منتدى رواية عشق - ما أثر ارتفاع أسعار البترول على النمو الاقتصادي؟

ما أثر ارتفاع أسعار البترول على النمو الاقتصادي؟

https://www.alriyadh.com/media/thumb...970245d1b4.jpg

أ.د. عبدالله محمد الشعلان

https://ads.alriyadh.com/www/deliver...&cb=26d54814bb

يرى الخبراء في اقتصاديات البترول أن ارتفاع أسعاره قد يمثل ضغطًا متزايدًا وعاملاً مؤثرًا على النمو الاقتصادي في إلغاء بعض مراحله أو على الأقل إبطائها أو تأجيلها إلى حين. وإذا كانت المنتجات الصناعية والسلع الغذائية تتم في دول ذات صناعات متقدمة ونشطة كالصين والهند واليابان ودول شرق آسيا والتي جميعها تعتمد اعتمادًا كليًا على البترول في عملياتها الصناعية وإنتاج السلع الاستهلاكية فإن الارتفاع في أسعار البترول سينعكس بلا شك على كلفة إنتاج وارتفاع أسعار تلك المنتجات الأمر الذي يجعل المستهلكون يحجمون عن شرائها وتملكها واستهلاكها وبالتالي تتعرض للكساد والتلف والخسارة.
وتفاديا لهذه الزيادات الحادة في أسعار البترول والتي باتت تشكل معضلة على الاقتصاد العالمي فقد أبدى الكثير من زعماء العالم خلال القمم التي يعقدونها قلقهم البالغ إزاء هذا الشأن، وقاموا بتوجيه نداءات إلى منتجي البترول بضرورة السعي بخطوات حثيثة نحو تقليل الفجوة بين العرض والطلب بزيادة الانتاج سواءً في الاستخراج أو التكرير وجعل أسواق البترول أكثر شفافية ومرونة، كما دعوا إلى عقد لقاءات ومنتديات خاصة بالطاقة تركز على كفاءة استخدامات الطاقة وتطوير تقنيات جديدة تأخذ في الاعتبار استغلال الطاقات البديلة والمتجددة من شأنه أن يقلل الاعتماد بشكل مباشر على البترول بل ويحافظ عليه من الاستنزاف والنضوب من جهة ويخفض من تكاليف المنتجات والسلع من جهة أخرى.
كما يرى الخبراء أن التقلب والتذبذب وعدم الاستقرار في أسواق البترول يضر بالمنتجين والمستثمرين والمستهلكين على حد سواء، فبالنسبة للمنتجين تعد مستويات الأسعار العالية ضارة بالصناعة، حيث تهدد الاستثمارات الحالية والمستقبلية، وبالنسبة للمستثمرين فإنها تضعف مصادر التمويل التي تقلص من تسهيلاتها الائتمانية وترفع تكاليف التمويل تبعًا لذلك، كما أنها بالنسبة للمستهلكين تنعكس على التضخم في الأسعار الذي من شأنه أن يقود إلى تكدس المنتجات والسلع وعدم رواجها وكسادها. كما أن انخفاض أسعار البترول إلى مستويات متدنية سيؤدي إلى أزمة شح ونقص في العرض الأمر الذي ربما يتسبب في إلغاء أو تأجيل أو تراجع بعض خطط واستثمارات ومشاريع الشركات البترولية العملاقة والتي كان من المؤمل القيام بهـا وتنفيذها، ونتيجة لذلك قد يعمد العديد من شركات البترول إلى إيقاف ضخ البترول في الأسواق العالمية في محاولة للحفاظ على سعر متوازن ومعتدل حتى لا تتكبد تلك الشركات خسائر نتيجة لعملياتها الحالية والمستقبلية.
وبالرغم أن بعض الدول المنتجة للبترول كالمملكة العربية السعودية والكويت وقطر ومنتجين آخرين يرون بتأييد من كبار المستهلكين إلى ضبط أسعار البترول بما يتراوح بين 70 و90 دولارا للبرميل وكذلك رغم قرارات سابقة بزيادة حجم الإنتاج لفرض التراجع في الأسعار إلا أن تلك الأسعار كانت تواصل الارتفاع أو الانخفاض من قبل مضارين مستقلين دون اكتراث بأي قرار يتخذه المنتجون أو المستهلكون.
إن توسع استثمارات الطاقة بدول الخليج العربي ساهم في دعم الاقصاد الخليجي وعزز من مكانته المالية رغم انخفاض أسعار النفط في فترات ماضية والذي تزامن مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية والمواد الأولية الذي ضغط على ميزانيات المشاريع الاستثمارية وأجبر المخططين على إعادة النظر في هذه الميزانيات لتتواءم من الوضع الذي يمر به الاقتصاد العالمي.
وعلى الرغم من التضخم الذي تمر به الاقتصاديات الخليجية الآن الا أن سير المشاريع التنموية لاستثمارات الطاقة يمضي قدمًا دون عوائق تذكر حيث إن عائدات النفط تدعم الموارد المالية لهذه الدول التي تعتمد في جل مدخولاتها المالية على عوائد النفط الخام مع أنها تحاول على تنويع روافدها المالية بعيدا عن هذه الثروة النفطية التي تصدرها بصورة خام تفقد معه القيمة المضافة.
ويشير الاقتصاديون إلى ان ارتفاع أسعار النفط خلال الأشهر الماضية دعم نمو الاقتصاد الخليجي وأحدث توسعا في مشاريع البنية التحتية والتي تعد مهمة لقيام مشاريع تنموية أخرى مثل مشاريع الطاقة وتحلية المياه المالحة والبتروكيماويات والتعدين وكثيرًا من الصناعات التحويلية، وهذه المشاريع تجتذب بلا شك الأموال الأجنبية للاستثمار في فرص واعدة ومزدهرة بمنطقة الخليج العربي الذي يأخذ ميزة تنافسية لتوفر الطاقة المتاحة وغير المكلفة. ويتوقع أن تثمر هذه الاستثمارات الكبيرة في المنطقة في جلب التقنية وخاصة تلك التي تتعلق بصناعات الطاقة الحديثة ما يساهم في فتح آفاق جديدة وواسعة من الفرص الوظيفية للشباب الخليجي المتحمس للعمل والانتاج.
من المتوقع أن تساهم تقنيات جديدة في مجال الطاقة في رفع إنتاج البترول والغاز حيث إن هذه التقنيات الحديثة التي تستخدم أجهزة دقيقة تم تطويرها من قبل مهندسين نفطيين ستعمل على دراسة التكوينات الصخرية التي تحوي النفط والغاز في باطن الأرض. ويشير خبراء مختصون أن هذه التقنية المتقدمة ستساهم في التعرف بصورة أكثر وضوحا ودقة على سلوكيات الصخور ومكوناتها ودرجة نفاذيتها وإمكانية تسرب النفط والغاز من خلالها إذ أن هذه العوامل هي التي تحدد قوة تدفق النفط عند حفر الآبار وكذلك الكميات التي يحتويها المكمن النفطي والاحتياطيات والعمر الافتراضي.
ويقول الفنيون الذين يعكفون على تطوير هذه التقنية الجديدة والمضي قدما في توظيفها في مجال صناعة البترول أن هذا النوع من التقنية سيتيح مستوى عال من الرصد الجيولوجي للمكامن الهيدروكربونية وقياس مستوياتها الاحتياطية بدقة وتقانة أكثر من قبل، كما ستساهم هذه الأجهزة في قياس عمر المكمن وأفضل الطرق للحفر بصورة تضمن عدم التأثير على طبقات الأرض والمعالجة السليمة للصخور الحاوية للوقود الأحفوري وعمليات الضخ البديل الذي يعمل على حفظ توازن الضغط داخل المكامن وضمان تدفق النفط والغاز بمعدلات عالية للاستفادة القصوى من مخزونات المكمن، كما تساعد الابتكارات الحديثة في التعرف على الحقب الزمنية التي تكونت بها هذه المكامن والأحداث المناخية والعوامل الجيولوجية والجيوفيزائية التي مرت بها وأدت إلى تقسيمات الصخور وظروف تشكل الطبقات الأرضية في كل عصر من العصور الماضية. ويمكن من خلال هذه التقنية رؤية التضاريس الزلزالية ثلاثية الأبعاد في مناطق الربع الخالي وتصور الحقب الزمنية التي مر بها وتحديد المكامن بدقة تفوق الأجهزة التي كانت تستعمل في وقت سابق وتعتمد في معظم رصدها على الارتدادات التي تحدث جراء الحركات الزلزالية المصطنعة.
إن الوقت الحالي وتحت الظروف الايجابية في اسعار النفط لهو الوقت الأمثل لاستغلال مواردنا الطبيعية في تطوير المواطن من أجل حياة افضل وذلك يتأتَّى عن طريق استغلالنا لطاقاتنا الطبيعية وقدراتنا البشرية وملكاتنا الذاتية وهي المكتسبات التي حققتها والأهداف التي تطمح لها وتسعى إليها قيادتنا الحكيمة لأن تتحقق للأجيال الحاضرة والقادمة بمشيئة الله.
*جامعة الملك سعود