لا يخفى على أحد ما تتعرض له اللغة العربية، لغة القرآن الكريم منذ القدم من هجمات و ادعاءات الغرضُ منها الانتقاص من هذه اللغة و اعتبارها لغة لاترتكز في أصلها على أسس صحيحة ، و من ثم فالكتاب الذي أُنزل بها ( أي القرآن الكريم ) هو كذلك - حسب زعمهم - ليس ذا قيمة لغوية . ومن بين هذه الافتراءات الكثيرة الادعاءُ بأن النحو العربي ما هو إلا صورة منقولة عن منطق أرسطو منذ نشأته الأولى . ولعلنا لو أمعنا النظر سنجد أن هذه التهمة واهية لا تقوم على أي مستند علمي و لا واقعة تاريخية ملموسة ، فليس هناك أي دليل تاريخي يؤكد التقاء الفكر الأرسطي بالفكر العربي في مرحلة تأسيس النحو العربي . و من ثم يبقى هذا الزعم افتراضا غير قائم على أدلة ، بل إن هناك أدلة تدحضه و تقوِّضه من أساسه ، منها : 1 - هناك كتابات كثيرة تثبت عكس هذا الافتراء ، مثل ما صرّح به أبو القاسم الزجاجي ( المتوفّى 337 ) في كتابه الإيضاح في علل النحو حين بيّن خصوصية المنهج النحوي العربي القديم و تميُّزه عن المنطق اليوناني قائلا : " غَرَضُهُم غَيرُ غَرضِنا ( أي اليونان ) ومَغزاهُم غيرُ مَغْزانا". إذ قسّم العرب الكلم إلى ثلاثة أقسام : اسم وفعل وحرف ، في حين اعتبرها اليونان ثمانية أنواع . و كما نجد في كتاب ( Histoire Générale des langues Sémitiques ) الذي اعترف فيه إرنِسْت رينان (Ernest Renan ) أن العرب منذ القديم لم يكونوا ليُنكروا أي تأثير أجنبي سواء كان يونانيا أو غيره إذا كان تأثيراً حادثاً فعلاً . 2 - من الناحية التاريخية يعرف الجميع أن منظِّر النحو العربي سيبويه توفي سنة 180 هـ ، بعد أنهى كتابة مؤلَّفه "الكتاب " الذي يعتبر مرحلة متطورة و ناضجة من مراحل التفكير النحوي العربي . بمعنى أن سيبويه كان مسبوقا إلى هذا العلم ( النحو ) بعلماء قبله كأبي الأسود الدؤلي ( القرن 1هــ ) وأبي عمرو بن العلاء (154هـ) ويونس بن حبيب (182هـ) وأستاذه الخليل بن أحمدالفراهيدي (175هـ) الذي يشير إليه دائما في كتابه بقوله : "قال شيخنا رحمه الله " و هذا إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ ــ بلغة الأرقام ــ على أن كتاب سيبويه أُلِّف ـــ من الناحية التاريخية ـــ ما بين تاريخ وفاة أستاذه الخليل ( 175هـ) وتاريخ وفاته هو نفسُه (180هـ) ، وفي مقابل هذا لو بحثنا عن الفترة التي ترجم فيها المنطق الأرسطي إلى العربية سنجد أن حنين بن إسحاق قام بهذه الترجمة سنة 264هـ !! وهذا يبين بما لا يدع مجالا للشك بأنه لا علاقة للنحو العربي بالمنطق الأرسطي ، لسبب تاريخي بسيط جدا وهو أن جميع النحاة الذين أصَّلوا للنحو العربي ووضعوا أسسه الأولى كانوا قد توفاهم الله بما يفوق الثمانين سنة ( 180 هـ) قبل نقل منطق أرسطو إلى العربية ( 264 هـ ) . فكيف ياترى تأثر النحاة العرب بمنطق أرسطو وهم لم يعاصروا ترجمته للعربية ؟؟