( سجادة حمراء وأرائـك الهطول# حصريآت ال روآية )  
 
 

العودة   منتدى رواية عشق > ♬ قِسـم الشّعـر والخوَاطـر ♬ > ♬ عَالم القِصـة والروَايـة ♬

♬ عَالم القِصـة والروَايـة ♬ ثرثرَة وحُروف وكلِمات كوّنت حكَاية على جدَار الزّمن .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 05-18-2022
Şøķåŕą متواجد حالياً
Egypt     Female
SMS ~ [ + ]
قَدَاسَة طُهِّرَ | | أَوْسِمَتِي | |
لوني المفضل Deeppink
 عضويتي » 1870
 اشراقتي ♡ » Jun 2021
 كُنت هنا » منذ 29 دقيقة (07:12 PM)
موآضيعي » 24953
آبدآعاتي » 7,264,665
 تقييمآتي » 2349879
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Egypt
جنسي  »  Female
 حالتي الآن » ☆بعالم الحب يا حب ❤️ ☆
آلقسم آلمفضل  » الآسلامي♡
آلعمر  » ❤
الحآلة آلآجتمآعية  » » ❤
تم شكري »  51,932
شكرت » 22,950
الاعجابات المتلقاة » 12440
الاعجابات المُرسلة » 2240
مُتنفسي هنا » مُتنفسي هنا
 التقييم » Şøķåŕą has a reputation beyond reputeŞøķåŕą has a reputation beyond reputeŞøķåŕą has a reputation beyond reputeŞøķåŕą has a reputation beyond reputeŞøķåŕą has a reputation beyond reputeŞøķåŕą has a reputation beyond reputeŞøķåŕą has a reputation beyond reputeŞøķåŕą has a reputation beyond reputeŞøķåŕą has a reputation beyond reputeŞøķåŕą has a reputation beyond reputeŞøķåŕą has a reputation beyond repute
مَزآجِي  »  هدوء
Q70 خطوات في الليل(5)



منذ بدايات المساء أخذت تتميز أصوات الأعراس من بين أصوات الضجيج القريب والبعيد، ففي الصيف من كل عام وفي ليلة الاثنين والجمعة من كل أسبوع تقام حفلات الأعراس. سكان الزنزانات ينشغلون بهذه الأصوات، لأن مواكب العرسان تمر بالقرب من مبنى الزنزانات في سيارات صغيرة مصاحبة بزغاريد النساء، وتصفيق الرجال، ونفخات الأبواق أبواق الموسيقى وأبواق السيارات. الابتهاج ليس ملكاً للعروسين ولا ذويهما وأقربائهما وكل من يلوذ بهما، بل الدنيا كلها مبتهجة، وحتى سكان الزنزانات، أو هكذا يجب أن يكونوا ولو بالرغم منهم. الكلام في السجن ممنوع، ومثل ذلك الغناء فضلاً عن الرقص والضجيج. الصمت أو الهدوء هو المطلوب. وحين تضمر حاسة من حواس الإنسان أو تعطل.. تنمو حاسة أخرى، تعويضاً عن نقص، أو سداداً لحاجة، أو استجابة لجهد إضافي. هكذا كانت حال الحواس لا سيما حاسة السمع لدى السجناء، فكيف كانت الأحاسيس!

الزنزانة رقم(1)

في هذه الزنزانة سجينان أعزبان. الأول عبد الحكيم السيد وعمره فوق الثلاثين عاماً. مربوع القامة، عريض المنكبين، أسمر البشرة، مدور الوجه، ذو نظارة طبية لضعف في بصره، كثير التأمل، قليل الكلام، محروم من التدخين، وهو معتاد عليه منذ صغره. محروم من المطالعة وهو مدمن عليها، ومن الكتابة وهو أديب شاعر. مضى على سجنه خمس ليال.

الثاني مصطفى الخشان وعمره حوالي عشرين عاماً. أقصر من شريكه الأول، وأميل إلى النحافة، أبيض البشرة، بيضاوي الوجه، مستخدم في شركة تجارية. لم يمض على اعتقاله ساعات.

مصطفى: حضرتك من هذا البلد؟

عبد الحكيم: لا. سوري.

- من دير الزور؟

- لا. من شمال مدينة حلب.

- لا مؤاخذة. أنا جديد. اليوم اعتقلت. لم أعتقل في حياتي قبل هذه المرة، وأعتقد أن اعتقالي غير طويل، لأن مشكلتي بسيطة، ومعلمنا، مدير الشركة يحبني كثيراً، وسوف يبذل جهداً كبيراً للإفراج عني.

- أهلاً وسهلاً.

- رأيتك تصلي وتقرأ القرآن. أنا أحب القرآن وأريد أن أصلي فهل تتكرم بتعليمي.

- تكرم. أنا مستعد.

- هل أنت متزوج؟

- لا. حتى الآن.

- أنا خاطب. خطيبتى تنتظرني. خلال هذا الشهر حزيران سوف نتزوج. كل حاجات العرس جاهزة. البيت استأجرناه. غرفة النوم والاستقبال من أحدث طراز اشتريناهما. أدوات المطبخ: الثلاجة. فرن الغاز. موقد الغاز. قدور (التيفال). الصحون. الملاعق. الشوكات...

استرسل مصطفى في سرد التفاصيل عن خطوبته واستعداداته للزفاف فالزواج... فيما كان عبد الحكيم غارقاً في همومه وذكرياته:

أنا خاطب أيضاً. إنها ابنة عمي تنتظرني من قبل دخولي الجامعة. درست. تخرجت. عينت مدرساً للغة العربية. قبضت الرواتب. وفيت الديون. لم ينقطع سداد الديون طوال السنوات الماضية. وأخيراً انقطع الراتب بالهجرة.

قلت لك يا والدي أكثر من مرة: دعنا نفك الخطوبة ونطلق سراح ابنة عمي. أنا راغب بالزواج لكن ما باليد حيلة. أولاد عمي يقبلون بالزواج بلا مهر، أنا لا أقبل. كيف أقبل؟ أنا موظف. مدرس. اضرب. اطرح. تعال صدق أنا مفلس. بعد كل هذا العمر والجهد والجهاد ومفلس. صدق أولا تصدق. عمك أبو سليمان يصدق، ووزراؤه يصدقون، لكن الذكي فيهم يقول:

كل الموظفين يرتشون ويتبحبحون. لماذا تزيد الرواتب؟ أمن أجل حفنة غبية لا ترتشي؟! إذا زدنا الرواتب فلا بد أن نرفع الدعم عن بعض المواد التموينية. لا بد أن تزيد نسبة الضرائب.

- أستاذ عبد الحكيم هل رأيت خطيبتك، أعني هل قابلتها على انفراد. إن خطيبتي ابنة مدير الشركة. أنا أذهب معها منفردين لشراء أغراض الزواج. ألم أقل لك إن مدير الشركة يحبني؟! أستاذ عبد الحكيم –لا مؤاخذة- لماذا لم تتزوج حتى الآن؟

- رئيس دولتنا لا يسمح لي.

- تريد الزواج من ابنته؟

- لا.

- من أخته؟

- لا.

- من عشيرته؟

- لا.

- أنا لا أفهم بالسياسة. ولا أريد أن أفهم. لكن هل للزواج علاقة بالسياسة.

(كيف أشرح لهذا الإنسان مشكلتي: لا يفهم في السياسة، ولا يريد أن يفهم. ثم ماذا يفيده أو يفيدني أن أشرحها له؟ نحن يا صديقي العزيز أبناء ريف. سكان قرية نقطن بجوار نهر الفرات مستوري الحال، أبناء عشيرة واحدة متكافلين متضامنين على ضيق العيش وسعته.. قررت الحكومة الموقرة، يجب أن نحتاط دوماً ونقول: موقرة- قررت حكومتنا الموقرة إقامة سد ضخم على نهر الفرات العظيم. اختارت منطقة (الطبقة) المجاورة لقريتنا. السد يختزن الماء. الماء يغطي مساحات شاسعة، ومنها منطقة قريتنا. إذن نحن مضطرون –شئنا أم أبينا- إلى مغادرة القرية أرضنا وأرض آبائنا وأجدادنا. الأرض التي ولدت فيها ونشأت وترعرعت. رعيت فيها الماشية، وزرعت وحصدت مع أهلي حين تجود الأمطار. وفيها إذا شئت تعرفت على خطيبتي ابنة عمي المرهونة بي. لم يسمح لنا أن نمتلك أرضاً جديدة من الأراضي المستصلحة بعد قيام السد. الأراضي المستصلحة ملك الدولة التي أقامت السد. وبالدقة ملك العصابة التي تمسك بمقاليد الدولة، وتوظف من تشاء وحيث تشاء، وتسرح من تشاء، كيف تشاء، وفي أي وقت تشاء. كان بوسعنا أن نستأنف حياتنا بأي أرض حول مناطق السد الشاسعة الواسعة المستصلحة أو غير المستصلحة: أنا وأبي وأمي وإخوتي الشباب والصغار، المتزوجون منهم والعزبان. ومثل ذلك يفعل أقاربي وأبناء عشيرتي، فلا يتفرق الشمل، ولا يختلف الهواء والتراب والجيران وطرق العيش. عليكم أن ترحلوا من هنا. قالت الحكومة أي العصابة الحاكمة. إلى أين؟ إلى الجزيرة السورية. لماذا لا نبقى حول هذا السد العظيم؟ يجب أن تشكلوا الحزام العربي في وجه الأكراد. أكراد الجزيرة السورية؟ لماذا نحن بالذات؟ أنتم عرب أقحاح؟ لماذا تفعلون بنا هكذا ما دمنا عرباً؟ العربي لا يأخذ أرض العربي بالقوة ويطرده منها. العربي لا يأخذ أرض الآخرين ظلماً لأنه مسلم. لأنه صاحب رسالة محمد رسالة النور والرحمة للعالمين. لماذا نضطهد إخواننا الأكراد الذين لم نر منهم إلا خيراً. أليسوا إخواننا في الدين؟ أليسوا موطنين أحراراً مثلنا. ألم يحاربوا معنا الأعداء في الماضي والحاضر. أليس منهم صلاح الدين الأيوبي؟ نحن ليست لنا مشكلة مع إخواننا الأكراد. ولا نريد أن نخلق مشكلة معهم، ولا أن نكون سبباً في خلقها. إذا كان لكم معهم ثأر فتفضلوا بأنفسكم يا أصحاب العيون الزرق والشعر الأشقر. أم إنكم تجبنون عن مواجهتهم؟ لم تجد النقاشات ولا الوفود ولا العرائض. كان الجواب: من لا يريد أرضاً في الجزيرة فليتدبر أمره بنفسه. ها نحن نتدبر أمرنا بنفسنا. رفضنا الظلم الواقع بنا. رفضنا أن نظلم غيرنا وأن نكون أداة الظلم. التمسنا عيشنا من نقطة الصفر. القادر منا على العمل يرد على من لا قدرة له حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا. تصور الرعاة والفلاحين الذين لا يتقنون صنعة غير الرعي والزراعة يسكنون ضواحي المدن المكتظة بسكانها، المرهقة بمشكلاتها: غلاء المعيشة. البطالة. قصور الخدمات: شح المياه. انقطاع التيار الكهربائي. تعثر المواصلات. هبوط التعليم. انتعاش الرشوة والقمار والخمور والرذيلة واللصوصية.)

- قلت لك في هذا الشهر سوف نتزوج. نحن بانتظار حضور والدتي من الضفة الغربية وأخي الأكبر من الكويت وأختي من السعودية. أنا مولود في الضفة. لم أخرج منها إلا منذ أربع سنوات، أرضنا جميلة. جنات. أنا لا أنساها. أتمنى أن أعود إليها. لكنني غير منتظم في إحدى المنظمات. لي أصدقاء فيها. لذلك تهمتي بسيطة. سوف يفرج عني. الأرض يا أستاذ. الأرض غالية جداً. كلنا نهاجر نسافر إلى أمي. يبدو أن أمي تحبها أكثر منا. يبدو أن أمي تخاف أن تموت بعيدة عن أرض آبائها وأجدادها. نحن عندنا أمل بالعودة.

نهض عبد الحكيم من ضجعته على بطنه ونصفه الأسفل. اعتدل في جلسته أسند ظهره على الجدار، مد يديه إلى جيب (جلابيته) الرصاصية الداكنة يتلمس علبة الدخان والوقيد. اصطدم بعدم وجودهما. تذكر حرمانه من التدخين. استل يده يائساً مترجفاً من غيظ مضاعف. تابع تمثيل عملية التدخين. زفر زفرة طويلة، ثم تطلع صوب المنطقة التي يظن أن فيها أمه وأباه:

(وأنتما أيها العجوزان الطيبان، كيف حالكما؟ كيف شوقكما إلى الأرض المغمورة والأولاد المشردين؟!)

- عفواً أستاذ. لم تشرح لي لماذا لا يسمح لكم رئيس دولتكم بالزواج؟

- يا أخي. إن رئيس دولتنا يريد أن يقطع نسلنا.

- إذن لا يتدخل بزواجك وحدك؟

- إن أربعة من أقاربي الشباب مثلي ينتظرون الفرصة المناسبة للزواج من قريباتهم خطيباتهم المنتظرات منذ سنوات. هؤلاء الشباب الأربعة اعتقلوا منذ شهرين، وعشرة مثلهم تواروا عن الأنظار خوفاً من الاعتقال.

- خير إن شاء الله. ما السبب. أنا لا أفهم بالسياسة، ولا أريد أن أفهم.

- أنت حر يا أخي. ولا أكتمك أنا نفسي لا أعرف السبب الحقيقي. هل هي قضية أراضينا المغمورة بالماء؟ هل هي محاولات الاغتيال المزعومة لحضرة الرئيس. أنا أعلم أن أقاربي شجعان. لكن ماذا يوصلهم إلى هذا الرئيس؟ ليسوا أهل سياسة، معظمهم فلاحون. بعضهم درس المرحلة الابتدائية، والقليل منهم درس المرحلة الإعدادية. وكثير منهم لم يدرس إلا عند شيخ القرية. الله يذكرك بالخير يا أبا عبد الرحمن. هل صحيح أنت اعتقلت؟ لم يرحموا شيبتك ووقارك ماذا يفعلون بكم في سجن تدمر؟

- نحن رئيسنا لا يتدخل بأمور الزواج.

- أنتم نسلكم يتضاعف رغم محاولات اليهود لقطع نسلكم.

- إذن تزوج يا أخي تزوج.

- هنا في السجن؟

يضحكان.

- لا يا أخي بعد هذا السجن. بعد أن يطلق سراحك إن شاء الله.

- وإذا كنت مسجوناً في بلدي أيضاً؟

- أنا لا أفهم. لا أفهم. يجب أن تتزوج يعني يجب أن تتزوج. كل الناس يتزوجون ويتوالدون. فقراء، أغنياء لا يهم. ألا تسمع الزغاريد والطبول والزمامير؟! وأقرباؤك الشباب.

- الفرسان الأقمار؟

- تزوجوا يا أخي. يجب أن تتزوجوا.

- أحكي لك حكاية كنت أحكيها لأصدقائي الذين كان يلحون علي مثل إلحاحك بضرورة الزواج. نزل رجل إلى سوق المدينة واشترى سمكاً. في طريقه إلى البيت سأله رجل بكم اشتريت السمك فأجابه. ثم لقيه رجل ثالث فأعاد عليه السؤال فأجابه بما أجاب الآخرين، وحين وصل إلى باب بيته كان صبره قد نفذ لكثرة ما سئل وأجاب عن ثمن السمك. وقبل أن يفتح باب بيته ويدخله استوقفه رجل عابر وسأله بكم اشتريت السمك؟ فلم يتمالك صاحبنا إلا أن حمل حزمة السمك وضرب بها رأس هذا الرجل. رفع الرجل المضروب شكواه إلى القاضي. استدعى القاضي صاحب السمك، وسأله لماذا ضربت الرجل؟ أجاب: صلي على النبي. صلى القاضي على النبي عليه الصلاة والسلام. أعاد السؤال على صاحب السمك. فأجابه: صلي على النبي. ولما تكررت إجابات المتهم بطلب الصلاة على النبي نفذ صبر القاضي وغضب، فقال له: إما أن تجيبني على أسئلتي بصراحة وإما أن أعاقبك. قال المتهم: يا سيدي القاضي أما أقول لك: صلي على النبي فتعاقبني، فكيف لو كنت صاحب السمك وسئلت مئة مرة عن ثمنه وأنت تجيب، فماذا تفعل؟!

الزنزانة رقم (4)

لو استطعت الكتابة على الجدار لكتبت اسمي. لو امتلكت قلماً. آلة حادة لكتبت اسمي (عبد الوهاب الشعار) بجوار هذه الأسماء المحفورة. عمري خمس وثلاثون عاماً. لي زوجة وثلاثة أولاد. صبيان وبنت. أنا سوري من اللاذقية ولدت في حماة. جدي أصله من حلب. أعمل تاجراً. أشتري شعر الماعز وأبيعه. هل في ذلك غرابة؟ هكذا قلت للمحقق. نعم درست الهندسة الإلكترونية في الجامعة وأوشكت على التخرج، لكن زواجي المبكر، واستهواء التجارة كان السبب. هل في ذلك غرابة؟ كيف جئت إلى هنا؟ ومن أين أعرف حسان الربيعي؟ إنه صديق أخي الكبير وزميله في حلب. تعرفت إليه هناك. توطدت صداقتنا في سورية لقيته هنا، فدعاني إلى المبيت عنده، وهكذا كان حتى اعتقلت. آه ليتني لم أنم تلك الليلة. كنت مدعواً للنوم في بيت آخر. المهم زوجتي وأولادي ينتظرونني. ماذا تقول زوجتي الوحيدة الغريبة في ألمانيا؟

لو لم يعيدوا إلي نظارتي الطبية لجننت. في ليلة العرس لم أستطع التخلي عنها كيف هنا في السجن؟ هل صحيح أنا في السجن؟ في زنزانة منفردة؟

يا زوجتي الغالية الوفية، قد يكون من حسن حظك ألا تعلمي حتى الآن باعتقالي. لكن كيف يكون حالك حين يطول غيابي ولا خبر عني؟ كنت أتصل بك هاتفياً من كل بلدة أو عاصمة أزورها أو أسافر إليها، فماذا أفعل الآن؟

أرجوك لا تظني بي الظنون. أنا محجوز لا حيلة لي. قال لي المحقق أجب على أسئلتنا نطلق سراحك خلال خمس دقائق. مضت خمسة أيام فلماذا لا تطلقون سراحي؟ إن لم تطلقوا سراحي فلتخبروا أهل زوجتي: أين أنا. اسمحوا لي أن أوكل محامياً عني. أنا بريء. بريء يا ناس! لا يجوز أن أرفع صوتي. هذه تعليمات السجن! لا يجوز أن أقرأ أن أكتب أن أستمع إلى الراديو. ولا يجوز أن أكون مع سجين آخر! هكذا مرة واحدة من باب الطائرة إلى أعماق السجن؟ هل في ذلك غرابة؟ نعم أنا أستغرب كل هذه المعاملة. إن كانت هنا آلة تسجيل أو تصنت فلتسجل احتجاجي. كان بودي أن أفتح معملاً لغزل شعر الماعز في هذا البلد. لكن بعد هذه المعاملة ماذا أصنع؟

يا زوجتي العزيزة. لعلك تسخرين من حبي للوطن. لقد حملتك مع أولادي إلى اللاذقية لتقيمي بين أهلي. ليتعلم أولادي اللغة العربية والثقافة الإسلامية، ولأسهم في عمارة بلدي. استدنت وجمعت الأصدقاء وأسسنا شركة وأقمنا معملاً ينفق على عشرات الأسر العمالية. شركة مساهمة من العمال وغير العمال. لست آسفاً على الرشاوي والاتاوات التي دفعناها للترخيص للمعمل، لكنني آسف على أن الحبل انقطع بنا في آخر مرحلة حين بدأت الجهود تثمر وبدأ العمال يتذوقون طعم الجهود المخلصة التي بذلوها. لقد خرجت من بلدتي الحبيبة مكرهاً خوف الاعتقال. تركتك أنت والأولاد. ألقيت نظرة على الشاطئ اللازوردي، على رمال الشاطئ في الطابيات حيث كنا نسبح ونصطاد الأسماك. ألقيت نظرة على أشجار الصنوبر الممشوقة القد وعلى أدغال الأشجار من (الصبار) والزيزفون. كنت تعجبين بتين (الصبار) وكنت أقطفه لك وأقشره لأحميك من شوكه الغزير. فمن يحميك الآن في غربتك في وحدتك؟ الله وحده يحميك ويحرسك؟ ألم يسهل لك الخروج من سورية؟

أنا أسألكم أيها المحققون. هل في بلاد العالم يعاملون المخلصين النشيطين مثل هذه المعاملة؟ هكذا قلت لهم. هل في بلاد العالم يلاحق الأطفال والزوجة بذنب الزوج؟ ماذا جنيت أنا؟ لم أحتكر ولا سرقت ولا غششت ولا ارتشيت، بل فتحت مشروعاً ينتفع به البلد والشعب. هكذا سوف أقول للمحققين أيضاً. لا بل الآن. هيا فلأقرع الباب. لا ليس الآن.

يا زوجتي العزيزة. تزوجنا في الغربة. كسبنا عيشنا في الغربة. رزقنا الله أولاداً في الغربة. وها أنا أنقطع عنك وتنقطعين عني. متى تنتهي هذه الغربة؟ متى يتكلم عبد الرحمن لغة أمه وأبيه بحرية بطلاقة؟ متى تسمع سمية حكايات جدها وجدتها وتتعلم منهما الصلاة وقراءة القرآن؟ متى يذهب محمود مع رفاقه مع أبناء عمه إلى الصنوبرات إلى شاطئ الطابيات يجمع الأصداف أو يرمي الشباك أو ينصب قضبان الصمغ للعصافير؟!

تخيلي زوجك حين كان فتى خالي البال يتجرد من كل ثيابه للسباحة. يقف على صخرة عالية من صخور الطابيات. يقفز نحو البحر. يطير في الهواء كالريشة، رأسه إلى الأسفل مشدوداً قليلاً إلى الوراء. صدره نافر. يداه مبسوطتان كجناحي طائر. ساقاه مجموعتان مقوستان إلى الأعلى.. حتى يخترق سطح الماء آه.. أين أنت يا لاذقيتي.. يا زوجتي. يا حريتي. أين أنا؟!

الزنزانة رقم (6)

- يا أخي مجاهد. تصور الفرق بيننا وبين هؤلاء الرأسماليين. لا هم لهم إلا نهب أموالنا وإنفاقها على الأعراس والملاهي والخمور والقمار. تصور يا أخي مجاهد. كنت أعود من الجامعة مساءً لأتناول العشاء وأنا بلا غداء حتى ذلك الوقت. تحضر لي والدتي رغيف خبز ثم تغيب. يطول غيابها بحجة البحث عن إدام: بصل. زيت. أي شيء آخر. هي تعلم أن لا وجود لشيء آخر غير الخبز. لكنها تهرب من مواجهة العيون. نعم نحن فقراء. ليس في ذلك عيب. لكن المؤلم أن غيرنا يملكون الملايين والقصور والأطعمة الفاخرة ونحن نبيت جياعاً.

تأمل مجاهد محدثه. قرأ في هزاله الشديد وعينيه الغائرتين ولهجته الصادقة ونبرات حروفه الملتهبة.. قصص الفقر والمعاناة شاخصة.

- قد تعجب كيف استطعت متابعة دراستي الجامعية في العلوم السياسية وأنا بهذا الفقر. لكن بوسعك أن تستنتج ذلك على حساب الطعام واللباس ونفقات الأعياد والمناسبات التي لا بد منها لأفراد الأسرة. وأبناء الفقراء كثيرون. العيد يا أخي للأغنياء. العرس للأغنياء. كل شيء للرأسماليين وليس لنا إلا الفقر والسجن.

تهدج صوت سليم. خيل لمجاهد أن حبات الدمع تدحرجت غزيرة من تلك الحفر الغائرة التي لا توحي بالنداوة.

- سوف أتزوج يوماً. لكن متى. بعد أن أمضي مدة حكمي خمسة عشر عاماً أو حين تقوم ثورتنا. صحيح أن عدد المنتظمين في حزبنا قليل. بعضهم معتقل. بعضهم تخلى عن التنظيم. لكننا نسعى على محورين: المحور الأول: إيجاد القاعدة الشعبية العريضة.

المحور الثاني إيجاد النخبة الثورية التي تقود تلك القاعدة الشعبية. أما الحصول على السلاح في الوقت اللازم فما أسهله!

تغيرت لهجة سليم. تألقت عيناه. زادت حركة يديه. تفرس مجاهد في وجهه الشاحب تحت ضوء المصباح الشحيح. وجده قطعاً عظمية تتحرك بآلية متماسكة. لم يشأ أن يقطع حديثه.

- في ذلك الوقت تقوم الانتفاضة الشعبية وتعلق المشانق في ساحة الجامع الكبير وسط العاصمة.

لم يستطع مجاهد الاستمرار في السكوت:

- إذا انتصرتم فماذا تصنعون بي؟

- سوف أقترب منك. أقبلك قبلة الوداع قبل أن ترفع إلى المشنقة.

يضحكان، ويتصافحان ضاربين كفاً بكف.

الزنزانة رقم (7)

- أما أنا فقصة حياتي طريفة وقصة زواجي أطرف.

قال ذلك إبراهيم ماضي. شاب في الخامسة والعشرين من عمره. نحيل غير هزيل. يميل إلى الطول. أسمر البشرة. شديد سواد الشعر والعينين. قسمات وجهه تنم عن براءة وحلاوة. بارع في محاكاة اللهجات المحلية. لكنه لا يستطيع أن يخفي بقية من لكنة تركمانية تظهر في بطء حديثه النسبي، أو في نطق بعض الكلمات على أحيان متباعدة.

نظر إلى جهة مدينة (الدارة) يتذكر زوجته وطفلته الوحيدة وقال:

- أنا من أصل تركماني. زوجتي أبوها عربي بدوي. أمها شركسية. تابعت دراستي في المرحلتين الإعدادية والثانوية بصعوبة، لأن والدي فقير تزوج بعد أمي زوجة أخرى وصار لها عدد من الأولاد. تكاليف العيش بدأت بالارتفاع. أساتذتي وإخواني في التنظيم ساعدوني على متابعة الدراسة. صحيح أن الحكومة أممت المعامل والشركات. زعمت أنها وزعت الأرض على الفلاحين، لكن النتيجة أننا لم نستفد شيئاً. ضاقت بنا سبل العيش أكثر. استطعت أن أنجح في مسابقة المعهد المتوسط للتمريض. تخرجت. لم يكن راتبي كافياً لتأسيس بيت أو زواج. صندوق الجماعة للزواج تكفل بي. خلال فترة وجيزة رشحت لي الجماعة فتاة طالبة جامعية. وافقت على اختيارها. خطبوها لي. كتبوا كتابها. قاموا بكل إجراءات الزفاف والزواج. انتقلت إلى دمشق بسبب الوظيفة. تم تأمين عمل لي إضافي في الإذاعة السورية: مترجم عن اللغة التركية وإليها. زوجتي.. تدرس الأدب العربي. كاتبة قصصية لها محاولات شعرية. أعانتني في الترجمة. تفوقت في عملي. المنافسون الشرفاء، أقصد المرتزقة حاصروني.

- كيف؟

انتبه إبراهيم إلى أنه يحدث شريكاً له في الزنزانة. رجل في الثلاثين من عمره. طويل القامة. عريض المنكبين. أبيض البشرة. كث الشعر. شعره كستنائي قد استطال على رأسه حتى حاذى الكتفين، وتدلى من وجهه ولحيته حتى أشبه الجدائل على صدره الضخم. عيناه زرقاوان فيهما جحوظ وهمود. مضطجع على قفاه. يداه تحت رأسه. حذاؤه في رجليه. وضع إحداهما فوق الأخرى. غير مبال بمن معه في الزنزانة. كثير التدخين؟.

- مرة قالوا للمديرة المشرفة على القسم... أنا غير حزبي. مرة أخرى قالوا لها: تركماني. المديرة تخبرني دوماً بما يقولون.

- كانت تحميك إذن؟

- لا. ليس دائماً.

- كم عمرها؟

- مثل أمي.

- وإن يكن. كان عليك أن تغازلها. هل غازلتها؟

- أنا لا أغازل بنات الناس.

- الناس يرغبون في أن تغازل بناتهم.

- ليس كل الناس!

- البنات يرغبن بأن تغازلهن.

- ليس كل البنات!

- هذه المرأة ربما ترغب بأن تغازلها.

- أنا لا أرغب!

- لماذا لا ترغب؟

- عندي زوجة أحبها وتحبني.

- وإن يكن!

- هل أنت متزوج؟

- لا.

- لماذا؟

- ما حاجتي إلى الزواج مادمت أتمتع بأكثر من امرأة، ولا أتحمل مسؤولية بيت وأولاد.

- هل كل النساء توافقك على هذا؟

- لا.

- هل أهلك يوافقونك؟

- لا.

- أنت. لباسك هذا. قميص طويل مزركش كقمصان النساء. بنطلون ضيق. شعر مسترسل كالوحوش. هل يرضى الناس عن مظهرك؟

- لا يهم. أنا أرضى.

- كيف تحاكمني إلى الناس في أمور؟ وتضرب أنت برأي الناس عرض الحائط في أمور أخرى؟

- لا يهم.

- أنت متناقض!

- لا يهم.

- هل ترضى أن أغازل أختك؟

- غازل أمي إذا استطعت.

اعتدل إبراهيم في جلسته، شد نصفه العلوي إلى الأعلى. تقلصت عضلات وجهه. كاد يصفع الرجل الممدد. صرف النظر عن الضرب باليد.

- إذا كانت أمك على شكلك فأنا لا أغازلها.

- أمي أجمل مني بكثير.

- أنت نذل.

ضحك الرجل الممدد. قذف عقب سيجارته جهة الباب. أخرج سيجارة أخرى.

- لا يهم.

- إذا كان هذا لا يهمك فلنغير الموضوع.

- غير.

استرخى إبراهيم قليلاً، فيما استمر الرجل الممدد على حاله لا يتزحزح.

- أنت لماذا اعتقلت؟

- كنت ذاهباً إلى سورية. ردتني السلطات السورية على الحدود. أرادت سلطات بلادي أن تعرف السبب. جئت إلى هنا.

- ماذا تريد أن تفعل في سورية؟

- الفصل صيف. قلت أستمتع بالاصطياف. أسبح أتجول. بالمناسبة يقال: إن أصلنا من منطقة جبلية في الساحل السوري. ويقال إن الحريات هناك لا توصف.

- أي حريات تعني؟

- أشرب. أرقص. أغني. أنام. آكل. أخلع. ألبس...

- هل هذا هو كل ما تهتم به في سورية؟

- وفي الحياة أيضاً.

- وهل هذا كل ما تهتم به أمك؟

- نعم.

- تردد إبراهيم ثم قال:

- أنت طالع لأمك.

- صدقت.

صمت إبراهيم. صمت الرجل الممدد. طال صمتهما. لم يكن الصمت طبيعياً لدى أحدهما في الأقل. كل شيء ساكن في الزنزانة إلا مخروط الدخان ودواماته.

أخيراً تكلم الرجل الممدد، كما هو، لم يغير من حاله أدنى تغيير:

- أنت يا صديقي تعقد الحياة على نفسك.

- ....

- أنت شاب جميل قوي محظوظ. لماذا تخلق لنفسك المشكلات؟

- ...

- أنت ممرض. مساعد طبي مختص بالتحليل. ناجح في عملك. يثق بك الأطباء. يحبك الزملاء. لكنك تحمل السلم بالعرض! الطبيب الفلاني! يتقيد بالدوام. الطبيب الفلاني يتعمد تحويل المرضى من المستشفى الحكومي إلى عيادته الخاصة. الممرض الفلاني يرتشي. يقبض ثمن التحاليل المجانية خلافاً للقانون. الممرضة الفلانية طائفية. مجموعة من الأطباء والممرضين والممرضات شكلوا شبكة متورطة في نهب الأدوية المجانية وبيعها في السوق السوداء. فوق ذلك تضع الذنب كله على الحكومة أولاً. من أنت يا إبراهيم حتى تحاكم الناس؟

لم يجد إبراهيم بداً من الكلام.

- أنت تعرف الحدود يا محترم!؟

- لا يهم.

- من أين تعلم عني هذه المعلومات؟!

- البارحة بعد رجوعك من التحقيق أقلقتني طوال الليل وأنت تتكلم في النوم. هذه القصة كررت مرات: الطبيب. الممرضة. الحكومة. قلت لك: غازل مديرة القسم في الإذاعة فلم تقبل. فهل تقبل أن أقول لك: غازل الممرضات والممرضين والأطباء وزوجاتهم. غازل الحكومة نعم الحكومة. غازل أمك.

- بل أمك!

- قلت لك: أمي من أول مرة فلم تقبل... إن كنت تصنفني برجوازياً أو شيوعياً فأنت مخطئ. كلهم كذابون.

لم يجبه إبراهيم بشيء. اضطجع على شقه الأيمن. أدار له ظهره. اتجه نحو (الدارة) حيث ترك زوجته وطفلته الوحيدة.

(أنا أصنفك حيواناً لا يفقه من الحياة غير الجنس. لو كنت مخصياً أو عنيناً ماذا تفعل بنفسك؟ أما أنت يا زوجتي العزيزة فليس لي عندك وصية إلا حبيبتي نجاح. أين أنت يا صغيرتي الملائكية. جديلة شعرك الأسود تساوي عندي الدنيا. ابتسمي. ابتسمي. خذي لعبتك. لا تريدين اللعبة. تريدين الكتاب. خذيه لا تمزقيه. عمك عبد الحكيم يراقبنا. خذي هذه الهدية. أحضرها لك عمك فارس: حبات ملبس: شكولاته. سيارة صغيرة. ما أحلاها! يا نسيم الصباح لا تجرح خدي نجاح الناعمين. أم تراها نائمة تحلم؟ يا أولاد الجيران لا تسألوا عن نجاح إنها لم تستيقظ بعد. خدودها تفاح شامي. شفتاها فستق حلبي. شعرها مخمل أسود. نامي يا حبيبتي نامي. ليس عندك مدرسة ولا روضة ولا عمل. نامي ودعيني أنام بجوارك. ما أطيب رائحتك وأرق أنفاسك تنفسي. تنفسي هواء الحرية. لقد أنجاك الله وأمك من سكاكين الطغاة. لو قتلوك ماذا كنت أفعل بنفسي؟ يقول لي الوغد: غازل أمي. من أين جاءت به أمه لا أدري! أما أنت يا حبيبتي يا فلذة كبدي فجزء مني من عيني من روحي. يقول لي النذل: غازل الممرضات؟ من أين لنساء الأرض أن تلد مثلك يا سنونوتي الغالية. ابتسمي. أي. ابتسمي. اسخري منه. لا يحبك. لا يحب أن يكون له ولد ولا بنت. ما أدري إن كانت له أم حقيقة. ما أعذب ضحكتك العالية. لوحي بيديك بذراعيك، هكذا كالطائر كالطيارة كأغصان الأشجار مع خطرات النسيم. غني معي:

أنت الكرةْ كــالسكرةْ

هذي يدي هيا اصعدي

في الملعبِ

أنت الكرةْ.............)

الزنزانة رقم (8)

أحس عابد الشامي بأن موجة جديدة من البكاء الصامت بدأت تغزو شريكه في الزنزانة عمر سمارة، فمد يده إلى صندوق المناديل الورقية، وقدمه له كي يتناول ما يمسح به دموعه. ثم قال وهو متكئ على كفه وذراعه مضطجعاً:

- ما رأيك بحكاية؟

- تفضل.

اعتدل عمر في جلسته احتراماً للرجل في الذي في عمر أبيه، أسند ظهره إلى جدار الزنزانة. أخذ يمسح دموعه بهدوء.

- يروي التاريخ أن الحجاج بن يوسف الثقفي أحد ولاة الخليفة عبد الملك بن مروان... تزوج امرأة اسمها هند. ويبدو أن هنداً هذه لم تكن تحبه. وقفت يوماً تتأمل حسنها أمام المرآة، وأنشدت تقول:

ومـا هندُ إلى مهرةٌ عربيةُ سليلةُ أفـراسٍ تحلَّلها بـغلُ!

فإن ولدتْ مهراً، فلله درُّها وإن ولدتْ بغلاً، فجاء به بغلُ

وكان الحجاج آتياً عندئذ من وراء حجاب، وصك أذنيه ما سمعه من هند، فقال غاضباً: "يا هند! لقد كنتِ فبنتِ!" وطلقها. وسرعان ما أجابته: "لقد كنا فما فرحنا، وبِنَّا فما ندمنا" ويصل الأمر إلى الخليفة عبد الملك بن مروان، فيعجب من فصاحة هند، ويخطبها إلى نفسه. وتقبل هند، إلا أنها تشترط أن يقود الحجاج هودجها من بيتها إلى قصر الخليفة. ويقبل عند الملك، ويسير الحجاج بالهودج، ومن فوقه هند التي ما كاد الطريق ينتصف حتى تلقي أمام الحجاج بدينار من ذهب ثم تصيح: "يا جمَّال! لقد سقط مني درهم" فتناوله الحجاج من الأرض قائلاً: "إنه ليس درهماً، ولكنه دينار!"

فتجيبه هند في تشف: "الحمد لله الذي أبدل بدرهمي ديناراً!" ويبتلع الحجاج على مضض منه تلك الإجابة القاتلة.. إنها زوجة أمير المؤمنين!

ابتسم عمر فابتسم له عابد الذي يكتم اسمه الحقيقي.

- أستاذ جميل. هل هذه القصة حقيقية؟

- أيا كانت صحة هذه القصة، فإن لها معانيها.

- أوافقك على أهميتها. إن صحت فهي تدل على قوة شخصية هذه المرأة هند. كما تدل على المكان الرفيع الذي احتلته المرأة في ذلك الزمن.

- وإن لم تصح؟

- فإنها تدل على انتقام الناس أو الرواة من هذه الطاغية حين سلطوا عليه –ولو في القصص- امرأة تذله وتنتقم منه قبل طلاقها وبعد طلاقها. على حين عجز الرجال عن تأديبه.

جلس عابد قبالة شريكه. أبدى اهتماماً بجدية النقاش الذي أثاره عمر. أضاف:

- التاريخ حدثنا عن رجال أفذاذ تصدوا لهذه الطاغية. إنهم علماء.

- تقصد سيعد بن جبير؟

- وغيره.

- لا أعلم غيره.

- أعذرك. وبالمناسبة هل تعلم أنه مولى حبشي الأصل. وأن الحجاج لما سأله عن اسمه. قال: سعيد بن جبير. قال له: بل شقي بن كسير! فأجابه: إن أمي التي سمتني أعلم منك باسمي. ثم قتله. رحمة الله عليه.

- أستاذ جميل أنا أتساءل: إذا كان في زماننا فتيات لا يستطعن الجهر بآرائهن، فهل يمكنني أن أصدق وجود حرية للمرأة في الماضي؟!

- أي نوع من الحرية تعني؟

- حرية في اختيار زوج. حرية سياسية.

- إذا كنت تعني الحرية السياسية أو الرأي السياسي فالسيدة عائشة رضي الله عنها تقود جيشاً. وإذا كنت تعني حرية اختيار الزوج، فقد جاءت فتاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه، ليرفع به خسيسته، فجعل الأمر إليها (أي إقرار الزواج أو رفضه)، فقالت: قد أجزت أبي، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء.

- ...

- جاء في كتاب الأذكياء لابن الجوزي أنه كان هناك رجل له ابنة شابة، وكان له ابن أخ يهواها وتهواه، فمكثا كذلك دهراً، ثم إن الجارية خطبها بعض الأشراف، فأرغب في المهر (أي زاد به كثيراً) فوافق أبو الجارية. واجتمع القوم للخطبة فقالت الجارية لأمها: يا أماه ما يمنع أبي أن يزوجني من ابن عمي؟! قالت: أمر كان مقضيا. قالت: والله إني حامل فاكتمي إن

شئت أو بوحي! فأرسلت الأم إلى الأب فأخبرته الخبر. فقال: اكتمي هذا الأمر. ثم خرج إلى القوم فقال: يا هؤلاء! إني كنت أجبتكم، وأنه قد حدث أمر رجوت أن يكون فيه الأجر، وأنا أشهدكم أني قد زوجت ابنتي فلانة من ابن أخي فلان. فلما انقضى ذلك، قال أبوها: أدخلوه عليها، فقالت الجارية: هي بالرحمن كافرة إن دخل عليها من سنة أو تبين حملها. قال: فما دخل عليها إلا بعد عام. فعلم أبوها أنها احتالت عليه!

- أستاذ جميل. أشكرك على تسليتي بهذه الأخبار التي تشغلني عن تذكر التحقيق الذي دمرني، وحملني على ما أكره من الاعترافات على نفسي ورفاقي. وأعترف لك بأن زادي من الثقافة العربية والإسلامية قليل، فلو لم تخبرني بأن هناك سورة في القرآن اسمها (النساء)...

- من أطول سور القرآن...

- لما علمت.. لكن ألا ترى أن كل ما تتحدث به يدخل في باب التاريخ. أشياء مضت. أشياء لم يعد لها أثر في حياتنا.

وطن عابد على نفسه على ضبط أعصابه:

- أشياء مضت لا بأس. أما إنها لا أثر لها في حياتنا فهذا غير صحيح.

- خذ قصة ابنة العم التي اختارت ابن عمها: أنا أعاني من مثل هذه الواقعة. أنا أحب ابنة عمي، وهي تحبني لكن أهلها الأغنياء يرفضون أن يزوجوني منها لأنني فقير.

- هل تظن أن تصرف أهلها إسلامي؟

- كيف تقول: إن الإسلام أو الماضي ما زال يؤثر في حياتنا؟

- قبل أن أجيبك بدقة على هذا السؤال المهم أحب أن أوضح مفارقة يقع فيها الكثير من الناس وبعض المفكرين. فهناك من يحمل على الإسلام بناء على ما يرونه من مفاسد وانحرافات المسلمين المعاصرين أو المحسوبين على الإسلام بالاسم. وهناك من يهاجم الإسلام لأنه انقطع تاريخياً واجتماعياً، ولم يعد له دور واضح. بل يزعم أن الإسلام قد استنفد أغراضه!

- لندخل في الموضوع. أين الإسلام الواقعي الاجتماعي؟

- وأين المرأة المسلمة بالذات في حياتنا؟

- نعم.

ابتسم عابد ابتسامة عريضة. صمت استعداداً للكلام. جذب حزمة من المناديل الورقية يعالج بها زكامه المزمن. ثم قال:

- مع ذلك قبل الدخول في الموضوع أحب أن أعترف لك بأن المحققين عجزوا طوال هذه الأيام عن استجراري للكلام في السياسة. أنت استطعت الآن أن تجرني إليها.

ابتسم عمر لهذا الإطراء. تحفز للسماع.

- ما رأيك إذا بادرت مجموعة ضخمة من النساء المقبلات على الزواج إلى إسقاط المهور أو تخفيضها لدرجة أصبحت معها رمزية.

- ....

- ما رأيك إذا خرجت النساء في تظاهرات ضخمة تندد باستبداد الحكومة، وتطالب بتغيير الأوضاع العامة، وبالإفراج عن المعتقلين، معتقلي الرأي... وبإطلاق الحريات السياسية..؟

ما رأيك إذا اصطدمت هذه التظاهرات النسائية بقوات السلطة، واعتقل عدد من المتظاهرات.

- ...

- ما رأيك إذا حملت المرأة السلاح كما حمله الرجل، واستشهد عدد من النساء في القضايا العامة كما استشهد الرجال؟!

- ...

- هل سمعت بالشهيدات غنية حمدو وشفاء جولاق وخديجة عزت آغا؟

- كنت أظنك سوف تحدثني عن الحركة النسوية في أوروبا الغربية. أو في بعض الدول النامية التي تسهم فيها النساء بالثورات التحررية الوطنية.

- أنا أحدثك عن نساء وفتيات سوريات مسلمات.

- عضوات في تنظيم سياسي؟

- عضوات في تنظيم إسلامي.

- هذا عجيب فعلاً. وإن كان لا يسرّني، لكنه ينتزع إعجابي. ابتسم عابد، حرك يده اليمنى طاوياً بعض أصابعه في علامة استفهام ودية:

- لماذا لا يسرك؟

- إن منطلق هذا التحرك النسوي غير ماركسي.

- فقط؟!

- وهو موجه ضد حكومة وطنية تقدمية.

- أما إنه غير ماركسي، فهذا صحيح. وعلى كل ومن باب المجاملة أقول:

صرح عدد من المفكرين الاشتراكيين الماركسيين مثل الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي قبل إسلامه: أن طريق الاشتراكية ليس بالضرورة وحيداً، وأن بوسع المسلم أن تكون له اشتراكيته عن غير طريق ماركس. أما وطنية الحكومة المزعومة وتقدميتها فيقررهما الشعب السوري أولاً. وهل يكفيك أن تعلم أن المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري بقيادة رياض الترك قد فضح هذه الحكومة، وأدان ممارستها من منظور ماركسي؟!

- هل الرفيق رياض فعل هذا؟

- هل تجهل أم تتجاهل؟ إن عينيه على حافة العمى من شدة التعذيب النازل به في سجون هذه الحكومة الوطنية التقدمية!

- هذا خلاف تكتيكي.

- هل يسوغ الخلاف التكتيكي مصادرة الرأي والحريات والتصنيفات الجسدية. إن الخلاف استراتيجي يا سيد سمارة. لا تتجاهل.

- كنت تتحدث عن مبادرات نسوية.

- قل نهضة نسوية.

- لا تسمى المبادرات الفردية حركة أو نهضة ما لم تكسب بعداً اجتماعياًَ واستمراراً زمنياً.

- ليس ما أحدثك عنه مجرد مبادرات فردية. مع ذلك أسألك كم استمرت (كومونة باريس)؟\

- إنها جزء من الفكر والحركة الاشتراكية التي سبقتها والتي لحقتها.

- ومن قال إن حركتنا النسوية ليست جزءاً من الفكر والحركة الإسلامية التي سبقتها والتي سوف تستمر بها وبعدها؟!

- أنت إذن عضو قيادي في هذه الحركة الإسلامية؟!

- هل أنت عنصر مخابرات تستدرجني! إن ما أتحدث عنه ليس سراً يحتفظ به قياديون. إن المعنيين بشؤون الفكر والاجتماع والسياسة في هذه المنطقة يعلمونها.

- على كل حال. الفكر في الكتب. والتظاهرة في الشارع. ثم ماذا؟ تزول المثيرات فتزول معها ردود الفعل.

- إن الظاهرة أعمق يا سيد سمارة. إنها كلفت تربية أجيال من قبل، وتقديم شهداء وتضحيات ومناضلين ومناضلات على حد تعبيرك، فضلاً عن آلاف النشرات ومئات الكتب والدراسات.

- أدب. أدب. هل تفاعلت هذه المكونات في الوجدان الشعبي الجماعي وتحولت إلى أناشيد. أغان. قصص. فنون؟

- نعم بالتأكيد. هل تحب أن تسمع؟

سكت السجينان قليلاً. بدأ عابد يدندن ممهداً للغناء. عمر سمارة كان مشدوهاً بما آل إليه الحوار. معلومات جديدة عن حركة نسوية. رجل مسن وقور متدين يغني.

- (أين يغني؟ في السجن. لمن يغني؟ لي أنا الشيوعي الماركسي؟)

وأخيراً أنشد عابد بصوت غير عال، مع أداء غنائي:

"أختاه.. دقّـي القيدَ، وارميهِ بـوجهِ الجـاهليـةْ"

"ما عدتِ خادمةً، ولستِ برغمِ من جحدوا.. ضَحيّة"

"شـدّي يديـكِ على الـزنادِ، وثبتيهِ يـا أخـيّهْ"

"وتعلَّمي ضمـدَ الجـراحِ، فـربما كنتِ الضحية"

"وخذي جمالكِ من لظى البارودِ في الساحِ العتيّه"

"لا تطـلُبي –يـا أختنا- غيرَ البطولـة، يا أبيّه"

"فالثورةُ انطـلقتْ ، وأنتِ مع الرجال، بهم قويّه"

"المـاسُ ولـى عهـده، فتـزيـني بـالبندقية"

- طيب. طيب. هذا شعر. هذا فن ثوري. إنه يمجد الحرية. يمجد البطولة، يدعو للتقدم ونبذ التخلف. يعطي الجمال بعداً جديداً. هل هناك قيم أخرى مجدها هذا الأدب؟

يبتسم عابد. يفتح ذراعيه متظاهراً بالاعتذار، أو معتذراً عن ضعف إنشاده:

- لعلك تحضني على مزيد من الغناء على الرغم من تواضع صوتي وغنائي.

- بالحقيقة أنا مشغول بمضمون هذه الأبيات. لكنني أعترف لك بأنك فاجأتني بأمور كثيرة جداً. منها جمال صوتك وقدرتك الفائقة في الأداء.. أقول هذا من غير مجاملة.

- إن كنت عنصر مخابرات تستدرجني فأنا لم أعد أبالي.

يضحكان.

- أسعفني بغنائك.. أرجوك. نوبة البكاء بدأت تجتاحني. غناؤك العذب وأشعارك الثورية...

- ومناديلي الورقية.. (مبتسماً)

- قادرة على استبعاد الحقيقة ومخلفاته السود في نفسي.

عاد عابد إلى الدندنة. أخذ ينقر بأصابع يده اليمنى على قفا أصابع اليد اليسرى المغلقة. بعد قليل بسط يده اليسرى وصار يوقع عليها براحة كفه اليمنى. ثم أنشد بصوت غير عال:

"يا موطني. اليومَ عيني لا تُطيقْ رؤى الحـريرِ

"إني نسجتُ ملابسَ الميدان مـن لهـبِ السعيرِ

"من تِبْرِ أرضي، من رُواء جبالِها عنـد الهجيرِ

"حتى تروق بصحبةِ الرشاش في دربِ المصيرِ

"مـا عـاد مرآه يـباغتني، فقد أمسى سميري

"أطعمتُه، فانـهال مثل الرعدِ، مضطرمَ الزئيرِ

"اليوم أصنعُ من عبيرِ رصاصهِ أغلى عطوري

"أمضي به فوق النجود الشـم.. للنصر الكبير"

استعاد عمر اللحن، ردد بعد أن فرغ عابد من الغناء:

- أمضي به فوق النجود الشم.. للنصر الكبير.

- يسرني أنك استمتعت بهذا الغناء.

- ويشرفني أنك غنيت لي حتى تخفف عني أحزاني وآلامي، في القصيدة الأولى سمعنا صوت الرجل يدعو المرأة إلى التحرر والثورة. في القصيدة الثانية سمعنا صوت المرأة يؤكد المعاني والقيم السابقة، وتلونها بلون وطني. حب الوطن: يا موطني. من تبر أرضي. من وراء جبالها. فوق النجود الشم...

- بالله عليك. أيهما أكثر تقدمية ووطنية: أصحاب هذا الشعر أم الطاغية الذي باع الجولان، واضطهد المقاومة الفلسطينية، وكبت الحريات العامة، وعطلها بعدم رفع حالة الطوارئ طوال مدة حكمه.. وفوق ذلك يجدد للقوات الدولية على الجولان، ويمعن بطشاً وتنكيلاً بالأصوات الحرة الشريفة وبالمنظمات الشعبية الحقيقة؟!

- لكنه حليف للقوى الوطنية التقدمية.

- هذا وهم أو سقوط في الخدعة.

- ...

- إنه أولاً نظام غير (ديموقراطي) ولا شعبي بأي تعريف من هذه التعريفات السياسية. وهو ثانياً يضطهد القوى التي تسميها وطنية وتقدمية، أو يحجمها لصالحه. وهو ثالثاً يعادي الشعب والحركات الشعبية الحقيقية. وأخص بالذكر التيار الشعبي الإسلامي.

- تقصد الرجعية والثورة المضادة.

- هذه طفولة يسارية: أن تؤخذ بالمصطلحات، وتعمى عن تحليل الواقع الملموس. أن تنقل الأحكام والتجارب من أمم إلى أمم أخرى بشكل حرفي. لم يكن الدين الإسلامي في يوم من الأيام ضد التحرر والتقدم، بل العكس. ما دام للإسلام الدور الأكبر في تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي فلتعترفوا بذلك. وإذا كان الإسلام من وراء الثورات الوطنية التحررية في العالم الإسلامي فلتعترفوا بذلك. إذا كان الإسلام يحقق العدل أو ما تسمونه الاشتراكية، وإذا كان يبني الحضارة أو هو الحضارة، فلتعترفوا بذلك.. اعترافاً بالحق.. وبالواقع، وضمانة لكم من العزلة الشعبية القاتلة. إذا كنتم تسمون الدولة التي تحارب التيار الشعبي الإسلامي دولة وطنية تقدمية لمجرد نهوضها بهذه الحرب، فأنتم ترتكبون أخطاء مزدوجة. كيف كان مصير الحريات والتقدم في أندونيسيا بعد أن قمع سوكارنو التيار الشعبي الإسلامي؟ إن الأوضاع آلت إلى سحق التيار الاشتراكي بل الشيوعي بالذات، ثم الانحياز إلى المعسكر الغربي الأمريكي. كيف كان مصير الحريات والتقدم بعد سحق التيار الإسلامي الشعبي في مصر طوال حكم عبد الناصر؟ هل يختلف كثيراً عن تجربة أندونيسيا؟! وباكستان؟!

- من حسن حظك أنك تحدثني بهذه الأفكار وأنا في أشد حالات الانهيار.

- وهل تظنني في أشد حالات الانتصار؟ ألست مطارداً مشرداً؟ ألست سجيناً مثلك؟ أم تراني على رأس قمة السلطة؟!

- أنت على كل حال لم تزل متماسكاً. أعني لم تعترف بشيء.

- هل أعترف بشيء لم أفعله؟

- هذه قلها لغيري.

يضحكان. مد عمر سمارة يده إلى صندق المناديل الذي يمتلكه عابد الشامي، اكتشف عمر أنه يمد يده على غير ما كان يفعل في المرات السابقة. إن عينيه لا تدمعان. إن موجة البكاء غير قادمة. إنه ليس بحاجة إلى المنديل في هذه اللحظة. على الرغم من ذلك لم يرجع يده فارغة.

الزنزانة رقم (10)

يعلم حسان الربيعي من نفسه أن حاسة الشم لديه قوية. أما أن تكون حاسة السمع لديه أيضاً قوية فهذه مفاجأة له.

أصغى طويلاً إلى أصوات المراكب وابتهاجات الأعراس التي أثارت فيه مزيجاً متنوعاً من الأحاسيس والذكريات، بعضها سار وبعضها غير ذلك، بعضها واضح وبعضها باهت أو غامض.

سبق لحسان أن روض نفسه على التحكم بأعصابه ومشاعره في السجن، يعينه على ذلك المحاولات المتعددة التي مارسها في هذا السجن وفي سجن عام 967، كما يعينه على ذلك الراحة البدنية الناشئة عن فترات النوم الطويلة نسبياً، فهو إن لم ينم قبل منتصف الليل فإنه يستغرق في نوم عميق بعد صلاة الصبح حتى الظهيرة أحياناً، ومن بعد صلاة العصر حتى المساء غالباً.

إنه الآن صاحٍ، صافي الذهن، ممسك بخيوط أعصابه وأحاسيسه، أو هكذا يظن.

- إن خير ما أتسلى به الآن هو ذكريات زواجي، أو ما يسمونه حياتي العاطفية. تزوجت مبكراً. هكذا قالوا. بعد تخرجي في كلية الآداب، في الصيف الذي سبق الدوام في الدبلوم العامة (كلية التربية)، لم يكن مقدراً لي أن أتزوج من بنات بلدي ولا من أقاربي. يعللون ذلك بأنني أحببت زميلة جامعية كما يفعل كثير من طلاب الجامعة فتزوجتها. والحقيقة أني أستغرب لماذا لم أهتم بالزواج من إحدى زميلاتي في قسم اللغة العربية. كان نصيبي عند طالبة في معهد الطبابة والتمريض.

أذكر حينما خضنا معركة الانتخابات الطلابية في الصف الأخير من كلية الآداب، وكنت أحد المرشحين، اقتضاني ذلك أن أتداول مع زميلتين سمعتهما تتحدثان بالقرب مني في ساحة الجامعة الخارجية. سلمت عليهما. سألتهما عن آراء الطالبات في اختيار المرشحين. كانت الطالبتان محتشمتين ترتديان حجاباً شرعياً طبيعياً. استمر الحوار والنقاش ونحن واقفون وسط الباحة نصف ساعة. بعد ذلك انصرف كل منا في سبيله بعد الاتفاق على ترتيبات الانتخابات. بعد انصرافي من هذا اللقاء فوجئت بأحد إخواني الأعزاء يعترضني. يسلم علي. يسألني: فيم كنتم تتحدثون أنت ونديمة وحسانة؟ قلت: في شؤون الانتخابات. قال: نصف ساعة وأكثر تتحدثون بالانتخابات؟!

أنا نفسي مازلت أتساءل: لماذا لم أتحدث إلا عن الانتخابات، كانت كل من الزميلتين تتمتع بمواصفات زوجة لائقة. اكتشفت أن صديقي المذكور قد وضع عينه على إحداهما.

في مرحلة الدراسة الإعدادية مرحلة المراهقة أحببت فتاة شقراء جميلة وإن كان لون بشرتها مشوباً بصفرة. لعل ذلك الاصفرار الخفيف كان سبباً من أسباب الهيام. كان ذلك –كما يقولون- الحب الأول. إنه الحب الذي أيقظ وجداني وعقلي. حرك فيَّ موهبة الشعر وما استتبعها من قراءة وكتابة ومراسلة. ما كنت أظنني يوماً سوف أتخلى عنها وأنساها، هي لم تكن تدري بي ولا بحالي شيئاً. كانت هناك حواجز وعقبات تحول بيننا. إنها من دين غير ديني، على الرغم من ذلك حين أصادفها في طريق، أو أتعمد رؤيتها أحس بالدنيا كلها من حولي تضطرب وتهتز وأحس نبضات قلبي تدق صدري، وقد تهتز مفاصلي. تبرد حبات العرق على وجهي وأطرافي، لا أستطيع إدامة نظري إليها، حين قرأت بيتاً من الشعر يصور حالتي حفظته لتوه لأنه يذكرني بتلك الأيام السالفة.

وأني لتعروني لذكراك هزةٌ كما انتفضَ العصفورُ بللّه القطرُ

آه... تذكرت ذلك اليوم الذي كان فيه والدها يتحدث معنا، كنا مجموعة من الفتيان المراهقين، قال له أحد أصدقائي: ما رأيك بنا يا أبا جورج؟

قال: عبده جار، سالم صديق، حسان حبيب. ثم نظر إلي وابتسم. فوجئت بوصفي (حبيب). أعلم أن والدها يحب المزاح، وهو رجل حنكته الأيام، لكن لم أتوقع مثل هذه الصراحة، هل تراه اطلع على أشعاري وتحرشاتي؟ هل يعرض بي أم يتعرض لي؟! قضيت أياماً وأنا في دوام التساؤل والحيرة.

بعد سنوات دخلت شقرائي في الجامعة مثلي، التحقتْ بقسم اللغة الإنكليزية، لقيتها جالسة في نادي الطلاب مع بعض زميلاتها وزميل، كان يوماً يدرسنا اللغة الإنكليزية، أحسست بأنني لم أعد عصفوراً، لكن آثار الماضي لم تكن صفراً، صرفت النظر عنها، طلبت من أهلي الزواج من (قمر) إحدى قريباتي. الأطراف ذات العلاقة كلها موافقة، محبذة، لكن الالتباس والحساسيات في المرصاد، رفض والدي في البداية ظناً منه أن زوجته الجديدة غير موافقة، لما اكتشف أنها موافقة كنت أنا وأمي وأخواتي أصبحنا غير موافقين!! هكذا ينقطع نصيب ويتصل آخر.

قامت زوجتي بالزيارة الأولى لأهل (قمر)

استقبلتها (قمر) بترحاب كبير، قطفت لها الأزهار، قالت لأمها: أنا أحببت زوجة حسان يا أمي، حدجتها أمها بنظرة ثابتة تلومها على ما فرط منها، هكذا نظرة واحدة بلا كلام!

في بيت أهل زوجتي بحلب رقصت (قمر) مع من رقصن ابتهاجاً بكتابي. غنت أغنية تقول فيها: (بس ارفع ايدك والله بريدك. وسلّمْ سلام الأحباب. بس ارفع إيدك). تغامزت أختاي. مالت إحداهما على إذن خطيبتي الحلبية وهمست: كان أخي حسان يرغب بالزواج من قريبتنا قمر!

تزوجت (قمر)، ورزقها الله بنين وبنات. ولعلها الآن أسعد حالاً من زوجتي الصابرة المحتسبة سعاد. ما أظن أن قريبتي مهيئة للابتلاء بقدر زوجتي أم مجاهد.

كانت أم مجاهد الزوجة الوحيدة من بين زوجات المعتقلين التي استطاعت أن تحصل على إذن بزيارتي في سجن المخابرات العسكرية عام 1967. كانت صلبة متماسكة. لكن في زيارتها الثانية لي.. لم يسمحوا لها بالاقتراب، وكنت نقلت إلى سجن آخر في جوار قيادة المنطقة الشمالية، وهو أشد ظلماً ووحشة. في تلك الزيارة لم تتمالك من أن تبكي وتجهش بالبكاء. يا رب ما حالها الآن؟!

لا يجوز لي أن أسمح للذكريات أن تتداعى على هواها. يجب أن أختار الذكريات المبهجة وحدها. أما يكفيني ما أنا فيه؟

ها أنذا؟ أتذكرك يا سعاد تجلسين معي سافرة لأول مرة كتب بها (الكتاب) في بيت أهلك. أقول: لماذا أحضرت معها أولاد أخيها الخمسة: بسام ومحمد وفاطمة وخالد وزهير؟ كنت سعيداً ومنغصاً في وقت واحد. هل تذكرين قصيدة لأحمد شوقي يغنيها محمد عبد الوهاب. إنهم أولاد لا يفهمون علي. هل تذكرين ما قاله الشاعر في تلك القصيدة:

وتعطلتْ لغةُ الكلام وخاطبتْ عينيَّ في لغةِ الهوى عيناكِ!

ضحكت يومها، وبرقت عيناك يا سعاد بفرح عميق. هكذا يعجبك إذن سلام وكلام وشعر بحضور الحراس. سامحك الله. الآن الحراس موجودون لكن لا سلام ولا كلام.

كلما سمعتِ هذا البيت من الشعر في الإذاعة أو على لساني أراكِ تضحكين بسرور وتبرق عيناك بألق جديد لا يقل عن لقائنا الأول بعد كتب (الكتاب)

هل تذكرين الاستعدادات عند أهلك يا سعاد لكتب (الكتاب). سوف يحضر والدي وأعمامك الكثر وأخوالك. كنت عائداً من الجامعة. كان (الطقم) الذي ألبسه غير جديد. تطوعتِ لغسله وكيه وستر حالي أمام أعمامك وأخوالك وزوجاتهم وأولادهم. القصة نفسها ليلة الزفاف. لم تكن لدي (كرافات) ربطة عنق. حاولت استعارة واحدة من صهري الذي لم يكن يملك غيرها وهو حريص في حفل عام أن يلبسها أيضاً!!

يتحدث الناس عن ليلة الزفاف ويصفونها بأنها أبهج أيام حياتهم: أنا لم تكن أبهج أيام حياتي ليلة الزفاف. بل كاد العرس ينقلب إلى عكسه. حين يطلب أهلي الاستعجال بنقل العروس إلى بلدنا يعترض أهلها، وحين يوافق أهلها يطلب أهلي الاستمهال. كل منهما ينظر إلى مصالحه الضيقة بصرف النظر عن رأي العروسين أو مصلحتهما.

يوم طلبت من والدي المهر المتفق عليه لأسلمه لأهل العروس اعتذر عن تقديمه كاملاً. نقص منه ألف ليرة. كل الناس ينقصون يا ابني. نعم كل الناس ينقصون يا حسان. قال صهري كاتب الاستدعاءات. لكني أنا غير الناس. أنا لا أقبل الإخلاف في الوعد. هل تقبلين يا امرأة عمي أن أكتب لكم (كمبيالة) بالمبلغ الناقص؟ أحمد الله أنني سددت الدين يوم قبضت الرواتب المتجمعة أول مرة بعد تعييني مدرساً للغة العربية في شمال حلب.

هكذا بدأنا زواجنا يا سعاد شابين مفلسين. ننام على (تخت) حديدي ونستخدم نافذة بيتنا المستأجر خزانة لكتبي. يوم تزوجت زاد راتبي خمساً وعشرين ليرة سورية فأصبح "175" مئة وخمساً وسبعين، ندفع نصفه إيجاراً للبيت في حي الزهراء بدمشق. مع ذلك كنا سعيدين. مثل هذا المبلغ اليوم لا يكفي لشراء ربع تنكة زيت زيتون في دمشق.

أذكر الآن يا سعاد شكواك في ذلك الوقت للدكتور سعيد حين اشتريت الجزء الأول من تاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان. في السنوات الأخيرة صارت لنا دار وصارت لي مكتبة ضخمة لها باب خاص إلى الخارج. لم تعودي تغضبين مني كثيراً حين أتسلل من ذلك الباب، وأدخل الكتب الجديدة بالمجملة مثل المجلدات (صبح الأعشى) ومعجم (ألفاظ الحديث الشريف)... أين هي الآن هذه الكتب. أين هي المكتبة؟ واأسفاه.. ما هذا؟ عدنا إلى الأحزان؟!

أذكر يا سعاد حين سافرنا أنا وأنت في أيام العرس الأولى إلى صديقتك في جبلة نريد الانفراد من بين أهلنا، فإذا صهري وأحد أولاد عمي يلحق بنا إلى هناك ليهنئنانا بالزواج!

وأذكر يا سعاد سفرنا الأول من دمشق إلى الساحل السوري، وجلوسنا منفردين على الشاطئ الجبلي تجاه البحر في وقت الأصيل، وميناء طرطوس الجديد أمامنا، ونحن نأكل اللوز الأخضر مستمتعين، كما أذكر العتاب الذي أبداه أهلي لأننا جئنا إلى اللاذقية ولم نزرهم.

كيف لا أذكر نزهاتنا في شوارع دمشق ومناطق الاصطياف فيها؟

هل تذكرين رحلتنا إلى (الزبداني) و(بقين) و (مضايا) و (أبي زاد) مع أختك خديجة وصديقتها فطينة. كنت في ذلك الصيف أعمل في إحدى دور النشر الدمشقية. استأذنت من صاحبها بالتغيب عن العمل للخروج معكم. قال: هل تزوجت يا حسان! قلت: بين بين. قال: لا. إما زواج وإما زنى. ليس في الإسلام بين بين أو توسط في هذا الأمر. فضحكنا. وشرحت له أن عقد الزواج تم. لكن الزفاف لم يتم.

يومها مشينا من (بلودان) إلى (أبي زاد) على الأقدام، وتجولنا في حقول التفاح والجوز واللوز. نأكل مما نلتقطه على الأرض، ونتحدث عن الماضي والحاضر والمستقبل بسرور. أنا وأنت على حدة. وأختك وصديقتها على حدة.

في اليوم التالي نزلنا من (بلودان) إلى (بقين) أيضاً سيراً على الأقدام. صديقة أختك تعبت من المشي، لأن كعب حذائها النسائي مرتفع، فخلعت الحذاء وسارت حافية. هل تذكرين الجبسة التي حملناها معظم الطريق، ثم أكلناها على الطريق العام؟ آه ما أعذب الحرية. الهواء الطلق. قمم الجبال المتوغلة في الضباب والسحاب. الأودية المخضوضرة. السهول المكتسبة أثواباً متنوعة. قفزات العصافير. زقزقة البلابل والشحارير. المياه العذبة الباردة.

تذكرت يوم خرجت معك بعد كتب (الكتاب) إلى عين الخضراء. طلبنا طعام الغداء في المقهى. كان الطعام شهياً والمكان جميلاً، لكنك لم تأكلي ما كنت أتوقعه برغم الإلحاح. تساءلت: هل تحاول التوفير علي أم هي غير جائعة حقاً؟!

هل تذكرين نزهتنا في آخر خط المهاجرين بدمشق مساء. نتناول (تين الصبار) أو الجوز الأخضر في المقاهي العالية. أذكر مرة بعد صعودنا مسافة طويلة في الطريق المرتفع أنك توقفت تلتقطين أنفاسك. قلت: إنني حامل في الشهر السابع. ما كان يحسن بنا أن نسير كل هذه المسافة وفي طريق شديد الانحدار. قلت لك: كان عليك أن تنتبهي منذ البداية. أنا جاهل في هذه الأمور. ضحكت وعدنا كأن شيئاً لم يكن.

هل تذكرين نزهة مماثلة حين كنا نزور أهلي في جسر الشغور. ذهبنا معهم إلى (قسطل الشيخ نوري) على طريق اللاذقية. في صباح اليوم التالي قررنا أنا وأنت الخروج بنزهة من هناك إلى قرية (العيدو) الكائنة في رأس الجبل. حاولت أمي –رحمها الله- مصاحبتنا فتملصنا منها. مشينا ومشينا وأنت مسرورة نتسلق مرتفعاً ونهبط منخفضاً. نسيم الضحى مشوب بلذعات الشمس الصيفية وبرذاذ الندى المتناثر هنا وهناك. وبين الحين والآخر تنفحنا الشجيرات الكثيفة بعبيرها حين نحتك بها أو حين يجفل طائر، فينطلق من أدغالها مصفقاً بجناحين مضمخين بعبير الآس أو الزعتر.. حتى وصلنا إلى (عين) القرية تحت شجرة (الدلب) العملاقة. ذوائبها العالية تشمخ في السماء تنافس قمة الجبل الصخرية، وأغصانها الجانبية تمتد في الجهات الأربع مثل خيمة عربية ضخمة، تسمح للنسيم العليل بالمرور، ولا تسمح لأشعة الشمس بالعبور. الوادي أمامنا ممتد وقمم الجبال المحاذية للحدود السورية –التركية خلف الوادي تحضن القرى الحدودية بتناسق عجيب. حينذاك لم نجد ما نسد به جوعنا غير شراء كمية من الجوز الأخضر والتمتع بآكلها بعد نزع قشرتها الخضراء، وكسر قشرتها الخشبية جوزة جوزة.

آه.. أين أنت يا زوجتي الغالية!

يتبع إن شاء الله



 توقيع : Şøķåŕą

مواضيع : Şøķåŕą


رد مع اقتباس
قديم 05-19-2022   #2


الصورة الرمزية ⦁.Σнѕαѕ.☘

 عضويتي » 28
 اشراقتي ♡ » May 2017
 كُـنتَ هُـنا » 08-29-2022 (02:03 AM)
موآضيعي » 5290
آبدآعاتي » 179,444
 تقييمآتي » 163089
 حاليآ في » ﭬأنﯾ بعﯾنﯾھَہّ♪
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
 حالتي الآن » ﭬأنﯾ بعﯾنﯾھَہّ♪
آلقسم آلمفضل  » التصميم♡
آلعمر  » 60سنة
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبطة ♡
تم شكري »  15,776
شكرت » 2,555
الاعجابات المتلقاة » 6
الاعجابات المُرسلة » 0
 التقييم » ⦁.Σнѕαѕ.☘ has a reputation beyond repute⦁.Σнѕαѕ.☘ has a reputation beyond repute⦁.Σнѕαѕ.☘ has a reputation beyond repute⦁.Σнѕαѕ.☘ has a reputation beyond repute⦁.Σнѕαѕ.☘ has a reputation beyond repute⦁.Σнѕαѕ.☘ has a reputation beyond repute⦁.Σнѕαѕ.☘ has a reputation beyond repute⦁.Σнѕαѕ.☘ has a reputation beyond repute⦁.Σнѕαѕ.☘ has a reputation beyond repute⦁.Σнѕαѕ.☘ has a reputation beyond repute⦁.Σнѕαѕ.☘ has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 7
مُتنفسي هنا » مُتنفسي هنا
مَزآجِي  »  1
мч ммѕ ~
MMS ~
 
قَدَاسَة طُهِّرَ | | أَوْسِمَتِي | |
وسام العيد معكم آجمل_ اضافة500 مشاركة  


/ نقاط: 0

وسام|| مشارك/ بتوقعات دوري ابطال اوروبا  


/ نقاط: 0

وسام/ مشارك/ بتوقعات الدوري البرازيلي  


/ نقاط: 0

وسام الفائز بتوقعات الدوري الامريكي  


/ نقاط: 0

وسام|المركز الثاني| فعالية معلومات طبية مع شاطر و  


/ نقاط: 0

  كل الاوسمة: 15

⦁.Σнѕαѕ.☘ غير متواجد حالياً

افتراضي



يسلموا الايادي


ودي


 توقيع : ⦁.Σнѕαѕ.☘




رد مع اقتباس
قديم 05-19-2022   #3


الصورة الرمزية - سمَـا.

 عضويتي » 1985
 اشراقتي ♡ » Dec 2021
 كُـنتَ هُـنا » 10-22-2022 (09:27 AM)
موآضيعي » 3075
آبدآعاتي » 30,146
 تقييمآتي » 112
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
 حالتي الآن »
آلقسم آلمفضل  » الآسلامي♡
آلعمر  » 17سنة
الحآلة آلآجتمآعية  » » ♔
تم شكري »  9,171
شكرت » 5,569
الاعجابات المتلقاة » 15
الاعجابات المُرسلة » 0
 التقييم » - سمَـا. will become famous soon enough- سمَـا. will become famous soon enough
نظآم آلتشغيل  » Windows 10
مُتنفسي هنا » مُتنفسي هنا
مَزآجِي  »  1
 
قَدَاسَة طُهِّرَ | | أَوْسِمَتِي | |
وسام  | مشارك دوري توقعات الروشن  


/ نقاط: 0

وسام فعالية الشكل المختلف-المركز الثاني  


/ نقاط: 0

وسام  | صندوق السحري مع ايزابيل  


/ نقاط: 0

وسام ||400 الف مشاركة - سمآ  


/ نقاط: 0

وسام/ مشارك/ بتوقعات دوري الارجنتين  


/ نقاط: 0

  كل الاوسمة: 21

- سمَـا. غير متواجد حالياً

افتراضي



-












.. /
شُكرًا لك وَ لجمَال الطرح
دمتِ بخير يَ ألق.




رد مع اقتباس
قديم 05-19-2022   #4


الصورة الرمزية ♡ Šąɱąя ♡

 عضويتي » 819
 اشراقتي ♡ » Sep 2018
 كُـنتَ هُـنا » 07-12-2023 (06:03 PM)
موآضيعي » 7064
آبدآعاتي » 112,496
 تقييمآتي » 615
 حاليآ في » العراق ..بغداد
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Iraq
جنسي  »  Female
 حالتي الآن »
آلقسم آلمفضل  » التقني♡
آلعمر  » 25سنة
الحآلة آلآجتمآعية  » متزوجة 😉
تم شكري »  7,451
شكرت » 6,068
الاعجابات المتلقاة » 8
الاعجابات المُرسلة » 0
 التقييم » ♡ Šąɱąя ♡ is a name known to all♡ Šąɱąя ♡ is a name known to all♡ Šąɱąя ♡ is a name known to all♡ Šąɱąя ♡ is a name known to all♡ Šąɱąя ♡ is a name known to all♡ Šąɱąя ♡ is a name known to all
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مُتنفسي هنا » مُتنفسي هنا
مَزآجِي  »  1
 
قَدَاسَة طُهِّرَ | | أَوْسِمَتِي | |
وسام/ مشارك/ بتوقعات دوري الارجنتين  


/ نقاط: 0

وسام العيد معكم آجمل_ اضافة500 مشاركة  


/ نقاط: 0

وسام || الفائز بتوقعات دوري ابطال اوروبا  


/ نقاط: 0

وسام || الفائز بتوقعات دوري ابطال اوروبا  


/ نقاط: 0

وسام / الفائز بتوقعات الدوري البرازيلي  


/ نقاط: 0

  كل الاوسمة: 23

♡ Šąɱąя ♡ غير متواجد حالياً

افتراضي



طرح رائـع
يعطيك آلف عافيه
وسلمت الأنآمـل المتألقه
على روعة طرحها وانتقائها الراقي
بإنتظار روائعك القادمه بشوووق
~لـروحــك آلـــجوري~





مواضيع : ♡ Šąɱąя ♡



رد مع اقتباس
قديم 05-19-2022   #5


الصورة الرمزية نور القمر

 عضويتي » 751
 اشراقتي ♡ » Jul 2018
 كُـنتَ هُـنا » منذ دقيقة واحدة (07:41 PM)
موآضيعي » 28781
آبدآعاتي » 8,005,623
 تقييمآتي » 2397047
 حاليآ في » بقلب عاشقي
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
 حالتي الآن »
آلقسم آلمفضل  » الآسلامي♡
آلعمر  » 29سنة
الحآلة آلآجتمآعية  » » 💔
تم شكري »  54,257
شكرت » 82,772
الاعجابات المتلقاة » 10805
الاعجابات المُرسلة » 15915
 التقييم » نور القمر has a reputation beyond reputeنور القمر has a reputation beyond reputeنور القمر has a reputation beyond reputeنور القمر has a reputation beyond reputeنور القمر has a reputation beyond reputeنور القمر has a reputation beyond reputeنور القمر has a reputation beyond reputeنور القمر has a reputation beyond reputeنور القمر has a reputation beyond reputeنور القمر has a reputation beyond reputeنور القمر has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 8
مُتنفسي هنا » مُتنفسي هنا
مَزآجِي  »  1
мч ммѕ ~
MMS ~
 
قَدَاسَة طُهِّرَ | | أَوْسِمَتِي | |
وسآم || عيد الفطر السعيد + 5 الاف مشاركة  


/ نقاط: 0

♥| وسام نسمة إبداع  ., ●  


/ نقاط: 0

وسآم - ♥ | فريج العيايز  


/ نقاط: 0

وسآم || شكر لتنظيم الفعالية  


/ نقاط: 0

المركز الثالث || أجمل خط بعبارة عن رمضان  


/ نقاط: 0

  كل الاوسمة: 193

نور القمر متواجد حالياً

افتراضي



موضوع قــيّـم ومفيد
بوركت .. وبورك المجهود
وبورك عطاءك ودامت همّتك
تحياتي يسبقها احترامي
ودمت بخير


 توقيع : نور القمر



رد مع اقتباس
قديم 05-20-2022   #6


الصورة الرمزية بنت الشام

 عضويتي » 1589
 اشراقتي ♡ » Jul 2020
 كُـنتَ هُـنا » 11-25-2022 (08:02 PM)
موآضيعي » 13407
آبدآعاتي » 426,827
 تقييمآتي » 267340
 حاليآ في » في الأردن
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Syria
جنسي  »  Female
 حالتي الآن » الحمدالله
آلقسم آلمفضل  » الآسلامي♡
آلعمر  » 20سنة
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبطة ♡
تم شكري »  12,149
شكرت » 18
الاعجابات المتلقاة » 9
الاعجابات المُرسلة » 0
 التقييم » بنت الشام has a reputation beyond reputeبنت الشام has a reputation beyond reputeبنت الشام has a reputation beyond reputeبنت الشام has a reputation beyond reputeبنت الشام has a reputation beyond reputeبنت الشام has a reputation beyond reputeبنت الشام has a reputation beyond reputeبنت الشام has a reputation beyond reputeبنت الشام has a reputation beyond reputeبنت الشام has a reputation beyond reputeبنت الشام has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مُتنفسي هنا » مُتنفسي هنا
مَزآجِي  »  الحمدلله
мч ммѕ ~
MMS ~
 
قَدَاسَة طُهِّرَ | | أَوْسِمَتِي | |
وسام  || شكر وتقدير لجهودك المميزة  ||  


/ نقاط: 0

آشتعال رواية عشق  


/ نقاط: 0

وسام العيد معكم آجمل_ اضافة500 مشاركة  


/ نقاط: 0

وسام  || عطاء مُغدق ||  


/ نقاط: 0

وسام|مشارك| فعالية معلومات طبية مع شاطر و كسلان  


/ نقاط: 0

  كل الاوسمة: 48

بنت الشام غير متواجد حالياً

افتراضي



تسُلم يمنـآكٌ ،’
ويعُطيكُ الفُ عُآآفية




رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الليل(5), خطوات, في

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خطوات في الليل(10) Şøķåŕą ♬ عَالم القِصـة والروَايـة ♬ 28 12-18-2023 08:06 PM
خطوات في الليل(9) Şøķåŕą ♬ عَالم القِصـة والروَايـة ♬ 28 12-18-2023 08:06 PM
خطوات في الليل(7) Şøķåŕą ♬ عَالم القِصـة والروَايـة ♬ 28 12-18-2023 08:05 PM
خطوات في الليل(6) Şøķåŕą ♬ عَالم القِصـة والروَايـة ♬ 28 12-18-2023 08:05 PM
خطوات في الليل(4) Şøķåŕą ♬ عَالم القِصـة والروَايـة ♬ 24 12-18-2023 08:04 PM

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


الساعة الآن 07:41 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2024, Trans. By Soft
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة الموقع