كيف يمكن للتمويل الجماعي أن يساهم في تطوير الشركات الناشئة؟
كيف يمكن للتمويل الجماعي أن يساهم في تطوير الشركات الناشئة؟
هشام أبوجامع
يواجه رواد الأعمال مشكلة أساسية عندما يبدؤون في تحويل أفكارهم إلى شركات متطورة وذات كفاءة، وهي الحاجة إلى موارد مالية، وفيما يعتبر الوصول إلى مصادر التمويل التقليدية مهمة شاقة، يبرز التمويل الجماعي - وهو عبارة عن تمويل تتشكل مصادره من عدة مستثمرين - ليكّون واحدًا من أسرع مصادر التمويل نموًا، والتي تساهم في توسيع أنشطة الشركات وتعزيز حضور منتجاتها وخدماتها في الأسواق.
يعتمد التمويل الجماعي على توظيف الإنترنت بالشكل الأمثل من أجل تمويل الشركات، والتحقق من نجاعة أفكار تطوير المنتج التي يطرحها رواد الأعمال ودعمها، بالإضافة إلى جمع الأموال لبدء عمليات التصنيع أو دعم توسيع الشركة لأنشطتها عبر الوصول إلى المستثمرين والعملاء المحتملين. هذا وتشير التقديرات إلى أن إجمالي سوق التمويل الجماعي العالمي سيحقق معدل نمو سنوي مركب نسبته 16.5 % بين عامي 2021 و2028، على أن يصل حجمه إلى 43.48 مليار دولار أمريكي بحلول العام 2028، فإنتاج ماركة ريسيرش يأخذ الاستثمار من خلال التمويل الجماعي عدة أشكال منها:
التمويل الجماعي القائم على المكافآت:
في هذا النوع من التمويل الجماعي، يقدم الأفراد مساهمات إلى مشروع أو شركة متوقعين الحصول على مكافآت غير مالية نظير استثماراتهم تلك، مثل الحصول على منتجات أو خدمات خلال مرحلة لاحقة من انطلاق المشروع، أي أنه في مقابل الاستثمار بالمال في الشركة الناشئة تُقدم للمُموِلين خدمة مميزة (مكافآت) أو منتج جديد (قبل الإطلاق الرسمي)، تتيح هذه الطريقة إطلاق الشركات الناشئة أنشطتها في ضوء وجود مميزات مثل وجود طلبات شراء بالفعل وتأمين تدفقات نقدية قبل الإطلاق الرسمي للمنتج. وبفضل هذه الطريقة، يتمكن رواد الأعمال من استقطاب المستخدمين الأوائل للمنتجات والعملاء الشغوفين بالمنتجات والخدمات والمروجين لها، الأمر الذي يعزز من مكانتة المنتج والخدمة على الساحة الاجتماعية. وهؤلاء هم الذي يبدون ثقتهم الكبيرة في إمكانية نجاح أفكار رواد الأعمال وقصصهم وما يطرحونه من منتجات وخدمات ويراهنون على نجاحها بأموالهم.
تعد منصة "Kickstarter" واحدة من أنجح منصات التمويل الجماعي القائم على المكافآت، وقد قدمت تمويلًا ناجحا حتى الآن لـ 222,037 مشروعا بقيمة إجمالية بلغت 6.69 مليارات دولار أمريكي. ومن بين أكثر القصص نجاحا في مجال التمويل الجماعي القائم على المكافآت شركة "Peloton" التي تقدم حلول اللياقة البدنية المنزلية القائمة على مزج المعدات المادية بالبرمجيات، أطلقت تلك الشركة الناشئة رحلتها من خلال منصة Kickstarter في العام 2013 وجمعت خلال تلك الرحلة 307 آلاف دولار أمريكي، لتتحول بعدها إلى جمع 550 مليون دولار أمريكي من رأس المال الجريء، إلى أن بلغت قيمتها 4.1 مليارات دولار في العام 2018 ثم الطرح العام في 2019.
التمويل الجماعي القائم على المكافآت والتبرعات لا يمنح الممولين أسهما أو ملكية في الشركة الناشئة، ويناسب الشركات التي ما تزال في طور تطوير الأفكار، وذلك بغرض استقطاب العملاء الأوائل وتأمين تدفقات نقدية تمكن الشركة من طرح منتجاتها في السوق.
التمويل الجماعي بالملكية
في هذا الشكل من التمويل تبيع شركة ناشئة حصة ملكية لعدد من المستثمرين نظير استثماراتهم فيها، وعوضا عن علاقة النظير للنظير الموجودة في التمويل بالملكية بشكله التقليدي من خلال مؤسسات رأس المال الجريء والاستثمار المباشر والمستثمرين الملائكة، فإن التمويل الجماعي بالملكية يقوم على أساس مجموعة متنوعة من المستثمرين المحتملين من خلال توصيل الشركات الناشئة بالمستثمرين المحتملين من خلال منصة إلكترونية مثل منصة مكيال المالية المرخصة من هيئة السوق المالية وغيرها من المنصات المشابهة في المملكة.
وبالنسبة لجمع المال عبر التمويل الجماعي للملكية، تحتاج الشركة الناشئة إلى إظهار مدى جاهزية فكرة المشروع للاستثمار، ومن ثمّ هناك عدة نقاط أساسية يضعها المستثمرون المحتملون في الحسبان عند إجراء التقييم للشركة الناشئة، مثل المعلومات الخاصة بنمو المشروع، وخطة العمل المفصّلة والتوقعات المالية للمشروع على مدار عدة سنوات قادمة. تحتاج الشركات الناشئة أيضا إلى صياغة استراتيجية اتصالات محكمة تسهل على المستثمرين المحتملين فهم أهم جوانب أنشطة الشركة وحجم النمو، وفي المملكة العربية السعودية، تتيح "هيئة السوق المالية" للشركات الخاصة جمع ما يصل إلى 10 ملايين ريال سعودي من خلال التمويل الجماعي بالملكية.
من بين قصص النجاح المميزة في هذا المجال شركة “Zenefits” التي توفر برامج وأدوات قائمة على الحوسبة السحابية لقطاع الموارد البشرية. تمكن فريق “Zenefits” من جمع 372 ألف دولار أمريكي في مرحلة التأسيس الأولي عبر منصة Wefunder، ليصل تقييم الشركة إلى 40 ضعفا لهذا المبلغ خلال عام، ويبلغ تقييم Zenefits في الوقت الراهن 4 مليارات دولار أمريكي.
يناسب التمويل الجماعي بالملكية الشركات الناشئة المدّرة للإيرادات والتي تملك استراتيجية وخطة عمل واضحتين لإنماء أنشطة الشركة وتعزيز ربحيتها في المستقبل.
التمويل الجماعي بالدين:
في هذا الشكل من أشكال التمويل الجماعي، يمكن لشركة ناشئة أن تقترض من عدة أفراد لديهم الجاهزية لإقراض رأس المال إلى مشروع على أن يسدد أصحاب المشروع القرض إلى جانب الفائدة، وذلك على مدار فترة زمنية، يعد هذا النوع من التمويل بديلا مباشرا عن القرض المصرفي، تتلخص وظيفة منصات التمويل الجماعي بالدين في عمل توافق بين المقرضين والمقترضين، أما بالنسبة لطريقة العمل، فتقوم منصة التمويل الجماعي بالدين بنشر طلب اقتراض تقدمه شركة ناشئة، وذلك بعد عمل فحص ناف للجهالة، ثم يقدم المقرضون المهتمون عروض إقراض لهذه الشركات تتضمن نسبة الفائدة على القرض المعروض، بعد ذلك تقبل الشركة المقترضة القرض الذي يحمل أقل معدل فائدة.
حين تجمع شركة ناشئة المال عبر التمويل الجماعي بالدين، فإنها لا تمنح حصصا من ملكيتها أو رأسمال إلى المقترضين.
ساهم نموذج تمويل النظير للنظير (التمويل الجماعي بالدين) في جمع أموال تقدر بـ 20 مليار دولار في العام 2019، وذلك وفقا لتقرير المقارنة المعيارية لسوق التمويل البديل العالمي الذي نشره مركز جامعة كامبريدج للتمويل البديل.
يناسب التمويل الجماعي بالدين الشركات الناشئة المدّرة لتدفقات نقدية إيجابية والتي تملك استراتيجية وخطة عمل واضحتين لتنمية أنشطة الشركة وتعزيز ربحيتها، والقادرة على سداد القروض وفائدته.
وبرغم حداثة تجربة التمويل الجماعي في المملكة إلا أن المؤشرات الأولية توحي بمستقبل مشرق للشركات السعودية الراغبة في هذا النوع من التمويل المنخفض المخاطرة فعلى سبيل المثال تجربة في فيتنس والتي نجحت في إغلاق جولتين استثمارية وكانت قبل الجولة الاستثمارية تمتلك فرع واحد واليوم تمتلك 8 فروع وبإيرادات كبيرة، ما يوضح حجم الفرص والنمو المتوقع في هذا القطاع الواعد ومستقبل الشركات السعودية في ظل الاستراتيجية المالية السعودية الحديثة والتي تدعم التحول الرقمي في القطاع المالي بما يحقق مستهدفات رؤية السعودية 2030.