01-09-2021
|
2 أعضاء قالوا شكراً لـ رحيل على المشاركة المفيدة:
|
|
01-09-2021
|
#2
|
أسلوب التدرج في التلقين التربوي
- قراءة تحليلية في وصايا لقمان لابنه في القرآن -
عبدالمنعم نعيمي
• المضامين الكبرى لمواعظ لقمان ووصاياه:
1- ابتدأ لقمانُ الحكيم عليه السلام بقضية الإيمان، وما تتضمَّنه من توحيد الخالق جلَّ وعلا؛ فأوضحَ لابنه مسألةَ التوحيد ولزوم تجريده من شوائب الكفرِ والشرك: ï´؟ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ï´¾ [لقمان: 13].
2- ثمَّ ذكَر الوالدين فأوصاه بهما خيرًا، ونعَت له ما يتعيَّن لهما من بذلِ واجب الشكر والطاعة والمصاحَبة بالمعروف، مع تنبيهه إلى فضل الأم وما عاينَته من آلام الحمل والمخاض، ومشاقِّ الرضاع، والعناية بتربية أولادها: ï´؟ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ï´¾ [لقمان: 14].
3- ثم إنَّ لقمان عليه السلام عاد ليؤكِّد لابنِه أهمية العقيدة وضرورة تخليصها من نواقض الإيمان؛ فإنَّه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق الواحد الأحد المألوه (المعبود) بحقٍّ، والطاعة لا تكون إلا فيما يُرضي الله جلَّ وعلا.
وإن حضَّك والداك على أن تَعصي الخالق، فلا تُطِعهما أيضًا، مع الحرص على حُسن مصاحبتهما بالمعروف، ولا غَرو (شكَّ) في أنَّ بذل النُّصح لهما هو أيضًا من حُسن المصاحبة؛ قال الله جلَّ وعزَّ: ï´؟ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ï´¾ [لقمان: 15].
4- ثم وجَّهه إلى الإنابة ولزوم اتباع سبيل أهلها، وذكَّره بأن الرُّجوع إلى الخالقِ والعرضَ عليه للحساب والجزاء سنَّتُه جلَّ وعزَّ في الخلق، وأن الآخرة هي دار الحساب، وما يقع فيها من بعثٍ ونشرٍ وعرض... ومشاهدَ أخرى من قضايا الإيمان السِّتِّ التي لا يَكتمل الإيمان إلا بها؛ (الإيمان بالله تعالى، وملائكته، وكتبه، ورسلِه، واليوم الآخر، والقدَرِ خيره وشرِّه، حلوه ومُرِّه)؛ قال الله جلَّ وعزَّ: ï´؟ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ï´¾ [لقمان: 15].
5- إن لقمان بحكمته يُعيد في كلِّ مرَّة ربط ابنه بالقضيَّة الكبرى التي فيها صلاحُ العباد: قضيَّة الإيمان ومتطلباته، وقد فعل ذلك مرَّة أخرى في قوله تعالى: ï´؟ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ï´¾} [لقمان: 16]؛ يُريد الإيمانَ بأن الله تعالى عليمٌ وقد أحاط بكلِّ شيءٍ علمًا، لا يَعزُب عنه مثقالُ أيِّ شيء في السموات السبع والأرَضين، وهذه مسألةٌ من مسائل العقيدة المتعلقة بتوحيد الصِّفات والأسماء.
6- ثم أرشد لقمانُ عليه السلام ابنَه إلى عمادِ (عمودِ) الإسلام وهي الصلاة؛ إذ لا قيمة لأيَّة عملية تربوية للأبناء بعيدًا عن روحانيَّة الصلاة وما تتركُه من آثارٍ على نفس المُرَبَّى وسلوكِه، بل إن من مقاصدها تقويةَ الإيمان وتجديدَ الصِّلة برب الأرباب جلَّ وعلا، وهي القضية الأساسية المرعيَّة من العملية التربويَّة؛ قال الله عزَّ وجلَّ: ï´؟ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ ï´¾ [لقمان: 17]، بل إن للصَّلاة قيمةً اجتماعية من حيث إن فيها تجديدًا للعلاقات الاجتماعية؛ لأنها سببٌ لحصول التلاقي بين أفراد المجتمع في الجُمَعِ والجماعات؛ (العيدين، الاستسقاء، الكسوف، التراويح...).
7- إذا تشبَّع الابن بالإيمان وخالطَ شغاف قلبه، ونَما وترعرع وتربَّى على أخلاق هذا الإيمان، وأصلح به قلبَه وروحه، وقوله وفعله؛ كان مَعْنِيًّا بعدها بإصلاح غيره، أَصْلِحْ نفسك ثم أصلح غيرك، الأقرب فالأقرب؛ لذا وجَّه لقمان عليه السلام ابنَه للدعوة إلى الله تعالى، والمساهمة في تهذيب المجتمع وإصلاح أحواله.
الدعوة إلى الله تعالى بتعريف الناس بالمعروف والأمر به، وإنكار المنكر والنهيِ عنه، كما قال تعالى: ï´؟ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ ï´¾ [لقمان: 17]، ولخطورة أمر الدعوة؛ فقد أرشد لقمانُ عليه السلام ابنه إلى الصبر، والصبر ليس متعلِّقًا بمجال الدعوة فقط، بل إنَّ العبد أيضًا في حاجة إلى الصبر والجلَد؛ يُواجه بهما نوائب الحياة، وصروفَ الدهر؛ قال الله تعالى: ï´؟ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ï´¾ [لقمان: 17].
8- أخيرًا أرشد لقمانُ الحكيم ابنه إلى قيمتين تربويتين غاية في الأهمية؛ تعزِّزان من حسِّ التواصل الاجتماعي عنده؛ أما القيمة التربويَّة الأولى، فهي التواضع، في قوله تعالى: ï´؟ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ï´¾ [لقمان: 18]؛ فالتواضع يورث التحابُب والتوادُد بين قلوب أناسيِّ الخلق؛ لأن المتواضع قريب إلى الخلق محبوبٌ لديهم، والله تعالى يقذف في قلوب الناس قَبولاً لعبده المتواضع.
وأما القيمة التربوية الثانية، فهي غضُّ الصوت وتحسينه وتقليل الكلام عند مخاطَبة الغير، في قوله تعالى: ï´؟ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ï´¾ [لقمان: 19]؛ فالمستمع في أيِّ موقف يتطلَّب الإعلام ويستلزم الاتِّصال؛ هو ميَّالٌ إلى الحرص على الاستماع والإنصات للخطاب والكلام.
بل إن الأمر بغضِّ الصوت وذمِّ قبيحه؛ يُشير إلى أثر الصوت من حيث الحدَّةُ والرِّقَّة والخشونة والرفع والعلوُّ... في استمالةِ أو تنفير قلوب المستمعين والمخاطَبين، إن خَفض الصوت وما يتطلَّبه من تجميل وتحسين وتزيينٍ - من حيث معانيه ومبانيه - أحدُ أهمِّ وسائل الاتصال الذكيَّة عند مخاطبة الجماهير والأفراد، وضمان حصول تواصل إيجابي من جهة المتلقِّي (المتلقِّين)، ووصول المضامين الرِّسالية من خلال الوسيلة الاتصالية الصحيحة.
وتأسيسًا على ما تقدَّم، يتضح أن المُرَبِّي معنيٌّ في بداية العملية التربوية برعاية المُرَبَّى إيمانيًّا، بل إنه معنيٌّ أيضًا بأن يَستصحب معانيَ التربية الإيمانية وقِيَمَها طيلة العملية التربويَّة، وهو ما فعلَه لقمان الحكيم وحرَص عليه.
وهنا يتعيَّن لزاًما على المُرَبِّي أن يرتقي بالمُرَبَّى؛ فيُعرِّفه والدَيه كأهمِّ قيمة اجتماعيَّة يجب عليه رعايتها واحترامها، قبل أيَّة قيمة أخرى من قيم المجتمع التي تتطلَّبها العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد، أو حتى بين المجتمعات المختلفة في إطار مُجتمعيٍّ واحد، وإن بعدَت المسافات والمساحات، وفق مُقتضيات ومتطلَّبات العولمة الإعلاميَّة والاتصالية.
بل إنَّ للارتقاء بالتعامل مع الوالدين وتحسينِ الاتصال بهما قيمةً إيمانية تجد لها موقعًا ضمن قضية وجوب طاعة الله تعالى، والتزام أمره بطاعة الوالدين، والإحسان إليهما، حتى في حالة ابتعاد الوالدين واعتسافهما عن طاعة المولى تبارك وتعالى في أمرهما ونهيهما، يتعيَّن لزامًا على الأبناء الإحسانُ إليهما ومُصاحبتهما بالمعروف وبذل النَّصيحة لهما، وحسابهما على الله تعالى.
ثمَّ الاعتناء بأمر العبادة، وفي مقدِّمتها الصلاة، وتعريف أحكامها للأبناء؛ لِما لها من قيمة إيمانيَّة تزكو معها الروحُ وتصفو من رانِ الشهوات ودَرَنِ الشُّبهات، ولما فيها أيضًا من قيمة اجتماعيَّة يرتقي فيها الأبناءُ بسلوكهم الاجتماعي وتحسين أدائهم الاتصاليِّ الاجتماعي والمُجتمعي داخل الأسرة والمجتمع.
تدريب الأبناء وتمرينهم وفقًا للعمليَّة التربوية الإيمانية والاجتماعية والتعليمية كذلك - يفتقر إلى قيمة تربوية أخرى؛ لترسيخ مفاهيم التربية المكتسَبة قبلاً؛ إنه: الصَّبر وما يتطلَّبه من فروق نفسيَّة، وقدرات تُكتسَب بالرعاية الحسنة، والتربية الجادة.
وقد علم لقمانُ الحكيم أن الصبر عامل من عوامل النجاح في حياة الفرد والمجتمع؛ سيَّما في إطار ممارسة العملية الإصلاحية الدَّعَوية وما تتضمَّنه من أمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر.
ومنهج لقمان في التربية يُؤصِّل لعملية الإصلاح الذاتي قبل عملية الإصلاح المجتمعيِّ كدائرةٍ أوسع، وضرورةِ بناء القدوة الصحيحة، ومُراعاتها عند الدعوة والإصلاح بمختلِف خطاباته وملامحه، وعناوينه ومضامينه ومواقفه، فيفترض في المُصْلِحِ أن يكون أَصْلَحَ من المُخاطَبِ بعملية الإصلاح؛ حتى يكون له نعم القدوة والأسوة.
إن لقمان الحكيم يدعو من خلال وصاياه ومواعظه إلى إصلاح الفرد قبل الجماعة، إلى إصلاح الأسرة؛ (في إشارةٍ إلى الخطاب الأُسري مع ابنه) قبل المجتمع (في إشارةٍ إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
هذا، وفي آخِر وصاياه، أضاف لنا لقمانُ الحكيم قيمتَين تربويتين لنجاح العملية التربوية، ودعم الارتقاء بشخصية المُربَّى وتحسينها داخل المجتمع: إنها قيمة التواضع، وقيمة تحسين الكلام عند المخاطَبة والمحاورة والمُقاولة؛ فيكون المُربَّى مُتواضعًا، فتعلو منزلته بين الناس، وتزداد قيمته في أعينهم، ويكون مِقوالاً في مُخاطبة الناس ومعاملتهم، بعيدًا عن كلام الغوغاء والسُّوقة، فترتقي علاقات الناس وتعاملاتهم عن سفاسف القول ودونية الفعل.
[1] انظر: أبو الفداء إسماعيل ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، دار التوزيع والنشر الإسلامية، مصر، حققه وخرَّج أحاديثه وعلَّق عليه: د/ أبو آلاء كمال علي علي الجمل، ط 1، 1419هـ - 1998م، 3/ 536، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: جامع البيان، عن تأويل آي القرآن، تحقيق: د/ عبدالله بن عبدالمحسن التركي، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجَر، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، بيروت، لبنان، ط 1، 1422هـ - 2000م، 18/ 546.
[2] انظر: ابن كثير: المرجع السابق، 3/ 536.
[3] انظر: ابن جرير الطبري: مرجع سابق، 18/ 546.
[4] انظر: ابن جرير الطبري: المرجع نفسه، 18/ 548.
[5] انظر: ابن جرير الطبري: المرجع نفسه، 18/ 529.
[6] انظر: ابن كثير: مرجع سابق، 3/ 535.
[7] انظر: ابن جرير الطبري: مرجع سابق، 18/ 546-549.
[8] انظر: ابن جرير الطبري: المرجع نفسه، 18/ 546-548، ابن كثير: مرجع سابق، 3/ 535-536.
[9] رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، رقم الحديث 1385، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، ط 4، 1420 هـ-2000، 1/ 410 ومسلم، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يُولد على الفطرة، وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين، رقم الحديث 2658، 2/ 1226-1227 من طريق أبي هريرة رضي الله عنه، واللفظ لمسلم.
[10] انظر: د/ سعد رياض: فن الحوار مع الأبناء، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة، ط 1، 1428 هـ - 2007 م، ص 9.
[11] انظر: ابن كثير: المرجع السابق، 3/ 538.
|
|
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ رحيل على المشاركة المفيدة:
|
|
01-09-2021
|
#3
|
طرح في قمة الروعه والابداع
ربي يعطيك الف عافيه
ع الاختيآر الجمــيل
بانتظار جديدك
|
|
اشكرك ياروحي
علي لاهداء الحلووه
اسعدني كثير والله
واناملك المبدعه يا جميله
اشكرك ياروحها علي شهاده فديت قلبك
غلاتك غير
فديتك ياروح اختك انتي
علي تهنئه الحلووه
الله لايحرمني منك
ويخليك لي يارب
|
01-09-2021
|
#4
|
|
|
اذا ضاقت بك الدنيا
لا تقل يارب لي هم كبير
ولكن قل يا هم لي رب كبير
|
01-10-2021
|
#5
|
عاشت الايادي
على جهدك الكبير
تحياتي مع تقدير
|
|
|
01-11-2021
|
#6
|
سلمت اناملك على الإنتقاء
دمت بسعادة بحجم السماء
لقلبك طوق الياسمين
|
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 01:36 AM
| | | | | |