منتدى رواية عشق

منتدى رواية عشق (https://r-eshq.com/vb/index.php)
-   ۩ إسلامِي هُو سر حَياتي ۩ (https://r-eshq.com/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   سوء عاقبة المكذبين (https://r-eshq.com/vb/showthread.php?t=127007)

رحيل 07-26-2021 07:01 PM

سوء عاقبة المكذبين
 
سوء عاقبة المكذبين
د. أمين الدميري





قال تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [الأنفال: 50، 51].
إن عاقبة الكفر وَخِيمةٌ على أهله، فقد سبق الحديث عن الكفَّار الذين خرجوا بطرًا ورئاء الناس ليصُدُّوا عن سبيل الله، وعن تحالف الشيطان معهم وإغرائهم وإغوائهم، ثم كان الحديث عن المنافقين والذين في قلوبهم مرض، وما قالوه عن المؤمنين!
فهل يُترَكُ هؤلاء وأمثالهم بدون عقاب؟
وهل المراد كفار مكة، أم أن المراد كفار مكة وأمثالهم إلى يوم القيامة؟
وهل هو أمرٌ قد حدث ولم يتكرَّر، أم أنه متكرر الحدوث؟

إنه وإن كان السياق والمناسبة تُشِير إلى كفار قريش، فليس هناك ما يمنع أن تكون سوء العاقبة لهم ولأمثالهم إلى يوم القيامة؛ قال ابن كثير:
(وهذا السياق وإن كان سببه وقعة بدرٍ، ولكنه عامٌّ في حق كل كافر؛ ولهذا لم يُخصِّصه تعالى بأهل بدر، بل قال تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾ [الأنفال: 50]، وفي سورة محمد: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾ [محمد: 27])[1].

لقد نال هؤلاء الكفَّارُ - أَيْ كفَّار قريش - الهزيمةَ في بدر، ونال رؤساؤهم - وعلى رأسهم أبو جهل - عقوبةَ الدنيا، ثم نالوا عقوبة أخرى عند قبض أرواحهم بواسطة ملائكة العذاب، وهم ملَك الموت ومَن معه، يقول الإمام الألوسي:
(والتعبير بـ"ذُوقوا"، قيل: للتهكم؛ لأن الذوق يكون في المطعومات المستلذَّة غالبًا، وفيه نكتةٌ أخرى، وهو أنه قليل من كثير، وأنه مقدمة كأنموذجِ الذائق، وبهذا الاعتبار يكون فيه المبالغة، وإن أشعر الذوق بقلَّته، وقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ ﴾ [الأنفال: 50]، المضارع هنا بمعنى الماضي ﴿ وَلَوْ تَرَى ﴾؛ لأن "لو" الامتناعية تردُّ المضارع ماضيًا، كما أن "إِنْ" تردُّ الماضي مضارعًا، أي ولو رأيتَ ﴿ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا المَلائِكَةُ ﴾، لرأيت أمرًا فظيعًا[2].

ولا شك أن هذا مِن أمور الغيب، لكن الله تعالى أخبر بها، فهي حقيقة واقعة، ولكننا لا نراها، وهي مِن ألوان العذاب والعقوبات التي ستلحق بالكفار إلى يوم القيامة، لكن هل تَلقِّي الملائكة لأرواح المؤمنين كتلقيها لأرواح الكافرين؟ بالطبع لا، قال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [الجاثية: 21]، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 40 - 41].

أما المؤمنون، فيقول تعالى في حقهم: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 42، 43].
لماذا عاقبة السوء للكافرين، ولماذا ضرب الوجوه والأدبار؟
ولماذا المبالغة في العقوبة والإهانة؟
إن ضرب الوجهِ - وهو أكرم ما في الإنسان - إشارةٌ إلى أن هؤلاء لا يستحقُّون التكريم، بل يستحقون الإهانة، وإن ضربَ الأدبار يشير إلى الضرب على الأقفية والظهور والمقاعد، وتلك غاية الإهانة والإذلال والسخرية؛ ذلك لأنهم هُمُ الذين جلَبوا هذا العذاب وقدَّموه لأنفسهم؛ ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [الأنفال: 51]، لقد قدَّموا لأنفسهم الكثير والكثير، منذ أن قالوا له صلى الله عليه وسلم: (تبًّا لك سائر اليوم)، وساعة أن قالوا: ﴿ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾ [ص: 5]، عذَّبوا بلالًا وعمارًا، وقتلوا سُميَّة، رضي الله عنهم، وأخرَجوا مَن أسلم منهم مِن ديارهم، فهاجروا إلى الحبشة مظلومين مضطهدين، وتآمَروا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرَجوه من أحب البلاد إليه، أخذوا أموال المسلمين واستولَوا على ديارهم وبيوتهم، ثم تعقَّبوهم وهاجموهم في موطنهم الجديد، لقد ظلموا أنفسهم وأوردُوها شرَّ مَوردٍ، وردُّوها أسوأ مَرَدٍّ، ما ظلمهم الله، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [الأنفال: 51]، يقول الألوسي:
(وحاصل الكلام أن عذابكم هذا إنما نشأ مِن ذنوبكم لا من شيء آخر، والأمر أن الله تعالى ليس بمعذِّبٍ لعبيده من غير ذنب مِن قِبَلهم) [3].

ومن هنا نقول: إن قتال هؤلاء الكفار وتقليم أظافرهم لم يكن ظلمًا ولا عدوانًا؛ إنما هو قتال عدل لدفع الظلم ووقف الاعتداء، وكيلا تكونَ فتنةٌ، وتأديبهم كي يتركوا ما جُبِلوا عليه واتَّصَفوا به من الكِبْر والعُجْب والخُيلاء، فلا يغتروا بقوتهم، ولا يسيروا وراء شهواتهم وخواطرهم التي زيَّنها لهم الشيطان، فإن الشيطان قد تخلَّى عنهم، وتبرأ منهم، فوجدوا أنفسهم أمام ألوان من العذاب، وسوء المصير، ما لا مفرَّ لهم منه، إن هذا المصير وسوء عاقبة هؤلاء الكفار الظالمين - قد نال نظراء لهم في الكفر والظلم وفي الكِبْر والاستعلاء في الأرض بغير الحق، إنهم آل فرعون والذين مِن قبلهم، فكم مِن مكذِّبين للرسل، كافرين بدعوة التوحيد، صادِّين عن سبيل الله، أهلكهم الله وأخذهم أخذَ عزيز مقتدر!

فتلك سُنة الله تعالى في خلقه؛ هلاك الكافرين ونجاة المؤمنين ونصرُهم، على أنه مما تجدر الإشارة إليه، والتنبيه عليه، أن الحديث عن مصير المشركين وما حل بهم، وما واجهوه من هزيمة وقتل، سواء بأيدي المؤمنين أو بضرب الملائكة، ثم بيان حالهم عند وفاتهم، وما فعلته بهم الملائكة من ضرب الوجوه والأدبار - هو بمثابة البداية لما سيُواجِهُونه من أهوال وفظائعَ في انتظارهم، وتبشيرهم بعذاب الحريق، كل هذا يمثل نهاية أحداث "بدر"، فقد بدأت بالحديث عن الخروج مع كراهة البعض، ثم المشورة واتفاق الآراء، واتخاذ المواقع، ثم الاستغاثة وبشرى النصر، ونزول الملائكة، والأسباب التي أدَّتْ إلى إتمام هذا اللقاء، وما صاحب ذلك من مبررات القتال، وأسباب النصر الذي تحقَّق للفئة المؤمنة إيمانًا حقًّا كاملًا، ثم هزيمة المشركين وقتل صناديدهم، وتلك نهاية كل ظالم كافر، ومصير كل متكبِّر أَشِر، وجزاء كل مَن صد عن سبيل الله وفتن المسلمين لأنهم فارقوا دين الآباء، فكان قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ [الأنفال: 50]، هو بيان لنهاية الحدث وسوء المصير، وتحقق لوعد الله ووعيده، لكن هل هذه النهاية خاصة بكفار قريش فقط؟ وهل ما حدث يسير حسب سنة ثابتة؟ هذا ما سنراه في المطلب التالي، وهو دأب آل فرعون.



[1] تفسير ابن كثير ج2، ص319.


[2] روح المعاني، ج6، ص23.


[3] روح المعاني، ج6، ص24.

محمد المقاول 07-26-2021 08:37 PM

جزاك الله خيرا
على مجهودك الكبير
احترامي مع التقدير

ملكة المنتدى 07-26-2021 08:50 PM

جزاك الله خير

شيخة الزين 07-27-2021 05:27 AM

يعطيك العافيه على الطرح القيم
جعله الله في موازين حسناتك

عبد الحليم 07-27-2021 09:47 AM

سلمت يداك على الطرح الراقي
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك
لك اعجابي وتقديري

بنت الشام 07-27-2021 11:58 AM

يع ــطيك الع ــآفية
ولآ ع ــدمنآ تميز انآملك الذهبية
دمت ودآم بح ــر عطآئك بمآ يطرح متميزآ
بنتظآر القآدم بشووق
مآآآآآنـــــنـــحرم من جديد آلمتميز
لروح ــك بآقآت من الجوري


الساعة الآن 09:53 PM

Powered by vBulletin Hosting By R-ESHQ
new notificatio by R-ESHQ
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة الموقع