أم سٌليم الرميصاء رضي الله عنها
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إ
وبعد:
ولنبدأ رحلتنا مع (امرأة من أهل الجنة) شاهدَها الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم!
إنها امرأة من أهل الجنة تمشي على الأرض.
يا ألله! فما أروع أن يُبشر رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى إنسانًا بالجنة، فيعيش مطمئنًّا أنه حين يلاقى ربه يوم لا ينفع مال ولا بنون، سيكون مأواه جنة عرضُها كعرض السموات والأرض أعدت للمتقين!
إنها إحدى نساء الأنصار، بايعت رسول الله فأوفت البيعة، إنها من أوائل من أدرك وأقر أنه "لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله" على وجه البسيطة، إنها صحابية جليلة، قد لا يعرفها ولا يعرف قدْرَها الكثيرون على الرغم مما في سيرتها من عبرةٍ وقدوة.
إنها امرأة تركت زوجها من أجل الإسلام!
أسلمَتْ كغيرها من السابقين عندما سمعت عن دين الحق في يثرب قبل هجرة الرسول، وكان من أوائل من وقف في وجهها زوجها مالكٌ، الذي غضب وثار عندما رجع من سفره وعلم بإسلامها، ولما سمع مالك بن النضر زوجته تُردد بعزيمة أقوى من الصخر: "أشهد أنْ لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله"، خرج من البيت غاضبًا؛ بل خرج من المدينة كلها؛ لأنها أصبحت أرض إسلام لا مكان لكافر مثله بها، ومات بالشام، ضحت هذه المؤمنة بحياتها الزوجية، وبزوجها، وولدها الوحيد "أنس"؛ من أجل دينها وثباتها على مبدئها، ولم تتردد أو تتراجع!
فكان ولدها هذا "أنس بن مالك" الذي اشتهر بخادم رسول الله، الذي لازم الرسول، وتعلم على يده، وروى عنه من الحديث الكثيرَ.
خطب أبو طلحةَ أمَّ سليمٍ ، فقالت لهُ : يا أبا طلحةَ ، ما مثلك يُرَدُّ ، ولكني امرأةٌ مسلمةٌ ، وأنت رجلٌ كافرٌ ، ولا يَحِلُّ لي أن أتزوجكَ ، فإن تُسْلِمْ ، فذاك مهري ، لا أسألك غيرَهُ ، فأسلمَ ، فكانت لهُ ، فدخل بها ، فحملتْ ، فولدت غلامًا صبيحًا ، وكان أبو طلحةَ يحبُّهُ حبًّا شديدًا ، فعاش حتى تحرَّكَ ، فمرض ، فحزن عليهِ أبو طلحةَ حزنًا شديدًا ، حتى تضعضعَ ، قال : وأبو طلحةَ يغدو على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ويروحُ ، فراح روحةً ومات الصبيُّ ، فعمدت إليهِ أمُّ سليمٍ فطيَّبتْهُ ونظَّفتْهُ وجعلتْهُ في مخدعها ، فأتى أبو طلحةَ ، فقال : كيف أمسى بُنَيَّ ؟ فقالت : بخيرٍ ، ما كان منذُ اشتكى أسكنَ منهُ الليلةَ ، قال : فحمدَ اللهَ وسُرَّ بذلك ، فقرَّبَتْ لهُ عشاءً ، فتعشَّى ، ثم مَسَّتْ شيئًا من طِيبٍ ، فتعرضتْ لهُ حتى واقعها وأوقعَ بها ، فلمَّا تعشَّى أصاب من أهلِهِ ، قالت لهُ : يا أبا طلحةَ ، أرأيتَ لو أنَّ جارًا لك أعاركَ عاريةً ، فاستمتعتَ بها ، ثم أراد أخذها منك ، أكنتَ رادَّها عليه ؟ قال : إي واللهِ إني كنتُ لرادُّها عليهِ ، قالت : طيبَةً بها نفسكَ ؟ قال : طيبَةً بها نفسي ، قالت : فإنَّ اللهَ أعاركَ بُنَيَّ متَّعك بهِ ما شاء ، ثم قبضَهُ إليهِ ، فاصبرْ واحتسبْ ، قال : فاسترجعَ أبو طلحةَ وصبر ، ثم أصبح غاديًا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، فحدَّثَهُ حديثَ أمَّ سليمٍ كيف صنعت ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : باركَ اللهُ لكما في ليلتكما ، قال : وحملت من تلك الوقعةِ
الراوي:أنس بن مالك المحدث:الهيثمي المصدر:موارد الظمآن الجزء أو الصفحة:1/321 حكم المحدث:هو في الصحيح باختصار
مات ابنٌ لأبي طلحةَ من أم سليمٍ . فقالت لأهلها : لا تحدثوا أبا طلحةَ بابنِه حتى أكون أنا أُحدِّثُه . قال فجاء فقرَّبت إليه عشاءً . فأكل وشرب . فقال : ثم تصنعت له أحسنَ ما كانت تصنعُ قبلَ ذلك . فوقعَ بها . فلما رأت أنه قد شبعَ وأصاب منها ، قالت : يا أبا طلحةَ ! أرأيتَ لو أنَّ قومًا أعاروا عاريتَهم أهلَ بيتٍ ، فطلبوا عاريتَهم ، ألهم أن يَمنعوهم ؟ قال : لا . قالت : فاحتسِبْ ابنَكَ . قال فغضب وقال : تركْتِني حتى تلطختُ ثم أخبَرْتِني بابني ! فانطلق حتى أتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . فأخبرَه بما كان . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ " بارك اللهُ لكما في غابرِ ليلتكما " قال فحملتْ . قال فكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في سفرٍ وهي معه . وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، إذا أتى المدينةَ من سفرٍ ، لا يطرقُها طروقًا . فدنوْا من المدينةِ . فضربها المخاضُ . فاحتبس عليها أبو طلحةَ . وانطلق رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . قال يقول أبو طلحةَ : إنك لتعلم ، يا رب ! إنه ليُعجبني أن أخرج مع رسولِكَ إذا خرج ، وأدخلُ معه إذا دخل . وقد احتبستُ بما ترى . قال تقول أم سليمٍ : يا أبا طلحةُ ! ما أجدُ الذي كنتُ أجدُ . انطلِقْ . فانطلقنا . قال وضربها المخاضُ حين قدما . فولدت غلامًا . فقالت لي أمي : يا أنسُ ! لا يُرضِعُه أحدٌ حتى تغدو به على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . فلما أصبح احتملتْهُ . فانطلقت به إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . قال فصادفتْهُ ومعه مِيسَمٌ . فلما رآني قال " لعل أم سليمٍ ولدت ؟ " قلتُ : نعم . فوضع المِيسَمَ . قال وجئتُ به فوضعتُه في حجرِه . ودعا رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بعجوةٍ من عجوةِ المدينةِ . فلاكَها في فيه حتى ذابت . ثم قذفها في في الصبيِّ . فجعل الصبيُّ يتلمَّظُها . قال فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ " انظروا إلى حبِّ الأنصارِ للتمرِ " قال فمسح وجهَه وسمَّاه عبدَاللهِ .
الراوي:أنس بن مالك المحدث:مسلم المصدر:صحيح مسلم الجزء أو الصفحة:2144 حكم المحدث:صحيح
جاهَدَت مع الرسول في غزواته، ففي صحيح مسلم، وابن سعد في "الطبقات" بسند صحيح أن أم سليم اتخذت خَنجرًا يوم حُنين، فقال أبو طلحة: يا رسول الله، هذه أم سليم معها خنجر، فقالت: يا رسول الله، إن دنا مني مشرك بَقَرْتُ به بطنه! ويقول أنس - رضي الله عنه -: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء، ويداوين الجرحى".
قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم عنها: ((دخَلْتُ الجنَّةَ فسمِعْتُ خَشَفةً فقُلْتُ : مَن هذا ؟ فقالوا : الرُّمَيصاءُ بنتُ مِلْحانَ
الراوي:أنس بن مالك المحدث:ابن حبان المصدر:صحيح ابن حبان الجزء أو الصفحة:7190 حكم المحدث:أخرجه في صحيحه)).
وقال - صلّ الله عليه وسلم -: ((رأيتُني دخلْتُ الجنةَ ، فإذا أنا بالرُّمَيْصَاءِ ، امرأةِ أبي طلحَةَ )).
الراوي: جابر بن عبدالله المحدث:البخاري المصدر:صحيح البخاري الجزء أو الصفحة:3679 حكم المحدث:[صحيح]
لنرى كيف كانت تضحيتها بزوجها وولدها في سبيل إسلامها، ولنرى حجم تقصيرنا، ولنجبر عيوبنا، قبل أن يأتي يومٌ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون، فهل نحن فاعلون؟!
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|