![]() |
مثل ما بُعِثَ به النبي - صلى الله عليه وسلم- من الهدى والعلم
عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه , عَن النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:" مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِن الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا؛ فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَت الْمَاءَ فَأَنْبَتَت الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ, وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَت الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا، وَسَقَوْا، وَزَرَعُوا, وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً، وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً؛ فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ, وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ "(1).
شرح المفردات(2): ( مَثَل ): بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَة وَالْمُرَاد بِهِ الصِّفَة الْعَجِيبَة لَا الْقَوْل السَّائِر. ( الْهُدَى ): أَي: الدَّلَالَة الْمُوَصِّلَة إِلَى الْمَطْلُوب. ( الْعِلْم ): الْمُرَاد بِهِ مَعْرِفَة الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة. ( الْغَيْث ): المطر. ( نَقِيَّة ): طَيِّبَة. ( قَبِلَتْ ): بِفَتْحِ الْقَاف وَكَسْر الْمُوَحَّدَة مِن الْقَبُول. ( الْكَلَأ ): بِالْهَمْزَةِ بِلَا مَدّ, يَقَعُ عَلَى الْيَابِس وَالرَّطْب. ( وَالْعُشْب ): هُوَ مِنْ ذِكْر الْخَاصّ بَعْد الْعَامّ ; لِأَنَّ الْكَلَأ يُطْلَق عَلَى النَّبْت الرَّطْب وَالْيَابِس مَعًا, وَالْعُشْب لِلرَّطْبِ فَقَطْ. ( الْأَجَادِب ): فَبِالْجِيمِ وَالدَّال الْمُهْمَلَة، وَهِيَ الْأَرْض الَّتِي تُنْبِتُ كَلَأً. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هِيَ الْأَرْض الَّتِي تُمْسِكُ الْمَاء, فَلَا يُسْرِعُ فِيهِ النُّضُوب. ( وَزَرَعُوا ): كَذَا لَهُ بِزِيَادَةِ زَاي مِن الزَّرْع, وَلِمُسْلِمٍ، وَالنَّسَائِيِّ، وَغَيْرهمَا، عَنْ أَبِي كُرَيْب: " وَرَعَوْا " بِغَيْرِ زَاي مِن الرَّعْي, قَالَ النَّوَوِيّ: كِلَاهُمَا صَحِيح. ( وَسَقَوْا ): فَقَالَ أَهْل اللُّغَة : سَقَى وَأَسْقَى بِمَعْنَى لُغَتَانِ, وَقِيلَ: سَقَاهُ نَاوَلَهُ لِيَشْرَب, وَأَسْقَاهُ جَعَلَ لَهُ سَقْيًا. ( فَأَصَابَ ): أَي: الْمَاء. وَلِلْأَصِيلِيِّ، وَكَرِيمَة أَصَابَتْ أَي: طَائِفَة أُخْرَى. وَوَقَعَ كَذَلِكَ صَرِيحًا عِنْد النَّسَائِيِّ. وَالْمُرَاد بِالطَّائِفَةِ الْقِطْعَة. ( قِيعَان ): بِكَسْرِ الْقَاف جَمْع قَاع وَهُوَ الْأَرْض الْمُسْتَوِيَة الْمَلْسَاء الَّتِي لَا تُنْبِت. ( فَقُهَ ): بِضَمِّ الْقَاف أَيْ صَارَ فَقِيهًا. شرح الحديث: قال الأمام النووي - رحمه الله-: " أَمَّا مَعَانِي الْحَدِيث وَمَقْصُوده فَهُوَ تَمْثِيل الْهُدَى الَّذِي جَاءَ بِهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْغَيْثِ, وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَرْض ثَلَاثَة أَنْوَاع, وَكَذَلِكَ النَّاس. فَالنَّوْع الْأَوَّل مِن الْأَرْض يَنْتَفِع بِالْمَطَرِ، فَيَحْيَى بَعْد أَنْ كَانَ مَيِّتًا, وَيُنْبِتُ الْكَلأ, فَتَنْتَفِعُ بِهَا النَّاس، وَالدَّوَابّ، وَالزَّرْع، وَغَيْرهَا, وَكَذَا النَّوْع الأوَّل مِن النَّاس, يَبْلُغُهُ الْهُدَى وَالْعِلْم فَيَحْفَظُهُ فَيَحْيَا قَلْبه, وَيَعْمَلُ بِهِ, وَيُعَلِّمُهُ غَيْره, فَيَنْتَفِعُ وَيَنْفَعُ. وَالنَّوْع الثَّانِي مِن الأرْض مَا لَا تَقْبَلُ الِانْتِفَاع فِي نَفْسهَا, لَكِنْ فِيهَا فَائِدَة, وَهِيَ إِمْسَاك الْمَاء لِغَيْرِهَا, فَيَنْتَفِعُ بِهَا النَّاس وَالدَّوَابّ, وَكَذَا النَّوْع الثَّانِي مِن النَّاس, لَهُمْ قُلُوب حَافِظَة, لَكِنْ لَيْسَتْ لَهُمْ أَفْهَام ثَاقِبَة, وَلا رُسُوخَ لَهُمْ فِي الْعَقْل يَسْتَنْبِطُونَ بِهِ الْمَعَانِي وَالأحْكَام, وَلَيْسَ عِنْدهمْ اِجْتِهَادٌ فِي الطَّاعَة وَالْعَمَل بِهِ, فَهُمْ يَحْفَظُونَهُ حَتَّى يَأْتِيَ طَالِبٌ مُحْتَاجٌ مُتَعَطِّشٌ لِمَا عِنْدهمْ مِن الْعِلْم, أَهْل لِلنَّفْعِ وَالِانْتِفَاع, فَيَأْخُذهُ مِنْهُمْ, فَيَنْتَفِع بِهِ, فَهَؤُلاءِ نَفَعُوا بِمَا بَلَغَهُمْ. وَالنَّوْع الثَّالِث مِن الأرْض السِّبَاخ الَّتِي لا تُنْبِتُ وَنَحْوهَا, فَهِيَ لا تَنْتَفِعُ بِالْمَاءِ, وَلا تُمْسِكُهُ لِيَنْتَفِعَ بِهَا غَيْرهَا, وَكَذَا النَّوْعُ الثَّالِثُ مِن النَّاس, لَيْسَتْ لَهُمْ قُلُوب حَافِظَة, وَلا أَفْهَام وَاعِيَة, فَإِذَا سَمِعُوا الْعِلْم لا يَنْتَفِعُونَ بِهِ, وَلا يَحْفَظُونَهُ لِنَفْعِ غَيْرهمْ. وَاَللَّه أَعْلَم (3). وقال ابن حجر: قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَغَيْره: ضَرَبَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَا جَاءَ بِهِ مِن الدِّين مَثَلًا بِالْغَيْثِ الْعَامّ الَّذِي يَأْتِي فِي حَال حَاجَتهمْ إِلَيْهِ, وَكَذَا كَانَ النَّاس قَبْل مَبْعَثه, فَكَمَا أَنَّ الْغَيْث يُحْيِي الْبَلَد الْمَيِّت فَكَذَا عُلُوم الدِّين تُحْيِي الْقَلْب الْمَيِّت. ثُمَّ شَبَّهَ السَّامِعِينَ لَهُ بِالْأَرْضِ الْمُخْتَلِفَة الَّتِي يَنْزِل بِهَا الْغَيْث, فَمِنْهُمْ الْعَالِم الْعَامِل الْمُعَلِّم. فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْض الطَّيِّبَة شَرِبَتْ فَانْتَفَعَتْ فِي نَفْسهَا، وَأَنْبَتَتْ فَنَفَعَتْ غَيْرهَا. وَمِنْهُم الْجَامِع لِلْعِلْمِ الْمُسْتَغْرِق لِزَمَانِهِ فِيهِ، غَيْر أَنَّهُ لَمْ يَعْمَل بِنَوَافِلِهِ، أَوْ لَمْ يَتَفَقَّه فِيمَا جَمَعَ، لَكِنَّهُ أَدَّاهُ لِغَيْرِهِ, فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْض الَّتِي يَسْتَقِرّ فِيهَا الْمَاء فَيَنْتَفِع النَّاس بِهِ, وَهُوَ الْمُشَار إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: "نَضَّرَ اللَّه اِمْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا ". وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْمَع الْعِلْم فَلَا يَحْفَظهُ، وَلَا يَعْمَل بِهِ، وَلَا يَنْقُلهُ لِغَيْرِهِ, فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْض السَّبْخَة، أَوْ الْمَلْسَاء الَّتِي لَا تَقْبَل الْمَاء، أَوْ تُفْسِدهُ عَلَى غَيْرهَا. وَإِنَّمَا جَمَعَ الْمَثَل بَيْن الطَّائِفَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ الْمَحْمُودَتَيْنِ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِانْتِفَاع بِهِمَا, وَأَفْرَدَ الطَّائِفَة الثَّالِثَة الْمَذْمُومَة لِعَدَمِ النَّفْع بِهَا. وَاَللَّه أَعْلَم(4). من فوائد الحديث: 1- فضل العلم الشرعي حيث شبهه النبي - صلى الله عليه وسلم- بالغيث، ووجه الشبه بينهما أن في الغيث حياة الأرض، والدواب، والإنسان، وكذلك علم الشرع فيه حياة القلوب، حيث به تعرف ربها، والطريق الموصلة إلى رضاه، فلا غنى للناس عنه، كما أنهم لا غنى لهم عن الغيث. 2- فضل أهل الحفظ والفهم الذين حفظوا العلم، وعقلوه، وفهموا معانيه، واستنبطوا وجوه الأحكام والفوائد منه، مع العمل بالعلم، فهؤلاء أفضل الناس وخيرهم. 3- فضل من حفظوا نصوص الكتاب والسنة وبلغوها كما حفظوها، مع العمل بالعلم، ولكنهم لم يرزقوا تَفَهُّمًا في معانيها، ولا استنباطًا ولا استخراجًا لوجوه الحكم والفوائد منها، وهؤلاء على خير عظيم، ولكنهم دون الذين قبلهم. 4- أن من شر الناس وأشاقهم من أعرض عن العلم، لا يتعلمه، ولا يتفقه فيه، ولا يعمل به، ولا يعلمه لغيره. (1) - صحيح البخاري، برقم: (79)، واللفظ له، وصحيح مسلم، برقم: (2282). (2) - ينظر: فتح الباري لابن حجر، 1/176-177, وشرح مسلم للنووي, 15/46-47. (3) - شرح مسلم للنووي، 15/47-48. (4) - فتح الباري 1/130. والله اعلم |
يِعَطُيّك العإأآفِيـــةْ .. عْطائكَ ممُـيزٌورائعَ بَآقَآتْ مِنْ ألجُورِي تُعطِر أنفَآسكْ..~ |
جَزاك الله خَير وَجعلهُ فِي ميِزان حَسناتك ،
لقَلبك السَعادهه . |
_
جَزاك الله جنّةٌ عَرضهَا السموَاتِ والأَرض وَ لا حَرمك الأجر يَارب. |
جزاك الله كل خير يعطيك العافية ...
جعله الله في موازين حسناتك دام هذا التميز و الابداع تسلم الايادي ... باقة ورد .. |
|
الساعة الآن 10:28 PM |
Powered by vBulletin Hosting By
R-ESHQ
HêĽм √ 3.1 BY: ! RESHQ ! © 2010
new notificatio by R-ESHQ
User Alert System provided by
Advanced User Tagging (Lite) -
vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة الموقع