إمكانية الوصول حقٌّ للأشخاص ذوي الإعاقة
في المقال السابق تحدثنا عن الإعاقة بمفهومها العام، بوصفها جزءًا من التنوع البشري، وأنها حالة تنتج معها عوائق مادية أو حواجز سلوكية تمنع الشخص من ممارسة حياته؛ ليشعر بالمساواة مع الآخرين، وهذا لوجود قصور لديه إما حركي أو سمعي أو بصري أو حسي أو ذهني أو نفسي. فإن تمت معالجة هذه العوائق والحواجز وإلغاؤها تمكن الشخص من الوصول إلى حقوقه والتمتع بها.
في هذا المقال سنتعرف معًا على كيفية معالجة هذه العوائق والحواجر، لكن دعونا نتفق في البداية على أن العوائق تكون في البيئة المادية وفي الأشكال التكنولوجية المختلفة المحيطة بنا، وأن الحواجز تتمثل في سلوكيات أفراد المجتمع بمن فيهم صناع القرار، وراسمي الخطط والاستراتيجيات، وواضعي السياسات التي تخلو من مبادئ التضمين والدمج للأشخاص ذوي الإعاقة، والتي تحول دون تحقيق المشاركة الفعالة لهم في مجتمعٍ معيق؛ ويرجع هذا لما يتبناه أصحاب هذه السلوكيات من اتجاهات وصور نمطية سلبية تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة، ونظرهم لهم بوصفهم حالات مرضية أو أنهم أشخاص عاجزون.
وفي ظل اتجاهنا الآن في الحديث نحو الحلول العملية لمشكلة العوائق المادية أو التكنولوجية وجب البدء بالاتفاق حول المفاهيم المرتبطة بذلك، والمسئوليات المنوطة بالأشخاص والجهات ذات العلاقة، وحقيقة التكاليف في الموضوع مثار البحث، مستندين في ذلك إلى ما قدمته اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من تفسير وتوضيح خاص بذلك، فإن أول المفاهيم التي نصت عليها الاتفاقية في مبادئها، وجاء أيضًا عنوانًا للمادة التاسعة منها هو «التهيئة البيئية» أو «إمكانية الوصول(Accessibility) »، والتي تشير إلى مجموعة التعديلات والترتيبات اللازم توافرها لضمان تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وممارستها على أساس المساواة مع الآخرين. والصفة الرئيسة في هذه الترتيبات أنها التزام على الدولة، وواجب عليها توفيرها من خلال ما تسنه من تشريعات، وما تنتهجه من سياسات تنعكس في ممارستها وتطبيقاتها العملية، والتي من الواجب أن يتم توفيرها في كافة مرافق الدولة. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن هذه الترتيبات لا تقتصر فائدتها على الأشخاص ذوي الإعاقة، بل إنها تخدم غيرهم من أفراد المجتمع؛ فالأمهات أو الآباء الذين يدفعون عربات أطفالهم يستفيدون من المنحدر الخاص بالأشخاص ذوي الإعاقة، والأشخاص الأمييون أو الذين لا يتحدثون لغة البلد يستفيدون من الإشارات الإرشادية الموجهة للأشخاص الصم، أو يمكن الاستفادة من الساعات الناطقة لمعرفة التوقيت في حال انقطاع التيار الكهربائي، بالإضافة إلى كثير من الفوائد المتحققة من توفر أشكال التهيئة المختلفة؛ لذلك بات متداولًا بين أصحاب الاختصاص ما عُرِفَ بمفهوم «التصميم العام (Universal Design)» والذي يعني تضمين المواءمة في عملية التصميم والإنتاج، بحيث تصبح جزءًا من مكونات نظام الواقع الذي نعيشه، كما تفعل شركات أجهزة الهواتف المحمولة التي أفردت في إعدادات هواتفها خاصية «إمكانية الوصول(Accessibility) » في الاتجاه الآخر.
وعندما كان هناك حاجة بالفعل لتوفير أشكال محددة ومخصصة لبعض الأشخاص ذوي الإعاقة في بيئات محددة كأماكن العمل؛ فقد طرحت الاتفاقية مفهومًا أسمته «الترتيبات التيسيرية المعقولة(Reasonable accommodation) »، وهي مجموعة التعديلات والترتيبات اللازمة والمناسبة التي لا تفرض عبئًا إضافيًّا أو غير متناسب أو غير ضروري على عاتق الجهات الموفرة لها. المهم في هذه الترتيبات أن الحاجة لها تظهر في حالات محددة، ولا يقتصر توفير هذه الإجراءات على الدولة فحسب، إنما يجب على غيرها من الجهات توفيرها كأصحاب العمل مثلًا؛ حيث إن هذه الإجراءات تأتي لمراعاة حالات محددة في ظروف محددة بحيث يؤخذ بعين الاعتبار القدرة المالية للجهة المنفذة، ومثال ذلك أنه إذا تطلب وصول أحد العاملين المستخدمين للكرسي المتحرك للطابق الثاني، ولا يوجد مصعد مهيؤ لذلك، ولا يمتلك صاحب العمل رأس مال يمكنه من تركيب المصعد؛ يستعيض عن ذلك بترتيب التكلفة المناسبة لتيسير وصول الشخص، كأن ينقل مكان العمل الخاص بالشخص لطابق أرضي قريب من مكان العمل الرئيسي.
إن توفير هذه الترتيبات مهم جدًّا لما له من أثر، ولعل أهم الأسباب والتبريرات خلف غياب أشكال التهيئة -كما نسمعها من كثير من صناع القرار- أن لها تكلفة عالية تحول دون توفيرها، لكن ما أشارت له الدراسات بأن 57% من أشكال التهيئة البيئية والترتيبات التيسيرية المناسبة لا تكلف شيئًا، كما أن متوسط تكلفة الباقي منها لا يتجاوز 500 دولار أمريكي. هذا بالإضافة إلى أن وجود هذه الأشكال من التهيئة يزيد الاقتصاد الوطني والعالمي بخبرات هؤلاء الأشخاص التي تعود بالنفع العام، وتنتشلهم من خانة العاطلين عن العمل إلى الاستقلال المادي، وعدم الحاجة إلى شخص ينفق عليهم.
أنس اشتيوي
ناشط ومدرب في مجال حقوق الإنسان