![]() |
فيض الخاطر في أحوال الماضي والحاضر (1)
فيض الخاطر في أحوال الماضي والحاضر (1)
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين لقد فكَّرت كثيرًا قبل أن أُقْدِم على هذه الخُطْوة، وهي أن أَجْمَع بعضَ الأفكارِ حولَ آياتِ القرآن الكريم، التي كانت تُرَاوِدني وأنا أقرأ كتاب الله، وما أكثرَها، ولو توقَّفت عند كلِّ لمحةٍ من اللَّمَحات التي كانت تتوارد على خاطري كسيلٍ من أعالي القِمَم إلى وادٍ فَسِيحٍ، فتملؤه بهجةً وسرورًا - ما تمَّت لي قراءةٌ في كتاب الله أبدًا، ولكني كنتُ أمرُّ عليها مُرورَ مَن يَشَمُّ رَحِيقَ الزَّهْرِ من البساتين التي يَمْرَحُ فيها، وهو لا يبالي إلا بجمال الألوان، وتَنَاسُقِ الأشكال. وعندما كنت أتوقَّف - رغمًا عني - عند بعِضها، وكأن الله يقولُ لي: قِفْ هنا، كنتُ أَرَى المعاني بعينِ قلبي، وأَشْعُر بها، وأَنْعَمُ بجمالِ فَهمِها الموهوب من الله وحدَه، عندما كان يحدُث لي ذلك كنتُ أتمنى أن أَنْقُل هذا الإحساس إلى بعض الأصدقاء المقرَّبين. وبالفعل بدأتُ أَبْعَثها لهم في شكل أسئلة؛ أملاً مني أن يَشْعُروا بما شَعرت به، أو أن يَنْعَموا بجمال ما أَحسَستُ به، ففوجِئتُ بأنهم متشوِّقين لمزيدٍ من الأسئلة، وكنتُ أخافُ أن أُثْقِل عليهم، ثم مع تتابعِ الأسئلة، وإرسال الإجابات لهم، أو شرحِها عند لقائهم، أَشار عليَّ بعضُهم أن أكتب كتابًا بهذه الأسئلة وإجاباتها؛ لعظيم فائدتها، وقلتُ في نفسي: إنها مجاملة منهم، ولم أعلق، ثم رأيت منهم إلحاحًا في ذلك، ثم شرح الله صدري لهذا الرأي، وشَرَعتُ في كتابة هذا الكتاب. وأرجو من الله أن يوفِّقني لهذا العمل، وأن يكون خالصًا لوجهه الكريم، نافعًا المسلمين. السؤال الأول: آية في سورة الفاتحة، أمرنا الله أن ندعوَ بها في الجزء "٢٤"، ودعا بها المؤمنون بعد دخولهم الجنة في الجزء "١١"، ودُعي بها بعد القضاء بين الملائكة، فما هي؟ ومَن الذي دعا؟ وفي أي سورة هي؟ (1) هي آية: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، وفي سورة غافر آية "٦٥": ﴿ هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [غافر: 65]. وهنا يَأمُرنا الله - سبحانه وتعالى - أن نَدْعُوه مخلِصين له الدين، ونقول: الحمد لله رب العالمين، وهو دعاء يبيِّن الإخلاص في الدِّين، وفي سورة يونس الآية "١٠": ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 10]. يذكر ربُّنا أن المؤمنين بعد دخولهم الجنة سوف يَدْعُون ربَّهم: بالحمد لله رب العالمين، وهذا يبيِّن أن خيرَ ما يقول العبد؛ ليُظْهِر الرضا عن الرب، هو هذا الدعاء، وكذلك يَدْعُو جميع الخلائق بهذا الدعاء بعد القضاء بينهم، وهذا ما ذكر في سورة الزمر الآية "٧٥": ﴿ وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الزمر: 75]. السؤال الثاني: تضمَّنت الفاتحة إثباتَ الرسلِ من عدَّة جهاتٍ، اذْكُر اثنين منهما على الأقل. (2) الفاتحة تضمَّنت أشياءَ كثيرة جدًّا، ولو تكلَّمنا على كل آية فيها بالتفصيل، لأخذنا الوقت كلَّه، فسبحان الله؛ فقد جعل فيها الدين كله. وأنت إذا أردتَ أن تتكلَّم في العقيدةِ، فمن خِلالِ الفاتحة، وإذا أردت أن تتكلَّم في الفقهِ، ففي الفاتحة، وفي الحديث، وفي التفسير، وفي جميع فروع العلم، فسوف تجد في الفاتحة المدخلَ والموضوعَ لكلِّ فرعٍ تريد أن تتكلَّم فيه؛ ولذلك سوف نتكلَّم عن إجابة السؤال فقط، وسنترك الحديث عن الباقي لوقته - إن شاء الله. أما عن السؤال: فإن الفاتحة تكلَّمت عن الرُّسُل، من عدَّة وجوهٍ: الأول: أن الله قال: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ [الفاتحة: 2]. فكيف كنا سنتعلِّم كلمة (الحمد) هذه من غيرِ رُسُلٍ؟ وإن الله قال: ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، وهذه تقتضي أن يَبْعَث الله الرُّسُل؛ لأنه رب العالمين، وقال - سبحانه -: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 3]، ومن رحمتِه أن يَبْعَث الرُّسُل لخلقِه قبل أن يحاسبهم، وقال - سبحانه -: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6]؛ فإنه سبحانه خَلَقهم ولم يَتْرُكْهم سُدًى، بل يَبْعَث لهم الرُّسُل؛ ليَهْدُوهم إلى الصراط المستقيم، وأنت تفعل ذلك مع ابنك، تَظَلُّ معه تُرْشِده، وتَدُلُّه على الفعل الصحيح؛ لأنك أبوه، وأنت السبب في وجوده في هذه الحياة، فما بالُك بربِّك، وهو الخالق؟ وهكذا توجَد في كلِّ آيةٍ من آياتها إثباتٌ للرسل. السؤال الثالث: انظر قولَه - تعالى - في سورة البقرة آية "٢": ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2]، وفي سـورة لقمان آية "٣": ﴿ هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ ﴾ [لقمان: 3]، لماذا زاد الرحمة في الآية الأخيرة؟ (3) في الآية "٢" من سورة البقرة ذكر سبحانه:﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾، وفي الآية "٣" من سورة لقمان ذكر سبحانه: ﴿ هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ ﴾ [لقمان: 3]. وقد زاد سبحانه الرحمة عند المحسنين؛ لأنهم ما أَحْسَنوا إلا بعد التَّقْوَى؛ فالمتَّقون هم الذين لا يَعْصُون الله؛ خوفًا منه، وخشيةً، وحبًّا، والمُتَّقون هم الذين يقدِّمون مُرادَ الله على مُرادِهم فيما شرع الله، والمُحْسِن هو الذي يَفْعَل ما يُرْضِي الله من محبوبات الله، وهو الذي يقدِّم مُرادَ الله على مُرَادِه فيما يُحِبُّ الله، فوَجَبت للمُحْسِنين بهذه الدرجة فرق الرحمة. السؤال الرابع: في البقرة آية "٣" قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 3]، هذا الجـزء من الآية يحتوي على ستَّة غَيبيَّات، لا يَستَقِيم إيمان المؤمن إلا بها، اذكُرْها. (4) الإيمان بالله، واليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والرُّسُل، والقَدَر خيرِه وشَرِّه، وهذا هو الإيمان بالغَيبيَّات الستة، التي لا يَسْتَقِيم الإيمان إلا بها. وانظر كيف جاءت هذه الغيبيات في سورة البقرة؟ لأنك يجب أن تسلِّم بها؛ حتى يَنْفَتِح لك مكنونُ مَا غاب عنك من تفصيلاتِ وجزئياتِ الإيمان؛ فهي كثيرة جدًّا، تُصَاحِبك في كل ثانية ولحظةٍ من لحظات حياتك، وكذلك لا تَتَفتَّح لك أسـرارُ هذا الكتاب إلا بعد الإيمان والتسليم لهذه الغَيبيَّات. وانظر كيف جاءت في أول الكتاب؟ وهي ليست متقدمة في ترتيب النزول، ولكن قدِّمت في ترتيب المصحف؛ لأهمية وجودِها في أوَّل الكتابِ، فانظر وتفكَّر. |
الف شكـــر لك
على الطرح الرائع اثابك الله الاجروالثواب وجزيتي خيرا وجعله في ميزان حسناتك نزف القلم |
طــرح قيم بارك الله فيك واثابك الجنه
وجعله في ميزان حسناتك |
-
اسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتك وَ يجعل الفردوس الأعلى سكنك تقديري :20:. |
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك وأسال الله لك التوفيق دائما وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة وأن يثبت الله أجرك |
جزاك الله خير على الطرح القيم
كل الود |
الساعة الآن 03:24 AM |
Powered by vBulletin Hosting By
R-ESHQ
HêĽм √ 3.1 BY: ! RESHQ ! © 2010
new notificatio by R-ESHQ
User Alert System provided by
Advanced User Tagging (Lite) -
vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة الموقع