ فِي جُزْء جَمَعَهُ سَمَّاهُ " الْمَشْهُور فِي أَسْمَاء الْأَيَّام وَالشُّهُور " أَنَّ الْمُحَرَّم سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ شَهْرًا مُحَرَّمًا وَعِنْدِي أَنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ تَأْكِيدًا لِتَحْرِيمِهِ لِأَنَّ الْعَرَب كَانَتْ تَتَقَلَّب بِهِ فَتُحِلّهُ عَامًا وَتُحَرِّمهُ عَامًا قَالَ وَيُجْمَع عَلَى مُحَرَّمَات وَمَحَارِم وَمَحَارِيم وَصَفَر سُمِّيَ بِذَلِكَ لِخُلُوِّ بُيُوتهمْ مِنْهُمْ حِين يَخْرُجُونَ لِلْقِتَالِ وَالْأَسْفَار يُقَال صَفِرَ الْمَكَان إِذَا خَلَا وَيُجْمَع عَلَى أَصْفَار كَجَمَلٍ وَأَجْمَال وَشَهْر رَبِيع الْأَوَّل سُمِّيَ بِذَلِكَ لِارْتِبَاعِهِمْ فِيهِ وَالِارْتِبَاع الْإِقَامَة فِي عِمَارَة الرَّبْع وَيُجْمَع عَلَى أَرْبِعَاء كَنَصِيبِ وَأَنْصِبَاء وَعَلَى أَرْبِعَة كَرَغِيفٍ وَأَرْغِفَة وَرَبِيع الْآخِر كَالْأَوَّلِ وَجُمَادَى سُمِّيَ بِذَلِكَ لِجُمُودِ الْمَاء فِيهِ قَالَ : وَكَانَتْ الشُّهُور فِي حِسَابهمْ لَا تَدُور وَفِي هَذَا نَظَر إِذْ كَانَتْ شُهُورهمْ مَنُوطَة بِالْأَهِلَّةِ فَلَا بُدّ مِنْ دَوَرَانهَا فَلَعَلَّهُمْ سَمَّوْهُ بِذَلِكَ أَوَّل مَا سُمِّيَ عِنْد جُمُود الْمَاء فِي الْبَرْد كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَلَيْلَة مِنْ جُمَادَى ذَات أَنْدِيَة ... لَا يُبْصِر الْعَبْد فِي ظَلْمَائِهَا الطُّنُبَا لَا يَنْبَح الْكَلْب فِيهَا غَيْر وَاحِدَة ... حَتَّى يَلُفّ عَلَى خُرْطُومه الذَّنَبَا وَيُجْمَع عَلَى جُمَادَيَات كَحُبَارَى وَحُبَارَيَات وَقَدْ يُذَكَّر وَيُؤَنَّث فَيُقَال جُمَادَى الْأُولَى وَالْأَوَّل وَجُمَادَى الْآخِر وَالْآخِرَة وَرَجَب مِنْ التَّرْجِيب وَهُوَ التَّعْظِيم وَيُجْمَع عَلَى أَرْجَاب وَرِجَاب وَرُجُبَات وَشَعْبَان مِنْ تَشَعُّب الْقَبَائِل وَتَفَرُّقهَا لِلْغَارَةِ وَيُجْمَع عَلَى شَعَابِين وَشَعَابَات وَرَمَضَان مِنْ شِدَّة الرَّمْضَاء وَهُوَ الْحَرّ يُقَال رَمِضَتْ الْفِصَال إِذَا عَطِشَتْ وَيُجْمَع عَلَى رَمَضَانَات وَرَمَاضِين وَأَرْمِضَة قَالَ : وَقَوْل مَنْ قَالَ إنَّهُ اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه خَطَأ لَا يُعَرَّج عَلَيْهِ وَلَا يُلْتَفَت إِلَيْهِ قُلْت : قَدْ وَرَدَ فِي حَدِيث وَلَكِنَّهُ ضَعِيف وَبَيَّنْته فِي أَوَّل كِتَاب الصِّيَام وَشَوَّال مِنْ شَالَتْ الْإِبِل بِأَذْنَابِهَا لِلطِّرَاقِ قَالَ : وَيُجْمَع عَلَى شَوَاوِل وَشَوَاوِيل وَشَوَّالَات .

الْقَعْدَة بِفَتْحِ الْقَاف - قُلْت وَكَسْرهَا - لِقُعُودِهِمْ فِيهِ عَنْ الْقِتَال وَالتَّرْحَال وَيُجْمَع عَلَى ذَوَات الْقَعْدَة الْحِجَّة بِكَسْرِ الْحَاء - قُلْت وَفَتْحهَا - سُمِّيَ بِذَلِكَ لِإِيقَاعِهِمْ الْحَجّ فِيهِ وَيُجْمَع عَلَى ذَوَات الْحِجَّة أَسْمَاء الْأَيَّام أَوَّلهَا الْأَحَد وَيُجْمَع عَلَى آحَاد وَأَوْحَاد وَوُحُود ثُمَّ يَوْم الِاثْنَيْن وَيُجْمَع عَلَى أَثَانِينَ الثُّلَاثَاء يُمَدّ وَيُذَكَّر وَيُؤَنَّث وَيُجْمَع عَلَى ثَلَاثَاوَات وَأَثَالِث ثُمَّ الْأَرْبِعَاء بِالْمَدِّ وَيُجْمَع عَلَى أَرْبِعَاوَات وَأَرَابِيع وَالْخَمِيس يُجْمَع عَلَى أَخْمِسَة وَأَخَامِس ثُمَّ الْجُمُعَة بِضَمِّ الْمِيم وَإِسْكَانهَا وَفَتْحهَا أَيْضًا وَيُجْمَع عَلَى جُمَع وَجُمَاعَات . السَّبْت مَأْخُوذ مِنْ السَّبْت وَهُوَ الْقَطْع لِانْتِهَاءِ الْعَدَد عِنْده وَكَانَتْ الْعَرَب تُسَمِّي الْأَيَّام أَوَّل ثُمَّ أَهْوَن ثُمَّ جُبَار ثُمَّ دُبَار ثُمَّ مُؤْنِس ثُمَّ الْعَرُوبَة ثُمَّ شِيَار قَالَ الشَّاعِر مِنْ الْعَرَب الْعَرْبَاء الْعَارِبَة الْمُتَقَدِّمِينَ : أُرَجِّي أَنْ أَعِيش وَإِنَّ يَوْمِي ... بِأَوَّل أَوْ بِأَهْوَن أَوْ جُبَار أَوْ التَّالِي دُبَار فَإِنْ أَفُتْهُ ... فَمُؤْنِس أَوْ عَرُوبَة أَوْ شِيَار

وَقَوْله تَعَالَى " مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم " فَهَذَا مِمَّا كَانَتْ الْعَرَب أَيْضًا فِي الْجَاهِلِيَّة تُحَرِّمهُ وَهُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ جُمْهُورهمْ إِلَّا طَائِفَة مِنْهُمْ يُقَال لَهُمْ الْبَسْل كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْ السَّنَة ثَمَانِيَة أَشْهُر تَعَمُّقًا وَتَشْدِيدًا وَأَمَّا قَوْله " ثَلَاثَة مُتَوَالِيَات ذُو الْقَعْدَة وَذُو الْحَجَّة وَالْمُحَرَّم وَرَجَب مُضَر الَّذِي بَيْن جُمَادَى وَشَعْبَان " فَإِنَّمَا أَضَافَهُ إِلَى مُضَر لِيُبَيِّن صِحَّة قَوْلهمْ فِي رَجَب أَنَّهُ الشَّهْر الَّذِي بَيْن جُمَادَى وَشَعْبَان لَا كَمَا تَظُنّهُ رَبِيعَة مِنْ أَنَّ رَجَب الْمُحَرَّم هُوَ الشَّهْر الَّذِي بَيْن شَعْبَان وَشَوَّال وَهُوَ رَمَضَان الْيَوْم فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَجَب مُضَر لَا رَجَب رَبِيعَة وَإِنَّمَا كَانَتْ الْأَشْهُر الْمُحَرَّمَة أَرْبَعَة ثَلَاثَة سَرْد وَوَاحِد فَرْد لِأَجْلِ أَدَاء مَنَاسِك الْحَجّ وَالْعُمْرَة فَحَرَّمَ قَبْل أَشْهُر الْحَجّ شَهْرًا وَهُوَ ذُو الْقَعْدَة لِأَنَّهُمْ يَقْعُدُونَ فِيهِ عَنْ الْقِتَال وَحَرَّمَ شَهْر ذِي الْحَجَّة لِأَنَّهُمْ يُوقِعُونَ فِيهِ الْحَجّ وَيَشْتَغِلُونَ بِأَدَاءِ الْمَنَاسِك وَحَرَّمَ بَعْده شَهْرًا آخَر وَهُوَ الْمُحَرَّم لِيَرْجِعُوا فِيهِ إِلَى أَقْصَى بِلَادهمْ آمِنِينَ وَحَرَّمَ رَجَب فِي وَسَط الْحَوْل لِأَجْلِ زِيَارَة الْبَيْت وَالِاعْتِمَار بِهِ لِمَنْ يَقْدَم إِلَيْهِ مِنْ أَقْصَى جَزِيرَة الْعَرَب فَيَزُورهُ ثُمَّ يَعُود إِلَى وَطَنه فِيهِ آمِنًا وَقَوْله " ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم " أَيْ هَذَا هُوَ الشَّرْع الْمُسْتَقِيم مِنْ اِمْتِثَال أَمْر اللَّه فِيمَا جَعَلَ مِنْ الْأَشْهُر الْحُرُم وَالْحَذْو بِهَا عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ كِتَاب اللَّه الْأَوَّل قَالَ تَعَالَى " فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ " أَيْ فِي هَذِهِ الْأَشْهُر الْمُحَرَّمَة لِأَنَّهَا آكَد وَأَبْلَغ فِي الْإِثْم مِنْ غَيْرهَا كَمَا أَنَّ الْمَعَاصِي فِي الْبَلَد الْحَرَام تُضَاعَف لِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم " وَكَذَا الشَّهْر الْحَرَام تَغْلُظ فِيهِ الْآثَام وَلِهَذَا تَغْلُظ فِيهِ الدِّيَة فِي مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَطَائِفَة كَثِيرَة مِنْ الْعُلَمَاء وَكَذَا فِي حَقّ مَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَم أَوْ قَتَلَ ذَا مَحْرَم وَقَالَ حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد عَنْ يُوسُف بْن مَهْرَان عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ " قَالَ فِي الشُّهُور كُلّهَا وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله " إِنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه " الْآيَة فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ فِي كُلّهنَّ ثُمَّ اِخْتَصَّ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَة أَشْهُر فَجَعَلَهُنَّ حَرَامًا وَعَظَّمَ حُرُمَاتهنَّ وَجَعَلَ الذَّنْب فِيهِنَّ أَعْظَم وَالْعَمَل الصَّالِح وَالْأَجْر أَعْظَم وَقَالَ قَتَادَة فِي قَوْله " فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ " إِنَّ الظُّلْم فِي الْأَشْهُر الْحُرُم أَعْظَم خَطِيئَة وَوِزْرًا مِنْ الظُّلْم فِيمَا سِوَاهَا .

وَإِنْ كَانَ الظُّلْم عَلَى كُلّ حَال عَظِيمًا وَلَكِنَّ اللَّه يُعَظِّم مِنْ أَمْره مَا يَشَاء وَقَالَ : إِنَّ اللَّه اِصْطَفَى صَفَايَا مِنْ خَلْقه اِصْطَفَى مِنْ الْمَلَائِكَة رُسُلًا وَمِنْ النَّاس رُسُلًا وَاصْطَفَى مِنْ الْكَلَام ذِكْره وَاصْطَفَى مِنْ الْأَرْض الْمَسَاجِد وَاصْطَفَى مِنْ الشُّهُور رَمَضَان وَالْأَشْهُر الْحُرُم وَاصْطَفَى مِنْ الْأَيَّام يَوْم الْجُمُعَة وَاصْطَفَى مِنْ اللَّيَالِي لَيْلَة الْقَدْر فَعَظِّمُوا مَا عَظَّمَ اللَّه . فَإِنَّمَا تَعْظِيم الْأُمُور بِمَا عَظَّمَهَا اللَّه بِهِ عِنْد أَهْل الْفَهْم وَأَهْل الْعَقْل وَقَالَ الثَّوْرِيّ عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم عَنْ الْحَسَن عَنْ مُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة بِأَنْ لَا تُحَرِّمُوهُنَّ كَحُرْمَتِهِنَّ وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق " فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ " أَيْ لَا تَجْعَلُوا حَرَامَهَا حَلَالًا وَلَا حَلَالهَا حَرَامًا كَمَا فَعَلَ أَهْل الشِّرْك فَإِنَّمَا النَّسِيء الَّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ زِيَادَة فِي الْكُفْر " يُضَلّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا " الْآيَة وَهَذَا الْقَوْل اِخْتِيَار اِبْن جَرِير . وَقَوْله " وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة " أَيْ جَمِيعكُمْ " كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّة " أَيْ جَمِيعهمْ " وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه مَعَ الْمُتَّقِينَ " وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَحْرِيم اِبْتِدَاء الْقِتَال فِي الشَّهْر الْحَرَام هَلْ هُوَ مَنْسُوخ أَوْ مُحْكَم عَلَى قَوْلَيْنِ " أَحَدهمَا " وَهُوَ الْأَشْهَر أَنَّهُ مَنْسُوخ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ هَهُنَا " فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ " وَأَمَرَ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَظَاهِر السِّيَاق مُشْعِر بِأَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ أَمْرًا عَامًّا وَلَوْ كَانَ مُحَرَّمًا فِي الشَّهْر الْحَرَام لَأَوْشَكَ أَنْ يُقَيِّدهُ بِانْسِلَاخِهَا وَلِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاصَرَ أَهْل الطَّائِف فِي شَهْر حَرَام وَهُوَ ذُو الْقَعْدَة كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى هَوَازِن فِي شَوَّال فَلَمَّا كَسَرَهُمْ وَاسْتَفَاءَ أَمْوَالهمْ وَرَجَعَ فَلّهمْ لَجَئُوا إِلَى الطَّائِف فَعَمَدَ إِلَى الطَّائِف فَحَاصَرَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَفْتَحهَا فَثَبَتَ أَنَّهُ حَاصَرَ فِي الشَّهْر الْحَرَام وَالْقَوْل الْآخَر أَنَّ اِبْتِدَاء الْقِتَال فِي الشَّهْر الْحَرَام حَرَام وَأَنَّهُ لَمْ يُنْسَخ تَحْرِيم الشَّهْر الْحَرَام لِقَوْلِهِ تَعَالَى " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام " وَقَالَ " الشَّهْر الْحَرَام بِالشَّهْرِ الْحَرَام وَالْحُرُمَات قِصَاص فَمَنْ اِعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اِعْتَدَى عَلَيْكُمْ " الْآيَة وَقَالَ " فَإِذَا اِنْسَلَخَ الْأَشْهُر الْحُرُم فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ " الْآيَة وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا الْأَرْبَعَة الْمُقَرَّرَة فِي كُلّ سَنَة لَا أَشْهُر التَّسْيِير عَلَى أَحَد الْقَوْلَيْنِ .

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى " وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّة " فَيَحْتَمِل أَنَّهُ مُنْقَطِع عَمَّا قَبْله وَأَنَّهُ حُكْم مُسْتَأْنَف وَيَكُون مِنْ بَاب التَّهْيِيج وَالتَّحْضِيض أَيْ كَمَا يَجْتَمِعُونَ لِحَرْبِكُمْ إِذَا حَارَبُوكُمْ فَاجْتَمِعُوا أَنْتُمْ أَيْضًا لَهُمْ إِذَا حَارَبْتُمُوهُمْ وَقَاتِلُوهُمْ بِنَظِيرِ مَا يَفْعَلُونَ وَيَحْتَمِل أَنَّهُ إِذْن لِلْمُؤْمِنِينَ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي الشَّهْر الْحَرَام إِذَا كَانَتْ الْبُدَاءَة مِنْهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى " الشَّهْر الْحَرَام بِالشَّهْرِ الْحَرَام وَالْحُرُمَات قِصَاص " وَقَالَ تَعَالَى " وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ " الْآيَة . وَهَكَذَا الْجَوَاب عَنْ حِصَار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْل الطَّائِف وَاسْتِصْحَابه الْحِصَار إِلَى أَنْ دَخَلَ الشَّهْر الْحَرَام فَإِنَّهُ مِنْ تَتِمَّة قِتَال هَوَازِن وَأَحْلَافهَا مِنْ ثَقِيف فَإِنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ اِبْتَدَءُوا الْقِتَال وَجَمَعُوا الرِّجَال وَدَعَوْا إِلَى الْحَرْب وَالنِّزَال فَعِنْدَمَا قَصَدَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَمَّا تَحَصَّنُوا بِالطَّائِفِ ذَهَبَ إِلَيْهِمْ لِيُنْزِلهُمْ مِنْ حُصُونهمْ فَنَالُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَقَتَلُوا جَمَاعَة وَاسْتَمَرَّ الْحِصَار بِالْمَجَانِيقِ وَغَيْرهَا قَرِيبًا مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَكَانَ اِبْتِدَاؤُهُ فِي شَهْر حَلَال وَدَخَلَ الشَّهْر الْحَرَام فَاسْتَمَرَّ فِيهِ أَيَّامًا ثُمَّ قَفَلَ عَنْهُمْ لِأَنَّهُ يُغْتَفَر فِي الدَّوَام مَا لَا يُغْتَفَر فِي الِابْتِدَاء وَهَذَا أَمْر مُقَرَّر وَلَهُ نَظَائِر كَثِيرَة وَاَللَّه أَعْلَم وَلْنَذْكُرْ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي ذَلِكَ . وَقَدْ حَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي السِّيرَة وَاَللَّه أَعْلَم .

إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ

هَذَا مِمَّا ذَمَّ اللَّه تَعَالَى بِهِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ تَصَرُّفهمْ فِي شَرْع اللَّه بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَة وَتَغْيِيرهمْ أَحْكَام اللَّه بِأَهْوَائِهِمْ الْبَارِدَة وَتَحْلِيلهمْ مَا حَرَّمَ اللَّه وَتَحْرِيمهمْ مَا أَحَلَّ اللَّه فَإِنَّهُمْ كَانَ فِيهِمْ مِنْ الْقُوَّة الْغَضَبِيَّة وَالشَّهَامِيَّة مَا اِسْتَطَاعُوا بِهِ مُدَّة الْأَشْهُر الثَّلَاثَة فِي التَّحْرِيم الْمَانِع لَهُمْ مِنْ قَضَاء أَوْطَارهمْ مِنْ قِتَال أَعْدَائِهِمْ فَكَانُوا قَدْ أَحْدَثُوا قَبْل الْإِسْلَام بِمُدَّةٍ تَحْلِيل الْمُحَرَّم فَأَخَّرُوهُ إِلَى صَفَر فَيُحِلُّونَ الشَّهْر الْحَرَام وَيُحَرِّمُونَ الشَّهْر الْحَلَال لِيُوَاطِئُوا عِدَّة مَا حَرَّمَ اللَّه الْأَشْهُر الْأَرْبَعَة كَمَا قَالَ شَاعِرهمْ وَهُوَ عُمَيْر بْن قَيْس الْمَعْرُوف بِجِذْلِ الطِّعَان : لَقَدْ عَلِمَتْ مَعَدّ بِأَنَّ قَوْمِي ... كِرَام النَّاس أَنَّ لَهُمْ كِرَامَا أَلَسْنَا النَّاسِئِينَ عَلَى مَعَدّ ... شُهُور الْحِلّ نَجْعَلهَا حَرَامَا فَأَيّ النَّاس لَمْ نُدْرِك بِوِتْرٍ ... وَأَيّ النَّاس لَمْ نَعْلِك لِجَامَا وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر " قَالَ النَّسِيء أَنَّ جُنَادَة بْن عَوْف بْن أُمَيَّة الْكِنَانِيّ كَانَ يُوَافِي الْمَوْسِم فِي كُلّ عَام وَكَانَ يُكَنَّى أَبَا ثُمَامَة فَيُنَادِي أَلَا إِنَّ أَبَا ثُمَامَة لَا يُجَاب وَلَا يُعَاب أَلَا وَإِنَّ صَفَر الْعَام الْأَوَّل الْعَام حَلَال فَيُحِلّهُ لِلنَّاسِ فَيُحَرِّم صَفَرًا عَامًا وَيُحَرِّم الْمُحَرَّم عَامًا فَذَلِكَ قَوْل اللَّه " إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر " يَقُول يَتْرُكُونَ الْمُحَرَّم عَامًا وَعَامًا يُحَرِّمُونَهُ وَرَوَى الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس نَحْوه وَقَالَ لَيْث بْن أَبِي سُلَيْم عَنْ مُجَاهِد : كَانَ رَجُل مِنْ بَنِي كِنَانَة يَأْتِي كُلّ عَام إِلَى الْمَوْسِم عَلَى حِمَار لَهُ فَيَقُول أَيّهَا النَّاس : إِنِّي لَا أُعَاب وَلَا أُجَاب وَلَا مَرَدّ لِمَا أَقُول إِنَّا قَدْ حَرَّمْنَا الْمُحَرَّم وَأَخَّرْنَا صَفَر . ثُمَّ يَجِيء الْعَام الْمُقْبِل بَعْده فَيَقُول مِثْل مَقَالَته وَيَقُول إِنَّا قَدْ حَرَّمْنَا صَفَر وَأَخَّرْنَا الْمُحَرَّم فَهُوَ قَوْله " لِيُوَاطِئُوا عِدَّة مَا حَرَّمَ اللَّه " قَالَ : يَعْنِي الْأَرْبَعَة فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّه بِتَأْخِيرِ هَذَا الشَّهْر الْحَرَام وَرُوِيَ عَنْ أَبِي وَائِل وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة نَحْو هَذَا وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم فِي قَوْله " إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر " الْآيَة .

قَالَ هَذَا رَجُل مِنْ بَنِي كِنَانَة يُقَال لَهُ الْقَلَمَّس وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة لَا يُغِير بَعْضهمْ عَلَى بَعْض فِي الشَّهْر الْحَرَام يَلْقَى الرَّجُل قَاتِل أَبِيهِ وَلَا يَمُدّ إِلَيْهِ يَده فَلَمَّا كَانَ هُوَ قَالُوا اُخْرُجُوا بِنَا قَالُوا لَهُ هَذَا الْمُحَرَّم قَالَ نُنْسِئهُ الْعَام هُمَا الْعَام صَفَرَانِ فَإِذَا كَانَ الْعَام الْقَابِل قَضَيْنَا جَعَلْنَاهُمَا مُحَرَّمَيْنِ قَالَ فَفَعَلَ ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ عَام قَابِل قَالَ لَا تَغْزُوا فِي صَفَر حَرِّمُوهُ مَعَ الْمُحَرَّم هُمَا مُحَرَّمَانِ فَهَذِهِ صِفَة غَرِيبَة فِي النَّسِيء وَفِيهَا نَظَر لِأَنَّهُمْ فِي عَام إِنَّمَا يُحَرِّمُونَ عَلَى هَذَا ثَلَاثَة أَشْهُر فَقَطْ وَفِي الْعَام الَّذِي يَلِيه يُحَرِّمُونَ خَمْسَة أَشْهُر فَأَيْنَ هَذَا مِنْ قَوْله تَعَالَى " يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّة مَا حَرَّمَ اللَّه " وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد صِفَة أُخْرَى غَرِيبَة أَيْضًا فَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق : أَنَا مَعْمَر عَنْ أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى " إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر " الْآيَة قَالَ فَرَضَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْحَجّ فِي ذِي الْحَجَّة قَالَ : وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُسَمُّونَ ذَا الْحَجَّة الْمُحَرَّم وَصَفَر وَرَبِيع وَرَبِيع وَجُمَادَى وَجُمَادَى وَرَجَب وَشَعْبَان وَرَمَضَان وَشَوَّالًا وَذَا الْقَعْدَة وَذَا الْحَجَّة يَحُجُّونَ فِيهِ مَرَّة أُخْرَى ثُمَّ يَسْكُتُونَ عَنْ الْمُحَرَّم وَلَا يَذْكُرُونَهُ ثُمَّ يَعُودُونَ فَيُسَمُّونَ صَفَرًا ثُمَّ يُسَمُّونَ رَجَب جُمَادَى الْآخِر ثُمَّ يُسَمُّونَ شَعْبَان رَمَضَان ثُمَّ يُسَمُّونَ شَوَّالًا رَمَضَان ثُمَّ يُسَمُّونَ ذَا الْقَعْدَة شَوَّالًا ثُمَّ يُسَمُّونَ ذَا الْحَجَّة ذَا الْقَعْدَة ثُمَّ يُسَمُّونَ الْمُحَرَّم ذَا الْحَجَّة فَيَحُجُّونَ فِيهِ وَاسْمه عِنْدهمْ ذُو الْحَجَّة ثُمَّ عَادُوا بِمِثْلِ هَذِهِ الصِّفَة فَكَانُوا يَحُجُّونَ فِي كُلّ شَهْر عَامَيْنِ حَتَّى إِذَا وَافَقَ حَجَّة أَبِي بَكْر الْآخِر مِنْ الْعَامَيْنِ فِي ذِي الْقَعْدَة ثُمَّ حَجَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّته الَّتِي حَجَّ فَوَافَقَ ذَا الْحَجَّة فَذَلِكَ حِين يَقُول النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَته " إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض " وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِد فِيهِ نَظَر أَيْضًا وَكَيْف تَصِحّ حَجَّة أَبِي بَكْر وَقَدْ وَقَعَتْ فِي ذِي الْقَعْدَة وَأَنَّى هَذَا ؟ وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَأَذَان مِنْ اللَّه وَرَسُوله إِلَى النَّاس يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر أَنَّ اللَّه بَرِيء مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُوله " الْآيَة وَإِنَّمَا نُودِيَ بِهِ فِي حَجَّة أَبِي بَكْر فَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِي ذِي الْحَجَّة لَمَا قَالَ تَعَالَى " يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر " وَلَا يَلْزَم مِنْ فِعْلهمْ النَّسِيء هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ دَوَرَان السَّنَة عَلَيْهِمْ وَحَجّهمْ فِي كُلّ شَهْر عَامَيْنِ فَإِنَّ النَّسِيء حَاصِل بِدُونِ هَذَا فَإِنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا يُحِلُّونَ شَهْر الْمُحَرَّم عَامًا يُحَرِّمُونَ عِوَضه صَفَرًا وَبَعْده رَبِيع وَرَبِيع إِلَى آخِر السَّنَة بِحَالِهَا عَلَى نِظَامهَا وَعِدَّتهَا وَأَسْمَاء شُهُورهَا ثُمَّ فِي السَّنَة الثَّانِيَة يُحَرِّمُونَ

الْمُحَرَّم وَيَتْرُكُونَهُ عَلَى تَحْرِيمه وَبَعْده صَفَر وَرَبِيع وَرَبِيع إِلَى آخِرهَا " فَيُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّة مَا حَرَّمَ اللَّه فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّه " أَيْ فِي تَحْرِيم أَرْبَعَة أَشْهُر مِنْ السَّنَة إِلَّا أَنَّهُمْ تَارَة يُقَدِّمُونَ تَحْرِيم الشَّهْر الثَّالِث مِنْ الثَّلَاثَة الْمُتَوَالِيَة وَهُوَ الْمُحَرَّم وَتَارَة يُنْسِئُونَهُ إِلَى صَفَر أَيْ يُؤَخِّرُونَهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَام عَلَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ " الْحَدِيث أَيْ إِنَّ الْأَمْر فِي عِدَّة الشُّهُور وَتَحْرِيم مَا هُوَ مُحَرَّم مِنْهَا عَلَى مَا سَبَقَ فِي كِتَاب اللَّه مِنْ الْعَدَد وَالتَّوَالِي لَا كَمَا تَعْتَمِدهُ جَهَلَة الْعَرَب مِنْ فَصْلهمْ تَحْرِيم بَعْضهَا بِالنَّسِيءِ عَنْ بَعْض وَاَللَّه أَعْلَم وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا صَالِح بْن بِشْر بْن سَلَمَة الطَّبَرَانِيّ حَدَّثَنَا مَكِّيّ بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا مُوسَى بْن عُبَيْدَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ قَالَ : وَقَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَقَبَةِ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّه مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْل ثُمَّ قَالَ " وَإِنَّمَا النَّسِيء مِنْ الشَّيْطَان زِيَادَة فِي الْكُفْر يُضَلّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا " فَكَانُوا يُحَرِّمُونَ الْمُحَرَّم عَامًا وَيَسْتَحِلُّونَ صَفَرًا وَيَسْتَحِلُّونَ الْمُحَرَّم وَهُوَ النَّسِيء " وَقَدْ تَكَلَّمَ الْإِمَام مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَلَى هَذَا فِي كِتَاب السِّيرَة كَلَامًا جَيِّدًا مُفِيدًا حَسَنًا فَقَالَ : كَانَ أَوَّل مَنْ نَسَأَ الشُّهُور عَلَى الْعَرَب فَأَحَلَّ مِنْهَا مَا حَرَّمَ اللَّه وَحَرَّمَ مِنْهَا مَا أَحَلَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْقَلَمَّس وَهُوَ حُذَيْفَة بْن عَبْد فُقَيْم بْن عَدِيّ بْن عَامِر بْن ثَعْلَبَة بْن الْحَارِث بْن مَالِك بْن كِنَانَة بْن خُزَيْمَة بْن مُدْرِكَة بْن إِلْيَاس بْن مُضَر بْن نِزَار بْن مَعَدّ بْن عَدْنَان ثُمَّ قَامَ بَعْده عَلَى ذَلِكَ اِبْنه عَبَّاد ثُمَّ مِنْ بَعْد عَبَّاد اِبْنه قلع بْن عَبَّاد ثُمَّ اِبْنه أُمَيَّة بْن قلع ثُمَّ اِبْنه عَوْف بْن أُمَيَّة ثُمَّ اِبْنه أَبُو ثُمَامَة جُنَادَة بْن عَوْف وَكَانَ آخِرهمْ وَعَلَيْهِ قَامَ الْإِسْلَام فَكَانَتْ الْعَرَب إِذَا فَرَغَتْ مِنْ حَجّهَا اِجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ فَقَامَ فِيهِمْ خَطِيبًا فَحَرَّمَ رَجَبًا وَذَا الْقَعْدَة وَذَا الْحَجَّة وَيُحِلّ الْمُحَرَّم عَامًا وَيَجْعَل مَكَانه صَفَرًا وَيُحَرِّمهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّة مَا حَرَّمَ اللَّه فَيُحِلّ مَا حَرَّمَ اللَّه يَعْنِي وَيُحَرِّم مَا أَحَلَّ اللَّه . وَاَللَّه أَعْلَم .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا

هَذَا شُرُوع فِي عِتَاب مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة تَبُوك حِين طَابَتْ الثِّمَار وَالظِّلَال فِي شِدَّة الْحَرّ وَحَمَارَة الْقَيْظ فَقَالَ تَعَالَى " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ اِنْفِرُوا فِي سَبِيل اللَّه " أَيْ إِذَا دُعِيتُمْ إِلَى الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه " اِثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْض " أَيْ تَكَاسَلْتُمْ وَمِلْتُمْ إِلَى الْمُقَام فِي الدَّعَة وَالْخَفْض وَطِيب الثِّمَار " أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَة " أَيْ مَا لَكُمْ فَعَلْتُمْ هَكَذَا رِضًا مِنْكُمْ بِالدُّنْيَا بَدَلًا مِنْ الْآخِرَة ثُمَّ زَهَّدَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الدُّنْيَا . وَرَغَّبَ فِي الْآخِرَة فَقَالَ " فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا قَلِيل " كَمَا قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا وَكِيع وَيَحْيَى بْن سَعِيد قَالَا : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد عَنْ قَيْس عَنْ الْمُسْتَوْرِد أَخِي بَنِي فِهْر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا كَمَا يَجْعَل أَحَدكُمْ أُصْبُعه هَذِهِ فِي الْيَمّ فَلِيَنْظُر بِمَا تَرْجِع ؟ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ اِنْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِم . وَرَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُسْلِم بْن عَبْد الْحَمِيد الْحِمْصِيّ بِحِمْص حَدَّثَنَا الرَّبِيع بْن رَوْح حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن خَالِد الْوَهْبِيّ حَدَّثَنَا زِيَاد يَعْنِي الْجَصَّاص عَنْ أَبِي عُثْمَان قَالَ : قُلْت يَا أَبَا هُرَيْرَة سَمِعْت مِنْ إِخْوَانِي بِالْبَصْرَةِ أَنَّك تَقُول سَمِعْت نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " إِنَّ اللَّه يَجْزِي بِالْحَسَنَةِ أَلْف أَلْف حَسَنَة " قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : بَلْ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " إِنَّ اللَّه يَجْزِي بِالْحَسَنَة أَلْفَيْ أَلْف حَسَنَة " ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة " فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا قَلِيل " فَالدُّنْيَا مَا مَضَى مِنْهَا وَمَا بَقِيَ مِنْهَا عِنْد اللَّه قَلِيل . وَقَالَ الثَّوْرِيّ عَنْ الْأَعْمَش فِي الْآيَة " فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا قَلِيل " قَالَ كَزَادِ الرَّاكِب وَقَالَ عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي حَازِم عَنْ أَبِيهِ لَمَّا حَضَرَتْ عَبْد الْعَزِيز بْن مَرْوَان الْوَفَاة قَالَ : اِئْتُونِي بِكَفَنِي الَّذِي أُكَفَّن فِيهِ أَنْظُر إِلَيْهِ فَلَمَّا وُضِعَ بَيْن يَدَيْهِ نَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ : أَمَا لِي مِنْ كَبِير مَا أُخَلِّف مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا هَذَا ؟ ثُمَّ وَلَّى ظَهْره فَبَكَى وَهُوَ يَقُول أُفّ لَك مِنْ دَار إِنْ كَانَ كَثِيرك لَقَلِيل وَإِنْ كَانَ قَلِيلك لَقَصِير وَإِنْ كُنَّا مِنْك لَفِي غُرُور .


 توقيع : شيخة رواية

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
التوبة, تفسير, كثير/سورة

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فوائد مختارة من تفسير ابن كثير (5) من سورة المائدة إلى سورة الأعراف Şøķåŕą ۩ القُــرآن الكرِيــم ۩ 17 02-20-2024 12:41 AM
تفسير سورة التوبة للناشئين الآيات 112 - 129 سمارا ۩ القُــرآن الكرِيــم ۩ 16 01-29-2024 11:35 AM
تفسير سورة الكهف كاملة ( تفسير ابن كثير ) و شرح الشيخ صالح العبود نهار ۩ القُــرآن الكرِيــم ۩ 20 09-24-2023 03:09 PM
تفسير سورة التوبة عدد آياتها 129 ( آية 52-78 ) الحقوقي فيصل ۩ القُــرآن الكرِيــم ۩ 15 05-12-2023 02:42 PM
تفسير سورة التوبة . الفريق الازرق.. نفس المشاعر ۩ القُــرآن الكرِيــم ۩ 12 07-05-2022 09:04 AM

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


الساعة الآن 10:05 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2024, Trans. By Soft
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة الموقع