03-16-2024
|
#2
|
12- الملاحظ في قراءة القرآن بالتشبيه بلفظ (شربه) فقد جاء على وجه المجاز لا الحقيقة، وهو خلاف التغذي، فينبغي ظاهرًا أن يقترن بالقرآن الطعام لا الشراب؛ لأنه غذاء الروح كما يُعلم، وفي الطعام لا بد من تذوُّقه ثم مضغه ثم ابتلاعه ليصل إلى معدته وينتفع الجسم منه، وهكذا ينبغي قراءة القرآن بمراحله كافة من القراءة، والتفكر، والتعقُّل، والتدبر....إلخ من مراحل التعامل مع القرآن الكريم، فعدل صلى الله عليه وسلم من الطعامإلى لفظة الشراب لنكتة مهمة ودقيقة؛ وهي: أن فاعل هذا العمل لم ينتفع من القرآن حق انتفاعه، فمرره كالشراب وإن كان نافعًا بذاته؛ لكنه لم يحصل له النفع به حق الانتفاع، فكان ينبغي عليه أن يطعمه لا أن يشربه، وهذا المعنى تؤيده نصوص عدة في ذم أقوام يقرءون القرآن بهذه الشاكلة ولا يجاوز تراقيهم؛ أي: لا ينتفعون منه ولا يعملون به، فحظُّهم منه القراءة فحسب، والله أعلم بالصواب.
13- ويمكن أن نفهم الحديث بمنحى آخر؛ وهو أن الذم هنا للتمنطق بالقرآن-أي: تعلمه للتفلسف به لمراء الناس لا لذاته أو العمل به-فكما أن شارب الحليب يتمنطق بطعمه، فكذلك هؤلاء يتمنطقون بالقرآن، فلا يجاوز تراقيهم؛ من أجل هذا عدل صلى الله عليه وسلم عن الماء إلى اللبن، فالماء لا يتمنطق بطعمه بخلاف اللبن، والله أعلم بالصواب.
14- ويضاف إلى ما سبق أن كل من أخرج هذا الحديث من أهل التخريج من مسند عقبة بن عامر رضي الله عنه ذكره في سياق الأحاديث التي تذم أفعال المنافقين والخوارج وتصرفاتهم وسلوكهم المنحرف عن جادة الصواب، وهذا يدل على أن فهمهم للحديث جاء بسياق الذم لا المدح.
15- وينبغي التنبيه هنا إذا كان هذا الذم لمن يقرأ ويستعجل في قراءته ولا يعمل به، فمن باب أولى يتأكد الذم لمن لا يقرأ القرآن ولا يعمل به؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَالأُتْرُجَّةِ؛ طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَالَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَالتَّمْرَةِ؛ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ؛ رِيحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الفَاجِرِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الحَنْظَلَةِ؛ طَعْمُهَا مُرٌّ، وَلا رِيحَ لَهَا»[38].
وفي ختام هذا البحث لاح لي ملمح آخر ممكن أن نفهم به هذا الحديث، وهو: أن مُسند الحديث وهو سيدنا عقبة بن عامر رضي الله عنه قد روى حديثًا آخر ممكن أن نحمل عليه هذا الحديث، فقد جاء هنا مُبَيِّنًا، وورد هناك مُجملًا، فيمكن حمل المُجْمَل على المُبَيَّن في النصوص الآتية:
فقد أخرج الإمام أحمد عن عُقْبَة بْنِ عَامِرٍ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْكِتَابَ وَاللَّبَنَ»، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا بَالُ الْكِتَابِ؟ قَالَ: «يَتَعَلَّمُهُ الْمُنَافِقُونَ ثُمَّ يُجَادِلُونَ بِهِ الَّذِينَ آمَنُوا»، فَقِيلَ: وَمَا بَالُ اللَّبَنِ؟ قَالَ: «أُنَاسٌ يُحِبُّونَ اللَّبَنَ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ الْجَمَاعَاتِ وَيَتْرُكُونَ الْجُمُعَاتِ»[39].
وعنه بلفظ: «هَلَاكُ أُمَّتِي فِي الْكِتَابِ وَاللَّبَنِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْكِتَابُ وَاللَّبَنُ؟ قَالَ: «يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ فَيَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ، وَيُحِبُّونَ اللَّبَنَ فَيَدَعُونَ الْجَمَاعَاتِ وَالْجُمَعَ وَيَبْدُونَ»[40].
وأخرجه الطبراني بلفظ: «سَيَهْلِكُ مِنْ أُمَّتِي فِي الْكِتَابِ وَاللَّبَنِ» قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: فَقُلْتُ: وَمَا أَهْلُ الْكِتَابِ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَتَعَلَّمُونَ كِتَابَ اللهِ يُجَادِلُونَ بِهِ الَّذِينَ آمَنُوا» قُلْتُ: وَمَا أَهْلُ اللَّبَنِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ ويُضَيِّعُونَ الصَّلَوَاتِ»[41].
وأخرجه الروياني من طريق آخر، وذكر معه فهم راويه عن سيدنا عقبة بن عامر للحديث فقال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، نا عَمِّي، حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ الْخَيْرِ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ أَمْرِ الْقَدَرِ، فَقَالَ: أَنَا فِي الِإِسْلَامِ أقْدَمُ مِنْهُ، لَا خَيْرَ فِيهِ، قَالَ أَبُو قَبِيلٍ: وأخْبَرَنِي عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَيَهْلِكُ مِنْ أُمَّتِي أَهْلُ الْكِتَابِ وأهْلُ اللَّبَنِ» فَقَالَ عُقْبَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا أَهْلُ الْكِتَابِ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَتَعَلَّمُونَ كِتَابَ اللهِ يُجَادِلُونَ بِهِ الَّذِينَ آمَنُوا» فَقَالَ عُقْبَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا أَهْلُ اللَّبَنِ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ، ويُضَيِّعُونَ الصَّلَوَاتِ» فَقَالَ أَبُو قَبِيلٍ عِنْدَ قَوْلِهِ هَذَا: لَأَحْسَبُ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ: الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ، وَأَمَّا أَهْلُ اللَّبَنِ، فَلَا أَحْسَبُهُمْ إِلَّا أَهْلَ عَمُودٍ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إِمَامُ جَمَاعَةٍ، وَلَا يَعْرِفُونَ شَهْرَ رَمَضَانَ"[42].
وعليه يمكن حمل قوله المجمل وهو: (يَشْرَبُونَ الْقُرْآنَ) على قوله المبين وهو: (يَتَعَلَّمُهُ الْمُنَافِقُونَ ثُمَّ يُجَادِلُونَ بِهِ الَّذِينَ آمَنُوا) أو بمعنى قريب منه وهو: (يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ فَيَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ).
وهذا المعنى الذي فهمه ابن عبدالبر للحديث المبين للمجمل فقال: (بَابٌ فِيمَنْ تَأَوَّلَ الْقُرْآنَ وَتَدَبَّرَهُ وَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ...ثم قال: أَهْلُ الْبِدَعِ أَجْمَع أَضْرَبُوا عَنِ السُّنَّةِ وَتَأَوَّلُوا الْكِتَابَ عَلَى غَيْرِ مَا بَيَّنَتِ السُّنَّةُ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْخُذْلَانِ وَنَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ وَالْعِصْمَةَ بْرَحْمَتِهِ...)[43].
وإلى هذا مال المتقي الهندي عندما بوَّب له فقال: (باب آفات العلم ووعيد من لم يعمل بعلمه)[44].
وأما قوله المجمل: (كَشُرْبِهِمُ اللَّبَنَ)، فيحمل على قوله المبين: (أُنَاسٌ يُحِبُّونَ اللَّبَنَ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ الْجَمَاعَاتِ وَيَتْرُكُونَ الْجُمُعَاتِ) أو بالمعنى القريب منه وهو قوله: (وَيُحِبُّونَ اللَّبَنَ فَيَدَعُونَ الْجَمَاعَاتِ وَالْجُمَعَ وَيَبْدُونَ) أو بقوله: (قَوْمٌ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ ويُضَيِّعُونَ الصَّلَوَاتِ)؛ أي بمعنى: يتركون الحضر إلى البادية، فيتركون الجمعة والجماعة ويسكنون الخيام لا البيوت، ويطلبون مواضع اللبن وهي في البوادي والمراعي، وهذا الذي فهمه راوي الحديث عن سيدنا عقبة بن عامر فقال: (وَأَمَّا أَهْلُ اللَّبَنِ، فَلَا أَحْسَبُهُمْ إِلَّا أَهْلَ عَمُودٍ-أي أصحاب الخيام- لَيْسَ عَلَيْهِمْ إِمَامُ جَمَاعَةٍ، وَلَا يَعْرِفُونَ شَهْرَ رَمَضَانَ).
ونص على ذلك ابن الأثير في النهاية فقال: (قَالَ الْحَرْبِيُّ: أَظُنُّهُ أَرَادَ: يَتَبَاعَدُونَ عَنِ الْأَمْصَارِ وعَن صَلَاةِ الجمَاعة، ويَطْلُبون مَواضع اللَّبن فِي المَراعي والبَوَادِي)[45].
قلت: وهذا هو وصف دقيق للخوارج في زمن سيدنا علي رضي اللهُ عنه، فتركوا المدنإلى البوادي وأوصافهم كثيرة، ومنها: يحقر الرجل صلاته إلى صلاتهم، وصيامه إلى صيامهم، وهنا يضاف أيضًا يحقر قراءته للقرآن إلى قراءتهم؛ فهم يكثرون من قراءة القرآن ختمة بعد أخرى، ولا يفقهون معناه، ولا يتدبرون آيات اللهِ، ويَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ، فالذم ليس لقراءة القرآن ولا الاستعجال به؛ وإنما لعدم تأثير القرآن فيهم، فكما أن اللبن لا بد أن يكون غذاء للجسد فكذلك القرآن لا بد أن يكون غذاء للروح، ويثمر بها، فيفيض ذلك على قلبه وجوارحه.
وبعد البحث والتفتيش في طرق الرواية تبين لي أن الفريابي روى هذا الحديث عـن سيدنا عقبة بن عامر بلفظ يشبه شرب القرآن بشـرب الماء لا اللبن فقال: حَدَّثَنَا مَيْمُونُ بْنُ الْأَصْبَغِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نـا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، أَخْبَرَنِي بَكْرُ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ مِـشْـرَحَ بْنَ هَاعَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «سَيَخْرُجُ أَقْوَامٌ مِنْ أُمَّتِي يَشْـرَبُونَ الْقُرْآنَ كَشُرْبِهِمُ الْمَاءَ»[46].
قلت: ولعله من تصرُّف الرواة عن سيدنا عقبة بن عامر، والله أعلم بالصواب.
ومما لفت انتباهي أن الطبراني روى بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه هذا التشبيه أيضًا فقال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ قَالَ: نا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: نا سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي هَوْذَةَ، قَالَ: نا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عبدالرحمن السُّلَمِيِّ، عَنْ عبدالله بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُوشِكُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُـرْآنَ قَـوْمٌ يَشْرَبُونَهُ كَشُرْبِهِمُ الْمَاءَ، لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ»، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى حَلْقِهِ، فَقَالَ: «لَا يُجَاوِزُ هَا هُنَا». قال الطبراني: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ إِلَّا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ[47].
قال الهيثمي: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَفِيهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ وَهُوَ ضَعِيفٌ[48].
قلت: الحسين بن إدريس الأنصاري، الهروي، المعروف بابن خرم.
قال فيه الـدارقطني: كان من الثقات.
وقال ابن مـاكولا: كان من الحُفَّاظ المكثرين.
وانتقده ابن أبي حاتم بما ليس فيه؛ بـل الآفة من غيره كما هو موضَّح في مكانه.
وَذكره ابن حبان فِي الثِّقَات، وَقَالَ: كَانَ من أَرْكَانِ السُّنَّة فِي بَلَده.
وقال الذهبي: الإمام المحدث، الثقة الرحال أبو علي الأنصاري الهروي، وكان صاحب حديث وفهم[49].
وأما تفرد عَمْرو بْن أَبِي قَيْسٍ عن عطاء فإنه لا يضـر الحديث؛ لأنه رُوي من طريق آخر عن حماد بن زيد، وخلف الواسطي كما سيأتي، وعليه فالحديث يحتج به، والله أعلم بالصواب.
فقد روى أبو عبدالله محمد بن وضاح بن بزيع المرواني القرطبي (المتوفى سنة: 286هـ) بسنده عن السلمي فقال: نَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ: نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ عبدالرحمن بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عبدالرحمن السُّلَمِيِّ قَالَ: "إِنَّا أَخَذْنَا الْقُرْآنَ عَنْ قَوْمٍ فَأَخْبَرُونَا أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا عَشْـرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزُوهُنَّ إلى الْعَشْـرِ الْأُخَرِ حَتَّى يَعْمَلُوا بمَا فِيهِنَّ مِنَ الْعِلْمِ، قَالَ: فَتَعَلَّمْنَا الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا، وَإِنَّهُ سَيَرِثُ هَـذَا الْقُرْآنَ قَوْمٌ بَعْدَنَا يَشْـرَبُونَهُ كَشُرْبِهِمُ الْمَاءَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ قَالَ: بَلْ لَا يُجَاوِزُ هَهُنَا وَوَضَعَ يَدَهُ تَحْت حَنَكِهِ"[50].
ووصله الآجُرِّيُّ (المتوفى: 360هـ) فقال: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِالْحَمِيدِ قَالَ: نا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أنا سَعِيدُ بنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: أنا خَلَفٌ- يَعْنِي الْوَاسِطِيَّ- عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: كَانَ أَبُو عبدالرحمن يُقْرِئُنَا فَقَالَ يَوْمًا: قَالَ عبدالله بْنُ مَسْعُودٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيُرَتِّلُ هَذَا الْقُرْآنَ قَوْمٌ يَشْـرَبُونَهُ كَمَا يُشْرَبُ الْمَاءُ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ»[51].
قلت: وكذا رُوِيَ عَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون فِي آخر أمتِي قوم يتفقهون فِي دين الله ويقرءون كتـاب الله كَمَا يشـرب المَاء الْبَارِد لَا يُجَاوز تراقيهم، يكذبُون بأقدار الله عز وَجل هم مجوس أمتِي، هم مجوس أمتِي، هم مجوس أمتِي»[52].
قلت: في النصوص والآثار عن الصحابة أعلاه تأكيد للمعنى الذي ذهبنا إليه، وهذا يعني أنَّ الذمَّ إنما يقعُ على الأقوام الذين لم يعملوا بالقرآن بسبب عدم انتفاعهم بالقراءة لا على ذات فعلهم وهو القراءة؛ لأنها محمودة مطلقًا، وعليه أميل أن يحمل الحديث على معنى الذم لا المدح لما ذكرنا سابقًا، والله أعلم بالصواب.
وأخيرًا هذا ما توصلت إليه من معاني الأحاديث بعد البحث والتنقيب مسترشدًا بآيات كتاب الله وبيان من لا ينطق عن الهوى سيدنا رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، وما انقدح في أذهان سلفنا الصالح، ولعل في هذا بيان لمن أشكل عليه فهم معنى الحديث، واللهَ أسأل أن يهدينا طريق الحق ويجنبنا الزلل.
وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ على سيِّدنا مُحمَّدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.
[1] قال الذهبي: (عقبة بن عامر الجهني صحابي كبير، أمير شريف، فصيح مقرئ فرضي شاعر، ولي غزو البحر، روى عنه علي بن رباح وأبو عشانة وخلق، مات بمصر 58 ع) الكاشف (2/ 29) (3839)، وقال: (...وَعَنْ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ الحُبُلِيِّ: أَنَّ عُقْبَةَ كَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتًا بِالقُرْآنِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اعْرِضْ عَلَيَّ أَقَرَأَ، فَبَكَى عُمَرُ...)؛ سير أعلام النبلاء، ط الرسالة (2/ 468)، وقال: (الإِمَامُ، المُقْرِئُ، أَبُو عَبْسٍ)؛ سير أعلام النبلاء، ط الرسالة (2/ 467)، وقال: (قَالَ أَبُو سَعِيد بن يونس: مُصْحَفه الآن موجود بخطه، رأيته عند علي بن الحسن بن قُدَيد، عَلَى غير التأليف الذي في مُصْحَف عُثْمَان، وَكَانَ في آخره: "وكتب عُقْبة بن عامر بيده". وَلَمْ أزل أسمع شيوخنا يقولوْن: إِنَّهُ مُصْحَف عُقبة، لَا يشكون فِيهِ. وَكَانَ عقبة كاتبًا قارئًا، لَهُ هجرة وسابقة)؛ تاريخ الإسلام، ت بشار (2/ 524). وقال المزي: (وكان عقبة بن عامر الجهني صاحب بغلته يقود به في الأسفار)؛ تهذيب الكمال في أسماء الرجال (1/ 206)، وهو من علمه المصطفى المعوِّذَتين، وحديثه معروف ومشهور.
[2] مسند الروياني: (1/ 188) (249).
[3] المعجم الكبير للطبراني: (17/ 297) (821)، وهو في مسند عقبة بن عامر، زين الدين أبو العدل قاسم بن قطلوبغا السودوني (نسبة إلىمعتق أبيه سودون الشيخوني) الجمالي الحنفي (المتوفى: 879هـ) (ص: 209)، باللفظ نفسه.
[4] فضائل القرآن: (1/ 136) (8) و(9).
[5] ينظر: مسند عقبة بن عامر، زين الدين أبو العدل قاسم بن قطلوبغا السودوني (نسبة إلى معتق أبيه سودون الشيخوني) الجمالي الحنفي (المتوفى: 879هـ) (ص: 209)، باللفظ نفسه.
[6] مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: (6/ 229) (10412).
[7] التيسير بشرح الجامع الصغير: (2/ 63).
[8] صحيح الجامع الصغير وزيادته: (1/ 681)، وهذا حكمه عليه في جميع كتبه.
[9] فيض القدير: (4/ 118).
[10] مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: (6/ 229) (10412).
[11] كنز العمال (11/ 142) (30956).
[12] التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 427).
[13] فضائل القرآن للمستغفري (1/ 135).
[14] التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 427).
[15] الضياء اللامع من صحيح الكتب الستة وصحيح الجامع (ص: 467، بترقيم الشاملة آليًّا).
[16] سنن الترمذي، ج5/ ص175. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
[17] المستدرك: ج1/ 742 (2041)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، والأحاديث المختارة ج8/ ص278، وقال: إسناد صحيح.
[18] المستدرك ج1/ص452، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
[19] أحمد ج6/ص170، قال شعيب: حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين.
[20] صحيح البخاري ج4/ ص1882.
[21] صحيح مسلم (1/ 145) (162).
[22] سنن الترمذي، ت شاكر: (5/ 506) (3455)، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ» وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، فَقَالَ: عَنْ عُمَرَ بْنِ حَرْمَلَةَ، وقَالَ بَعْضُهُمْ: عَمْرو بْن حَرْمَلَةَ، وَلَا يَصِحُّ، سنن أبي داود: (3/ 339) (3730)، سنن ابن ماجه: (2/ 1103) (3322).
[23] فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قَالَ: «الحَالُّ المُرْتَحِلُ». قَالَ: وَمَا الحَالُّ المُرْتَحِلُ؟ قَالَ: «الَّذِي يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ القُرْآنِإلى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ»؛ سنن الترمذي: (5/ 197) (2948).
[24] مقاييس اللغة (3/ 268).
[25] مغني اللبيب عن كتب الأعاريب (ص: 578).
[26] المعجم الوسيط (1/ 477).
[27] جامع بيان العلم وفضله (2/ 1199).
[28] مقاييس اللغة (3/ 268).
[29] أساس البلاغة(1/ 500).
[30] مسند أحمد، ط الرسالة (9/ 395) (5562).
[31] مصنف عبدالرزاق الصنعاني (10/ 157) (18677).
[32] ينظر: مقالنا بعنوان: "مراحل التعامل مع القرآن الكريم" وهو منشور في شبكة الألوكة وأوصلتها إلى عشرين مرحلة، وكلها خير.
[33] صحيح البخاري (3/ 171) (2652).
[34] صحيح البخاري (8/ 26) (6101).
[35] صحيح البخاري (3/ 198) (2735).
[36] صحيح مسلم (1/ 321) (428).
[37] صحيح مسلم (2/ 750) (1068) و(1069).
[38] صحيح البخاري (6/ 190) (5020)، وفي مسلم بلفظ: «وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ...». صحيح مسلم (1/ 549) (797).
[39] مسند أحمد، ط الرسالة (28/ 555) (17318).
[40] مسند أحمد، ط الرسالة (28/ 632) (17415). قال الشيخ شعيب: إسناداه حسنان. وقال الهيثمي: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ وَهُوَ لَيِّنٌ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (8/ 105)، وصححه الألباني بعد أن جمع طرقه، وأجاب الهيثمي بقوله: قلت: فخفي عليه أمران: الأول: أن ابن لهيعة صحيح الحديث في رواية العبادلة عنه، وهذا من رواية أحدهم، وهو أبو عبدالرحمنالمقرئ كما تقدم. والآخر: أن ابن لهيعة لم يتفرد به؛ بل تابعه الليث بن سعد وغيره... ينظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (6/ 647).
[41] المعجم الكبير للطبراني (17/ 296) (817).
[42] مسند الروياني (1/ 183) (240).
[43] جامع بيان العلم وفضله (2/ 1199).
[44] كنز العمال (10/ 215) (29137).
[45] النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 228).
[46] فضائل القرآن للفريابي (ص: 203) (109)، قـال الألباني: قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات، رجال الشيخين غير مشرح بن هاعان، قال ابن معين: "ثقة". وقال ابن عدي: "أرجو أنه لا بأس". وتناقض فيه ابن حبان فأورده في "الثقات"، ثم أورده في "الضعفاء"! فهو حسن الحديث. وميمون بن الأصبغ روى عنه جماعة منهم النسائي وأبو حاتم وذكره ابن حبان في"الثقات"، وقال الهيثمي (6 / 229): "رواه الطبراني ورجاله ثقات". وأخرجه الروياني في "مسنده" (10 / 59 / 1): أخبرنا أبو بكر أخبرنا سعيد بن أبي مريم به إلا أنه قال: "شعيب بن زرعة" بدل مشرح بن هاعان. فلعل بكر بن عمرو سمعه منهما كليهما، فكان يرويه تارة عن هذا، وتارة عن هذا. سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (4/ 507) (1886).
[47] المعجم الأوسط (1/ 251) (825).
[48] مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (6/ 232) (10427).
[49] الجرح والتعـديل لابن أبي حاتم (3/ 47) (206)، ميزان الاعتدال (1/ 530) (1979)، الكشف الحثيث (ص: 97) (236)، لسان الميزان، ت أبي غدة (3/ 147) (2461)، سير أعلام النبلاء: (14/ 113)، وموسوعة أقوال أبي الحسن الدارقطني في رجال الحديث وعلله (1/ 211) (993).
[50] البدع لابن وضاح (2/ 170) (255).
[51] أخلاق أهل القرآن (ص: 99) (33).
[52] الفردوس بمأثور الخطاب (5/ 452) (8715)، وحز الغلاصم في إفحام المخاصم عند جريان النظر في أحكام القدر؛ شيث بن إبراهيم بن محمد بن حيدرة، أبو الحسن القفطي، ضياء الدين المعروف بابن الحاج القناوي (المتوفى: 598هـ): (ص: 111).
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ رحيل على المشاركة المفيدة:
|
|
03-16-2024
|
#3
|
جزاك الله خير
بارك الله فيك
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
03-16-2024
|
#4
|
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
03-17-2024
|
#5
|
جزاك الله خيراً وكتب لك أجر هذه
الكلمات القيمه حفظك
دمت بحفظ المولى
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
03-17-2024
|
#6
|
سلمتِ على هكذا إنفراد وَ تميُز
دام حضورك وَ عطائِك اللا محدود
لروحك آكاليل الورد .
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 06:23 PM
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
| | | | |