![]() |
تفسير قوله تعالى: (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً ما كانوا لي
تفسير قوله تعالى: (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) . وها نحن مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، تلكم السورة التي زفت بسبعين ألف ملك لهم زجل وتسبيح، والسورة تقرر عقيدة التوحيد بأن لا إله إلا الله، ونبوة ورسالة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وأنه حقاً رسول الله، وتقرر مبدأ المعاد والحياة الثانية للجزاء على الكسب في هذه الدنيا إما بالنعيم المقيم أو بالعذاب الأليم. السورة تدور على هذه العقائد الثلاث، وها نحن مع ثلاث آيات، فليتفضل أبو بكر القارئ يقرؤها ثم نشرحها بإذن الله. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ )[الأنعام:111-113]. معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )[الأنعام:111]، هذا خبر الصدق، يخبر تعالى فيقول لرسوله والمؤمنين: ( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا )[الأنعام:111] إلى أولئك المعاندين إلى أولئك المشركين إلى أولئك المكذبين الكافرين الذين يطالبون بالآيات ويريدون أن يشاهدوها فيؤمنوا. إيغال المشركين في التكذيب والجحود يقول تعالى وهو العليم بهم المطلع على سرائرهم، بل هو غارز غرائزهم، يقول: ( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ )[الأنعام:111] وشاهدوا ذلك العالم النوراني بأعينهم، وكلمهم الموتى من مات قبلهم ومن مات قبل أجدادهم ومن ماتوا من عهد آدم وقالوا: محمد رسول الله، وحشرنا عليهم كل شيء أمامهم ليشاهدوه ( مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )[الأنعام:111]. ما السر في هذا؟ السر أنهم لكثرة توغلهم في الكفر والتكذيب والشرك والفساد والباطل أصبحت هذه غرائز لهم ما يبطلها أبداً مشاهدة الملائكة، إذ لو شاهدوا الملائكة لقالوا: نحن مسحورون، فكيف تشاهد الملائكة؟ ما رأيناه ليس بحقيقة أبداً بل مجرد خيالات فقط، لو جمع لهم ما شاء الله أن يجمع من هذا الكون ووقف بين أيديهم ما كانوا ليؤمنوا؛ لأنهم عرفوا الحق وأصروا على إنكاره وعدم الاعتراف به، والذي أخبر بهذا -كما علمتم- هو خالقهم وخالق غرائزهم وطباعهم. (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ )[الأنعام:111] من الملائكة؟ عالم الطهر والصفاء عالم النور، عالم يعمر الملكوت الأعلى، وهم معنا في حلقتنا هذه يحفون بنا، ( وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى )[الأنعام:111]، وكلمهم الموتى عدنان ومضر وإسماعيل: أنا فلان فآمنوا بأن محمداً رسول الله ما آمنوا، ( وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ )[الأنعام:111] أمامهم يشاهدونه ( مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )[الأنعام:111]، فإذا شاء الله إيمانهم آمنوا، أما إذا لم يشأ الله أن يؤمنوا فلن يؤمنوا؛ لأنه كتب ذلك في كتاب المقادير في اللوح المحفوظ أن هؤلاء من أصحاب النار، أن هؤلاء يعرض عليهم الإيمان في أوضح صورة وبأعظم دليل وحجة فلا يؤمنون، فكتب ذلك عليهم، فلذلك هم لا يؤمنون. فيا من تريدون أن تشاهدوا الآيات حتى يؤمن هؤلاء المشركون! اعلموا أنهم لا يؤمنون، وفي آية سورة الحجر: ( وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ )[الحجر:14-15]، وفي هذه السورة في بدايتها ( وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ )[الأنعام:7]. دلالة الآية الكريمة على طلب الهداية من الله تعالى ومعنى هذا -معاشر المؤمنين والمؤمنات- أن نقرع باب الله عز وجل ونسأله، هو الذي بيده قلوب الخليقة فمن شاء أن يؤمن آمن ومن شاء أن يكفر كفر، فما علينا إلا الفزع في صدق إلى ربنا نسأله هدايتنا وهداية غيرنا، أما الآيات المعجزات والسيف والحرب فكل هذا ما يجدي. القلوب بيد الله يقلبها كيف شاء، فعلينا أن نقدم لهم الهداية فإن قبلوها لأن الله كتب سعادتهم ليكملوا ويسعدوا فهنيئاً لهم وهنيئاً لنا في نجاحنا في تقديم هذه الهداية، فإن هم رفضوا وأصروا على شركهم والكفر فلا نحزن ولا نكرب أبداً، ولنفوض الأمر إلى الله إذ بيده القلوب، وكان عليه الصلاة والسلام في سجوده يقول: ( اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب اصرف قلبي على دينك ) . تربية المؤمنين الراغبين في إنزال الآية ببيان علم الله تعالى بحال المشركين تأملتم هذه الآية الكريمة: ( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ )[الأنعام:111]؟ هذا أيضاً ينتفع به المؤمنون الذين كانوا يرغبون في أن ينزل الله آية على رسوله ليؤمن أبو جهل وأبو لهب وتنتهي المشكلة. ( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ )[الأنعام:109-110] هاتان آيتا الدرس السابق وهما متصلتان بهذه. وزادهم تأكيداً فقال: ( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ )[الأنعام:111] وشاهدوا جبريل وميكائيل وكل ملائكة السماء ( وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى )[الأنعام:111] فلان وفلان وفلان من المقبرة وحشرنا وجمعنا لهم كل شيء أمامهم فوالله ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله. ثم ختم الآية بقوله: ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ )[الأنعام:111]، ويدخل في هذا من كانوا يريدون أن يشاهدوا الآية ليؤمن كفار قريش، كانوا يرغبون لشدة الحرب والمضايقة ويقولون: لو أنزل الله آية لآمنوا واسترحنا، فهذا أيضاً انزعوه من أذهانكم، وهذا ناتج عن الجهل ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ )[الأنعام:111]، ما قال: (ولكنهم يجهلون) فلا يخرج منهم واحد أو اثنان، معناه: أنه يوجد فيهم من لا يجهل، وهذا من عجائب القرآن. تفسير قوله تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن...) الآية الثانية: يقول تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا )[الأنعام:112]، وهكذا كما جعلنا لك أنت أبا جهل وعقبة بن أبي معيط وأبا لهب أعداء كذلك جعلنا لكل نبي من الأنبياء، وهم مائة وأربعة وعشرون ألف نبي، ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا )[الأنعام:112]. الشياطين: جمع شيطان، والإنس نحن، والجن العالم الخفي الذي تعرفونه، هل يوجد في بني آدم شياطين؟ أي نعم، كما يوجد في الجن شياطين، ويوجد في الجن ربانيون مؤمنون أولياء الله، ويوجد في الإنس ربانيون مؤمنون أولياء الله، ويوجد في عالم الجن شياطين متمردون عن الله والحق لا يعرفونه أبداً، وتوجد ثلة من الناس شياطين لا هم لهم إلا الشر والخبث والفساد. وقد علمتم مما سبق أن العوالم ثلاثة: عالم الملائكة وعالم الإنس وعالم الجن، دعنا من عالم الحيوانات، فنحن نتكلم عن العالم المكلف بعبادة الله عز وجل. عالم الجن -والعياذ بالله تعالى- خرج عنه إبليس؛ إذ رفض أمر الله وتنكر له وأبى أن يسجد لآدم فأبلسه الله ومسح الخير منه وأصبح شيطاناً خالصاً لا يحب الخير ولا يخطر بباله، وذريته مثله إذ الحية لا تلد إلا حية، هل رأيتم عقرباً تلد جرادة؟ لا تلد إلا عقرباً. وعالم الشياطين تفرع من إبليس، وعالم الإنس وعالم الجن الذين يفسقون عن أمر الله ويخرجون عن طاعته ويتوغلون في الخبث والشر والفساد يصبحون شياطين لا خير فيهم، كلامه وعمله وسياسته كلها شر، فمن هنا يوجد شياطين من الإنس لا هم لهم إلا نشر الباطل والشر والفساد، كما يوجد شياطين من الجن غير إبليس وذريته، أما الشياطين فهكذا وجدوا لا يعرفون الخير بالمرة ولا يهتدون ولا يقبلون الهداية. |
سلمت يداك على الطرح الراقي
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك لك اعجابي وتقديري |
تميز في الانتقاء
سلم لنا روعه طرحك نترقب المزيد من جديدك الرائع دمت ودام لنا عطائك لكـ خالص احترامي |
بارك الله فيك
وجزاك الله خير |
الله يجزاكى كل خير على مجهودكِ ويجعل الأجر الاوفر بميزان حسناتكِ لكى خالص تحياتى |
جَلبَ ممُيَّز جِدَاً
وإنتقِاءَ رآِئعْ تِسَلّمْ الأيَادِيْ ولآحُرمِناْ مِنْ جَزيلِ عَطّائك |
الساعة الآن 06:18 PM |
Powered by vBulletin Hosting By
R-ESHQ
HêĽм √ 3.1 BY: ! RESHQ ! © 2010
new notificatio by R-ESHQ
User Alert System provided by
Advanced User Tagging (Lite) -
vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة الموقع