03-16-2021
|
#4
|


أسماء القرآن (4)
د. محمود بن أحمد الدوسري
النبأ العظيم
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ, نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ, وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا, وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا, مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ, وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:
معنى «النَّبأ» في اللغة:
جاءت لفظة: «النَّبأ» في اللُّغة بمعانٍ عِدَّة نأخذ منها ما يدلُّ على المقصود:
فقد عرَّفها ابن فارس بقوله: «النون والباء والهمزة قياسه الإتيانُ من مكانٍ إلى مكان. يقال للذي يَنْبأ من أرضٍ إلى أرضٍ: نابئٌ، وسَيلٌ نابئ: أَتَى من بلدٍ إلى بلد، ورجل نابئ مثله، ومن هذا القياس النبأ: الخبر؛ لأنَّه يأتي من مكانٍ إلى مكان، والمُنبئ: المُخْبِر» [1]. وَجَمْعُ النَّبَأ: أَنْباءٌ، وَإِنَّ لفلان نَبَأً؛ أي: خَبَراً. واسْتَنْبَأَ النَّبأَ: بَحَثَ عنه [2].
و«النَّبَأُ: خَبَرٌ ذُو فائِدةٍ عظيمة يَحْصُلُ به عِلْمٌ أو غَلَبَةُ ظَنٍّ، ولا يقالُ للخَبرِ في الأصلِ نَبَأٌ حتى يَتَضَمَّنَ هذه الأَشْيَاء الثَّلاثة، وحَقُّ الخَبَرِ الذي يُقالُ فيه: نَبَأ أنْ يَتَعَرَّى عن الكَذِب؛ كالتَّواتُرِ وخَبَرِ اللهِ تعالى وخَبَرِ النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام» [3].
معنى «النبأ» اسماً للقرآن:
سَمَّى اللهُ تعالى القرآنَ نبأ عظيماً في موضعين: في سورة «ص»، وفي سورة «النبأ»، ولا شكَّ بأن القرآن نبأ عظيم، فمنذ إيجاد البشرية وتكوينها، ما رأت ولا سمعت بمثل هذا القرآن العظيم، فهو عظيم في أسلوبه، وعظيم في روعته، وعظيم في معناه، وعظيم في جمال تركيبه، وعظيم في وعده ووعيده، وعظيم في أحكامه، وعظيم في أمره ونهيه، وعظيم في أخباره وقصصه وأمثاله.
وَحِكْمَةُ الله تعالى تقتضي ذلك؛ لأنه الكتاب الذي جاء مُصدِّقاً ومهيمناً على كل كتاب قبله؛ ولأنه آخر الكتب السَّماوية. ولأنه نزل تشريعاً عاماً لكل أمة ولكل جيل من أجيال العالم، وناسخاً لكل ما خالفه من الكتب قبله، فاقتضت حكمة الله أن يكون نبأً عظيماً، جاء بالصَّلاح والإصلاح، وبالخير والسَّعادة.
يُنبئ القرآن عن الله وعظمته وكبريائه، ينبئ القرآن عن وجوب توحيد الله وإفراده بالعبادة، ينبئ عن أحكام العبادات، وعن أحكام المعاملات، ينبئ عن كل ما يحتاجه البشر في الدِّين والدنيا.
يُنبئ القرآن عن الأمم التي تقادم عهدها وما جرى عليها من عذاب ونكال، بسبب تكذيبها وفسقها وطغيانها، ينبئ عن البعث والنشور، والحساب والعقاب، والنعيم والعذاب.
ينبئ النَّبأ العظيم عن كل شيء، من البداية إلى النهاية، من بداية خلق هذا الكون، حتى يستقر أهل الجنة في النعيم، وأهل النار في الجحيم [4].
فالقرآن الكريم سُمِّي نبأ؛ حيث إنَّه من ناحية المعنى اللُّغوي لمادَّة نبأ، يتجاوز حدود المكان والزَّمان، فينتقل من مكانٍ إلى مكان، ومن زمانٍ إلى زمان، ومن ناحيةٍ إلى أخرى، فإنَّ ما أخبر به لا يحتمل الشَّك فضلاً عن التَّكذيب؛ لأنَّ جميع ما أخبر به هو الصِّدق، وهو اليقين المحض، والنَّبأ لا يُطلق إلاَّ على الأخبار الثَّابتة الصَّادقة.
قال الله تعالى - عن القرآن العظيم: ï´؟ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ï´¾ [ص: 67، 68]. «أي: خبر عظيم وشأن بليغ، وهو إرسال الله إيَّايَ إليكم، ï´؟ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ï´¾؛ أي: غافلون. قال مجاهد، وشريح القاضي، والسُّدِّي - في قوله عزّ وجل: ï´؟ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ï´¾، يعني: القرآن» [5].
قال السَّمرقندي رحمه الله: «قوله عزّ وجل: ï´؟ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ï´¾ يقول القرآن: حديث عظيم؛ لأنه كلام ربِّ العالمين ï´؟ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ï´¾، يعني: تاركون فلا تُؤمنون به» [6].
وقال ابن الجوزي رحمه الله: «وفي المُشَار إليه قولان: أحدهما: أنه القرآن. قاله ابن عباس ومجاهد والجمهور. والثاني: أنه البعث بعد الموت» [7].
ولقد جاء هذا النَّبأ العظيم ليتجاوز قريشاً في مكة، والعربَ في الجزيرة؛ ليتجاوز هذا المدى المحدود من المكان والزمان، ويؤثِّر في مستقبل أهل الأرض كلهم, ويُكَيِّفَ مصائرَهم منذ نزوله إلى الأرض إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها.
ولقد حَوَّلَ هذا النبأ العظيم خَطَّ سير الناس إلى الطَّريق الأقوم, ولم يمر بالتاريخ كلِّه حادِثٌ أو نبأٌ تَرَكَ من الآثار ما تركه هذا النَّبأ العظيم، وفيه إبرازٌ لعظمته، وعلوِّ شأنه، ومنزلته وتأثيره.
ولقد أنشأ من القِيَمِ والتَّصورات، وأرسى من القواعد والنُّظُم في هذه الأرض كلِّها، وفي الأجيال جميعها، ما لم يخطر للعرب على بال, وما كانوا يُدركون في ذلك الزمان أن هذا النبأ العظيم إنما جاء لِيُغَيِّر وجهَ الأرض من شركٍ إلى توحيد، ومن ظلمٍ إلى عدل.
[1] معجم مقاييس اللغة (2/ 539)، مادة: «نبأ».
[2] انظر: لسان العرب (1/ 162)، مادة: «نبأ».
[3] المفردات في غريب القرآن (ص482)، مادة: «نبأ».
[4]انظر: الهدى والبيان في أسماء القرآن (2/ 34 ـ 36).
[5] تفسير ابن كثير (4/ 43).
[6] تفسير السمرقندي (3/ 165).
[7] زاد المسير (7/ 154).
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
|