منتدى رواية عشق

منتدى رواية عشق (https://r-eshq.com/vb/index.php)
-   ♬ خوَاطـر الكَلمـة ♬ (https://r-eshq.com/vb/forumdisplay.php?f=14)
-   -   روائع الشعر العراقي/نازك الملائكة/شجرة القمر/1 (https://r-eshq.com/vb/showthread.php?t=200836)

ناطق العبيدي 09-20-2022 08:52 PM

روائع الشعر العراقي/نازك الملائكة/شجرة القمر/1
 
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

على قمّةٍ من جبال الشمال كَسَاها الصَّنَوْبَرْ
وغلّفها أفُقٌ مُخْمليٌّ وجوٌّ مُعَنْبَر ْ
وترسو الفراشاتُ عند ذُرَاها لتقضي المَسَاءْ
وعند ينابيعها تستحمّ نجومُ السَّمَاءْ
هنالكَ كان يعيشُ غلامٌ بعيدُ الخيالْ
إذا جاعَ يأكلُ ضوءَ النجومِ ولونَ الجبالْ
ويشربُ عطْرَ الصنوبرِ والياسمين الخَضِلْ
ويملأ أفكارَهُ من شَذَى الزنبقِ المُنْفعلْ
وكان غلامًا غريبَ الرؤى غامض الذكرياتْ
وكان يطارد عطر الرُّبَى وصَدَى الأغنياتْ
وكانت خلاصةُ أحلامِهِ أن يصيدَ القَمَرْ
ويودعَهُ قفصًا من ندًى وشذًى وزَهَرْ
وكان يقضِّي المساءَ يحوك الشباكَ ويَحْلُمْ
يوسّدُهُ عُشُبٌ باردٌ عند نبع مغمغِمْ
ويسْهَرُ يرمُقُ وادي المساء ووجْهَ القَمَرْ
وقد عكستْهُ مياهُ غديرٍ بَرُودٍ عَطِرْ
وما كان يغفو إذا لم يَمُرّ الضياءُ اللذيذ
على شَفَتيهِ ويسقيهِ إغماءَ كأسِ نبيذْ
وما كان يشربُ من منبع الماء إلاّ إذا
أراق الهلالُ عليه غلائلَ سكرى الشَّذَى


وفي ذات صيفٍ تسلّل هذا الغلامُ مساءْ
خفيفَ الخُطَى, عاريَ القدمين, مَشُوقَ الدماءْ
وسار وئيدًا وئيدًا إلى قمَّةٍ شاهقهْ
وخبّأ هيكلَهُ في حِمَى دَوْحةٍ باسقهْ
وراح يعُدّ الثواني بقلبٍ يدُقّ يدُقّ
وينتظرُ القَمَرَ العذْبَ والليلُ نشوانُ طَلْقُ
وفي لحظةٍ رَفَعَ الشَّرْقُ أستارَهُ المُعْتمهْ
ولاحَ الجبينُ اللجينيّ والفتنةُ المُلْهِمهْ
وكان قريبًا ولم يَرَ صيّادَنا الباسما
على التلِّ فانسابَ يذرَعُ أفْقَ الدُّجَى حالما
... وطوّقَهُ العاشقُ الجبليّ ومسّ جبينَهْ
وقبّلَ أهْدابَهُ الذائباتِ شذًى وليونهْ
وعاد به: ببحارِ الضِّياءِ, بكأس النعومهْ
بتلك الشفاهِ التي شَغَلتْ كل رؤيا قديمهْ
وأخفاه في كُوخه لا يَمَلّ إليه النَّظَرْ
أذلكَ حُلْمٌ? وكيف وقد صاد.. صادَ القَمرْ?


وأرقَدَه في مهادٍ عبيريّةِ الرّوْنقِ
وكلّلَهُ بالأغاني, بعيْن
وفي القريةِ الجبليّةِ, في حَلَقات السّمَرْ
وفي كلّ حقلٍ تَنَادَى المنادون: "أين القمر?!"
"وأين أشعّتُهُ المُخْمليّةُ في مَرْجنا?"
"وأين غلائلُهُ السُّحُبيّة في حقلنا?"
ونادت صبايا الجبالِ جميعًا "نُريدُ القَمَرْ!"
فردّدتِ القُنَنُ السامقاتُ: "نُريدُ القَمَرْ"
"مُسامِرُنا الذهبيّ وساقي صدى زَهْرنا"
"وساكبُ عطر السنابِل والورد في شَعْرنا"
"مُقَبّلُ كلّ الجِراح وساقي شفاه الورودْ"
"وناقلُ شوقِ الفَرَاشِ لينبوعِ ماءٍ بَرودْ"
"يضيءُ الطريقَ إلى كلّ حُلْمٍ بعيدِ القَرَارْ"
"ويُنْمي جدائلَنا ويُريقُ عليها النُّضَارْ"
"ومن أينَ تبرُدُ أهدابُنا إن فَقَدْنا القَمَر?"
"ومَنْ ذا يرقّقُ ألحاننا? مَن يغذّي السّمَرْ?"
ولحنُ الرعاةِ تردّدَ في وحشةٍ مضنيهْ
فضجّتْ برَجْعِ النشيدِ العرائشُ والأوديهْ
وثاروا وساروا إلى حيثُ يسكُنُ ذاكَ الغُلامْ
ودقّوا على البابِ في ثورةٍ ولَظًى واضطرامْ
وجُنّوا جُنُونًا ولم يَبْقَ فوق المَرَاقي حَجَرْ
ولا صخرةٌ لم يُعيدا الصُّرَاخَ: "نُريدُ القَمَرْ"
وطاف الصّدَى بجناحَيْهِ حول الجبالِ وطارْ
إلى عَرَباتِ النجومِ وحيثُ ينامُ النّهَارْ
وأشرَبَ من نارِهِ كلّ كأسٍ لزهرةِ فُلِّ
وأيقَظَ كلّ عبيرٍ غريبٍ وقَطْرةِ طلِّ
وجَمّعَ مِن سَكَراتِ الطبيعةِ صوتَ احتجاجْ
ترددَ عند عريش الغلامِ وراء السياجْ
وهزَّ السكونَ وصاحَ: "لماذا سَرَقْت القَمَرْ?"
فجُنّ المَسَاءُ ونادى: "وأينَ خَبَأْتَ القَمَرْ?" يهِ, بالزّنْبقِ


فرآشه ملآئكيه 09-20-2022 09:04 PM

انتقاءك جميــل
يعطيك العافيه يارب , ع الموضوع ! دمت ودام ابداعك
ودي

إِيزآبَيل♡ 09-21-2022 02:06 AM

سَلِمت الأنَامِل المُتألِقة لِروعَة طَرحهَا
دَام العطَاء والتَميّز المُتواصِل
لرُوحك السّعادة

غـُـلايےّ 09-21-2022 09:20 AM

يعطيك العآفيـه
على الموضوع الروعـه
شكراً لك من القلب على هذآ المجهُود ,
ماأنحرم من عطـآءك المميز يَارب !
حفظك الله ورعآيته .
لِـ روحك باقات الورد

- سمَـا. 09-21-2022 10:41 AM

-












شُكرًا لك وَ لجمَال الآنتقاء
دمت بهذا التألق.

Şøķåŕą 09-21-2022 03:41 PM

_



سلمت الأيادي ..
ويعطيك العافية لـ جمال الآنتقاء
لروحك جنائن الورد .


الساعة الآن 04:44 AM

Powered by vBulletin Hosting By R-ESHQ
HêĽм √ 3.1 BY: ! RESHQ ! © 2010
new notificatio by R-ESHQ
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة الموقع