منتدى رواية عشق - محمد بن علي المحمود.. مؤسس أول مدرسة للتعليم النظامي

رجالات الإمارات الذين تزخر بهم، هم بناة الوطن، ومسجلو تاريخها الذين شهد لهم القاصي والداني بالتميز، أناروا شموع التقدم وأعلوا البناء وحققوا المجد الذي تشهده، فأصبحوا نماذج للشباب تحتذى.
ما قدمه الأوائل والمؤسسون من إنجازات، ظل السبب الرئيسي فيما وصلت إليه الدولة حاليا، وما اعتراف المعاصرين لهم بالسبق، إلا شهادة للأبناء على العصر واعتراف بالجميل ف«من لا يشكر الناس لا يشكر الله».
تكريم أوائل الإمارات أحد مظاهر الاعتراف بهذا الجميل للجيل المؤسس، الذي بذل الجهد والعرق، لتكون الإمارات صرحاً يحتوي الأبناء جميعهم، فمنهم من أسس المدارس وبنى العقول، ومنهم من اهتم بالتجارة ورواجها، وآخرون وجهوا ونظموا واستغلوا الطاقات لتكون يداً واحدة، بجانب أنهم أجزلوا العطاء.
المرحوم فضيلة الشيخ محمد بن علي المحمود أحد المكرمين هذا العام ضمن " أوائل الإمارات"، وهو مؤسس أول مدرسة للتعليم النظامي في الإمارات، أحد هؤلاء الرجالات، وهو من وضع حجر الأساس للمدرسة القاسمية بالشارقة في العام 1953م، والتي أحدثت طفرة ملموسة في التعليم، وأسهمت في إعداد جيل الرواد الحالي، وأحد المهتمين بالحياة العلمية والثقافية، حيث أنشأ مكتبة القاسمي في العام 1936م، والتي تعد منتدى ثقافياً للطلاب، ضمت العديد من الكتب العلمية والتعليمية والدينية والتاريخية والأدبية، وأثرت في جيل كامل ومدتهم بالعلوم والمعارف ليشكلوا بدورهم ضمير المجتمع الإماراتي فيما بعد.
ولد الشيخ المحمود بالشارقة في العام 1911، بحي الشيوخ، ودرس في المدرسة التيمية والمحمودية، وكان يميل إلى الاستكشاف والبحث وتطوير الذات، فكان من محبي قراءة الكتب التربوية والدينية والأدبية واللغوية، وساعده في ذلك، نشأته في بيت قام على الصلاح والتقوى، حيث كان والده التاجر، وهو المصلح الكبير علي بن محمد المحمود.

دراسته

كان له حظ وافر في نيل التعليم، على يد نخبة من علماء عصره، منهم والده الشيخ علي المحمود، والشيخ صالح محمد الخليفي، والشيخ سيف بن محمد المدفع، والعالم الفقيه محمد بن سيف، والشيخ مشعان بن ناصر المنصور، والشيخ عبد الرحمن بن محمد الشامسي، وتخرج على يديه مجموعة من الشخصيات الاجتماعية المرموقة في أرض الإمارات وقطر.

ساعده في ذلك ذكاء بارز، ونفس مولعة بالقراءة والاطلاع، وحب العلم والتعلم، إلى جانب اطلاعه على عدد كبير من الكتب والمراجع العلمية والدراسات، التي أهلته ليكون أحد أبرز أدباء وشعراء عصره.

منهج تعليمي

اعتمد الفكر التعليمي عند الشيخ المحمود في بداية ظهوره على الثقافة، التي تأصلت بتفاعل المثقفين مع التعليم، حيث إن التعليم كان المنطلق والعمود الفقري لتأصيل ثقافات مستمدة جذورها وأشكالها من النظرة الواقعية للحياة، وقد تعددت الرؤى، لكنها اتجهت لتحقيق هدف واحد، ألا وهو التطوير والتحديث والتغيير، كما أسس مكتبة ثقافية في مدرسته الأولى التي ظهرت في الحيرة، وكانت المكتبة تسمى مكتبة الإصلاح، وهي ثالث مكتبة في الشارقة ظهرت بعد المكتبة التيمية التي أسسها والده في المدرسة التيمية المحمودية، حيث دعا طلبة الإصلاح للقراءة والاطلاع، وعدم الاعتماد على المنهج أو المقرر المدرسي.
تعليم البنات
كان الشيخ المحمود سبّاقاً في فكرة تعليم البنات، بمفهومه التطوري، حيث افتتح أول فرع في مدرسة الإصلاح لتعليم البنات، ليأخذ بذلك مفهوم التطوير والتحديث لديه، أشكال وجوانب مختلفة، حيث كسر بجهوده ونظرته التقدمية حالة الارتداد والتباطؤ في تقبل مظاهر العصر الحديث، ومنها تعليم البنات وتثقيفهن ليصبحن أمهات صالحات، حيث رأى أنه من الواجب إتاحة الفرصة للبنت لتلتحق بالمدارس التطورية، وتجلس على مقاعد الدرس.
إنتاجه الشعري

موهبة الإصغاء والتأثر بجمال اللغة وقدرتها على التأثير في النفس، وتأثره بكبار الشعراء العرب القدامى والمحدثين، أسهما في إنتاجه أولى قصائده بعنوان «تحية لعظيم المجد والشأن»، كما أضاءت إسهاماته الفكرية والعلمية الحياة الثقافية في مرحلتها الأولى.
جهود
أسس الشيخ المحمود مدرسة القاسمية، التي تعتبر أول مدرسة نظامية في الشارقة، تعتمد نظاماً تعليمياً مختلفاً ومتطوراً عن بقية المدارس التطورية، ما مهد الطريق وهيأ الأسباب لظهور التعليم الحديث، ونشأة أول مدرسة نظامية في الإمارات عام 1953م، التي تطور من خلالها التعليم، ثم افتتحت المدارس في مختلف الإمارات.
كما أدخل نظاماً تعليمياً شبه حديث في مدرسة الإصلاح الأم، ما أسهم في تطور التعليم عن بقية المدارس التي فتحت قبل ذلك، وأسهم في تأسيس مدرسة الإصلاح الحمدية في الدوحة بقطر سنة 1949م، في عهد الشيخ حمد بن عبدالله آل ثاني، ثم تولى إدارة مدرسة الدوحة في قطر التي تأسست عام 1951م، كأول مدرسة نظامية في دولة قطر، واستمر مديراً لمدرسة الدوحة حتى عام 1956م.
وفاته

14 عاماً مرت على وفاة المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ الأديب محمد بن علي المحمود، الذي وافته المنية عن عمر يناهز ال 90 عاماً، عرف بها بشيخ المعلمين وبالمربِّي الفاضل، حيث كان رائداً من رواد العلم والمعرفة.
وكل عام في السادس من أغسطس تمر ذكرى وفاة شيخ المعلمين الذي توفي عام 2002 حاملة بين ثناياها ذكرى أديب كبير جليل، كرس حياته وعلمه ومعرفته من أجل خدمة المجتمع والإسلام والعروبة، وبث القيم الأصيلة بهدف استنهاض الهمم والدعوة إلى حب العلم والوطن، ولترسي مشروعاته دعائم الثقافة التجديدية في نفوس أبناء الأمس ورجال اليوم، ودفن في مقبرة (الجبيل) في مدينة الشارقة.
ما كتب عنه

تعتبر روايات الشيخ المحمود وأحاديثه، التي جمع بعضها الدكتور عبدالله بن علي الطابور النعيمي، بعضها في أشرطة كاسيت «ستة عشر شريطاً»، توثيقاً لتاريخ التعليم في الإمارات عموماً والشارقة خصوصاً.
وكذلك ما قام به الطابور من لقاءات توثيقية تلفزيونية مع الشيخ المحمود، التي تحدث خلالها عن شخصيات رائدة في تاريخ الإمارات، ودورها وعطائها في مجال التعليم والقضاء والشعر والوجاهة.
ووصفه الطابور بالفصاحة والدقة في الوصف، وبالذاكرة القوية والاطلاع الواسع وغزارة المعرفة والإلمام في مواضيع مختلفة عن تاريخ الشارقة الثقافي والأدبي، بجانب سلامة النطق وحسن التعبير عن مراحل في تاريخ المنطقة الثقافية، ما يجعلنا نعتبره المصدر الرئيسي لكل ما جمع ودوّن عن تطور التعليم في الشارقة والإمارات.
كان المحمود يحتفظ بالكثير من كتاباته الأدبية والثقافية، وكذلك قصائده الفصحى ومقالاته وكراريسه التثقيفية، ويحرص على عدم إعطائها لأحد، واستطاع الطابور جمع صور كثيرة ومنوعة من وثائق ورسائل وكتابات وقصائد ومدونات جمعها في ملفات خاصة، في كتاب خاص بها.
ومن مؤلفات الطابور عن الشيخ المحمود «المحمود صفحات مضيئة في تاريخ الإمارات» الذي صدر عن الدائرة الثقافية بالشارقة عام 1998م، وكتاب «رسائل الرعيل الأول» من رواد النهضة الجزء الأول، الذي صدر عام 1999م، وكتب أخرى تحت الطبع منها «اللآلئ المحمودية».