وظيفة الأنبياء

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:

فيقول الله جل وعلا: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3]، في هذه السورة العظيمة ذكر الله تعالى أسباب الربح وأسباب الخسران، فالرابحون هم أصحاب هذه الصفات الأربعة: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، فكانت بمثابة شروط النجاة من الخسران.



الشرط الأول: الإيمان، وهو اعتقاد القلب وتصديقه بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وكذلك من الإيمان قول اللسان؛ وهو النطق بالشهادتين؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وكذلك من الإيمان عمل القلب من الحبِّ والخوف والرجاء والتوكل، وغيرها من أعمال القلب، وأعمال الجوارح من الصلاة والصيام، والزكاة والحج، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبر الوالدين، وغيرها من أعمال الجوارح.



فالإيمان قول وعمل، يزيد وينقص.



الشرط الثاني: من شروط النجاة: هو العمل الصالح، وهو أداء الفرائض وترك المحارم، أداء الطاعات، وترك المحرمات.



الشرط الثالث: من شروط النجاة: هو التواصي بالحق، والمقصود بها الدعوة إلى الله عز وجل، فإذا وفق الله تعالى العبد إلى العلم النافع وإلى العمل الصالح، فإنه يجب عليه الدعوة إلى ذلك العلم، وإلى ذلك العمل، فبالعلم النافع والعمل الصالح يصلح الإنسان نفسه، وبالدعوة إلى الله عز وجل يصلح غيره، وهذا هو الكمال أن نصلح أنفسنا ونزكِّيَ أنفسنا بالإيمان والعمل الصالح، والاجتهاد في الطاعات، والبعد عن المحرمات، وكذلك نكون سببًا في إصلاح غيرنا بالدعوة إلى الله؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهوا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 41].



وقال عز وجل: ﴿ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ [الأعراف: 170].



الشرط الرابع: التواصي بالصبر يعني: الصبر على الأذى في سبيل التعلم والعمل والدعوة، فالمراتب أربعة، وباستكمالها يحصل للشخص غاية كماله، إحداها: معرفة الحق، الثانية: عمله به، الثالثة: تعليمه مَن لا يحسنه، الرابعة: صبره على تعلمه، والعمل به، وتعليمه، فذكر تعالى المراتب الأربعة في هذه السورة.



فضل الدعوة إلى الله:

الدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ [يوسف: 108]؛ والمعنى:" قل، يا محمد، هذه الدعوة التي أدعو إليها، والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان، والانتهاء إلى طاعته، وترك معصيته ﴿ سَبِيلِي ﴾، وطريقتي ودعوتي، ومن اتبعني وصدقني وآمن بي".



كل من أراد أن يتبع النبي صلى الله عليه وسلم، فعليه أن يسلك نفس الطريق؛ طريق الدعوة إلى الله.



• فالدعوة إلى الله عز وجل من أعظم الفروض التي افترضها الله تبارك وتعالى على هذه الأمة؛ قال عز وجل: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].



وقال أيضًا: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].



هذه الخيرية مستمَدَّة من حمل الأمة لهذه الرسالة، فالأمة الإسلامية أمة دعوة، أمة بلاغ؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ ﴾ [الجن: 22، 23]؛ يعني: لن ينجينا من عذاب الله إلا أن نبلغ دين الله.



الداعية هو أحسن الناس قولًا، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33].



هذه نعمة عظيمة؛ الاشتغال بوظيفة الأنبياء والرسل، هذا فضل من الله عز وجل؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((من دعا إلى هدًى، كان له من الأجر مثل أجور مَن تبِعَهُ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا))[1].



الشيخ ابن باز رحمه الله يقول: "الدعوة إلى الله الآن فرض عين على كل مسلم ومسلمة، كلٌّ بحسب قدرته واستطاعته؛ لأننا نعيش زمانًا انتشر فيه الباطل وأهله.



الأصل في الدعوة أنها فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الإثم عن باقي الأمة، لكن ما معنى فرض الكفاية؟



أنه تحصل الكفاية في هذا الأمر، ونغطي كل الأماكن التي تحتاج إلى دعوة، ونصل إلى حد الكفاية، فهل فعلًا وصلنا إلى حد الكفاية؟



ما زال الباطل منتشرًا، ما زال كثير من الناس يقعون في الشرك، ما زال كثير من الناس لا يصلون، كثير من النساء لا تلبس الحجاب، نجد انتشار الباطل وانتشار المحرمات، وانتشار البدع والشركيات والخرافات، وتضييع الصلاة، وعقوق الوالدين، ما زالت المنكرات موجودة؛ إذًا لم تحصل الكفاية.



متى تحصل الكفاية؟

إذا حلَّ المعروف محل المنكر، حصلت الكفاية.



إذًا على كل مسلم أن يدعو إلى الله عز وجل، كل بحسب قدرته؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((بلِّغوا عني ولو آيةً))[2].



آداب الدعوة إلى الله:

الدعوة إلى الله لا بد لها من آداب شرعية، لا بد أن يتحلى بها الداعية:

أولًا: الإخلاص، فيجب على الداعية أن يكون مخلصًا لله عز وجل، لا يريد رياء ولا سمعة، ولا ثناء، إنما يدعو إلى الله؛ لتكون كلمة الله هي العليا؛ كما قال سبحانه: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ﴾ [يوسف: 108].



الدعوة إلى الله دعوة إلى توحيده، إلى دينه، إلى شرعه، ليست الدعوة إلى الله أن يدعو الإنسان إلى نفسه أو إلى حزبه أو مذهبه، لا بد أن تكون الدعوة إلى الله؛ يعني: يريد بها التقرب إلى الله، يريد بها طلب ما عند الله، يريد بها الثواب، يريد بها الجنة، يريد بها أن ينتصر هذا الدين.



قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ﴾ [يوسف: 108]، فيه التنبيه على الإخلاص؛ لأن كثيرًا لو دعا إلى الحق، فهو يدعو إلى نفسه".



ثانيًا: أن تكون "على بصيرة": لا بد من علم، لا بد من بصيرة في الدعوة إلى الله عز وجل، البصيرة هي العلم، العلم بماذا؟ العلم بالشرع الذي سيدعو إليه والعلم بحال المدعوين، ما الذي يناسبهم في الدعوة إلى الله؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ((إنك ستأتي قومًا أهلَ كتاب...))[3].



بيَّن صلى الله عليه وسلم لمعاذ ما هو حال هؤلاء؛ حتى يستعد لدعوتهم.



المفروض أن الداعية يكون لديه دراية بحال المدعوين، ما الذي يناسبهم في الدعوة إلى الله، ما هي الأمور التي يحتاجونها في البداية، ما هي طريقة الخطاب التي تناسبهم، فالعلم يكون بالشرع، وبحال المدعوين، وبطريقة الدعوة أيضًا، وهذا ما يسمى بفقه الدعوة.



قال ابن القيم رحمه الله في رسالته إلى أحد إخوانه: "لا يكون من أتباع الرسول على الحقيقة إلا من دعا إلى الله على بصيرة".



قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتاب (القول المفيد على كتاب التوحيد): "قوله تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴾ [يوسف: 108]، فيه أن البصيرة من الفرائض، ووجه ذلك أنه لا بد للداعية من العلم بما يدعو إليه، والدعوة فريضة؛ فيكون العلم بذلك فريضةً.



ثالثا: من الأخلاق التي ينبغي أن يكون عليها الداعية، أن يكون حليمًا في دعوته، رفيقًا فيها، متحملًا صبورًا، كما فعل الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ قال جل وعلا: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125]، وقال سبحانه: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَو كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]، وقال تعالى مخاطبًا موسى وهارون: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَويَخْشَى ﴾ [طه: 44].



وقال صلى الله عليه وسلم: ((يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه))[4].



• فمن الأخطاء في باب الدعوة أن الداعية ينظر إلى من يدعوهم نظرة المستعلي، وكأنه يقول لهم: "أنا العالم وأنتم الجاهلون، أنا الطائع وأنتم العاصون المذنبون"، فلنحذر من هذا، النفوس تنفر ممن يتكبر عليها، يجب أن يستشعر الناس شفقة الداعية بهم وخوفه عليهم، فهذا أدعى لأن يقبلوا دعوته ويستجيبوا له.



وليذكِّر الداعية نفسه بقول الله عز وجل: ﴿ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ﴾ [النساء: 94].



رابعًا: الدعوة تحتاج إلى قيام، إلى بذل واجتهاد؛ قال تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ﴾ [المدثر: 1، 2]، لا بد للدعوة من قيام، لابد من همة، اجعل همَّك همًّا واحدًا، أن ينتصر هذا الدين، أن تعود سيادته، وابذل في سبيل ذلك كلَّ غالٍ ونفيس، ابذل نفسك ووقتك، ومالك وراحتك، وداوم على البذل والتضحية لدين الله عز وجل، فهذا ما ينفعك عند الله، احمل همَّ الدعوة في قلبك أينما كنت؛ في البيت، في العمل، مع الأهل، مع الجيران، مع الأصدقاء، حيثما كنتَ، وفي أي مكان.



خاطب نفسك دائمًا:

كيف أذهب إلى مكان ولا أدعو إلى الله فيه؟

كيف يمر عليَّ يوم ولا أدعو إلى الله؟

كيف لداعية أن ينسى دعوته؟

وهل ينسى المريض مرضه، وهل ينسى الجائع جوعته؟

ضع نفسك في غرفة المحاسبة، قل لها: يا نفسي تأملي؛ أهل الباطل يبذلون في سبيل باطلهم، يضحون بكل شيء في سبيل هذا الباطل، الذين يريدون نشر الشهوات في المجتمع، والشبهات في العقيدة، والطعن في السنة، والطعن في الأئمة - عندهم جَلَدٌ وصبر في سبيل تحقيق ما يريدون من الفساد والإفساد، فماذا بذلت أنا في سبيل الحق؟ وماذا قدمت لهذا الدين؟



ما هو الأثر الذي سأتركه خلفي؟

ما هي القُربى التي أتقرب إلى الله عز وجل بها وأرجو ثوابها بعد موتي؟

كم مضى من عمري؟ وماذا قدمت لدين الله؟



فهيا يا نفسي تخطَّي الآن كل الحواجز التي تحول بينكِ وبين دعوتكِ، وانسفي كل المبررات والاعتذارات، انسفي حاجز الخجل، أهل الباطل يدافعون عن باطلهم، وأهل الحق يخجلون؟ فيا للعجب! صاحب حق يتوارى خجلًا من الحق الذي يدعو إليه، وصاحب باطل مفتخر بهذا الخبث الذي يُلقيه على الناس.



يستطيع الإنسان أن يكسر حاجز الخجل بأن يدرب نفسه على حفظ حديث أو تفسير آية، وأن يحدث به أولاده أو أصدقاءه في العمل أو بعض أقاربه، وأن يتوكل على الله عز وجل، ولا يتعلل بضيق الوقت وكثرة الانشغالات.



لا بد أن نعمل لدين الله عز وجل في السراء وفي الضراء، في الشدة وفي الرخاء، انظر إلى هذا الرجل المؤمن؛ مؤمن آل ياسين؛ قال تعالى: ﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ﴾: جاء من آخر المدينة.



﴿ يَسْعَى ﴾: عنده همة في الدعوة إلى الله عز وجل.



﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [يس: 20، 21]؛ اتبعوا مَن لا يسألكم على نصيحتهم لكم أجرًا، لا يريدون مالًا، لا يطلبون أجرًا على دعوتهم، ما الذي يدفعهم لتحمل كل هذه المشقة؟ يحاولون نصحكم وهدايتكم، ثم يقدم لهم الحجة: ﴿ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [يس: 22]، هذا هو الإله المستحق للعبادة وحده دون سواه.



﴿ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ﴾: كيف أتخذ آلهة أخرى؟



﴿ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ ﴾ [يس: 23]، هذه الآلهة التي تعبدونها من دونه لا يملكون من الأمر شيئًا؛ فإنَّ الله لو أرادني بسوء، فهذه الأصنام لا تملك دفعَ ذلك ولا منعه، ولا ينقذونني مما أنا فيه.



يدعوهم ويقدم لهم دليلًا على صدق ما يقول؛ هذه الآلهة لا تملك ولا تدفع الضر، ولا تجلب الخير، إنما هو الله الذي يستحق أن يُعبَد تبارك وتعالى، فماذا كان منهم؟ اجتمعوا عليه، وضربوه، ورجموه بالحجارة، فلما مات، ماذا قيل له؟



﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ﴾ [يس: 26]، فلما دخلها وعاين ما أكرمه الله به لإيمانه وصبره فيه، ﴿ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾ [يس: 26، 27]؛ يا ليتهم يعلمون أن السبب الذي من أجله غفر لي ربي ذنوبي، وجعلني من الذين أكرمهم الله بإدخاله إياه جنته، كان إيماني بالله وصبري فيه، حتى قُتلت، فيؤمنوا بالله ويستوجبوا الجنة، لو أنهم اطَّلعوا على ما رأيت وعرفوا هذا الثواب العظيم والنعيم المقيم، لكانوا آمنوا، فأحبَّ هدايتهم مع أنهم قتلوه، هذه نفسية الداعية، عنده رحمة وشفقة، ليست نفسية انتقامية، وليست نفسية فيها تشفٍّ، نفسية الداعية يكون عنده رحمة وشفقة على الناس، يخاف عليهم، يريد لهم الهداية؛ فنصح لهم حيًّا وميتًا.



هذه هي الدعوة إلى الله التي يكون بها التمكين، المشركون لما ذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا له: "لو أردت مُلكًا ملكَّناك، ولو أردت مالًا، لو أردت كذا وكذا وكذا من أمور الدنيا"، ماذا قال؟ هل قال لهم آخذ الملك وأفرض على الناس الإسلام؟ الجواب: لا، لم يقل ذلك؛ لأن هذا ليس هو سبيل الإصلاح، لن يحصل التمكين عن طريق الكراسي، أو أن يذهب رئيس ويأتي رئيس غيره، ليس عن طريق الثورات أو الاحتجاجات أو الفوضى الخلَّاقة، كما هي مخططات الغرب.



التمكين يأتي أولًا في قلوب الناس، التمكين يكون من أسفل إلى أعلى، من قاعدة الهرم وليس من القمة.



لن يكون ذلك إلا عن طريق الدعوة إلى الله؛ ولذلك كان ردُّ النبي صلى الله عليه وسلم: ((والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر، حتى يُظهِرَه الله، أو أهلِك فيه ما تركته))[5].



أمر الدعوة، هذا طريق الأنبياء، التمكين لن يأتي إلا بالدعوة إلى الله عز وجل.



التغيير المنشود لن يحصل بالتغيير السياسي، ولا بالتغيير الاقتصادي، ولا بالتغيير التنموي، ولا بالتغيير الثقافي، ولا بأي نوع من أنواع التغيير، وإنما يحصل بالدعوة إلى الله عز وجل.



ولكن الدعوة إلى الله تحتاج إلى فقهٍ، تحتاج إلى علم؛ لأن الدعوة لا بد أن تكون على بصيرة؛ قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: "من دعا بغير علم، كان ما يفسده أكثر مما يصلحه".



والعلم المقصود في الدعوة هو العلم بثلاثة:

1- العلم بالشرع الذي تدعو إليه، العلم بأحكام الدين، بالحلال وبالحرام.

2- العلم بحال هؤلاء المدعوين، ما الذي يناسبهم في الدعوة إلى الله.

3- العلم بكيفية الدعوة، طريقة الدعوة ضوابطها، كيف تكون.



هذا يسمى فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقه الدعوة إلى الله، ومتى يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومتى يُستحب ومتى يحرم؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "يُشترط في الآمر بالمعروف أن يكون له علم يعلم به أن ما يأمر به معروف، وأن ما ينهى عنه منكر؛ لأنه إذا كان جاهلًا بذلك، فقد يأمر بمنكر، وينهى عن معروف"[6].



ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

• روى مسلم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))[7].



التغيير يشمل ثلاث مراتب:

1) الإنكار بالقلب: بكراهة ذلك المنكر واعتقاد أنه محرم ومنكر.

2) الإنكار باللسان: لمن لا يستطيع الإنكار باليد.

3) الإنكار باليد: لمن له ولاية.



إذًا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر درجات، وكل بحسبه.



متى يجب الإنكار؟

1- الإنكار بالقلب: يجب على كل مسلم فى جميع الأحوال إذا ما سمع بالمنكر أو رآه.



2- الإنكار باليد: يكون لمن له ولاية، مثل: الحاكم في دولته، أو من جعلت لهم الدولة السلطة في هذا الشيء، وكذلك من له ولاية كالأب في بيته، فالإنسان مع أهل بيته ومع أولاده يستطيع هذا باليد؛ لأن له سلطان وولاية.



ودليله من السنة: عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، وحول البيت ستون وثلاثمائة نُصُبٍ، فجعل يطعنها بعود في يده، ويقول: جاء الحق وزهق الباطل، جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد))[8].



3- الإنكار باللسان: فهو لمن ليس له سلطة، وليس عنده قدرة على التغيير باليد، ويكون: بالتعريف بأن هذا منكر ومحرم إذا كان الفاعل جاهلًا بالحكم، أو بالنصح وبالوعظ وبالتخويف من الله سبحانه وتعالى إذا كان الفاعل يعلم أنه منكر ومحرم.



متى يحرُم الإنكار؟

1- إذا لم يكن من وراء هذا الإنكار إلا إلحاق الأذى الجسيم بنفسه؛ كقتله أو هتك عرضه، دون أن يكون لإنكاره أي مصلحة أو أثر في زوال المنكر أو تقليله.



2- إذا ترتب على هذا الإنكار إلحاق الأذى بغيره من المسلمين، من أهله أو أقاربه، أو أصحابه، أو عموم المسلمين، حتى لو قدرنا زوال المنكر لأنه يفضي إلى منكر آخر؛ وهو إلحاق الأذى بالآخرين، وهذا لا يجوز؛ لأن المسلم يجوز له أن يتسامح في حق نفسه، ولكن لا يجوز له أن يتسامح في حق غيره من المسلمين.



3- إذا ترتب على هذا الإنكار وقوع منكر آخر أعظم من الأول؛ ودليله حديث عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ((يا عائشة، لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية، لأمرت بالبيت فهُدم، فأدخلت فيه ما أُخرج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين: بابًا شرقيًّا، وبابًا غربيًّا، فبلغتُ به أساس إبراهيم))[9].



وهذا يدل على اعتبار المصالح والمفاسد في قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن الشريعة الإسلامية مبنية على تحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها؛ لذا من القواعد المهمة في فقه الدعوة اعتبار المصالح، فيُشترط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ألَّا يؤديَ إلى مفسدة أعظم من المنكر أو مثله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم حصول منكر أعظم منه، فإنه يسقط وجوب الإنكار، بل لا يسوغ الإنكار في هذه الحالة.



قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "فإذا كان إنكاره لهذا المنكر يُخشى منه منكر أكبر، فليجتنب ذلك، حتى لا يقع الأكبر، إذا أنكر عليه - مثلًا - شرب الدخان أو ما أشبه ذلك، شرِب الخمر مغايظة له، أو إذا أنكر أن يسب المسلم، سبَّ الله، ما كفاه سبُّ المسلم، سبَّ الله، فهذا يُترك حتى يُعالج بطريقة أخرى، المقصود أنه يتحرى في إنكار المنكر أن يترتب عليه زوال المنكر، وعدم حصول ما هو أنكر منه"؛ ا.هـ.



أدلة اعتبار المصالح والمفاسد في الشريعة:

الأدلة من القرآن؛ ومنها:

1- قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [الأنعام: 108]:

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: "يقول تعالى ناهيًا لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن سب آلهة المشركين، وإن كان فيه مصلحة، إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها، وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين، وهو الله لا إله إلا هو".



2- قوله تعالى: ﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴾ [الكهف: 79]:

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: "ففي هذا من الفقه العمل بالمصالح إذا تحقق وجهها، وجواز إصلاح كل المال بإفساد بعضه".



قال ابن حجر رحمه الله: "أما من استدل به على جواز دفع أغلظ الضررين بأخفهما، والإغضاء على بعض المنكرات مخافة أن يتولد منه ما هو أشد، وإفساد بعض المال لإصلاح معظمه - فصحيحٌ"[10].



الأدلة من السنة؛ ومنها:

1- حديث عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ((يا عائشة، لولا أن قومك حديث عهدٍ بجاهلية لأمرت بالبيت فهُدم، فأدخلت فيه ما أُخرج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين: بابًا شرقيًّا وبابًا غربيًّا، فبلغت به أساس إبراهيم))[11].



قال ابن حجر رحمه الله: "ويُستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة، ومنه ترك إنكار المنكر خشية الوقوع في أنكر منه"[12].



2- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل رأس المنافقين؛ عبدالله بن أُبيٍّ؛ حتى ((لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه))[13].



3- قصة صلح الحديبية:

قال ابن القيم رحمه الله في كتابه (زاد المعاد)، فصل في بعض ما في قصة الحديبية من الفوائد الفقهية؛ ومنها: "أن مصالحة المشركين ببعض ما فيه ضيم على المسلمين جائزة للمصلحة الراجحة، ودفع ما هو شر منه، ففيه دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما"[14].



"قال ابن حجر رحمه الله: قال ابن إسحاق: قال الزهري في حديثه: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلًا، حتى إذا كان بين مكة والمدينة، ونزلت سورة الفتح، فذكر الحديث في تفسيرها إلى أن قال: قال الزهري: فما فُتح في الإسلام فتحٌ قبله كان أعظم من فتح الحديبية، إنما كان القتال حيث التقى الناس، ولما كانت الهدنة ووضعت الحرب، وأمِن الناس كلَّم بعضهم بعضًا، والتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يُكلَّم أحد بالإسلام يعقل شيئًا في تلك المدة إلا دخل فيه، ولقد دخل في تينك السنتين مثل مَن كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر؛ يعني: من صناديد قريش!"، وهذه مسألة غاية في الأهمية، فإن استقرار المجتمعات، والهدوء في الحوارات من أعظم ما يكون سببًا في هداية الخلق، بخلاف اضطراب الأحوال، وانتشار القتل والفساد؛ ألم تسمع إلى قول الله عز وجل في قصة ذي القرنين: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ﴾ [الكهف: 93، 94]، فانتشار الفساد والقتل والاضطراب غالبًا في مجتمع من المجتمعات لا يجعل الناس يفقهون قولًا؛ ولذلك أمكن للمسلم أن يدعو إلى الله عز وجل في جوٍّ سلمي، فإنهم يرغبون في ذلك؛ لأن ذلك أدعى إلى قبول الإسلام[15].



وقد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بعدم الإنكار على جنود التتار في شربهم الخمر؛ لِما يترتب على هذا الإنكار من مفسدة أعظم من مفسدة شرب الخمر.



قال ابن القيم: "وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه يقول: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه، وقلت له: إنما حرم الله الخمر؛ لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية، وأخذ الأموال؛ فَدَعْهُم"[16].



قال ابن القيم رحمه الله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر؛ ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه، وأبغض إلى الله ورسوله، فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم؛ فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر، ((وقد استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلهم؟ فقال: لا، ما أقاموا الصلاة))، وقال: ((من رأى من أميره ما يكرهه، فليصبر، ولا ينزعن يدًا من طاعته))، ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على منكر؛ فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات، ولا يستطيع تغييرها، بل لما فتح الله مكة، وصارت دارَ إسلامٍ، عزم على تغيير البيت، وردِّه على قواعد إبراهيم، ومنعه من ذلك - مع قدرته عليه - خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك؛ لقرب عهدهم بالإسلام، وكونهم حديثي عهدٍ بكفر؛ ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد؛ لِما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه كما وجد سواء"[17].



ومن خلال ما تقدم من أدلة الكتاب والسنة وأقوال العلماء يتبين لنا أن الشريعة الإسلامية جاءت باعتبار المصالح ودرء المفاسد، فلا يجوز تغيير المنكر بمنكر أعظمَ منه.



ولا يخفى أن هذا الباب مزلة أقدام، والمعصوم من عصمه الله عز وجل، ولا مخرج من هذه الفتن إلا بالتمسك بالكتاب والسنة، ومنهج السلف وفهم السلف، وبلزوم جماعة المسلمين وإمامهم، والأخذ بما يقرره أهل العلم الربانيون الموثوق بهم.



متى يُستحب الإنكار؟

1- إذا علم أن إنكاره يفيد في إزالة المنكر، ولكن يلحقه أذًى يستطيع تحمله.

2- إذا علم أن إنكاره لا يفيد في إزالة المنكر ولا يلحقه أذى.



3- إذا علم أن إنكاره لا يفيد في إزالة المنكر، ولكن يفيد من ناحية أخرى كأن:

• تظهر بهذا الإنكار شعائر الإسلام.

• أو تقوى به قلوب المؤمنين، وتنكسر أو تضعف شوكة الفاسقين.

• أو يمهد لإزالة المنكر أو تقليله.



تنبيه:

يُشترط في المنكر الذي يتم إنكاره ألَّا يكون فيه خلاف معتبر بين العلماء، فلا إنكار في الأمور الاجتهادية أو المسائل التي فيها خلاف سائغ بين العلماء.



والخلاف السائغ: هو اختلاف المجتهدين في المسائل التي ليس فيها دليل قطعي، وهي ما يسميها العلماء بالمسائل الاجتهادية.



وهو ما لا يخالف نصًّا من كتاب أو سنة أو إجماعًا قديمًا أو قياسًا جَلِيًّا.



مثل: الاختلاف في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج، والخلاف في نبوة الخضر، وفي رفع اليدين في الصلاة، ووقوع طلاق الثلاث واحدة، والتصوير الفوتوغرافي، وغيرها من المسائل.



قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم يُنكَر عليه ولم يُهجَر، ومن عمل بأحد القولين لم يُنكر عليه"[18].



وقال ابن القيم رحمه الله: "وهذا النوع من الاختلاف لا يوجب معاداةً ولا افتراقًا في الكلمة، ولا تبديدًا للشمل؛ فإن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في مسائل كثيرة من مسائل الفروع؛ كالجَدِّ مع الإخوة، وعتق أم الولد بموت سيدها"[19].



ودليل ذلك حديث عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد، ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد، ثم أخطأ، فله أجر))[20].



س: من أين يُعرَف المعروف أو المنكر؟

جـ: يعرف عن طريق الشرع، ولا عبرة بالعُرف إذا خالف الشرع.



المعروف: هو كل ما عُرف من طاعة الله والإحسان إلى الناس.



وهو كل ما أمر به الشرع؛ من أمور التوحيد والعقيدة، والعبادات، والمعاملات، والأخلاق وغيرها.



المنكر: ضد المعروف، وهو كل ما حرَّمه الشرع وقبَّحه.



نسأل الله عز وجل أن يفتح لنا أبواب الدعوة في كل مكان.



((اللهم اهدنا واهدِ بنا، واجعلنا هداةً مهتدين)).

﴿ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8].



((اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر)).



((اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا، ومتعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا)).



وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

جزاك الله خير

كل الشكر وكل التقدير
على روعة ما قدمت لنـا
من موضوع اكثر من رائع
ربنا يبارك فيك ويسعدك
ياااااااااااااارب
لكم خالص تحياتى وتقديرى
الدكتور علــى

انتقاءك جميــل
يعطيك العافيه يارب , ع الموضوع ! دمت ودام ابداعك
ودي

يعطيك العافيه على الطرح القيم
جعله الله في موازين حسناتك

سلمت يدآك طرح جميل
ننتظر جديدك بشوق
يعطيك العآفيه