«وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ
أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا
فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا
بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ» ..
«وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ
لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ
عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ» ..
في الآياتِ الكريماتِ،
نستخلصُ فقهَ الدُعاءِ،
وفلسفةَ الدُعاءِ .
أولاً: هو من عبادٍ للهِ، بلا صفاتٍ محددةٍ،
أو قُدراتٍ خاصةٍ، يعني الشرطٌ بسيطٌ للغايةِ .
عبدٌ فقيرٌ مذنبٌ، يطمعُ في خيرِ سيدِه،
وكرمِه وفضلِه .
لم يقلْ ربُنا: فَقُلْ إِنِّي قَرِيبٌ ،
وإنَّما: فَإِنِّي قَرِيبٌ، حتي (قُلْ) حذفَها،
تعبيراً عن شدةِ القربِ، وسرعةِ التلبيةِ .
ولم يقلْ ربُنا: أسمعُ دعوةَ الدَّاعِ،
وإنما: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ ..
أسمعُ: قد نقبلُ، وقد نرفضُ .
أما أُجِيبُ: فالنتيجةُ مضمونةٌ .
وصدقَ المعلمُ الأولُ لما شرحَ الأمرَ تفصيلاً،
وقدمَه إعجازاً، فقالَ :
مَا مِنْ مُؤْمِنٍ دَعَا اَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى
دَعْوَةً ، لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ ، وَلاَ قَطِيعَةُ
رَحِمٍ، إِلاَّ أَعْطَاهُ اَللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاَثٍ:
إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ دَعْوَتَهُ، وإِمَّا أَنْ يدَّخِرَها له
في الآخرةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ
مِنَ اَلسُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا يَا رَسُولَ اَللَّهِ،
إِذَنْ نُكْثِرُ ، قَالَ اَللَّهُ أَكْثَرُ .
هَا هُوَ ذَا الفاروقُ عمرُ،
رضي اللهُ عنه وأرضاه،
يحددُ المشكلةَ أصلاً، فيقولُ :
إنَّي لا أحملُ هَمَّ الإجابةِ ،
ولكنْ أحملُ هَمَّ الدُعاءِ ،
فإنْ أُلْهِمتُ الدعاءَ ،
فإنَّ الإجابةَ معه .
والدعاءُ استعانةٌ من عاجزٍ ضعيفٍ،
بقويٍّ قادرٍ، واستغاثةُ ملهوفٍ،
بربٍ رؤوفٍ .
والعبدُ مأمورٌ بالدُعاءِ،
وموعودٌ بالإجابةِ،
شرطَ الثقةِ في اللهِ، وعدمِ التعجلِ،
كما قالَ (صلى الله عليه وسلم):
يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ،
يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُستَجَبْ لِيِّ ..
كذلكَ، وهو الأهمُ في الدُعاءِ،
تجرى الكسبِ الحلالِ،
فقد ذَكَرَ النَّبيُّ ((صلى الله عليه وسلم)
الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أغْبَرَ،
يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَارَبِّ، يَا رَبِّ،
وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ،
وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ،
فَأَنّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ..
«ادْعُونِي أَسْتَجِبْ»..
منتهي السرعةِ، بقمةِ الرحمةِ،
فالكلمتان (بلا فاصلٍ نهائياً)
ما أعظمَك يا اللهُ !
ثم تحذيرٌ شديدُ اللهجةِ:
«إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي
سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ» ..
فوراً بعدَ الدُعاءِ والاستجابةِ ،
وكأنَّ المعني: أنْ عدمَ الدُعاءِ
(والموصوفَ هُنا بالعبادةِ)
استكبارٌ يستوجبُ العقوبةَ،
التي قد تصلُ بالإنسانِ إلي جهنمَ،
وهَذَا يتوافقُ تماماً مع ما قالَه
(صلى الله عليه وسلم) :
الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ ..
الْعِبَادَةُ كُلُّها ؟ نعم كُلُّها ! ولِمَ لا ؟!
لكم خالص تحياتى وتقديرى
و
رمضــان كريــم
الدكتـور علـــــى